"الكوفية الفلسطينية كرمز للمقاومة والهوية القومية، لم تبدأ في الستينيات، بل قبل ذلك بكثير. ففي فترة الانتداب البريطاني كان المقاومون الفلسطينيون يلبسون الكوفية، وقد حاول الجيش البريطاني منع استعمال الكوفية،" هذا بعض ما جاء في محاضرة استاذ الأدب العربي المعاصر في جامعة ليون الفرنسية، الباحث والمترجم البروفيسور ايف جونزاليس كيخانو بعنوان " تقمصات الكوفية الفلسطينية: الأسطورة أصبحت عالمية".
وكان مدى الكرمل – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، قد استضاف جونزاليس في نهاية الأسبوع الماضي، في محاضرة حضرها العشرات من الناشطين، الأكاديميين والمدرسين.
قدم الضيف وعرفه للجمهور د. جوني عاصي المحاضر في قسم القانون الدولي والعلوم السياسية في جامعة بير زيت. ثم تحدث الاستاذ ايف جونزاليس شاكرا مركز مدى والجمهور على استضافته، وقال انه قام بدارسته حول الكوفية الفلسطينية ونشرها على مدونته آخذا بعين الاعتبار الجمهور الفرنسي الذي يجهل التاريخ، والثقافة العربية وحضارتها. "هذا الجمهور يضع أمامي الكثير من التحديات لمعرفته الكبيرة بموضوع المحاضرة، هذه الدعوة والتحدث إليكم هنا في حيفا مهمة جدا لي وتعني لي الكثير، فشكرا على هذه الدعوة. وقال انه ينتمي إلى جيل الستينيات الذي خرج من تجربة استعمار الجزائر، وعاش بقايا اليسار. كان معظم نشاطنا الفكري موجهاً إلى الخارج. فتَّش جيلنا عن طريقة للتوغل في الأشياء المستترة والمحجوبة. وكانت مراجعة الاستشراق ونقده جزءاً من هذا، إضافة إلى الانخراط في المجال السياسي المباشر. وفي سبيل ذلك، بدأنا حواراً مباشراً مع المجتمعات العربية والإسلامية. الفرق بيننا وبين المستشرقين القدامى تتمثّل في أنّ علاقتهم بتلك الثقافات كانت علاقة قوة، إن لم تكن ازدراءً. وقد اهتموا بما هو مكتوب، بينما انصبّ اهتمامنا على الثقافة الشفوية والسير الذاتية والسينما. هم اهتموا بالخطاب الديني، بينما اهتم جيلنا بالظواهر الاجتماعية للدين."
وقال إن اهتمامه بالكوفية بدأ قبل نحو عامين بأعقاب قراءة العديد من المقالات والنقاشات التي دارت في الصحف والمنتديات العربية حول الاستعمالات المختلفة للكوفية الفلسطينية، وخاصة في لبنان، الأردن وفلسطين، وتطرق إلى النقاش الذي دار في بعض مدارس حيفا بين الطلاب والهيئة التدريسية حول استعمال الكوفية.
وقال الاستاذ جونزاليس أنه وفي ظل العولمة بدأت الكوفية الفلسطينية واستعمالها يأخذان منحيين: واحدا ايجابيا وآخر سلبيا. فبينما جاء المنحى الأول للتعبير عن الهوية القومية وعن الرمزية النضالية والتحررية للكوفية، فإن المنحى الثاني كان بدافع الموضة، جاء ضمن عملية تشييء وتسليع هذا الرمز.
وحسب جونزاليس فإن الكوفية الفلسطينية واستعمالاتها عالميا مرت في مرحلتين: المرحلة الأولى قبل نحو عامين، والمرحلة الثانية بعد الحرب الأخيرة على غزة. "حتى قبل عامين ونيف، وبعدما أصبحت الكوفية عالمية، كانت تستعمل في الغرب للزينة. وقد دار نقاش مطول في العالم العربي حول هذا الاستخدام: هل يخدم القضية الفلسطينية أم هو استعمال سلبي مسيء؟" وذكر جونزاليس كيف تباع الكوفية في بعض الحوانيت في الولايات المتحدة وأوروبا بأسعار خيالية (تصل في بعض المحلات إلى 1600 يورو. وذكر حادثة فيها قريبة لجورج بوش تلبس الكوفية للزينة وهي لا تعرف شيئا عنها أو عن النضال.
كما سرد الأستاذ الضيف بعض النقاشات الحادة التي دارت في لبنان حول استعمال الكوفية وتحولها إلى موضة. حيث دافع كبار السن في المخيمات الفلسطينية عن الكوفية التقليدية وضرورة التمسك بشكلها الأصلي. وأشار جونزاليس إلى ظاهرة انتشار استعمال الكوفية لدى المقاومين من حزب الله، إلا انه في هذه الحالة ظهر نوع من الكوفية "الشيعية" التي يغلب عليها الأسود.
كما تنتشر الكوفية في الأردن بشكل واسع، ولكنها ترمز هناك للرجولة. وقال جونزاليس أنه وبعد عرض لوحات للفنانة اللبنانية فلسطينية الأصل منى حاطوم، عن الكوفية في عمان، دار نقاش موسع حول استعمال الكوفية. وكانت الفنانة حاطوم قد عرضت ضمن لوحاتها، عملا فنيا يحمل اسم "كوفية"، حيث استعملت كوفية تقليدية وزينتها بشعر نساء، اعتراضا على المعاني الرجولية للكوفية.
"أما بعد الحرب الأخيرة على غزة عادت الكوفية التقليدية إلى الواجهة. حيث لاحظنا العديد من الفنانين يغنون تضامنا مع غزة وهم يضعون الكوفية الفلسطينية. ولاحظنا انتشار استعمال الكوفية في المظاهرات والأعمال الاحتجاجية والتضامنية في العالم الغربي،" قال المحاضر.
وبرأي جونزاليس "تدل الاستعمالات المختلفة على كون الكوفية رمزا يحمل أكثر من معنى، وأنه ليس ثمة رمز واحد وثابت لها، بل رموز متحولة، متغيرة ومتحركة باستمرار. لكنها جميعا ليست منفصلة عن القاعدة المادية وعن الجذور التاريخية."
ثم تطرق جونزاليس إلى خطورة اندثار هذا الرمز النضالي والقومي من وطنه الأصلي بسبب الاحتلال والعولمة. وذكر على سبيل المثال كيف كانت الكوفية تصنع تاريخيا في الخليل، حيث كان أكثر من 30 مصنعا متخصصا بالكوفية، بينما لم يبق اليوم سوى مصنع واحد فقط. "فهل الرمز الوطني الفلسطيني يختفي عن أرض فلسطين،" تساءل المحاضر الضيف في نهاية محاضرته. بعد ذلك دار نقاش موسع شارك فيها العديد من الحضور.