نظم مركز مدى الكرمل – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية في حيفا ندوة أكاديمية لمناقشة وتقديم كتاب “من الحياة المشتركة إلى المقاومة المشتركة في فلسطين التاريخية” للمؤلفين مَرسيلو سـﭬيرسكي ورونين بن آرييه. الكتاب ينظر إلى السيطرة الصهيونية على فلسطين كحالة استعمارية استيطانية، ويقضي بأنّه عند دراسة مسار محو الحياة الأصلانية في فلسطين، لا يجب تجنب حقيقة فقدان الحياة المشتركة بين الفلسطينيين واليهود حتى عام 1948- المسلمون، المسيحيون واليهود الذين سكنوا بجوار بعضهم البعض في فلسطين في الفترة العثمانية، وفي فترة الانتداب البريطاني. محاولة محو الحياة الأصلانية أدت إلى القضاء على المجتمع الفلسطيني، على هيمنته الثقافية وتفوقه الديمغرافي، ولدوافع عرقية، نتج عن ذلك أيضًا رفض للروابط الفلسطينية-اليهودية، وللحياة في مجتمع مشترك. المسار الاستيطاني لنهب الفلسطينيين كان مصحوبًا بتدمير البنية التحتية الثقافية، الذي حوّل الحياة المشتركة بين اليهود والفلسطينيين إلى واقع تاريخي منسيّ.

تحدث في الندوة مؤلفي الكتاب، د. مارسيلو سبيرسكي، محاضر مشارك في كلية العلوم الاجتماعية والانسانية في جامعة وولونغونغ في استراليا، ود. رونين بن اريه، زميل بحث في مركز منيرفا للعلوم الانسانية في جامعة تل ابيب، ويدرس في كلية العمارة وتخطيط المدن في معهد التخنيون في حيفا، وأدارت الندوة وعقبت على الكتاب د. أريج صباغ – خوري، المحاضرة في قسم العلوم الاجتماعية وعلم الانسان في الجامعة العبرية في القدس، وزميلة بحث في مدى الكرمل.

المداخلة الأولى كانت لمارسيل سبيرسكي وجاء فيها:

“على المستوى البحثي كان امامنا تحدّ كبير كيف نحكي قصّة ما كان؛ وأكثر صعوبة، كيف نحكي قصّة محو ما كان، أي كيف قامت الحركة الصهيونية بمحو ما كان. من الواضح ان كتابًا واحدًا لا يمكنه تجميع جميع المشاهد من تلك الفترة، أي الفترة العثمانية وفترة الانتداب البريطاني، ولكن كان بإمكاننا تجميع مشاهد كافية لرؤية امور هامّة مثل خصائص تلك الفترة، وكيفية تغيّرها. لقد حاولنا في هذا الكتاب ان ننقل للقارئ كيف تم محو العيش المشترك بين العرب واليهود في الفترة العثمانية والانتداب البريطاني على يد الحركة الصهيونية.” المداخلة الثانية كانت لرونين بن ارييه وجاء فيها: “في هذا الكتاب قمنا، من ناحية، بالنظر إلى الماضي، ومن ناحية اخرى، ألقينا نظرة على الحاضر والمستقبل، انطلاقاً من فكرة انه اذا فهمنا كيف تم بناء الواقع يمكننا ان نفهم كيف يمكن تغييره. أود ان اعطي مثالاً حول ما قصدناه بالمقاومة؛ في بداية القرن الـ20 كان هناك قيادة شرقية يهودية خاضت نقاشاً مع يهود اوروبيين حول احتمالية تأثير المشروع الصهيوني، الجديد حينها، على طريقة حياتهم على عدة مستويات؛ من ناحيتنا، قمنا بتعريف هذا النقاش والمعارضة على انه مقاومة للصهيونية حتى لو ان هذه القيادة الشرقية لم تعرّفها كذلك. من المهم ايضاً التوضيح اننا لا نتعامل مع هذا الماضي بحنين او نقول انه يمكن العودة إلى ذلك الزمان، لأن الواقع هو كولونيالي وقد تغيّر الكثير مع مرور الوقت، بالتالي فإن الحديث اليوم عن العيش المشترك هو غير جدّي بسبب اختلال موازين القوى بين الطرفين.” وعقبت اريج صباغ – خوري على الكتاب ومداخلتَي الكاتبين قائلة أن “الكتاب هو عبارة عن اسهام مهم على المستوى الأكاديمي، ولكن، وليس اقل اهمية، على مستوى بناء واقع مختلف، لا تكون فيه العلاقة بين العرب واليهود علاقة قامع ومقموع او محتل وواقع تحت الاحتلال بل علاقة نديّة ومتساوية، حيث ان امكانية العيش العربي-اليهودي التي يطرحها الكتاب تشمل كلتا الهويتين، العربية الفلسطينية واليهودية، بدون حاجة للفصل بينهما”. كما أشادت صباغ – خوري باستعمال الكتاب لنظرية الاستعمار الاستيطاني وباستعمال مفهوم المقاومة وإدخاله للنظرية. يذكر ان الكتاب صادر باللغة الانجليزية وعدد صفحاته 206.

