"صدور كتاب لأمرأة عربية هو حدث بحد ذاته، وكل كتاب بحثي عن النساء هو حدث هام، وعندما يجتمع الأمران معاً فهذا حدث خاص"، هكذا افتتحت بروفيسور خولة أبو بكر، المحاضرة في كلية عيمق يزراعيل، الندوة التي عقدها برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل، لمناقشة كتاب "الجمعيات النسائية والنسوية الفلسطينيّة- في مناطق 48"، للناشطة النسوية جنان عبده. وكانت البروفيسور أبو بكر قد أشارت خلال مداخلتها إلى إشكالية طرح السؤال: هل الجمعيات والأطر الفاعلة هي نسائية أم نسوية، وقالت إن الجانبين يتواجدان في حركة دائرية، ولكل إطار مساهمته الخاصة.
افتتحت الندوة السيدة همت زعبي مركزة برنامج الدراسات النسوية، حيث أشارت إلى أهمية الفحص التاريخي لتطور الجمعيات النسائية والنسوية وعملها، وخاصة في ظل النقص الحاد في الدراسات التي توثق لتاريخ النساء والعمل النسوي. وقالت إن الدراسة التي أعدتها الباحثة جنان عبده هي جزء من عملية بناء الذاكرة الجمعية واستحضار المُغيَّبات من وجهة نظرهن هن. ثم تطرقت إلى الوضع الحالي لعمل الجمعيات والأطر النسائية والنسوية والتحديات التي يواجهها هذا العمل: قضية التمويل وعلاقة الجمعيات بمصادر التمويل ومدى تأثير سياسات صناديق التمويل، التي يغلب عليها الطابع الاستشراقي، على عمل الجمعيات النسوية؟ علاقة هذه الجمعيات مع المجتمع، ومدى ارتباطها بالقاعدة الشعبية، ومدى نخبوية هذا العمل؟ وهل يساهم عمل الجمعيات في انسحاب الدولة من تقديم الخدمات للمواطنين وإعفائها من هذا الواجب؟ العلاقة بين الجمعيات ومدى التنسيق فيما بينها، وهل هي علاقة تعاون وتكامل أم علاقة تناحر وتنافس؟
بعدها تحدثت البروفيسور خولة أبو بكر مستعرضة تاريخ العمل النسائي والنسوي في فلسطين وفي العالم العربي عبر محطات تاريخية مختلفة، ومسار تطور هذا العمل. وقالت إن عمل النساء العربيات في فلسطين كان حاضرا دائما، لكنه في بدايته اقتصر على الجانب الخدماتي الذي يغلب عليه الطابع الديني والطبقي. وقالت إن الأطر التي عملت على تقديم الخدمات لم تتعامل مع مسألة التغيير المجتمعي، بل عملت من خلال الوضع القائم من خلال إعادة إنتاجه وتكريسه، وإن الجانب الفكري للعمل النسائي ظهر لاحقا، حيث بدأت تبرز مطالب التغيير والتحرر، ومقارنة وضع النساء بوضع الرجال. "لكن في معظم هذه الحالات كان الحديث عن مجموعة من النخب، وفقط فئة قليلة من النساء الناشطات في هذا المجال كن من القطاع الفلاحي"، قالت أبو بكر.
هذا وأشارت أبو بكر إلى إشكالية تحديد هل الجمعيات هي نسائية أم نسوية، وقالت إن الجمعيات والأطر جميعها تبلورت بسبب وجود هدف مشترك للتغيير نحو الأفضل. "في بعض الحالات تطور الفكر النسوي لدى بعض هذه الأطر من خلال العمل على أرض الواقع. بعض الأطر النسائية تطورت ومارست عملا نسويا، وبعض الأطر التي أقيمت كأطر نسوية تعاملت مع تقديم خدمات لا علاقة لها بالفكر النسوي. وكانت دائما هناك حالة من المد والجزر بين الجانبين"، قالت أبو بكر.
وخلال مداخلتها طرحت أبو بكر بعض الملاحظات العينية حول كتاب الناشطة جنان عبده، وقالت "يبدو إن الدراسة موجهة للعالم العربي وليس للداخل، ويبرز هذا الانطباع من خلال اللغة المستعملة والمصطلحات. ينطوي هذا على جانب إيجابي من الانفتاح والتواصل، لكنه يتضمن أيضا جانب سلبي حيث أدى هذا التوجه إلى الدخول في تفاصيل جانبية مما أدى إلى تشتيت الفكر". ثم قالت أبو بكر: "السؤال الغائب هو ما بعد البحث: أي ماذا نتعلم من تجربة تلك الأطر؟ وماذا بالنسبة لدراسة مقارنة مع الجمعيات الذكورية؟".
بعدها تحدثت الباحثة والناشطة النسوية جنان عبده مشيرة إلى أن التوجه العام الذي سيّر الدراسة هو توجه نقدي تاريخي وأن الدراسة حول الجمعيات هي محاولة لاستحضار ما لم يُكتب. وقالت إن الدراسة تحمل توجها نقديا للأطر النسائية والنسوية القائمة، وإن الدراسة تطرح تساؤلات ولا تقدم بالضرورة ايجابات. مؤكدة إن الدراسة الحالية يجب أن تكون جزءا من سلسلة أبحاث في نفس المجال، حيث لا يمكن لدراسة واحدة أن تستوفي جميع جوانب الموضوع قيد البحث.
وقالت إنها اعتمدت في بحثها على التحليل النسوي لفحص مبنى علاقات القوى وانعكاسها على الحياة اليومية وعلى عمل الجمعيات مع المجتمع، وأمام الدولة وعلى علاقات الجمعيات مع بعضها. كما أكدت إنها لم تحاول خلال البحث أن تغيّب نفسها "لذلك ربما أكون قد استحضرت في بحثي أصوات معينة أكثر من غيرها، وأنا أصلاً لم أحاول إخفاء ذلك"، قالت عبده. هذا وأشارت عبده أن البحث أعتمد على مصادر ومراجع عربية، وهي مقولة ضد الأبحاث الاستشراقية.
أما عن الادعاء بأن الكتاب موجه للعالم العربي وليس للداخل، فقالت عبده: "التوجه للعالم العربي الملاحظ في الكتاب هو لأننا نعتبر نفسنا جزءا من حركة نسوية عربية. فنحن جزء من الامتداد العربي وفي هذا التوجه مقولة وموقف ضد الاستعمار الذي عمل على تفتيت هذه الحركة وقطع أواصر العلاقة فيما بيننا".