تستعمل الدولة (إسرائيل) العديد من الأدوات "النظيفة" بهدف السيطرة على البيت الفلسطيني في يافا ولحرمان سكانه الأصلانيين منه، كما توّف الدولة أدوات الحداثة، مثل فرض تصاميم معينة على ترميم البيوت الفلسطينية تكون باهظة الثمن، بهدف التضييق على سكان يافا والاستيلاء على الحيز. وأنا أبحث هنا في هوية النساء الفلسطينيات في الحيز اليافاوي. وأدعي أنه لا يمكن فهم الجغرافية في "المدن المختلطة"خارج السياق السياسي وخارج سياسات العنف السياسي للدولة، هذا بعض ما جاء في محاضرة السيدة آمنه عثامنة، الباحثة النسوية في سياسات الحيّز، في الندوة التي عقدها برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل. وقد كانت هذه الندوة الأولى حول "النساء الفلسطينيات في يافا"، وسوف تعقد الندوة الثانية في مدينة يافا، في السادس عشر من الشهر الحالي، تحت عنوان "خلق حيزات بديلة" .
افتتحت الندوة السيدة همت زعبي، منسقة برنامج الدراسات النسوية في مدى، مشيرة إلى أن هذه الندوة تعقد بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد النساء، وأنها جزء من مساهمات برنامج الدراسات النسويّة في تسليط الضوء على مواضيع تتعلق بالعنف ضد النساء من مجالات لا يتم الحديث عنها كثيرا، مثل سياسات سلب الأرض؛ هدم البيوت والشتات، والتي تشكل أدوات للعنف السياسي والاجتماعي والاقتصادي ضد الفلسطينيات. وقالت أنه تم اختيار يافا لفحص وضعية النساء الفلسطينيات في "المدن المختلطة" من جوانبها المتعددة، وكونها تشكل احد مواقع دراسة يعمل عليها البرنامج تهدف لفهم معمّق للمكانة الاقتصادية للنساء الفلسطينيات في إسرائيل.
في البداية قدمت د. نادرة شلهوب-كيفوركيان، مديرة برنامج الدراسات النسوية في مدى، مداخلة عنوانها "الوطن كمنفى: سلب الأرض والشتات الفلسطيني كأداة عنف ضد النساء". وقالت: "تحاول هذه المداخلة فهم البنية التي أنتجت الوطن كمنفى والعناصر التي شكلتها، ومسارات تفاعلها وحراكها في الواقع الفلسطيني داخل أراضي 1948." كما أشارت إلى أن مداخلتها بنيت من خلال تجربة الفقدان، الصدمة، الشتات، الإلغاء والمؤقت. وقالت د. شلهوب أن استهداف الوطن الفلسطيني في محاولة تحويله إلى منفى أنتج سيكولوجية التحسب والترقب إزاء التهديد الدائم بفقدان المكان؛ ورغم استهداف الوطن، المكان والبيت، إلا أن المكان قد تحول إلى مصدر لمقاومة الإماتة ولمنع إلغاء الإنسان الفلسطيني بأدوات قانونية واقتصادية.
ثم تحدثت السيدة أمنة عثامنة واستعرضت أطروحتها حول هوية المرأة الفلسطينية في الحيز اليافاوي، مستخدمة الحدود كأداة تحليلية. وقالت أنها اختارت البيت الفلسطيني كنقطة أرخميدية في بحثها لعلاقته بالبيت الكبير – الوطن. ويعتمد بحث السيدة عثامنة على مقابلات مع نساء يافاويات، حيث كشف البحث عن هوية متعددة الأبعاد: العنصر العائلي والعنصر القومي. وقالت أن الدولة تستغل مسألة "الترميم" في محاولة لاخفاء سياستها الهادفة إلى تفريغ يافا من سكانها والاستيلاء على البيوت ومحو الحيز الفلسطيني.
ثم تناولت السيدة أمنة عثامنة مسألة المقاومة وقالت أن مقابل سياسة إسرائيل الهادفة إلى الاستيلاء على البيت الفلسطيني تقوم النساء على تطوير سبل مختلفة للمقاومة، مثل التمسك بإمكانية ترك البيت لأولادهن، الأمر الذي يضعهن في موقف الصمود الدائم. "تتمسك النساء بالأمل، فهن يمارسن أساليب مقاومة مختلفة لحماية البيت والحفاظ عليه، وذلك في محاولة للتحايل على السلطة. هذا نوع من أنواع المقاومة والصمود"، قالت عثامنة.
هذا وعقب على مداخلة السيدة أمنة عثامنة، طالب الدراسات العليا، السيد سامي أبو شحادة ابن مدينة يافا، الذي أشاد بالبحث مشيرا إلى الإلمام الواسع بالنظريات المختلفة والأدبيات، ووصف البحث على أنه "مبشر وواعد". وقال السيد شحادة أن علي الباحثين/ات الفلسطينيين التنبه إلى أننا لم نفكك بعد النكبة بشكل جدي ولم نستوعبها . "لا يوجد لدينا معلومات جدية تفصيلية حول ما حدث في النكبة، وحول ما حدث للإنسان الفلسطيني. ونحن ندرس النكبة واسقاطاتها في الجامعات الإسرائيلية وننتج داخل هذه الأكاديمية التي تنكر النكبة في غالبيتها"، قال شحادة.
وفي معرض تعليقه على بحث السيدة عثامنة قال أن جميع المقابلات أجريت مع فقراء وأنه لا يعتقد أنهم يمثلون حقا المجتمع اليافاوي بكليته. "هذا الخيار أنتج مفهوما معينا غير دقيق. كما أن اعتماد الزمن 1948 كنقطة انطلاق للبحث يساهم في خلق جماعة جديدة هي عرب إسرائيل"، مؤكدا على ضرورة العودة إلى ما قبل النكبة وقبل إسرائيل لدراسة الحالة الفلسطينية. كما أكد السيد شحادة على ضرورة إبراز مسألة الفصل العنصري التي تمارسها إسرائيل كجزء من سياسة تقسيم الحيّز.