DSC_0009DSC_0013

"يجب أن نسأل عن هدف خطة تقسيم فلسطين منذ عام 1937. فلقد كان الهدف حل مشكلة للاستعمار البريطاني وليس البحث عن أي حل للمهاجرين اليهود أو للسكان الأصلانيين في فلسطين. لقد جاء التقسيم لخدمة المصالح البريطانية"، هكذا تحدث د. موسى البديري، أستاذ التاريخ والعلوم السياسية في جامعة بير زيت، وذلك خلال لقاء الطاولة المستديرة الذي عقده مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، تحت عنوان "هل ينطبق مبدأ التقسيم على فلسطين – التاريخ والمستقبل؟".

 

يذكر أن هذا هو اللقاء الثالث في سلسلة ندوات الطاولة المستديرة لمدى الكرمل، والتي تهدف كما قال بروفيسور نديم روحانا، مدير عام مدى، الذي افتتح النقاش: "لمناقشة قضايا مركزية في الصراع بين الحركة الصهيونية وبين الشعب الفلسطيني، ومراجعة لأدوار الفلسطينيين في الداخل في تطورات الصراع والحلول". كما وأضاف انه ومن المهم أن تكون لدينا منصة للتفكير المشترك حول هذه القضايا فنحن نراجع التاريخ من أجل التعلم للمستقبل". وفي هذا السياق فإن التقسيم هو أحد أهم القضايا تاريخياً ومستقبلاً". ثم أشار بروفيسور روحانا إلى أنه ورغم التباين في الموقف الفلسطيني من مسألة التقسيم يبقى اجماع على المفهوم بأن الصراع هو بين حركة كولونيالية استيطانية وبين أهل البلاد الأصلانيين، "ما معنى هذا وماذا نتعلم منه. وما الذي يمكن أن نتعلمه من تجارب أخرى في العالم في هذا الخصوص؟ لم يشهد التاريخ حالة مشابهة لتقسيم البلاد بين حركة كولونيالية وبين السكان الأصلانيين، وعلينا أخذ هذه الحقيقة بالحسبان"، قال روحانا.

بداية تحدث د. البديري مشيراً إلى أنه ورغم مرور أكثر من 60 عام على التقسيم، ما زال النقاش يدور حول نفس الموضوع وما زالت تطرح نفس الحلول. وقال أن ما طرحته بريطانيا عام 1937 لم يكن فقط تقسيم البلاد إلى جزئين، بل أيضا إلى جزء ثالث تحتفظ به بريطانيا لنفسها، هذا بالإضافة إلى التبادل السكاني. كما أن التقسيم كان مربوطاً أيضاً بضم الدولة العربية إلى شرقي الأردن. "كما علينا أن نسأل أي تقسيم مطروح اليوم وما هو هدفه. فمبدأ التقسيم يطرح اليوم من قبل الفلسطينيين وأيضاً من قبل إسرائيل والمؤسسة الصهيونية. إسرائيل تطرح التقسيم بهدف الحفاظ على دولة يهودية والتخلص من الفائض السكاني العربي. أما بالنسبة للفلسطينيين يجسد التقسيم مبدأ تقرير المصير لسكان الضفة وقطاع غزة فقط. الموقف العربي والفلسطيني كان وما زال المطالبة بالاستقلال، لكنه لم يتم حتى الآن طرح مضمون لهذا الاستقلال"، قال د. بديري.

