في ظل الخلافات الحادة في مواقف الأحزاب والحركات السياسية العربية حول اعادة بناء لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، والتباين في الأطروحات السياسية المختلفة، وفي ظل غياب موقف توافقي دعا العديد من مركبات اللجنة إلى صياغة مبادرة لإجراء انتخابات مباشرة. هذا ما اتضح خلال ورشة العمل التي أقامها مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية. وقد برز خلال ورشة العمل مدى انعكاس المواقف الأيديولوجية للأحزاب والحركات السياسية على مواقفها التنظيمية من لجنة المتابعة: تنظيمها ومستقبلها. يذكر أن مركز مدى الكرمل كان قد عقد ورشة عمل تحت عنوان "لجنة المتابعة: النشأة والأطروحات السياسية حول إعادة بناء وتنظيم اللجنة"، وذلك ضمن مشروع المشاركة السياسية للفلسطينيين في اسرائيل منذ عام 1948 يهدف إلى دراسة أدوات العمل السياسي للمواطنين الفلسطينيين.
في بداية الورشة أستعرض السيد محمد زيدان، رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، تاريخ نشأة وتطور فكرة إقامة لجنة المتابعة، تأسيسها وتطورها. في بداية حديثه أشاد السيد زيدان بأهمية البحث الآكاديمي ودوره في تطوير عمل لجنة المتابعة، ثم استعرض المحطات المختلفة في تاريخ الفلسطينيين في إسرائيل منذ عام 1948 وحتى اليوم، متوقفا عند نقاط مفصلية مثل يوم الأرض وهبة أكتوبر 2000.
"في عام 1975 تم تأسيس أول جسم رسمي عربي هو اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، وقبل ذلك كانت لجنة الدفاع عن الأراضي، بعدها نشأت فكرة تأسيس لجنة المتابعة. اللجنة القطرية، في حينه، لم تعكس تطلعات الجمهور العربي وكانت مواجهات حادة داخل اللجنة فيما يتعلق بقرار يوم الأرض. القرار حول الإضراب حسم من قبل الجماهير التي احتشدت خارج المبنى مطالبة بالاضراب. في عام 1980 كانت بداية نشوء لجنة المتابعة كحاجة جماهيرية، وتم الاعلان عنها رسميا عام 1982، لتشكل أطارا وتطورا أعلى وأرقى وكممثل للجماهير العربية وتطلعتها"، قال السيد زيدان. وأضاف أن النقاش حول تركيبة لجنة المتابعة وتنظيمها رافقها منذ البداية وما زال مستمرا حتى الان. "حتى اليوم لم نرتق بعد لتحديد أهداف لجنة المتابعة ومسارها. يجب الارتقاء بلجنة المتابعة بحيث تشكل قيادة وطنية صادقة للجماهير العربية. كما يجب الجمع بين كونها هيئة وطنية وبين كونها هيئة تنسيقية ومظلة لجميع الحركات السياسية على اختلاف مواقفها. لذلك ثمة حاجة ضرورية للجمع بين التنسيق في المواقف وبين التمثيل القومي"، شدد السيد زيدان. كما دحض خلال استعراضه فكرة أن لجنة المتابعة أقيمت بمبادرة إسرائيل مؤسساتية، فتحدث كيف ظهرت فكرة تأسيس مثل هذا التنظيم من خلال عمل لجنة الدفاع عن الأراضي وعمل اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، ونتاج لحاجة جماهيرية، وأشار الى العوائق االبنيوية في لجنة المتابعة، مثل مسألة تمثيل الاحزاب فيها، والتي تعرقل عمله كرئيس لجنة المتابعة وذلك بسبب بنيتها الحالية.
بعده تحدث السيد عبد عنبتاوي، مدير مكتب لجنة المتابعة، وقال: "نشأت لجنة المتابعة بسبب دافعين، الأول كان على خلفية أزمة السلطات المحلية في بداية الثمانينيات والحاجة لتجنيد النواب العرب في المعركة على الميزانيات؛ والثاني، وهو العامل الحاسم، كان مجزرة صبرا وشاتيلا، التي فرضت على القيادات العربية ضرورة النهوض والرقي بتنظيم قومي والربط ما بين المطلب اليومي والمطلب السياسي القومي". وأشار أن لجنة المتابعة حققت العديد من الانجازات وأنها حاجة ضرورية للمواطنين العرب. "لكن، رغم هذا التطور، هنالك غياب للارادة الحقيقية من قبل بعض القيادات كي نرتقي بهذه المؤسسة. كما أن العلاقات بين الأحزاب العربية، والعلاقات الداخلية، تنعكس سلبا على أداء لجنة المتابعة"، أضاف السيد عنبتاوي. كما أشار إلى أن الابحاث المتوفرة لم تنجح حتى الان في إحداث حالة وعي لدى الجماهير والقيادات العربية. صراعنا مع المؤسسة الصهيونية يحتاج إلى أدوات مهنية تندمج مع التطلعات القومية.
أما السيد رجاء اغبارية، رئيس حركة أبناء البلد، فقال ان "التصادم الفكري في برامج الأحزاب والحركات السياسية هو الذي يعيق انتخاب لجنة المتابعة بطريقة مباشرة. لقد جاءت لجنة المتابعة كضرورة تنظيمية للجماهير العربية، وكل أقلية في العالم تملك حق الادارة الذاتية. حركة أبناء البلد ترى ضرورة في إجراء انتخابات مباشرة للجنة المتابعة، والتوجه العام هو نحو إنشاء برلمان عربي". أما عن سبب أعاقة تطوير عمل اللجنة وتنظيمها من جديد فقال: "هنالك سببان: الأول هو وجود أحزاب ترفض فكرة الانتخابات المباشرة، وأقصد هنا موقف الحزب الشيوعي؛ والثاني هو أن بعض الأحزاب تصرح بأنها مع الانتخابات المباشرة، ولكن ممارساتها على أرض الواقع بعكس ذك، وأقصد الحركة الإسلامية الجنوبية وحزب أحمد طيبي". كما أشار أن ألية اتخاذ القرارات داخل المتابعة والقائمة على الوفاق تشكل عائقا أمام اتخاذ قرارات هامة داخل اللجنة.
