ترمي هذه الورقة إلى تحليل نتائج الانتخابات للكنيست الـ25 في المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل، وقراءة إسقاطاتها السياسيّة على مكانة الأحزاب والقوائم العربيّة. تستعرض الورقة بدايةً نتائجَ الانتخابات في المجتمع الفلسطينيّ عمومًا، والنتائجَ التي حصلت عليها الأحزاب والقوائم العربيّة خصوصًا، ومعدّلاتِ التصويت، ثمّ تحلّل دلالاتِ أنماط التصويت السياسيّةَ لدى المجتمع الفلسطينيّ، وفي النهاية تَعْرض أهمّ الاستنتاجات من النتائج وتحليلها.
صدر عن مركز «مدى الكرمل – المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة والتطبيقيّة»، كتابًا بعنوان «الأرشيفات في إسرائيل والرواية التاريخيّة الإسرائيليّة والنكبة: كشف النقاب عن التقير الّذي يدحض الرواية التاريخيّة الإسرائيليّة»، من تأليف الباحث محمود محارب.
يكشف الكاتب، من خلال عدّة محاور، النقاب عن التقرير الّذي يدحض الرواية التاريخيّة الإسرائيليّة، وذلك من خلال التفكير بالأرشيفات الإسرائيليّة بوصفها أداة لبَلْوَرة أساطير حول تاريخ تأسيس الدولة وحرب عام 1948، إذ رسمت هذه الرواية صورة ورديّة عن إسرائيل ملخَّصُها أنّها ضحيّة ومُحِبّة للسلام. يتضمّن المحور الثاني في الكتاب تأثير عمل المؤرّخين الجدد، كتاباتهم وأبحاثهم على الرواية الورديّة الّتي بنتها إسرائيل؛ حيث أنّ ما كتبوه ونقلوه خَرَجَ عن هذه الرواية وأسهَمَ في دحضها وتقويضها. كذلك تطرّق المحوران الثالث والرابع إلى سيرورة إغلاق وثائق في الأرشيفات الإسرائيليّة تناقضت مع الرواية التاريخيّة الإسرائيليّة وتتعلّق خصّيصًا بالصراع العربيّ – الإسرائيليّ والقضيّة الفلسطينيّة والنكبة.
تنشر فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة فصلًا من الكتاب بالتعاون مع الناشر.
________________________________________________________
بن ﭼـوريون والطرد ومحاولات الإخفاء
لم يكن موضوع طرد الفلسطينيّين، عشيّة حرب 1948، أحجية لدى قيادة الحركة الصهيونيّة وقيادة «اليِيشوﭪ» في فلسطين، بل كان ذلك أمرًا مفروغًا منه وبديهيًّا، ولا بدّ من تنفيذه كجزء من عمليّة إقامة الدولة اليهوديّة في فلسطين؛ فمن دون طرد الفلسطينيّين لن تكون هذه الدولة دولة يهوديّة، وإن اقتصرت هذه الدولة على المنطقة الفلسطينيّة الّتي خصّصتها «الأمم المتّحدة» للدولة اليهوديّة وفق قرار التقسيم، وإنّما ستكون دولة ثنائيّة القوميّة يشكّل الفلسطينيّون أغلبيّة فيها، وهذا ما كانت الحركة الصهيونيّة ترفضه بشدّة.
لقد حرص ديفيد بن ﭼـوريون، مؤسّس إسرائيل وقائد عمليّة طرد الفلسطينيّين، كلّ الحرص على إخفاء أدلّة مكتوبة بشأن القرارات الّتي اتّخذها هو وحكومته وقيادة «الهَـﭽَـناه» والجيش الإسرائيليّ، وعدم إبقاء هذه الأدلّة. وفي كثير من الحالات اكتفى بالتعبئة الشفويّة بضرورة طرد الفلسطينيّين، وبالتعليمات الشفويّة، وبالإيماءات المباشرة وغير المباشرة في ما يخصّ تنفيذ عمليّات الطرد. كذلك حرص بن ﭼـوريون على إخفاء أيّ دليل على دوره في طرد الفلسطينيّين عند نشره مذكّراته ويوميّاته وكتبه المختلفة. على الرغم من هذا، الكثير من المصادر والمراجع الإسرائيليّة كشفت في العقود الماضية عن حقيقة سياسة بن ﭼـوريون في ما يخصّ طرد الفلسطينيّين، ومن المهمّ الإشارة إلى بعضها باقتضاب.