 

المداخلة الثانية كانت لبروفيسور إيلان بابي، مدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية في جامعة إكستر في بريطانيا، والذي استهل مداخلته بسؤال: كيف كان من المفروض أن يتعامل الفلسطينيون مع قرار التقسيم؟ وقال أنه: "كان هناك فرق جوهري في تعامل الطرف الصهيوني والطرف الفلسطيني مع قرار التقسيم. ففي حين رفض الطرف الفلسطيني التقسيم من حيث المبدأ، وافق عليه الطرف الصهيوني وتعامل مع القرار بتفاصيله ورد عليه للجنة بيل. وهنا يكمن جوهر الاختلاف. في حينه لم يتعامل الجانب الفلسطيني مع الإقتراح، بل رفضه مبدئيا. بالمقابل قبل الطرف الصهيوني فكرة التقسيم آخذين بعين الاعتبار علاقات القوى المحلية والعالمية وقاموا بتقديم خارطة مفصلة لنظرتهم للحل المستقبلي للمنطقة – وبشكل مثير فإن شكل الخارطة في حينه يشبه خارطة دولة إسرائيل اليوم بدون الضفة الغربية"، قال بابي. واضاف أن الطرف اليهودي رأى نفسه جزءا من المشروع الغربي وإقتراحاته.

وحول سؤال هل كان من الحكمة رفض القرار في حينه، قال بابي أنه من الصعوبة بمكان الإجابة على ذلك اليوم. فهل نجيب بحسب ما نعرفه اليوم، أم بحسب ما كانوا على علم به في حينه؟ ولكن تجدر الإشارة بأن العرب لم يأخذوا مسألة المحرقة وتأثيرها على ذلك الاقتراح وعلى أن انشغال العالم في تلك الفكرة كان بالاساس لحل مشكلة اليهود في أوروبا". هذا وأشار بابي إلى أن الاستيطان في الضفة الغربية يهدف إلى السيطرة على أكبر جزء من الأرض، وأن المستوطنين هم الوسيلة للسيطرة على الأرض وليس الاستيطان هو الهدف. كما أكد بابي بأن فكرة التقسيم ترتبط تاريخيا بالكولونيالية، وأن فكرة التقسيم لم تشكل فرصة تاريخية محتملة حتى قبل بناء المستوطنات.
 

كلمة التحرير
المقال التحليلي
وجهات نظر
الأنشطة الجارية في مركز مدى
المحرر المسؤول
نديم روحانا
المحرر الضيف
نديم روحانا
مساعدة تحرير
جنان عبده
ترجمة
نواف عثامنة
غلوكل- ترجمة وحلول لغوية
تدقيق لغوي
حنا نور الحاج

المواد المنشورة في ”جدل” تعبر عن آراء كتابها، ولا تعكس بالضرورة مواقف مدى الكرمل. © حقوق الطبع محفوظة.

"حل الدولتين يعني عدم عودة اللاجئين وهو لا يخلصنا من الصهيونية. فالصهيونية هي رزمة واحدة مهما اختلفت تياراتها، وتتضمن العنف، السيطرة، التهجير، الاستعلاء، الغطرسة، الفصل، الإنكار والخوف. وحل الدولتين هو حبل الآمان للصهيونية وجاء ليكرسها. لدينا نحن الفلسطينيين في الداخل القوة الأخلاقية لطرح تصوّر مستقبلي لحل يأحذ بالحسبان العرب واليهود ليس كرد فعل على الصهوينية، لكنه يشكل ضمنيا نفياً لها وللمارساتها. فتاريخياً كانت فلسطين محوراً لالتقاء الحضارات والثقافات والأمم،" هذه بعض أقوال البروفيسور نديم روحانا، المدير العام لمركز مدى الكرمل، التي ألقاها خلال مؤتمر حيفا الذي ناقش حل الدولة الديمقراطية الواحدة. يذكر أن مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية في حيفا، بالتعاون مع جمعية ابن خلدون للبحث والتطوير قد عقد في بداية الأسبوع (الأحد) مؤتمرا لمناقشة حل الدولة الواحدة في مسرح الميدان في حيفا بمشاركة باحثين فلسطينيين وإسرائيليين.

