لا يمكن لعمل مدى أن يتحقّق إلا بالاعتماد على مشاركة باحثين فلسطينيّين فاعلين، وذوي بصيرة وتدريب جيّد في مجال العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّات. يوفّر مدى حيّزًا داعمًا للأكاديميّين الفلسطينيّين الشّباب والباحثين البارزين الذين يواجهون التّغريب والإقصاء في الجامعات والكلّيّات الإسرائيليّة. يجتمع هؤلاء في محافل أكاديميّة، وحلقات دراسيّة، وورشات عمل؛ ويتبادلون الأفكار بلغتهم الأم، ويتعلّمون نهوجًا وأساليب نظريّة حديثة، كما ويستفيدون من الدعم المقدّم لأعمالهم الفرديّة، ومن التطوير والتنمية الشاملة لهم كدارسين وباحثين.
برنامج طلبة الدراسات العليا
يواجه الطّلبة الفلسطينيّون في الجامعات الإسرائيليّة التّمييز والمعيقات التي تعوق تعليمهم على مستويات لا حصر لها. يعمل المناخ العام في الجامعات الإسرائيليّة – هندستها المعماريّة، واللغة، وموظفيها، وأساتذتها، ومناهجها الدراسيّة – على تعزيز الهيمنة والتّفرد الإسرائيليّين – اليهوديِّيْن على حساب الطلبة الفلسطينيّين وتجربتهم التعليميّة. وعادة ما يكون العرب أقليّة في الغرف الصفيّة، ويتمّ تعليم الصفوف بلغة غير لغتهم الأم، مع توفّر عدد قليل من الفرص التي يتاح للطلبة فيها التّعبير عن أنفسهم أو استكشاف الأدبيّات الأكاديميّة باللّغة العربيّة. وفي الوقت ذاته، فإنّ الكثيرين من بين الأغلبيّة اليهوديّة، الذين يخدمون، في العادة، في الجيش قبل التحاقهم بالجامعة، يعتبرون الطلبة الفلسطينيّين “تهديدًا أمنيًّا” يستوجب الخوف منه وعدم الثقة به. وفي نفس الوقت، فإنّه غالبًا ما يتمّ حذف مباحث دراسيّة، والتي من المحتمل أن تضفي شرعيّة على مطالبة الفلسطينيّين بالبلاد، من المناهج الدراسيّة في العديد من الفصول الدراسيّة ذات الصّلة.
نتيجة للتّمييز المنهجي في مجمل مسار الخبرة التّعليميّة للطّلبة الفلسطينيّين، وفوق ذلك، وكنتيجة للهيمنة التي تمارسها الدّولة على كافة التّعليم الإسرائيليّ، فإنّ المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل يفتقر إلى البنية التّحتيّة التي تؤهّله كي يكون حاضنة لباحثين وقادة فكر مستقلين، وجريئين، وأصيلين. في العام الدّراسي 2011/2012، شكّل العرب نحو 4.4% فقط من طلبة الدكتوراه في الجامعات الإسرائيليّة. وعلاوة على ذلك، هناك عدد قليل من الأماكن المتاحة لهذا العدد الصّغير من طلاب الدكتوراه الفلسطينيّين كي يجتمعوا ليشكّلوا مجتمعًا أكاديميًّا، مما يتركهم ضعافًا وعرضة للتّهميش.
في كانون الثاني/يناير 2015، وفي محاولة لتلبية الاحتياجات غير الملبّاة لطلبة الدكتوراه الفلسطينيّين، أطلق مدى “برنامج الدكتوراه”. يهدف البرنامج إلى توفير فضاء فكريّ بديل وتعويضيّ لطلبة الدكتوراه الفلسطينيّين – فضاء يمكن فيه لأبحاثهم أن تنمو، وفيه يمكن لهم أن يُسهموا في تطوير منهاج فكريّ لجيل جديد من الباحثين. في هذا الفضاء، سيوفّر مدى لطلبة الدكتوراه الفلسطينيّين مناخًا فكريًّا لا يتاح، عمومًا، للطّلبة العرب داخل الأوساط الأكاديميّة الإسرائيليّة، كما وسيوفّر لهم فرصة للتّدريب في التفكير النقديّ، وفرصة التعرّض لآداب وأفكار بديلة، وفرصة تبادل البحوث والأفكار من خلال نقاش أكاديميّ ودينامكيّ مع غيرهم من الطّلاب من أعلى المستويات، كما ومع أكاديميّين عريقين ومتمرّسين.