حرص ديفيد بن ﭼـوريون، مؤسّس إسرائيل وقائد عمليّة طرد الفلسطينيّين، كلّ الحرص على إخفاء أدلّة مكتوبة بشأن القرارات الّتي اتّخذها هو وحكومته وقيادة «الهَـﭽَـناه» والجيش الإسرائيليّ، وعدم إبقاء هذه الأدلّة…
كتب المؤرّخ وعالم الاجتماع الإسرائيليّ أوري بن إلِيعزر عن سياسة بن ﭼـوريون بشأن طرد الفلسطينيّين قائلًا: “لعلّ الظاهرة الاجتماعيّة المثيرة جدًّا للاهتمام حول الاحتلالات وعمليّات الطرد هي حقيقة عدم إعلان هذه السياسة على نحو واضح، وعدم تدوينها، ومع ذلك عرف الجميع عن وجودها. في أغلبيّة الحالات، لم تُصدر القيادة السياسيّة أو ’الهيئة العامّة لأركان الجيش الإسرائيليّ، قبل العمليّة أو خلالها، أيّ تعليمات بشأن مصير السكّان العرب، لكنّ عمليّات الطرد نُفّذت. في حقيقة الأمر، لم يكن القادة الشباب في الجيش وفي «الـﭙَـلْماح» بحاجة إلى تعليمات فعليّة، لا شفويًّا ولا كتابيًّا؛ لأنّهم كانوا يتحرّكون بتأثير الأيديولوجيا العسكريّة، الّتي صيغت في السنوات الاثنتي عشرة الماضية، واعتُبر وفقها احتلال القرى وقتل السكّان وطرد المتبقّين منهم عملًا منطقيًّا أو ضروريًّا، وتنفيذًا لعمل عسكريّ يتغلّب على الاعتبارات الأخلاقيّة، وبالتأكيد عند الحديث عن أهداف قوميّة”.
وساق بِن إليعزر العديد من الأمثلة عن الروح الّتي كانت سائدة في صفوف القوّات العسكريّة اليهوديّة خلال حرب عام 1948، ولا سيّما في صفوف «الـﭙَـلْماح»، ووضّح من خلالها كيف قتلت القوّات العسكريّة اليهوديّة الفلسطينيّين وطردت من تبقّى منهم دونما حاجة إلى إصدار أوامر عسكريّة مكتوبة، فذكر مثلًا في هذا الصدد أنّ قوّات «الــﭙَـلْماح» احتلّت في شباط (فبراير) عام 1948 قرية قيسارية، “وذبحت أغلبيّة سكّانها، وطردت الباقين، ودمّرت القرية”، وقد جرى ذلك قبل عمليّات الطرد الكبيرة المخطّطة. ولاحظ بن إليعزر أنّه بينما كان بن ﭼـوريون وقادة الجيش ينفّذون سياسة طرد الفلسطينيّين على أرض الواقع، ظلّ بن ﭼـوريون هو وزملاؤه طيلة أيّام الحرب يطرحون في العلن خطابًا معتدلًا، “يُظهر إسرائيل شعبًا يتوق إلى التوصّل إلى سلام مع العرب، وإلى عقد حلف معهم”. وعندما كان بعض الوزراء يسألون بن ﭼـوريون عن طرد الفلسطينيّين أو قتلهم أو تدمير قراهم، كان بن ﭼـوريون يدّعي – على نحو ما يؤكّد بِن إليعزر – أنّه “لم يسمع ولم يعرف ولم يرَ”، وهو الّذي كان “يهتمّ بأدقّ التفاصيل في كلّ ما يتعلّق بالمجال العسكريّ”، ويعرف كلّ شاردة وواردة تتعلّق بالجيش ونشاطه.
منفّذو الأوامر
وأشار المؤرّخ الإسرائيليّ يِـﭽِـئال عِيلام، في كتاب له، أنّ الّذين يحرّكون التاريخ في المفترقات التاريخيّة الـمهمّة، هم ’منفّذو الأوامر‘ الّذين يدركون جيّدًا أهداف القيادة، وخلص إلى أنّه لم تكن ثمّة ضرورة أن تُصدر القيادة الإسرائيليّة في حرب عام 1948، أوامر تقضي بطرد العرب الفلسطينيّين، وذلك لوجود ’منفّذي الأوامر‘؛ أي قادة وضبّاط وجنود «الهَـﭽَـناه» و«الـﭙـَلْماح» والجيش الإسرائيليّ، الّذين كانوا يعرفون جيّدًا أهداف القيادة الإسرائيليّة ورغباتها، وما تريده منهم أن يفعلوه، ويعرفون كيف ينفّذون ذلك دون الحاجة إلى أوامر. وهذا ما أكّده أيضًا قائد المنطقة الشماليّة في حرب عام 1948 موشيه كرمل في هذا الشأن، الّذي قال: “بشكل عامّ، لم يكن بن ﭼـوريون يختتم حديثه بإصدار أمر. إنّه كان يثق بأنّك فهمت قصده، وأنّك تعرف ما يجب فعله”.
