عقد مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، ورشة عمل حول حركات الاحتجاج السياسي، بمشاركة ممثلين عن الحركات السياسية وحركات الاحتجاج ومجموعة من الأكاديميين، وذلك ضمن مشروعه البحثي الذي يهدف إلى دراسة أدوات العمل السياسي للفلسطينيين في إسرائيل منذ عام 1948،.
افتتح الورشة د. أحمد سعدي، المحاضر في جامعة بئر السبع، ومركز طاقم الباحثين في مدى حول الحركات السياسية والاحتجاج السياسي، والذي استعرض تاريخ النضال الشعبي والاحتجاج السياسي والنظريات المختلفة التي تبحث في هذه الظاهرة. وقال أنه توجد العديد من النظريات التي تستعمل لدراسة العرب في الداخل، وجميعها مبنية على أساس نموذج مأخوذ من علم النفس السلوكي. تدعي هذه النظريات أن الاحباط يؤدي إلى العدوانية وأن الاجحاف يولد الاحتجاج.. كما تدعي هذه النظرية وجود عوامل محفزة للاحتجاج وأخرى تمنعه، مثل درجة القمع، قوة الدولة، الدعم الخارجي، القرب أو البعد عن المركز السياسي-الاقتصادي، وغيرها. وقال د. سعدي إن هذا الموديل النظري شائع الاستعمال في إسرائيل لدراسة المشاركة السياسية للعرب حتى اليوم، بينما لا يتم استعماله في العالم. وفي نقده لهذا الموديل قال سعدي إن نظرية علم النفس هي نظرية تبحث في الفرد ولا يمكن الاستناد إليها في التعميم على المجتمعات، وإن الشعور في الاحباط يختلف من فرد إلى فرد. هذا وتطرق د. سعدي إلى نظريات إضافية تبحث في الاحتجاج واستعرض أسباب الاحتجاج، دوافعه، نجاعته ومعيقاته.
بعده تحدث السيد عوض عبد الفتاح، الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، وقال ان الجماهير العربية في الداخل شاركت في النضال الشعبي والتمرد وأن الصراع كان منذ البداية صراع على البقاء. ثم قال أن النضال المركزي تحول بعد عام 1948 إلى المطالبة بالمساواة، الأمر الذي أثر سلبا فيما بعد على تطور النضال الشعبي. كما قال أنه ورغم الارتقاء بالنضال خلال يوم الأرض إلا أنه لم يتم استمثار ذلك، حيث أن السقف الذي وضعته القيادة أنذاك كان منخفضا، مما أدى إلى تراجع المد الجماهيري. "في يوم الأرض ارتفعت مطالب وطنية ولكن تم خفض السقف إلى مطالب بالمساواة المدنية فقط"، قال عبد الفتاح. وفي نهاية حديثه أشاد بضرورة تطوير نظرية للنضال الشعبي تتلاءم مع وضعنا في الداخل، ودعا إلى ضرورة تأسيس لجان شعبية في كل قرية ومدينة ووضع خطة لتجنيد الجماهير والتقدم بالنضال خطوة خطوة.
أما الشيخ صالح لطفي، عضو المكتب السياسي للحركة الإسلامية الشمالية والباحث في مركز الدراسات المعصارة، فقد استعرض تاريخ النضال الشعبي في الفكر والادبيات الإسلامية. وقال أنه توجد ثلاث مدارس وهي: المدرسة الشيعية التي ظهرت بداية العصر الأموي، المدرسة السلفية التي أسسها ابن تيمية، والمدرسة الإصلاحية التي أسسها الإمام محمد عبدو ومن ثم حسن البنا. "نحن نقود علمنا الاحتجاجي في الداخل على أساس قاعدتين: المقاصد، بمعنى أن كل ما نقوم به يهدف إلى تحقيق غايات لمصلحة الجماهير؛ والواقع، بمعنى التعامل مع حقيقة وجود حركات سياسية مختلفة، طوائف مختلفة، ومنظمات المجتمع المدني"، قال الشيخ لطفي. وأضاف أنه يمكن تقسيم أعمال الاحتجاج التي تمارسها الحركة الإسلامية إلى أربع دوائر: الاحتجاج السياسي المباشر والمتعلق بقضايا جوهرية هي في صلب القضية الفلسطينية؛ الاطار الاجتماعي، مثل المظاهرات ضد العنف الداخلي؛ الدائرة المطلبية المتعلقة بالاحتياجيات اليومية مثل المسكن والعمل؛ والدائرة الواسعة التي تتشابك مع الواقع الاسلامي والأمة الاسلامية، مثل أعمال الحتجاج ضد الاحتلال في العراق وافغانستان.
