تدل نتائج الانتخابات العامة في 2009 على عمق المأزق السياسي الإسرائيلي، هذا المأزق يزداد حدة، أساسًا، بسبب عدم نجاح إسرائيل في فرض إملاءاتها على الفلسطينيين وبسبب وجود قوى المقاومة ونجاحها في تحقيق المكاسب- هذا بعض ما جاء في أقوال الكاتب أنطوان شلحت، خلال الندوة التي عقدها مدى الكرمل – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، يوم الثلاثاء 5/3/2009، بحضور عدد من الناشطين والمثقفين.
وكان مركز مدى الكرمل قد دعا مجموعة من الباحثين والمراقبين للمشاركة في طاولة مستديرة لتحليل نتائج الانتخابات وإسقاطاتها على المواطنين العرب في إسرائيل.
افتتح الندوة وأدارها السيد مطانس شحادة، الباحث في مركز مدى الكرمل. وقال شحادة إن الانتخابات الأخيرة إعادت الاعتبار للبعد الإيديولوجي للأحزاب العربية وأبرزت الفروقات السياسية بين الأحزاب العربية. كما استعرض في كلمته أهم نتائج الانتخابات مثل: نجاح حزب كديما في الحفاظ على قوته، تنامي قوة حزب افيغدور ليبرمان، عودة حزب الليكود إلى الصدارة السياسية، تراجع حزب العمل وانهيار أخر معقل لليسار الصهيوني متمثلا في حزب ميرتس.
الكاتب والباحث في الشؤون الإسرائيلية، السيد أنطوان شلحت، قال إن الانتخابات الأخيرة جاءت على حين غرة وإن الحرب على غزة جاءت بعد قرار تقديم موعد الانتخابات، ولهذا لم تركز الأحزاب العربية في دعايتها الانتخابية على برامجها السياسية، ولم تتوجه للناخبين للتصويت لها على أساس تلك البرامج. وقد اعتبر ذلك "خللا خطيرا في الممارسة السياسية المحلية، يشجع أنماط تصويت غير سياسية".
وفي مستهل حديثه قال شلحت: "تدل نتائج الانتخابات على عمق المأزق السياسي الإسرائيلي، هذا المأزق يزداد حدة بسبب عدم نجاح إسرائيل في فرض إملاءاتها على الفلسطينيين، وبسبب وجود قوة المقاومة ونجاحها في تحقيق المكاسب. هذه الانجازات التي حققتها المقاومة تعمًق المأزق الإسرائيلي السياسي".
من ناحية أخرى اعتبر شلحت أن عدم تشكيل قائمة عربية موحدة يعود إلى الفروقات السياسية بين الأحزاب.
ثم تعرض في تحليله للبرامج السياسية للأحزاب العربية، مشيرا إلى عدم وجود أي برنامج سياسي للقائمة العربية الموحدة، وان البرنامج الوحيد القائم هو لأحد مركبات هذه القائمة، وهو برنامج الحركة العربية للتغيير الذي جاء على شكل مقال كتبه رئيس الحركة، عضو الكنيست احمد طيبي، وعلى شكل أهداف هذه الحركة، التي تطالب في بندها الأول بإشاعه الديمقراطية في العالم العربي. وقال إن برنامج حزب التجمع منشور ومتوفر للجميع وهو يربط معركة الوجود بالمعركة على الحقوق. أما برنامج الجبهة فبينما كان متوفرًا باللغة العبرية إلا انه لم ينشر باللغة العربية على موقع الجبهة. وأضاف أن "الجبهة حسمت في هذه المعركة موقفها إلى ناحية خوض الانتخابات كحزب يساري إسرائيلي. وفي دعايتها الانتخابية حاولت إعادة إنتاج أساطير قديمة مثل أسطورة اختراق المجتمع اليهودي، وأسطورة كون العرب هم احتياطي لليسار الإسرائيلي، وأسطورة أن الفاشية الإسرائيلية تضرب العرب أولا ولكنها ستنتقل لليهود، وهذه طبعا كذبة، إذ أن الفاشية هنا تضرب العرب ولم تمس باليهود".
كما شاركت في الندوة الناشطة السياسية والمربية، السيدة أفنان اغبارية. وقالت أنه كان للحرب على غزة دور كبير في التأثير على سيرورة الانتخابات، وأنها خلقت توجهين لدى الناخب العربي: إما التصويت لحزب عربي فقط، وإما المقاطعة. لكنه وبعد محاولة شطب التجمع والموحدة، تراجعت المقاطعة.