وأكّد المؤرّخ الإسرائيليّ ميخائيل بار زوهر، الكاتب الرسميّ لسيرة حياة بن ﭼـوريون، أنّ بن ﭼـوريون “لم يُصدر أمرًا رسميًّا بشأن أيّة عمليّة مخطّطة تهدف إلى طرد العرب الّذين لم يهربوا، بيد أنّه أومأ بذلك إلى ضبّاطه وجنوده”. ويضيف بار زوهَر، استنادًا إلى مقابلة أجراها وقتذاك مع يتسحاق رابين، أنّه لا يزال “محفورًا في ذاكرة رابين النقاش الّذي جرى في هيئة قيادة «عمليّة داني»، بعد احتلال اللدّ والرملة. لقد احتُلّت المدينتان في عمليّة التفاف، ولم يهرب العرب منهما، نحو 60,000 بقوا فيهما. ماذا نفعل بهم؟ لقد طرح هذا السؤال قائد العمليّة يِـﭽِـئال ألون في النقاش الّذي كان من بين المشاركين فيه ’يِسْرائِيل‘ ﭼـَليلي و’يِـﭽِـئال‘ يَدِين ويتسحاق رابين. لقد تحدّث المشاركون في النقاش، وقال بعضهم إنّه يجب طرد العرب. بن ﭼـوريون لم يتحدّث. جلس صامتًا واستمع إلى أقوال المشاركين دون أيّ ردّ منه. وانتهى النقاش دون نتائج، ثمّ طُرح موضوع آخر على جدول الأعمال. وفي هذه المرّة، شارك بن ﭼـوريون في النقاش. وعندما انفضّ الاجتماع، خرج رابين وألون معًا بصحبة بن ﭼـوريون. ألون سأل بن ﭼـوريون: “ماذا نفعل مع العرب؟”، وحسب ما قاله رابين، حرّك بن ﭼـوريون يده إلى الخلف بشدّة، وقال: “اطردهم”.
يشير المؤرّخ الإسرائيليّ آدم راز إلى وجود الكثير من الشهادات، الّتي تُظهر الفرق بين سياسة بن ﭼـوريون العلنيّة (…) وسياسته الفعليّة الّتي كانت تنفَّذ على أرض الواقع، وإلى وجود شهادات تؤكّد سياسته الفعليّة، وعدم التزامه بقول الحقيقة في مذكّراته…
وأشار المؤرّخ الإسرائيليّ آدم راز إلى وجود الكثير من الشهادات، الّتي تُظهر الفرق بين سياسة بن ﭼـوريون العلنيّة الّتي كان يصرّح بها، وسياسته الفعليّة الّتي كانت تنفَّذ على أرض الواقع، وإلى وجود شهادات تؤكّد سياسة بن ﭼـوريون الفعليّة، وعدم التزامه بقول الحقيقة في مذكّراته.
ويسوق راز مثالًا على ذلك، ما قاله موشيه كرمل قائد الجبهة الشماليّة في حرب عام 1948، بعد نشر مذكّرات بن ﭼـوريون، وملخّصه أنّ بن ﭼـوريون تجنّب قول الحقيقة في مذكّراته في كثير من الأحيان، وأنّ موشيه كرمل أكّد أنّ “خبراء مختصّين بمذكّرات بن ﭼـوريون” أكثر منه “وجدوا فيها الكثير من النواقص وعدم الدقّة وعدم قول الحقيقة”، وأنّ بن ﭼـوريون كان معنيًّا أن يثبّت موقفًا تاريخيًّا في هذه القضيّة أو تلك، وإن لم يكن يتلاءم مئة بالمئة مع واقع تلك الأيّام”. وفي هذا الصدد أكّد مُرْدخاي مَكلِف، أحد قادة الجبهة الشماليّة في حرب عام 1948، الّذي أصبح لاحقًا ثالث رئيس لـ «هيئة أركان الجيش الإسرائيليّ»، أنّ بن ﭼـوريون كان يميّز بين مواقفه وممارساته الفعليّة، وما “يتركه للتاريخ”، وأنّه كانت لِبِن ﭼـوريون “حواسّ تاريخيّة قويّة جدًّا”، وأنّه كان حذرًا شديد الحذر بشأن موقفه في “الأمور الّتي تُكتب”.