خُصصت الجلسة الأولى لمناقشة سؤال "لماذا الدولة الواحد" بمشاركة كل من د. أسعد غانم والباحث ميرون بنبنستي. في بداية مداخلته طرح د. غانم العديد من التساؤلات حول التصور المستقبلي للحل وتطرق بإيجاز إلى ولادة فكرة الدولة الواحدة. "على الأقلية الفلسطينية هنا وفي ظل الأوضاع القائمة أن تفكر جدياً في طرح أفكار وتصورات للخروج من المأزق الحالي، دون إستثناء الشعب الآخر من هذه النقاشات، وليس صدفة أن نعقد مؤتمرنا هذا في حيفا باللغتين العربية والعبرية وبمشاركة باحثين عرب ويهود،" قال غانم. ثم قال إن الحل المبنى على طرح الدولتين في حالة تلاش وأنه حان الوقت لمناقشة حلول أخرى بما فيها حل الدولة الواحدة، أنه علينا التفكير في مخرج من الأزمة الحالية يحفظ المكانة السياسية للطرفين ويضمن لهما حلاً عادلاً وأخلاقياً.

"بعد مائة عام من الصراع ما زلنا أمام مأزق كبير. كفلسطينيين علينا التفكير مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ككل وليس مع جزء واحد منه فقط. فحل الدولتين لا يضمن حلاً لقضية القدس، ولا للاجئين، ولا للفلسطينيين الداخل. علينا التفكير جدياً في الدولة الواحدة المؤسسة على الشراكة والمواطنة – دولة ديمقراطية واحدة لجميع مواطنيها. هذا الحل يضمن وحدة فلسطين التاريخية ويتيح لكل طرف اعتبارها وطنه التاريخي دون الحاجة إلى التقسيم،" قال د. غانم وأكد على أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه فلسطينيو الداخل. كما أشار غانم إلى أن حل الدولتين إنهار بسبب الممارسات الإسرائيلية. ثم قال: "نواجه على الصعيد الفلسطيني حالة إنهيار للحركة الوطنية والسؤال هو كيف يمكن إنقاذ الوضع، وكيف يمكن إعادة جدوى النضال الفلسطيني. المدخل الوحيد برأيي هو حل الدولة الواحدة. في سياق طرح حل الدولة الواحدة علينا التفكير في ماهية ونوع النظام، علاقة هذه الدولة مع الشتات الفلسطيني ومع اليهود في العالم، وعلاقتها مع الحركة القومية العربية. ثمة ضرورة لطرح هذه المسائل ومناقشتها من قبل الطرفين".

أما الباحث الإسرائيلي ميرون بنبنسي فقال إن حل الدولتين وحل الدولة الواحدة لا يتناقضان بل هما امتداد لنفس المحور. "ثمة من يدعي أن حل الدولة الواحدة الذي سيغيّر الوضع القائم قريب جداً، لكن للأسف فهذا لن يحدث. فالوضع الراهن ثابت وقوي. لكن من الناحية العملية فتوجد في هذه البلاد دولة ثنائية القومية، والفصل بين المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي هو فصل اصطناعي. كما أحب أن أؤكد بأن حل الدولة الواحدة ليس طرحا أيديولوجياً، وليست تصوراً لحل، بل توصيفا للوضع القائم،" قال الباحث بنبنستي. كما أشار إلى أن وجود السلطة الفلسطينية يخلق الوهم بقرب قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. "السلطة الفلسطينية بفضل تمويل الدول الأجنبية، وهي تلك الدول التي تدعو إلى إنهاء الاحتلال، لكنها تساهم عملياً في الحفاظ على الوضع القائم وتكريسه"، قال بنبنستي.

استعرضت البروفيسور ليلي فرسخ في الجلسة الثانية تاريخ ولادة فكرة الدولة الواحدة مركزة على جذورها الفلسطينية. فتناولت بداية الفكرة منذ عام 1969 عندما طرحتها حركة فتح وتم تبنيها من قبل المجلس الوطني الفلسطيني عام 1971. وقالت إن أهمية هذا الطرح تكمن في تحويل القضية الفلسطينية من قضية إنسانية تتلخص بمشكلة اللاجئين إلى قضية شعب وتحويل المطلب الإنساني إلى مطلب سياسي. وأشارت البروفيسور فرسخ إلى الدور الذي لعبه هذا الطرح في استقلالية القرار الفلسطيني عن القرار العربي. "لقد أكدت حرب الأيام الستة محدودية المشروع القومي العربي في تحرير فلسطين. وجاء طرح الدولة الواحدة كانتصار لمنظمة التحرير الفلسطينية عندما تم الاعتراف بها كالممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين. كما لعب هذا الطرح دورا تنظيميا في بناء مؤسسات الدولة قبل قيامها. ثم توقفت عند مقررات المجلس الوطني الفلسطيني الثاني عشر الذي تبنى فكرة الصراع المرحلي وأقر إقامة دولة فلسطينية على أي جزء من فلسطين يتم تحريره، محدثاً بذلك تحولاً في فكرة الدولة الواحدة، حيث تم ضمنيا القبول بقرار التقسيم، إلى أن تم التنازل نهائيا عن الفكرة عام 1988 باعتراف م.ت.ف بإسرائيل. "استمر هذا الوضع حتى جاءت اتفاقيات أوسلو التي همشت فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة وحولتها إلى ثمانية بانتوستانات تحكمها الحواجز العسكرية. في عام 2001 ومع فشل حل الدولتين عادت فكرة الدولة الواحدة لتظهر من جديد. لقد وصلت القضية الفلسطينية حالياً إلى واقع مأزوم وطريق مسدود،" قالت البروفيسور فرسخ مشددة على ضرورة تطوير فكرة الدولة الواحدة.

