استضاف مدى الكرمل، المركز العربي للدارسات الاجتماعية التطبيقية، ندوة فكرية لمناقشة كتاب البروفيسور يهودا شنهاف، المحاضر في قسم العلوم الاجتماعية في جامعة تل أبيب والباحث في معهد فان لير، "في مصيدة الخط الأخضر". ويشكل هذا الكتاب، الذي صدر باللغة العبرية (وسوف يصدر قريبا باللغة العربية)، محاولة فكرية وسياسية لصياغة أسس جديدة لفهم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وقد شارك في هذا اللقاء كل من البروفيسور نديم روحانا، مدير عام مدى الكرمل، المحامي حسن جبارين، مدير عام مركز عدالة، الكاتب والمحلل السياسي السيد أنطوان شلحت، ومؤلف الكتاب البروفيسور يهودا شنهاف.
افتتح الندوة بروفيسور روحانا بقوله أن كتاب شنهاف يشكل تحديا فكريا لأنموذج حل الدولتين. "يقدم لنا شنهاف في كتابه أنموذجا جديدا للتاريخ السياسي للصراع. وهو يبين لنا الخداع الذاتي لليسار الإسرائيلي الذي يعمل على طمس تاريخ الصراع"، قال روحانا. ثم أضاف بأن الكتاب هو عبارة عن مساهمة فردية لمثقف إسرائيلي عمل ويعمل على كسر الحاجز ويعود إلى التاريخ لفهم الصراع.
ثم تحدث الكاتب والمحلل أنطوان شلحت، وقال أن الكتاب يقوم على فكرة ضرورة العودة إلى تأريخ ما قبل العام 1948 بهدف إيجاد قاسم مشترك من الزمان والمكان، الأمر الذي قد يوصلنا إلى حل ويخرجنا من المتاهة الحالية. هذا وقال شلحت بأن قوة الكتاب تكمن بكون مؤلفه يكتب من وجهة نظر اليهودي من خلال الاعتراف بالفلسطيني ووجوده. "يعرض لنا الكتاب أطوبيا ومحاولة للبحث عن أمل ومخرج من حالة المتاهة والأزمة"، قال شلحت. وذكر شلحت بأن المؤلف البروفيسور شنهاف يعود إلى أصول الصراع، أي عام 1948 وما قبله، ليجد نقطة زمنية مشتركة تتيح للطرفين إمكانية التوصل إلى إتفاق.
وفي سياق نقده للكتاب قال المحلل شلحت: " يحاول يهودا شنهاف في كتابه التغلب على صدمة التطهير العرقي ويأخذ على عاتقه كيهودي مسؤولية ما حدث، لكنه في نفس الوقت يدعو إلى التغلب على ما يسميه بصدمة التطهير العرقي. لا يمكن للفلسطينيين اختزال ما حدث عام 1948 بمسألة التطهير العرقي فقط، فما حدث في حينه يتجاوز هذه المسألة بكثير".
أما المحامي حسن جبارين فقال: "الشيء الجديد في هذا الكتاب أنه أحد الأبحاث الجديدة التي تتعامل مع الخط الأخضر والمناطق المحتلة منذ عام 1967 بنفس الروح وعلى أنها حدث واحد متواصل، بينما تميل الأبحاث الإسرائيلية إلى الفصل بين الشقين وتدعي وجود نظامي حكم في كل من الطرفين. وقد يكون هذا الكتاب رداً على كتاب عادي أوفير وأريئيلة أزولاي، الذي يدعي وجود نظامين مختلفين في مناطق 1948 ومناطق 1967".
"يتناول شنهاف مسألة المواطنة بعمق من خلال رفضه للثنائية الضدية التي تفرضها الحدود. ويقول أن هنالك أوجه شبه بين ما يحدث في مناطق 1967 وما يحدث في مناطق 1948. ويدعي الكتاب أنه لم تبدأ مرحلة جديدة بعد العام 1967، حيث لم يتم التوصل إلى مصالحة تاريخية، ولا حتى مصالحة مع الفلسطينيين. ويخلص الكتاب إلى النتيجة بأن حرب 1948 لم تنته".
وفي ختام مداخلته قال المحامي جبارين: "يجب على يهودا شنهاف مواجهة وجود الأجندة السياسية لكتابه، أو عدم وجودها. وخاصة أنه يجري مقارنة بين اليهود في مدينة يافا وبين اليهود في المستوطنات في مناطق 1967. شنهاف يقوم بذلك من خلال المقارنة بين أخلاقيات مثقفي اليسار اليهودي وأخلاقيات مثقفي المستوطنين. بمعنى أن منح هذا النوع من الشرعية الزائدة للمستوطنين لا يمكنه أن يشكل أجندة سياسية. كما أنه لا يحاول مواجهة السؤال: هل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو صراع قومي؟".
بعدهما تحدث البروفيسور يهودا شنهاف الذي قال أن اليسار اليهودي أخطأ في التركيز على المستوطنات خلال أكثر من أربعين عاما، ليس لأن المستوطنات شرعية، بل لأن هذا الأمر أدى إلى إهمال وتمويه خطاب الحرب المتواصلة منذ عام 1948 والتي لم تنتهِ بعد. ثم قال: "الصدمة الفلسطينية بأعقاب النكبة ليست بعداد الماضي، بل هي مستمرة حتى يومنا هذا، فالنكبة لم تنتهِ، فقبل بضعة أيام كانت نكبة جديدة في قرية العراقيب في النقب والتي هدمتها إسرائيل للمرة الرابعة. أي أننا لا نستطيع الحديث عن النكبة بلغة الماضي".
وأضاف شنهاف أن كتابه يتناول مسألة "السيادة" ومفهومها، وكيف يعمل السيد/ المحتل على إعادة بناء ذاته. وفي هذا السياق قال: "كيف لنا أن نتعامل مع السيادة الجديدة، هل هي مسألة أرض وحدود فقط؟ المواطنة في هذا السياق هي جزء من مفهوم السيادة الكلاسيكية، فبالنسبة للفلسطينيين في إسرائيل لا يوجد معنى للمواطنة، بل هي كذبة كبرى". كما أكد شنهاف بأن اختياره للنقطة الزمنية لعام 1948 لم تكن سوى خيارا من أجل منهجية البحث فقط، وليس مؤشرا بأن الصراع بدأ من هذه النقطة الزمنية بالذات.