الأكاديميا في خدمة الدولة
لم تكتفِ القيادة الإسرائيليّة بإخفاء الأدلّة المتعلّقة بطرد الفلسطينيّين، وكلّ ما يتناقض مع روايتها التاريخيّة، بل حاولت تعزيزها بتلفيق أبحاث ودراسات تدعم روايتها التاريخيّة الكاذبة، فعلى سبيل المثال، طلب بن ﭼـوريون – رئيس الحكومة ووزير الأمن والمسؤول الأوّل عن طرد الفلسطينيّين وارتكاب المجازر ضدّهم – إلى «معهد شيلُوَاح» في سنة 1961، في أعقاب ضغط الرئيس الأمريكيّ جون كنيدي (1960-1963) على إسرائيل؛ لقبول عودة جزء من اللاجئين الفلسطينيّين إلى ديارهم، القيام بإعداد ’دراسات‘ تُثبت ما يلي:
“أ- ثمّة قيادات عربيّة في فلسطين وخارجها، وهيئات عربيّة وفلسطينيّة، شجّعت العرب الفلسطينيّين على الفرار من فلسطين في حرب عام 1948.
ب– الجيوش العربيّة والمتطوّعون العرب ساعدوا الفلسطينيّين على الهرب، سواء أكان ذلك بإخلائهم قرًى عربيّة من أهلها أم بعلاقاتهم السيّئة بالفلسطينيّين.
ج– ساعد الجيش البريطانيّ الفلسطينيّين على الهرب في عديد من الأماكن.
د– بذلت مؤسّسات ومنظّمات يهوديّة جهدها لمنع الهرب”.
استجاب «معهد شيلواح» لطلب بن ﭼـوريون، وكلّف عددًا من الباحثين الإسرائيليّين فيه بتنفيذ ما أراده بن ﭼـوريون. وكان من بين الّذين عملوا في هذا المشروع روني ﭼـباي، وموشيه مَعُوز، وأوري شتندل. وفي بداية عمله، توجّه معوز إلى ديفيد كِمْحي (أحد كبار موظّفي جهاز «الموساد» آنذاك)، وطلب منه المساعدة في جمع الوثائق. وشرح مَعُوز في رسالته إلى كِمْحي: “إنّ هدفنا هو إثبات أنّ الهرب حصل بتشجيع من القيادات العربيّة المحلّيّة والحكومات العربيّة، وبمساعدة البريطانيّين، وضغط الجيوش العربيّة على السكّان المحلّيّين”.
إلى جانب تعمُّد المؤسّسة الإسرائيليّة تلفيق أبحاث ودراسات تثبت روايتها التاريخيّة، قطعت شوطًا كبيرًا في محاولة التمادي في قلب الحقائق، وفي التنكّر لما كانت قيادة المؤسّسة الإسرائيليّة نفسها قد اعترفت بحدوثه…
إلى جانب تعمُّد المؤسّسة الإسرائيليّة تلفيق أبحاث ودراسات تثبت روايتها التاريخيّة، قطعت شوطًا كبيرًا في محاولة التمادي في قلب الحقائق، وفي التنكّر لما كانت قيادة المؤسّسة الإسرائيليّة نفسها قد اعترفت بحدوثه آنذاك، فعند ارتكاب منظّمتَي «إيتسل» و«ليحي» مجزرة دير ياسين في الـ9 من نيسان (إبريل) عام 1948، بمساعدة فعّالة من «منظّمة الهـَﭽَناه»، أقرّت قيادة «الييشوﭪ» المنظّم بقيادة بن ﭼـوريون بوقوعها. وعلى الرغم من ذلك، نشرت وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة في سنة 1969 كرّاسًا باللغة الإنـﭽـليزيّة كتبه يعقوﭪ موريس، وزّعته على جميع سفاراتها في العالم، فيه نفت حدوث مجزرة دير ياسين، بل لقد ادّعى هذا الكرّاس أنّ مجزرة دير ياسين لم تحدث إطلاقًا، ولم تكن سوى أكذوبة عربيّة من نسج الخيال العربيّ.