ثم تناولت السيدة اغبارية الدعاية الانتخابية للأحزاب العربية مشيرة إلى وجود نوعين من الدعاية: التي تحترم عقول الناس، وتلك التي تستخف بهم. وأشارت إلى محاولة بعض الأحزاب تغييب النقاش السياسي والتهرب منه. وقالت أن قضايا ملحة مثل "حل الدولتين" و"إعادة بناء لجنة المتابعة" لم تناقش كما يجب خلال المعركة الانتخابية.
أما الباحث في السياسة الإسرائيلية والمجتمع الفلسطيني، السيد مهند مصطفي فقد تطرق الى حركة المقاطعة في المجتمع العربي، موضحا أن المقاطعة بدأت تنظم نفسها في العام 2001، وأوضح أن المقاطعة في المجتمع العربي تقسم الى ثلاثة أنماط المقاطعة الأيديولوجية التي تنطلق من رفض النظام السياسي القائم، والمقاطعة السياسية التي تعتمد في جوهرها على الاحتجاج، ومقاطعة الكسل السياسي.
وأضاف مصطفى أن التيار الإسلامي غير البرلماني هو التيار المثابر والفاعل في حركة المقاطعة في هذا الانتخابات، مشيرا أن هذا التيار يعرض انتخاب لجنة المتابعة بشكل مباشر كبديل للمشاركة في الكنيست. وقال إن لهذا التيار نظرة سياسية مختلفة في التعاطي مع النظام الاسرائيلي عن التيارات الوطنية والإسلامية الاخرى.
وأوضح أن الحركة الإسلامية تربط بشكل مباشر وواضح بين انتخاب لجنة المتابعة وبين المقاطعة، وهذا برأي الباحث لا يخدم مشروع انتخاب لجنة المتابعة لان ليس كل المشاركين يقاطعون وليس كل المقاطعين يؤيدون انتخاب اللجنة.
كما أشار السيد مصطفى الى أن المقاطعة تحولت الى حالة سياسية سوف تفرز تقسيمات سياسية جديدة في المجتمع العربي، وأوضح أن حركة المقاطعة لكي تنجح عليها ان تكون مقرونة باجندة سياسية واضحة تقنع الناس ما ينتظرهم بعد المقاطعة، وهذا حتى الان غير مكتمل.
د. أمل جمّال، محاضر في جامعة تل أبيب، وباحث في السياسة والإعلام، قال أنه يجب التمييز بين أنواع مختلفة من أنماط التصويت لدى اليهود، وقال بوجود عاملين في هذا الجانب: الأيديولوجي والنفسي. وقال أن العامل الأيديولوجي يركز على الفروق السياسية بين الأحزاب والتمييز بين تيار اليمين، الوسط، واليسار الصهيوني، ويميًز بين تكتيك وإستراتجية الأحزاب المختلفة. أما العامل النفسي فهو عامل ظرفي ينبع من الحرب على غزة والوضع الأمني كما تعرضه السلطة الإسرائيلية. وقال انه تمت ترجمة الحالة النفسية خلال الانتخابات لتقوية مشروع الاستيطان ومنح الشرعية للمستوطنين.
وأشار د. جمال إلى تصاعد قوة اليمين في إسرائيل وقال أنه ستكون لذلك إسقاطات خطيرة على المواطنين العرب وعلى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967. وقال إن نتائج الانتخابات تدل على نزعة شوفينية اثنية يهودية وإلى نزعة عنصرية يهودية.
ثم قال د. جمال أن نتائج الانتخابات تعكس حالة عدم الاستقرار السياسي والتخبط في المجتمع الإسرائيلي ونوع من ضياع البوصلة. وقال أن هذه الوضعية تفسح المجال أمام صعود أحزاب فاشية، مشيرا إلى أن هذه الحالة تشبه إلى حد بعيد، الوضع السياسي الذي كان قائما في ألمانيا قبيل صعود النازية. "التصويت لدى المجتمع اليهودي هو تصويت هوياتي وأثني. وأظهرت النتائج أن التصويت لدى اليهود يتم حسب الانتماء الإثني،" قال د. جمال.
أما على صعيد المواطنين العرب، فقد أشار جمال إلى ازدياد التمثيل العربي في الكنيست من جهة، وإلى حصول نقلة نوعية على شرعية الصوت والتمثيل العربي. وقال أن المشاركة العربية السياسية يتم التعامل معها إسرائيليا على أنها حالة من الشذوذ الذي يجب معالجته. حذر جمال من محاولة قيادات وأحزاب إسرائيلية سحب الشرعية عن الصوت والتمثيل العربي بطرق خطيرة، وخاصة بعد فشل محاولات شطب الأحزاب العربية بالطرق القانونية المتاحة