وشارك عن حركة أبناء البلد السيد يوآف بار، الذي شكر مدى لإعطائها فرصة للحركات والاحزاب السياسية ان تفكر بصورة جماعية وليس فقط لتنضال بصورة جماعية وقال أن العمل الاحتجاجي والنضال الجماهيري ضروريان بغض النظر عن معايير مثل عدد المشاركين وتحقيق المطالب المباشرة، حيث أن ذلك يساهم في تأسيس الوعي الجماهيري وتكوين المجتمع. وأكد أن الاستراتيجية الأهم في النضال هو استمراريته. "إسرائيل هي كيان صهيوني عنصري وغاصب، لذلك فنحن نرفض الاندماج، نرفض استعمال مفهوم الأقلية، فهذا التقسيم وهمي. القومية العربية تمثل مستقبل هذه البلاد، ونحن ندعو لاقامة دولة علمانية واحدة للجميع"، قال السيد بار.
هذا وكان من المفروض أن يشارك السيد محمد نفاع، سكرتير عام الحزب الشيوعي الإسرائيلي، لكنه اعتذر في اللحظة الأخيرة لأسباب شخصية، مما منع الاستماع إلى موقف الحزب الشيوعي والجبهة.
خصصت الجلسة الثانية من ورشة العمل لثلاثة محاور: الحركة الطلابية، الحركة النسوية والمهجرين. تحدث السيد وسيم غنطوس، الباحث في طاقم الحركات السياسية في مدى وناشط في الحركة الطلابية، عن وضع الحركة الطلابية، وأشار إلى النقص الهائل في الأبحاث والتوثيق في هذا المجال، وإلى غياب إطار تمثيلي رسمي للطلاب بأعقاب الشلل في عمل لجان الطلاب العرب في جميع الجامعات وفي اللجنة القطرية للطلاب الجامعيين. ثم استعرض بعض ملامح النضال الذي يخوضه الطلاب العرب، أشكاله وأساليبه، وتوقف عند معيقات هذا النضال. وأضاف ان التشرذم السياسي العام بين الاحزاب، وغياب قاعدة فكرية وأخلاقية تحكم السلوكيات وتصوغ الضوابط، إضافة إلى انعدام استراتيجية واضحة – كلها تعمل على إعاقة العمل الطلابي النضالي.
ثم تحدثت د. منار حسن، المحاضرة في الجامعة المفتوحة، والتي استعرضت تجربة تنظيم الفنار النسوي، وقالت إنها تجربة ريادية على صعيد الحركة النسوية وعلى صعيد صياغة خطاب نسوي يربط النسوي بالقومي. وقالت أنه ومن خلال إدراك الفنار لسياسات الدولة، ودورها في تعزيز البنى والظواهر الاجتماعية التقليدية والأبوية على حساب الفكر الاجتماعي التقدمي، الوطني والديمقراطي، كان لا بد من هذا الربط بين النسوي والقومي. ثم توقفت عند نموذجين من النضال الذي خاضه تنظيم الفنار: النضال ضد ظاهرة ختان وتشويه الفتيات والتي تلاشت نهائيا، والنضال ضد جرائم قتل النساء، والتي ما زالت مستمرة.
بعدها تحدث المحامي واكيم واكيم، سكرتير لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين، وقال: "نحن نستنبط وسائل النضال والاحتجاج من واقع الخطر الفعلي على وجودنا". وأضاف أن شعبنا ما زال يواجه خطرا وجوديا فعليا وإن لم نعمل على تدارك الأمر فسوف نواجه نكبة أخرى. "نحن نحمل في داخلنا عناصر النكبة، فدوائر انتماءاتنا الثانوية، ساهمت في حدوث النكبة. مجتمعنا يسير اليوم بشدة نحو التعصب العائلي، والطائفي والحزبي، والدولة تلعب دوراً في تعزيز هذه الانتماءات المعيقة"، قال السيد واكيم. ثم أكد على ضرورة احترام التعددية والعمل على وضع أهداف واضحة للنضال لمواجهة الخطر الوجودي. ثم قال أن لجنة المهجرين نجحت في تحويل شعار حق العودة إلى جزء أساسي من برامج الأحزاب العربية، كما أشار إلى التعاون المثمر بين لجنة المهجرين وتنظيمات يهودية مثل "يتذكرن" و "بروفيل جديد". "نحن بصدد إجراء مسح ميداني شامل في موضوع المهجرين، والتحدي الأساسي هو تحويل الحلم إلى مشروع وطني وتنفيذه،" اختتم السيد واكيم حديثه.