تيار المقاطعة لم يبلور مشروعا سياسيا متماسكا حول المقاطعة
المطلوب هو الجلوس بشكل جماعي والتفكير بواقع المجتمع الفلسطيني، وبلورة مشروع سياسي جماعي
موطني 48| طه اغبارية
في أعقاب نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي الـ 25، التقت صحيفة “المدينة” د. مهند مصطفى، المدير العام لمدى الكرمل: المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، للوقوف على قراءته لنتائج الانتخابات وتداعياتها على المجتمع العربي والخارطة السياسية الإسرائيلية.
موطني 48: كيف تقرأ نتائج انتخابات الكنيست؟
د. مهند: لقد حصل ما توقعناه في لقاء سابق مع صحيفة المدينة، حول خيارين، إمّا حكومة برئاسة نتنياهو وإمَّا الذهاب إلى انتخابات سادسة. لم يكن لدى المعسكر المناهض لنتنياهو إمكانية تشكيل حكومة في هذه الانتخابات، حتى لو لم يحصل معسكر نتنياهو على 61 مقعدا. تدل هذه الانتخابات، وهذه النتيجة الأهم، أن اليمين الإسرائيلي بكل أشكاله القومية والدينية سيطر على المشروع الصهيوني وعلى تعريف الصهيونية، بعد أن هيمن على النظام السياسي الإسرائيلي. ما يحدث في إسرائيل في العشرين سنة الأخيرة هو ثورة يمينية على دولة إسرائيل، على الصهيونية، على اليهودية. وهذا يحتاج إلى تأمل وبحث عميقين. هذه الانتخابات هي واحدة من تجليات هذه الهيمنة.
موطني 48: وكيف تقرأ النتائج في المجتمع العربي؟
د. مهند: أولا يجب أن نشير إلى أنَّ مشروع القائمة المشتركة قد فشل. ولم يفشل فحسب، بل ترك آثارا سلبية على الحقل السياسي الفلسطيني، نحتاج لسنوات من أجل تصحيحها. ودعني أشير إلى ثلاثة انعكاسات لهذا المشروع الذي لم يكن نتاج فكر ووحدة وطنية، بل أطلقت عليه “سفينة نوح”- مجازا طبعا- من اجل تحقيق هدف واحد وهو عبور نسبة الحسم. قلَّصت القائمة المشتركة الحقل السياسي الفلسطيني في إسرائيل إلى العمل البرلماني، وضربت البنى التحتية للأحزاب التي تشكلها باستثناء الحركة الإسلامية الجنوبية، وأسهمت في ردة في الخطاب السياسي، لذلك خطاب منصور عباس ليس منعزلا عن خطاب القائمة المشتركة، بل هو امتداد لها. لذلك فالقائمة المشتركة ليست نتاج مشروع سياسي ولا تطور عمل وحدوي، ولم تكن مرة كذلك، وتفككها كان متوقعا لمن قرأ هذه التجربة جيدا”.
موطني 48: وما هي قراءتك لنتائج الأحزاب العربية تحديدا؟
د. مهند: على مستوى الحقل السياسي البرلماني، فإن النتائج تشير- إلى الآن- أنَّ القائمة العربية الموحدة هي القوة الأولى. التجمع الوطني الديمقراطي حقق انجازا انتخابيا كبيرا رغم عدم عبوره نسبة الحسم، ولكن يبقى تحدي التجمع بعد الانتخابات في إعادة بناء بنيته التنظيمية الحزبية التي ارتهنت للعمل البرلماني، وساهمت في إضعافه في السنوات الأخيرة خلال انضوائه في القائمة المشتركة. حيث ان تجربة العمل السياسي العربي، تاريخيا، تؤكد أن الحزب الذي يرتهن للعمل البرلماني ويخسر الانتخابات سينتهي تنظيميا. أمَّا الجبهة الديمقراطية فقد بدأت تخسر هيمنتها التي تدّعيها في الحقل السياسي الفلسطيني، وخاصة البرلماني. والحقيقة أن الجبهة هي أكثر الأحزاب ارتهانا للعمل البرلماني واعتقد أنَّ قوة الجبهة تتمثل بالأساس في ثبات قواعد انتخابية لها جيلا بعد جيل، وهذا يحتاج إلى تفصيل ليس هنا المجال له. لا بد من الإشارة إلى ظاهرة الاستجداء. ففي كل انتخابات، تتعامل الأحزاب العربية مع المجتمع العربي بصورة قبلية، فحملات الاستجداء في يوم الانتخابات، أو حملات التصويت لابن البلد أو بنت البلد كما رأيت في احدى اللافتات “صوت البلد لبنت البلد”، هو تعامل قبلي مع المجتمع العربي، وكأننا قبيلة أو عشيرة نطلب الحماية منها في اللحظة الحاسمة، وغير مبنية على الاقناع أو مشروع سياسي. وهذا ما فسر صعود نسبة التصويت في يوم الانتخابات.