يتألّف برنامج الدكتوراه في مدى من أربعة مكوّنات (تم دمج اثنين منها عام 2018-2019 معا)
- مِنَح برنامج الدكتوراه
غالبًا ما تستثني منح الدّولة والمنح الدّراسيّة لدرجة الدّراسات العليا في المؤسّسات الإسرائيلية الطّلبة الفلسطينيّين. إذ، وفي كثير من الحالات، تتمّ مراعاة إنهاء الخدمة العسكريّة، جنبًا إلى جنب مع وضع الطّالب المالي وأدائه الأكاديميّ. لا يتجنّد المواطنون الفلسطينيّون في الجيش، لذا يتمّ استبعادهم من بعض أشكال الدعم الماليّ المتوفّرة للطّلبة اليهود الإسرائيليّين. كما إنّ العديد من المنح الدراسيّة الأخرى والمتاحة في إسرائيل هي من المنظّمات الصّهيونيّة، والتي، بدورها، تقدّم الدعم للطّلبة اليهود فقط.
وهذا يجعل هدف مدى المتمثّل في توفير المنح لطلبة الدكتوراه الفلسطينيّين المستحقًّين أكثر أهميّة. يمنح مدى منح الدكتوراه لعدد من الطّلبة الفلسطينيّين، كلّ عام، على أساس تنافسيّ يستند إلى الحاجة والجدوى. وتغطّي المنحة رسم التّعليم وبعض نفقات المعيشة. في المقابل، يقوم المستفيدون من المنح بالمشاركة في نشاطات مدى. بالإضافة إلى أثرها الاقتصاديّ، فإنّ الدعم الماليّ المقدّم من مؤسّسة عربيّة مثل مدى، من خلال مؤسّسة الجليل، له قيمة رمزيّة ومعنويّة للطّالب/ة الفلسطينيّ/ة المسجّل في مؤسّسة إسرائيليّة.
منذ السنة الدراسية 2018-2019 قرر مدى الكرمل تخصيص المنح للطلبة الذين يشاركون في سمنار الدراسات العليا.
- برنامج سمينار طلبة الدراسات العليا
لا يحظى طلبة الدكتوراه الفلسطينيّون في الجامعات الإسرائيليّة بفرص لمناقشة أطروحاتهم بلغتهم الأم؛ ما يعني أنّهم قادرون على تطوير خبراتهم في الحديث أو الكتابة حول موضوعاتهم باللغة العبريّة أو الإنجليزيّة فقط. فضلًا عن ذلك، لا توفّر المؤسّسات الإسرائيليّة، عمومًا، حلقات دراسيّة يستطيع الطلبة، خلالها، الحديث بحيويّة أو تلقي الملاحظات حول أبحاثهم الخاصة بهم من آخرين يشاركونهم الاهتمام في مجالاتهم.
بغية تناول هذه القضايا، ينظّم مدى سمينارا شهريّا، بحيث يتمكّن طلبة الدّراسات العليا من تقديم عروضهم والحصول على تغذية راجعة حول بحوثهم من أقرانهم، ومدير السمينار، وباحثين ضيوف آخرين تتعلّق أعمالهم بمجال بحث الطّالب. تمتاز بعض اللقاءات بدعوة ضيوف متحدّثين لمعالجة موضوعات معيّنة ذات أهمية واختصاص، بينما يتمّ تكريس لقاءات أخرى للقراءات النقديّة، ونقاش نصوص تأسيسيّة في العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّات.
منذ السنة الدراسية 2018-2019 قرر مدى قبول طلاب للقب الثاني مسار بحثي ممن تجاوزوا مرجلة التصديق على مقترحهم البحثيّ.
تعقد معظم لقاءات الورشة في حيفا ويشارك بها أحيانا طالب من قطاع غزة عبر وسائل التواصل المختلفة.
في السنة الدراسية الحالية وبسبب ظروف ازمة كورونا وتنفيض بعض اللقاءات عبر برنامج زووم تقرر قبول طلاب من الضغة الغربية وقطاع غزة المحتلين.
ورشة العمل الأولى (أكتوبر 2016)
3. ورشة عمل: قراءات في الصّهيونيّة والكولونياليّة الاستيطانيّة
كمؤسّسة أكاديميّة فلسطينيّة رائدة في إسرائيل، يقوم مدى بتوفير حيّز فريد للطّلبة للمشاركة في مناقشات لا يمكن أن تحدث في الأوساط الأكاديميّة الإسرائيليّة، وذلك بسبب الحدود الأيديولوجية التي تعمل الجامعات الإسرائيليّة بموجبها، كما وبسبب المجموعة المحدودة من الصّفوف الموجّهة بحذر، والتي تقدّمها هذه الجامعات. ورشة عمل مدى حول قراءات في الصّهيونيّة والكولونياليّة الاستيطانيّة تتيح الفرصة للطّلبة الفلسطينيّين للإلمام والاطّلاع بسلاسة وسهولة على منشورات أكاديميّة هامّة تتعامل مع الصهيونيّة كحركة كولونياليّة استيطانيّة.
