استضاف مدى الكرمل – المركز العربي للدارسات الاجتماعية التطبيقية، د. آمال بشارة من جامعة تافتس في بوسطن، في محاضرة حول تعامل وكالات الإعلام العالمية مع ظاهرة كتابة الشعارات والرسومات على جدار الفصل العنصري. والمحاضرة هي جزء من بحث شامل أجرته د. بشارة عن دور الصحافة العالمية في الضفة الغربية. استعملت بشارة في بحثها وسائل من علم الإنسان، حيث لم تكتفي بتحليل النصوص والمواد الإعلامية، بل حاولت البحث عن العلاقة بين المجتمع والإعلام، والعلاقة بين العمل الصحفي والعمل السياسي. "تصوير الوكالات العالمية مهم جداً بسبب التغطية الواسعة لجدار الفصل من خلال الصوّر. ففي الفترة ما بين 2003-2005 كان بالإمكان مشاهدة مقالة واحدة في الصحافة العالمية عن الجدار، لكن وفي نفس الوقت كان هناك الكثير من الصور التي تنشر أسبوعيا".
يذكر أن د. بشارة هي بروفيسور مساعدة في دائرة الانتروبولوجيا في جامعة تاقتس، وهي متخصصة في مجالات الإعلام والصحافة عامة والصحافة في الشرق الأوسط على وجه التحديد، وفي آليات صناعة المعرفة، والديمقراطية وإثنوغرافيا المكان. أجرت أبحاثاً عدة عن الإعلام الفلسطيني في الأراضي المحتلة، ونشرتها في العديد من المقالات.
استهلت محاضرتها في سرد حادثة من شتاء عام 2004 في أبو ديس خلال محاكمة لاهاي ضد الجدار حين انطلقت من المكان مظاهرة احتجاجية، حيث توجهت فتاة في الثانية عشر من عمرها إلى الجدار وكتبت عليه بالانكليزية "أطفال ضد الجدار" فالتف حولها خمسة مصورين أجانب ليوثقوا ما كتبته. "في تلك اللحظة جسدت الطفلة للصحافيين صورة مثالية سلمية لمستقبل الشعب الفلسطيني. لقد عبرت بطريقة واضحة وباللغة الانكليزية عن أفكارها. قدمت هذه الطفلة للصحافيين مادة إعلامية جاهزة للتصوير. لكن ثمة تناقض واضح بين ما كتبته وبين السياق السياسي المحيط بمدينة أبو ديس. فقد ظهر ما كتبته الطفلة كشعار انتخابي في واقع لا توجد فيه انتخابات حرة ونزيهة بسبب الاحتلال. كما ظهر وكأن الفتاة توجه رسالة للذين أقاموا الجدار، لكننا نعرف أن الإسرائيليين لا يكترثون عادة لما يقوله الفلسطينيون،" قالت بشارة.
ثم تناولت باقتضاب تاريخ كتابة الشعارات على الجدران في فلسطين وارتباط ذلك بمقاومة الاحتلال، مبينة اختلاف السياقات في الفترات المختلفة. وأوضحت بشارة أنه وخلال الانتفاضة الأولى كانت الشعارات تلعب دوراً إعلاميا ووسيلة للتواصل، وخاصة في ظل إغلاق الصحف الفلسطينية من قبل سلطات الاحتلال وفي ظل غياب المحطات الإعلامية المحلية. وفي حينه حاول جيش الاحتلال محاربة هذه الظاهرة، مما وضع كاتبو الشعارات تحت الخطر. أما في هذه الفترة فجيش الاحتلال لا يتدخل في كتابة الشعارات على الجدار، حتى اصبح جدار الفصل العنصري يشكل لوحة إعلامية سياسية هامة لبعض الفلسطينيين، وكذلك للكثير من المتضامنين الأجانب. "لكن ما معنى حرية التعبير في ظل الاحتلال؟ إسرائيل تبني الجدار وتسمح في ذات الوقت للفلسطينيين الكتابة عليه،" تساءلت بشارة.
كما توقفت د. بشارة خلال محاضرتها على ظاهرة استعمال بعض المتضامنين الأجانب والإسرائيليين الكتابة والرسم على جدار الفصل. وقالت صحيح أنه وفي بعض الأحيان يعبر الأجانب عن رفضهم للاحتلال بطرق أوضح بسبب معرفتهم بالإعلام الغربي، لكنهم لا يعلمون الكثير عن معنى الحياة تحت الاحتلال وعن التجارب اليومية للفلسطينيين في ظل الاحتلال. لذلك فإن كتاباتهم على الجدار لا تعكس عادة واقع الاحتلال أمام الرأي الدولي العام،" قالت د. بشارة، وقدمت نموذجاً عن ذلك شعار "السلام يأتي من الاتفاقيات وليس من الفصل" الذي كتبه أحد المتضامنين الأجانب، حيث لا يعبر هذا الشعار عن واقع الاحتلال. كما قالت بشارة إن الفلسطينين يستعملون الجدار للتأكيد على حقوقهم، فهم يكتبون مثلاً "القدس لنا"، "نحن في القدس للأبد" أو "الحرية لأسرى الحرية"، لكن الوكالات الأجنبية لا تصور هذه الشعارات.
استعرضت د. بشارة خلال محاضرتها المواقف الفلسطينية المختلفة من الكتابة على جدار الفصل بين الموافقة والمعارضة. "قال قيادي من بلعين إن الورد الذي يرسمونه على جدار الفصل ليس أجمل من شجر الزيتون الذي اقتلعوه لناء الجدار… الفلسطينيون لا يريدون هذا الانتصار الزائف الآتي من الرسم على الجدار. فالجدار باق حول بيوتهم،" قالت بشارة.