هذا وتحدث السيد إغبارية عن وجود مجموعة من الأحزاب والحركات السياسية (والتي اطلق عليها مجموعة الستة) التي تعمل على إعداد مشروع لإعادة بناء لجنة المتابعة، والعمل على إجراء انتخابات مباشرة حتى في ظل غياب قرار رسمي.
بعده استعرض السيد عوض عبد الفتاح، الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، موقف حزبه من لجنة المتابعة، وقال أنه يجب الربط بين تطوير لجنة المتابعة وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الواقع الإسرائيلي لا يسمح بالانفصال، ولكنه لا يسمح بالاندماج أيضا". ثم أشار إلى أن مشروع إعادة بناء لجنة المتابعة يُطرح على أساس الانفصال النسبي عن المركز الإسرائيلي مع الحفاظ على نوع من الارتباط. "لجنة المتابعة في وضعها الحالي لا تمثل هيئة وطنية، حيث أن مركباتها إسرائيلية، بمعنى أن النواب المندوبين ينتخبون إما عن طريق الكنيست وإما عن طريق السلطات المحلية. حاليا هي هيئة تنسيق بين الأحزاب ويجب تحويلها إلى مؤسسة وطنية. الانتخاب المباشر من قبل الشعب هو الذي يمنحها الصفة التمثيلية الوطنية"، قال السيد عبد الفتاح. كما قال أن على لجنة المتابعة، وبعد تحويلها إلى مؤسسة وطنية منتخبة، السعي للحصول على اعتراف رسمي بها، والعمل على إنشاء مؤسسات وطنية وتأسيس صندوق قومي لتمويل نشاطاتها. وأكد أنه "حتى في وضعها الحالي، فإن للجنة المتابعة أهمية رغم هشاشتها، فهي تقوم بدور معنوي هام".
"نحن ندرك ان الانتخابات المباشرة للجنة المتابعة قد تتحول إلى مشروع صدامي مع المؤسسة الإسرائيلية، لذلك يجب تحويل ذلك إلى مشروع نضالي. نحن نتحدث عن مشروع طويل الأمد من الضروري البدء بالتحضير له وتعبئة الجماهير"، قال السيد عبد الفتاح.
وعن موقف الحركة الإسلامية الشق الجنوبي فقد تحدث السيد منصور عباس، رئيس الادارة العامة للحركة، فقال ان الوضع الحالي في لجنة المتابعة يعكس الأزمة التي يعاني منها المجتمع العربي في الداخل. وعن موقف الحركة من إعادة بناء لجنة المتابعة قال: "الموقف المبدئي للحركة الإسلامية هو مع إعادة بناء وهيكلة لجنة المتابعة، بما في ذلك الانتخابات المباشرة. نعم هناك بعض الارباك داخل الحركة في هذا الخصوص، وذلك بسبب وجود عدة وجهات نظر من هذه القضية. نحن نعتقد أن الأولوية يجب أن تكون للقضية الفلسطينية في الضفة الغربية، قطاع غزة والشتات، وخاصة أن وضعنا المعيشي في الداخل أفضل من وضع بقية شعبنا. نحن جزء من هذه القضية وعلينا مراعاة الأولويات".
كما قال السيد عباس أن الانتخابات المباشرة للجنة المتابعة قد تكون الخطوة السليمة ولكن ليس من الضرورة ضمان نجاحها. وعلينا أن نفكر كيف سندير اللجنة المنتخبة، وهل الانتخابات المباشرة والخلافات بين الأحزاب ستؤدي مثلا إلى شل عمل اللجنة كليا في ظل غياب التوافق.
ثم تحدث السيد صالح لطفي، عضو المكتب السياسي للحركة الإسلامية الشق الشمالي، وقال أن الحركة الإسلامية تتفق على ضرورة إعادة بناء وتشكيل لجنة المتابعة من خلال انتخابات مباشرة، وعلينا البدء بعملية تثقيف سياسي يؤسس لحالة جديدة في مجتمعنا. ثم قال ان الفلسطينيين في الداخل يختلفون عن كل أقلية أخرى في العالم "فنحن هنا أصحاب الحق الشرعي؛ نحن تحولنا إلى أقلية قصرا؛ تطورت بيننا كمجتمع فلسطيني وبين المؤسسة الإسرائيلية علاقة خاصة، حيث يتم التعامل معنا كخطر استراتيجي، ونحن بدورنا طورنا حالة مقاومة خاصة".
هذا وأشار السيد لطفي إلى أن الحركة الإسلامية ترفض وتكفر في الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون في الداخل، وانها ترفض مفاهيم مثل الأزمة الاقتصادية، حيث أنه وبتوفر القيادات المخلصة والزاهدة يمكننا نقل مجتمعنا إلى حالة مميزة. "الضغط أما أن يولد الانفجار، وإما أن يولد الابداع. لذلك يجب أن لا نخشى المواجهة"، قال السيد لطفي. ثم أستشهد بعدة قواعد شرعية التي تفسر موقف الحركة الإسلامية من الانتخابات المباشرة للجنة المتابعة وتشكيلها كهيئة تمثيلية عليا.
هذا ولم يُطرح خلال الورشة موقف الجبهة الدمقراطية للمساواة من لجنة المتابعة بسبب تغيب ممثل الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي كان من المفترض أن يشارك في الورشة.