يتألّف هذا البرنامج من سلسلة من ورشات العمل، تعقد كلّ الورشة على مدار يومين؛ يقوم بالتّنسيق لهذه الورشات كلٌّ من البروفيسور نديم روحانا (مدير عام مدى)، والدكتورة عرين هوّاري. وقد قدّمت الورشات، حتى الآن، باحثين وعلماء شهيرين فلسطينيّين، وإسرائيليّين، ودوليّين ممن يختصّ عملهم بالكولونياليّة الاستيطانيّة. ويضمّ المشاركون طلبة ما بعد الدكتوراه، وطلبة دكتوراه من مختلف أنحاء فلسطين. وتعقد معظم لقاءات الورشة في مدينة رام الله لتمكين الطلاب من الجامعات الفلسطينية من المشاركة في الورشة.
ورشة العمل الأولى (تموز/يوليو 2015)
ورشة العمل الثانية (كانون الأول/ديسمبر 2015)
ورشة العمل الثالثة (آذار/مارس 2016)
ورشة العمل الرابعة (آب/أغسطس 2016)
4. المؤتمر السّنويّ لطلبة الدكتوراه
بهدف توفير الحيّز للطّلبة الفلسطينيّين لممارسة مهارات العرض الأكاديميّ بلغتهم الأم، وفي أجواء ودّيّة وداعمة، يعمل مدى على عقد مؤتمر سنويّ، لطلبة الدكتوراه وطلبة ما بعد الدكتوراه الفلسطينيّين. كما وسيكون المؤتمر مفتوحًا لآخرين يقومون بعمل بحوث حول فلسطين. سيتيح المؤتمر فرصًا للتّواصل وتبادل الأفكار، بالإضافة إلى توفيره لمناخ من التّضامن والدّعم للجيل القادم من الباحثين الفلسطينيّين. قبل إطلاق برنامج الدكتوراه، عقد مدى أول مؤتمر لطلبة الدكتوراه الفلسطينيّين في النّاصرة في آب/أغسطس 2011، ومؤتمرًا ثانيًا في نيسان/أبريل 2016.
مؤتمر مدى الكرمل الأول لطلبة الدكتوراه الفلسطينيّين (أب/أغسطس 2011)
الرابط بالإنجليزية: Mada al-Carmel’s First Conference for Palestinian PhD Students (August 2011)
الرابط بالعربيّة: حضور نسائي مميز في مؤتمر مدى الأول لطلاب الدكتوراه الفلسطينيين (آب 2011)
مؤتمر مدى الكرمل الثاني لطلبة الدكتوراه الفلسطينيّين (نيسان/أبريل 2016)
الرابط بالإنجليزية: 16 PhD-students participated in the second Mada al-Carmel PhD conference, and six grants were allocated to PhD students (April 2016)
الرابط بالعربيّة: 16 طالبة وطالب دكتوراه يشاركون في مؤتمر مدى الكرمل الثاني لطلاب الدكتوراه وتوزيع ست منح على الطلاب
(نيسان 2016)
منح مؤسسة الجليل
بتمويل من مؤسسة “الجليل” في بريطانيا بدأت مدى مشروع المنح في العام الدراسي 2009-2010. حيث قامت لجنة أكاديمية بانتقاء ستة من الباحثين- طلاب الدكتوراه الذين يمثلون مختلف التخصصات الأكاديمية للمشاركة. وهم:
نبيه بشير، قسم الدراسات اليهودية، في جامعة بن غوريون.
حاتم دراوشة، برنامج علم النفس الاجتماعي ، قسم علم النفس في جامعة تل أبيب.
تيسير الخطيب، قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، في جامعة حيفا.
كريم نصار، قسم العلاج الوظيفي، في جامعة حيفا.
أريج صباغ خوري، قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، في جامعة تل أبيب.
لنا زريق، قسم الأدب المقارن، في جامعة حيفا.