موطني 48: والتخويف من بن غفير، ألم يلعب دورا في ذلك؟
د. مهند: هذه المرة بصورة أقل عمَّا في السابق، حملات التخويف هي ملازمة في كل حملة انتخابية، مرة من ليبرمان، مرة من شارون، ومرات من نتنياهو وهذه المرة من بن غفير. أظن أن المجتمع العربي لم تعد تخيفه حملات التخويف، وهو يحتاج إلى مشروع سياسي وحلول وليس تحليلات. اعتقد ان حملات التخويف ساهمت في الدورات الانتخابية السابقة في رفع عدد المصوتين العرب للأحزاب الصهيونية، فإذا كان الخطر هو حكومة نتنياهو فسيلجأ عدد من المصوتين لانتخاب أحزاب صهيونية مناهضة له ولديها إمكانية تشكيل حكومة ضد نتنياهو.
موطني 48: هل تطور تيار المقاطعة في المجتمع العربي؟
د. مهند: لا، فأغلب المجتمع العربي لا يقاطع انتخابات الكنيست أيديولوجيا، بمعنى أنَّه لا يرى تناقضا بين الكنيست وبين تنظيم المجتمع العربي، أو ينزع شرعية المشاركة البرلمانية، أغلب الممتنعين يفعلون ذلك لأسباب سياسية أي احتجاجية، إمَّا بسبب غياب الوحدة بين القوائم العربية، أو لأنه لديهم خيبة أمل من الأداء البرلماني أو القيادة البرلمانية. تيار المقاطعة لم يبلور مشروعا سياسيا متماسكا حول المقاطعة، والأهم مقنع، لذلك فإن صعود معدلات التصويت وتراجعها لا ترتبط بتيار المقاطعة”.
موطني 48: ما المطلوب سياسيا في المرحلة القادمة؟
د. مهند: المطلوب هو الجلوس بشكل جماعي والتفكير بواقع المجتمع الفلسطيني، وبلورة مشروع سياسي جماعي، بكل هدوء وعقلانية وبدون تشنج. البنية الحزبية تآكلت، أهمية الحزب تراجعت، القيادة الحزبية والبرلمانية في أغلبها ليس لها حضور ولا تأثير في المجتمع الفلسطيني، مفهوم القيادة تقلص بعضو البرلمان، باستثناء حالات قليلة لم تخض العمل البرلماني مثل الشيخ رائد صلاح. القيادة في الأحزاب البرلمانية بالمجمل هم أعضاء الكنيست، وعندما ينهون عملهم لا يتعاملون مع انفسهم كقيادة، وكأن دورهم انتهى بانتهاء عضويتهم في الكنيست”.
موطني 48: دعنا نعود للساحة السياسية الإسرائيلية، كيف فاز معسكر نتنياهو؟
د. مهند: هنالك مجموعة من الأسباب، أهمها رفع نسبة الحسم في صفوف القواعد الاجتماعية لليمين، وقد عمل نتنياهو بشكل بارع على هذا الأمر، مستعملا خطابا شعبويا متطورا، يعتمد على التخويف، والسبب الثاني المركزي هو تماسك معسكر نتنياهو الذي يتكون من أربع قوائم، وقد عمل نتنياهو طويلا على الحفاظ على وحدة القوائم قبل تقديم القوائم، فمنع انفصال الصهيونية الدينية، وانفصال يهدوت هتوراة وأدار شؤون معسكره بكل براعة. في المقابل يتميز المعسكر المناهض لنتنياهو بالتبعثر، فالقائمة المشتركة تفككت، ولم ينجح لبيد في وحدة ميرتس وحزب العمل، والصراع داخل المعسكر على رئاسة الحكومة بين غانتس ولبيد، وكثرة القوائم، ومنها من لم يعبر نسبة الحسم، وتشير النتائج إلى أن عدد أصوات المعسكرين متشابهة، ولكن وحدة معسكر نتنياهو أسهمت في عدم خسارة مقاعد، بينما بعثرة المعسكر المناهض أدَّت إلى خسارة مقاعد لقوائم وصلت إلى مقعدين أو ثلاثة ولم تجتز نسبة الحسم.