بعدها تحدث الباحث دان بابلي من جامعة حيفا، الذي قال إنه وحتى الآن لم يبحث الطرفان بشكل جدي فكرة الحياة المشتركة، وإن إي من الطرفين لم يطرح حلاً للصراع يقوم على المساواة والحياة المشتركة. ثم استعرض فكرة الدولة الواحدة في الفكر الصهيوني. وأكد بابلي استحالة تحقيق فكرة الدولة اليهودية وخاصة في ظل الوضع الديموغرافي، واستحالة الفصل بين الشعبين. ودعا بابلي إلى إقامة طواقم عمل عربية يهودية مشتركة للدفع بفكرة "دولة جميع سكانها" وإقناع الطرفين بأهميتها وجدواها، واقترح أن يمنح كل طرف حق النقض في القضايا المصيرية، والعمل على توزيع عادل للموارد بين الطرفين، وضمان حق العودة للشعبين. أما الباحث الفلسطيني حازم القواسمي الذي شارك في تلك الجلسة فقد استعرض تجربته الشخصية وكيف عمل على مدار خمسة عشر عام على تسويق فكرة الدولتين، إلى أن توصل عام 2000 إلى قناعة باستحالة هذا الحل وضرورة تبني حل الدولة الواحدة، مؤكداً على ضرورة وضع الإنسانية في المركز لدى التفكير في حل الصراع. "يجب العمل على إنهاء الاحتلال، ووقف نزيف الدم اليومي، ووقف القتل والهدم، وإزالة الجدار، كي نستطيع التفكير بعقلانية بالحل،" قال الباحث القواسمي.

أفتتح الجلسة الثالثة البروفيسور نديم روحانا وقال إنه من الخطأ طرح فكرة الدولة الواحدة كمسألة تكتيكية بهدف الضغط على إسرائيل لقبول حل الدولتين، مؤكداً أنه لا يوجد حل عادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يعتمد على التقسيم. "لم يكن قرار التقسيم ليشكل حلاً للقضية الفلسطينية، فهو قرار غير عادل وعنصري اعتمد على اقتطاع جزء من فلسطين ومنحه بشكل استثنائي للحركة الصهيونية. وقد اعتمد هذا القرار على فرضية خاطئة تدعى وجود صراع قومي بين حركتين تمثلان شعبين وأن لكل منها حقوقاً متساوية ومتوازية. سؤال هل الصهيونية هي حركة تحرر قومي لليهود أم لا، هذا ليس من شأني وغير مهم، فالمهم هو الممارسة على أرض الواقع، ومن ناحية الممارسة فإن الحركة الصهيونية هي حركة استيطانية في جوهرها. إسرائيل هي مشروع كولونيالي، وليست في جوهرها صراع قومي".

ثم أشار روحانا إلى أن السؤال المركزي هو "كيف يمكن التوصل إلى حل يحقق العدل للاجئين الفلسطينيين والمساواة بين الشعبين، دون امتيازات لأحد. بناء على ذلك يمكننا التفكير في الحلول، لكن من الواضح إن حل الدولتين لا يضمن ذلك". وتابع "أنا لا أتوقع من الصهيونية تطوير برامج أو طرح أفكار للعيش المشترك، فالاقتلاع هو الجانب الآخر للعملة الصهيونية. كما أن الأكاديمية الإسرائيلية لعبت عبر مراحلها المختلفة وما زالت دوراً مركزياً في شرعنة الدولة اليهودية وتثبيتها. لكنني أتوقع منا كفلسطينيين تطوير نماذج للعيش المشترك تضمن المساواة للطرفين. وهو الأمر الذي حدث في جنوب أفريقيا".