وبالإضافة إلى حصولهم على منحة زمالة متواضعة، يجتمع العلماء على أساس شهري للاشتراك في ندوات مع شخصية أكاديمية تعمل في اللجنة الاستشارية الأكاديمية لمدى. يتم مناقشة الندوات والقراءات الأكاديمية (التي يرافقها ترجمة عربية حيثما أمكن)، باللغة العربية. ويجد هؤلاء الطلاب هذه الندوات فرصة فريدة من نوعها للاجتماع مع نظراء فلسطينيين وتطوير خطاب أكاديمي بلغتهم الأم حيث ساعدت هذه الحلقات الدراسية بكسر العزلة التي يواجهونها في الجامعات الإسرائيلية والشروع في دمجهم في المجتمع الدولي للباحثين الفلسطينيين.
وثيقة حيفا كبرنامج تربوي
يتأسس المشروع على تجربة سنة من العمل في الحقل مع طلاب مدارس ثانوية عربية، معلمين، وابناء شبيبة. هدفت هذه التجربة إلى تطوير برامج تربوية متكاملة تعتمد على مضامين “وثيقة حيفا”. “وثيقة” حيفا هي وثيقة توافقية رؤيوية شاملة تتطرق الى هوية الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل، وعلاقتهم بباقي أجزاء الشعب الفلسطيني والأمة العربية من ناحية، وعلاقتهم مع دولة إسرائيل والأكثرية اليهودية من ناحية ثانية. كما تتطرّق الوثيقة الى التحديات الداخلية التي يواجهها المجتمع الفلسطيني في إسرائيل. عملت على بلورة وصياغة هذه الوثيقة هيئة عامة من حوالي خمسين مثقفاً وناشطاً سياسياً، وقد قوبلت بقدر كبير من التأييد لدى جميع الأحزاب السياسية العربية الوطنية.
يعمل هذا المشروع على تطوير الوثيقة وملاحقها ومواد إضافية إلى مواد تربوية يمكن الاستفادة منها في مدارسنا الثانوية وفي المؤسسات الشبابية، وعلى إيصال هذه المواد من خلال حلقات نقاش وورشات عمل إلى جمهور الطلاب الثانويين وطلاب الجامعات وابناء شبيبة منخرطين في أطر إضافية. بذلك يملأ المشروع الفراغ القائم في برامج التربية العربية ويعمل على الوصول الى الشباب الفلسطيني عبر برنامج تربوي متطوّر ينطلق من الرواية الفلسطينية، والتاريخ الفلسطيني قبل النكبة، وتجربة الفلسطينيين في إسرائيل بعدها، ويطرح لهم رؤية مستقبلية تحفّزهم على التفكير في طبيعة دولة إسرائيل ومستقبل الفلسطينيين السياسيّ فيها، وفي التواصل الفلسطيني والعربي. كذلك يشجعهم البرنامج على أخذ دور في النقاش والكتابة حول الموضوع وفي تصّورات الحلول، من خلال ورشات تدريب اضافية لمجموعة مختارة من الطلاب الذين يتمتعون بملكة الكتابة ومقومات القيادة الشابة. وسيعمل المشروع، بشكل عيني، على بلورة مواد تربويّة تسعى الى ترسيخ هوية جماعية تستند إلى التاريخ الفلسطيني، وتعمل على توعية أبناء وبنات شعبنا إزاء التحديات الداخلية الناتجة عن تاريخنا المشترك وعن سياسة إسرائيل المنتهجة تجاه الشعب الفلسطيني، في جميع أماكن تواجده، منذ النكبة وحتى اليوم.
يرى المشروع في المعلمين والمربّين حلقة أساسية في عملية التثقيف والاثراء المذكورة، حيث بإمكانهم أن يشكِّلوا للطلاب نماذج ايجابية تُقتدى، ويفسحوا امامهم باب النقاش والحوار، ويمدّوهم بالمعلومات اللازمة. من هذا المنطلق، يهدف المشروع الى تحويل هؤلاء المعلمين والمربّين الى شركاء نشطين، من خلال اشراكهم في دورة تدريب تؤهلهم للعمل المباشر مع طلابهم، على مدار السنة، والوصول بذلك الى جمهور اكبر من الطلاب.
وقد أكّدت لنا تجربتنا في الحقل على درجة تعطّش الطلاب الى مناقشة هذه القضايا وحماسهم لتلك المناقشة، كما بيّنت النقص المعلوماتي القائم في العديد من القضايا المطروحة وابرزت، من جديد، الحاجة الماسة الى وجود أنشطة وبرامج نوعية هادفة تتمحور حول المسائل المطروحة أعلاه. من الناحية الثانية، أثبتت لنا التجربة أنه بالإمكان تطوير مثل هذه البرامج وتنفيذها داخل المدارس العربية بمشاركة مربيّن عرب.