موطني 48: وما هو السبب المركزي لصعود بن غفير؟
د. مهند: بن غفير هو جزء من تحول عالمي مرتبط بصعود اليمين المتطرف الشعبوي. وأهم مميزاته كراهية الآخر في ظل صعود العولمة، والاقتصاد الليبرالي الذي مكّن مجموعات مهمشة من التقدم في السلم الاجتماعي الاقتصادي والسياسي وتحدي “الأسياد”. والعرب في إسرائيل في نظر بن غفير تحدوا اسيادهم، حتى في العنف والجريمة، لا يتم التعامل معها على أنها آفة اجتماعية، بل تحد قومي للسيادة اليهودية وتحد للأسياد، فكيف يتجرأ المجرمون العرب على دخول البلدات اليهودية، ولو بقيت حدود الجريمة في البلدات العربية لما تحدث أحد عن فرض “السيادة اليهودية”، قمة العنصرية ونزع إنسانية الانسان العربي. وعد بن غفير جمهور اليمين وغيرهم أن “يخبط على رؤوس العرب”، وظل يخبط علينا كلاميا خلال حملة الانتخابات، ويتأمل جمهوره أن يخبط على رؤوسنا عمليا بعد تعيينه وزيرا، لذلك صوتوا له. صعود بن غفير ليس له علاقة بالمشروع الاستيطاني في الضفة الغربية ولا بالفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، التصويت لبن غفير له علاقة بصعود مكانة العرب في إسرائيل، الذين بنظر جمهوره يستأنفون على الفوقية اليهودية “والسيد” اليهودي. فجلبوا سيدا يهودي جديدا وعدهم بأن يعيد العرب إلى مكانتهم الطبيعية أمام أسيادهم. ولكنه سوف يفشل ويضعف بعدها، لأن العرب لن يكونوا عبيدا واليهود لن يكونوا أسيادا عليهم.
موطني 48: مقابل صعود بن غفير، كان تراجع لحزب الجنرالات، كيف تفسر ذلك؟
د. مهند: لقد ذكرت ذلك قبل عامين في لقاء مع المدينة، أن عهد الجنرالات في السياسة الإسرائيلية انتهى، وذلك بفضل صعود الخطاب اليميني الشعبوي، الذي أصلا يرى في مؤسسات الدولة التقليدية، ومنها المؤسسة العسكرية كجزء من النخب القديمة. في العقدين الماضيين فشل كل الجنرالات الذين دخلوا الحياة السياسية، في إحداث تحول في أنماط التصويت في المجتمع الإسرائيلي، كان شارون آخر جنرال في السياسة الإسرائيلية، ولم يحظ كرئيس وزراء بشعبية وتأييد كبيرين لأنه كان جنرالا، بل لأنه كان شارون. أظن أيضا أن ايهود براك وفشله أسهم في هذا الأمر. لذلك فإن التفكير أن الجنرال سوف يجذب أصواتا هو تفكير قديم، ولهذا السبب لم يسهم انضمام ايزنكوت لحزب “المعسكر الرسمي” في تعزيز تمثيل هذا الحزب. في ظل هيمنة اليمين الشعبوي وخطابه البدائي، فإن بن غفير الذي لم يخدم في الجيش تقريبا أكثر شعبية من ايزنكوت أحد الجنرالات الناجحين في تاريخ العسكرية الإسرائيلية.
أصدر برنامج الدراسات النسويّة في مدى الكرمل ورقة بحثيّة كتبها ربيع عيد (صحافيّ وكاتب وباحث من فلسطين)، حملت العنوان: “السياحة ممارسة استعماريّة: الغسيل الورديّ ومسيرة الفخر الإسرائيليّة -دراسة حالة”.
تناقش الورقة علاقة السياحة المثليّة /الكويريّة بالاستعمار والرأسماليّة (أو الربح الاقتصاديّ) من خلال الغسيل الورديّ في مسيرة الفخر الإسرائيليّة؛ إذ تتناول نماذجَ لمقاومة سياسات وخطاب الغسيل الورديّ. كذلك يطرح البحث الأسئلة: ما هي الصور والرسائل التي يُروّج لها الغسيل الورديّ الإسرائيليّ؟ كيف ترتبط مسيرة الفخر في إسرائيل بتكريس الخطاب والحالة الاستعماريّة من خلال السياحة المثليّة /الكويريّة؟ ما هي الأصوات المقاوِمة للغسيل الورديّ؟
نظّم مركز مدى الكرمل – المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة ندوة سياسيّة بعنوان: “العرب وانتخابات الكنيست: قراءات في الخطاب والسلوك السياسيّ للأحزاب وأنماط التصويت”، في مقرّ جمعيّة الثقافة العربيّة في حيفا.