في نهاية محاضرته تطرق البروفيسور روحانا إلى التحديات التي تقف أمام فكرة الدولة الواحدة مثل عدم تقبل الفكرة حتى الآن لدى الفلسطينيين أو لدى الإسرائيليين. "لدينا القوة الأخلاقية لطرح تصوّر يأخذ بالحسبان العرب واليهود ليس كرد فعل على الصهوينية، لكنه يشكل ضمنيا نفياً لها وللمارساتها. فتاريخياً كانت فلسطين محوراً لالتقاء الحضارات والثقافات والأمم،" ختم روحانا أقواله.

أما بروفيسور أورن يفتحائيل من جامعة بئر السبع في النقب فأدعى إن رؤية الدولة الواحدة هي رؤية لا سياسية. وقال إن فكرة الدولة الواحدة هي فكرة مثالية وأخلاقية، لكن الأفكار الأخلاقية والمثالية غير كافية في أيامنا، ودعا إلى فكرة الكنوفديرالية، معتمدا بذلك على غياب نماذج مشابهة لصراع انتهى بحل الدولة الواحدة. كما اشار إلى أن المطروح على بساط البحث هو قيام الدولة الفلسطينية، وليس قيام إسرائيل الموجودة فعلا وبقوة. "هل سنذهب للكنيست ونطالبها بحل نفسها؟ هل سنطلب من الجيش الإسرائيلي حل نفسه؟ كيف يمكن إقناع الإسرائيليين بالتنازل عن دولة إسرائيل؟ صحيح أن الضغط الدولي قد يفعل ذلك، لكن هذا الضغط غير وارد بالسياق الإسرائيلي بتاتاً. الحل السياسي هو الكونفديرالية بين دولتين، من خلال بلورة أُطر مشتركة في مجالات الاقتصاد والمواصلات وغيرها". وقد بنا البروفيسور يفتحائيل طرحه على بعض الفرضيات الأساسية، كما قال، وهي: وجود قوميتين لهما الحق في الوجود؛ القرارات الدولية المتعلقة بالصراع؛ وجود دولة إسرائيل والحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية؛ لا توجد في التاريخ الحديث ظاهرة إلغاء أو اضمحلال دول؛ القرار 181 مع تعديل معين سيشكل آلية لضمان العدل النسبي للطرفين.

المتحدث الأخير في هذا المؤتمر كان د. أمنون راز كراكوتسكين من جامعة بئر السبع، وهو أول من دعا إلى ضرورة التفكير بثنائية القومية كهوية وكإطار فكري. في بداية محاضرته قال: "لا أستطيع التفكير في تصوّر غير الدولة الواحدة. السؤال الذي يجب طرحه هو: كيف ولدت فكرة الدولتين؟ كيف ولدت هذه الفكرة الغريبة مباشرة بعد احتلال 1967؟ من أين جاءت الفكرة أن تتوحد باقة الشرقية مع غزة وليس مع باقة الغربية؟". ثم قال إن فكرة الدولتين تشكل أداة لضرب الشعب الفلسطيني. "لولا هذه الفكرة لما كانت مذبحة غزة. كما تشكل فكرة الدولتين نموذجاً لإقصاء الفلسطينيين داخل إسرائيل. لذلك من الضرورة محاربة هذه الفكرة. علينا التمسك بفكرة ثنائية القومية المرتبط بحل الدولة الواحدة. فلا يمكن قبول فكرة ثنائية القومية وبنفس الوقت الدعوة لبناء جدار الفصل. كما تتضمن هذه الفكرة العدل والمساواة المدنية والقومية. لقد قامت الصهيونية على مبدأ إنكار القومية الفلسطينية، بينما تشدد فكرة ثنائية القومية على القومية الفلسطينية".

كما قال البروفيسور كراكوتسكين أنه من الضروري لدى الحديث عن الدولة الواحدة وثنائية القومية تعريف حقوق اليهود. "ثنائية القومية هي أيضاً إطار لتفكيك الكولونيالية. من مسؤوليتنا إثارة النقاش والتفكير ووضع التحديات وليس البحث عن نماذج في التاريخ".