أدارت الندوة د. إسلام أبو أسعد، الباحثة في علم الاجتماع التربويّ والتطوير المهنيّ للمعلّمين في جامعة بن ﭼـوريون في بئر السبع، التي أكّدت على أهمّيّة الندوة ومَحاورها. افتتح الندوةَ الدكتور مهنّد مصطفى، المدير العامّ لمركز مدى الكرمل، فقدّم مداخلة بشأن تجربة القائمة المشتركة، وانعكاساتها على السياسة العربيّة، مبيِّنًا أنّ القائمة المشترَكة قلّصت الحقل السياسيّ للفلسطينيّين في إسرائيل في العمل البرلمانيّ، وأحدثت ردّة في الخطاب السياسيّ.
كانت المداخلة الأولى في الندوة للأستاذ أنطوان شلحت، الكاتب والباحث الفلسطينيّ في الشؤون الإسرائيليّة والناقد الأدبي، فتطرّق إلى ميزة الانتخابات الحاليّة في المجتمع الفلسطينيّ، وتطرّق بالنقد إلى فكرة المشاركة في الحكومة، بالمشارَكة المباشِرة أو ككتلة مانعة في الخارج، مشيرًا إلى تجربة الأحزاب العربيّة في حكومة رابين في تسعينيّات القرن الماضي. ووضّح شلحت أنّ التمثيل البرلمانيّ لا ينبغي أن يكون على حساب مشروع تنظيم المجتمع وبَلْوَرة مشروع سياسيّ جماعيّ للفلسطينيّين في إسرائيل، وأنّ العمل البرلمانيّ يجب أن يصبّ في هذا المشروع.
وقدّم الدكتور محمّد خلايلة، الباحث والـمُحاضر في جامعة حيفا، مداخلة تطرّق فيها إلى مميّزات الانتخابات الحاليّة في عدّة صُعُد، من بينها نمط التجنيد الانتخابيّ المتأثّر بالتحالفات المحلّيّة، وغياب القضايا السياسيّة عن الحملة الانتخابيّة غيابًا شديدًا، وأنماط التصويت والامتناع في المجتمع العربيّ.
وفي نهاية الندوة، فُتح المجال أمام الحضور لطرح الأسئلة على المتحدّثين وللنقاش. تجدر الإشارة أنّه جرى بثّ الندوة مباشرة على موقع فيسبوك مدى الكرمل.
لمشاهدة الندوة اضغط هنا
لقراءة الملف بصيغة PDF اضغط هنا
جاءت انتخابات الكنيست الـ25 بعد حلّ الكنيست في تمّوز الماضي. بعد مسار تفكُّك تدريجيّ لحكومة بِنِت-لـﭙـيد. وكان من المتوقّع أن تخوض انتخاباتِ الكنيست قائمتان عربيّتان: القائمةُ المشتركة بمركّباتها الثلاثة (الجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة؛ التجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ؛ القائمة العربيّة للتغيير) والقائمة العربيّة الموحَّدة. بَيْدَ أنّه قبل تقديم القوائم بسُوَيْعات انقسمت القائمة المشترَكة مرّة أخرى إلى قائمتين: التجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ (الذي يخوض الانتخابات منفردًا)، وتحالف الجبهة والعربيّة للتغيير. وبذلك أُعلِن رسميًّا عن نهاية تجربة القائمة المشترَكة التي احتُضِرت على مدار سنوات، لتموت نهائيًّا ورسميًّا في هذه الانتخابات الوشيكة. تعالج الورقة الحاليّة المشهدَ الانتخابيّ في المجتمع الفلسطينيّ، ووضْعَ القوائم العربيّة فيه.
يسرّ مركز مدى الكرمل – المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة دعوة حضرتكم/نّ للمشاركة في الندوة السياسيّة حول: العرب وانتخابات الكنيست: قراءات في الخطاب والسلوك السياسيّ للأحزاب وأنماط التصويت.
وذلك يوم الثلاثاء 2022/10/25 الساعة السادسة مساءً في مقرّ جمعيّة الثقافة العربيّة حيفا، شارع المخلّص 14 (يودْ لامِدْ ﭘـيرِتْس 14)