"يستدل من روايات المهجّرين والمهجّرات، من قريتي صفورية والمجيدل، أن النكبة أثرت بشكل عميق على حياتهم. إذ تبين أن الاقتلاع من البيت والأرض، التهجير ومصادرة الأراضي، ساهمت كلها في تقهقر النشاط الاقتصادي للنساء الفلسطينيات في الداخل، وحوّلت المرأة الفلسطينية من كيان فعّال مساهم في بناء الاقتصاد العائلي، إلى كيان اتكالي يفقد القدرة على المساهمة في العمل وفي تأمين الآمان له ولأفراد عائلته. وبالتالي كانت أحدى نتائج النكبة ضرب المكانة الاقتصادية للمرأة وزعزعة الأدوار الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني عامة، وفي فئة مهجري الداخل خاصة"، هذا ما قالته السيدة همّت زعبي، مركزة مشروع الدراسات النسويّة وباحثة في البرنامج، في محاضرتها بعنوان"تأثير التهجير على المكانة الاقتصادية والاجتماعية للمهجّرات الفلسطينيات- المهجّرات في الناصرة كحالة".
يذكر أن برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقة، كان قد عقد ندوة حول المهجّرين والمهجّرات الفلسطينيين، تحدث فيها كل من د. مصطفى كبها، السيدة رنين جريس والسيدة همّت زعبي وادارتها د. نادرة شلهوب-كيفوركيان.
افتتحت الندوة د. نادرة شلهوب-كيفوركيان، مديرة برنامج الدراسات النسوية، حيث رحبت بالضيوف والمتحدثين، مشيرة إلى أهمية هذه الندوة، التي تعرض دراسات وأبحاث حول قضايا اجتماعية واقتصادية متعلقة بالمهجّرين والمهجّرات الفلسطينيين، وخاصة في ظل غياب هذه الشريحة عن الأبحاث الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل. وأضافت ان هذه الندوة هي الأولى وأن برنامج الدراسات النسوية يخطط لعقد ندوات إضافية في نفس الموضوع.
في مستهل مداخلته أكد د. مصطفى كبها، المحاضر في جامعة تل أبيب والجامعة المفتوحة، بعنوان "تهجير الفلسطينيين عام 1948، خطوط وأبعاد عامة" على ضرورة الاستمرار في تناول تاريخ القضية الفلسطينية، وبضمنها النكبة وإسقاطاتها. وقال إن بعض الأبحاث التي تتناول موضوع النكبة مؤخرا، تعاني من بعض التسطيح، الاجترار والتكرار. وأن الأبحاث اليوم لا تتعدى كونها مبادرات فردية لباحثين وباحثات، ورغم أهميتها إلا أنها تفتقر للتنسيق بين الباحثين أحيانا، الأمر الذي يعني هدر طاقات كان بالإمكان توظيفها بشكل أنجع. مشيراً إلى أن الأبحاث، بشكلها الحالي، لا تساعد في بناء سردية متكاملة عن النكبة. كما قال د. كبها: "إن التاريخ الشفوي، وفي ظل غياب أرشيف فلسطيني، هو آلية مهمة جداً لا غنى عنها، والآن هو الوقت لتوثيق الكم الأكبر من الروايات قبل فقدان أصحابها".
كما قدمت السيدة رنين جريس، مركزة مشروع التاريخ الشفهي الفلسطيني في جمعية "ذاكرات"، مداخلة بعنوان "رؤية وفهم المناخ العائلي- دراسة مقارنة بين المهجّرين وغير المهجّرين في قرية كفر ياسيف". تتناول هذه الدراسة تأثير النكبة على العائلة الفلسطينية، من خلال محاولة دراسة المناخ العائلي لدى العائلات المهجرة وغير المهجرة خلال السنوات الأولى للتهجير. وتفحص الدراسة اختلاف المناخ في العائلات المهجّرة وغير المهجّرة في القرية بحسب رؤية أفراد هذه العائلات، من خلال مرحلتين: الأولى، مرحلة الطفولة والسنوات الأولى من التهجير، والثانية، تتطرق لعائلة الفرد الحالية التي أقامها بعد الزواج. وقد تم فحص الاختلاف في المناخ العائلي بناء على النمو الفردي، العلاقات داخل العائلة وصيانة الكيان الأسري، إضافة إلى تأثير عوامل التعليم والأوضاع الاقتصادية على تلك المؤشرات.
يستدل من نتائج هذه الدراسة وجود اختلاف بين الشريحتيين في مؤشرات النمو الفردي والعلاقات داخل العائلة (في المرحلتين) بينما لم تُظهر نتائج البحث أي اختلاف فيما يتعلق بمتغيّر صيانة الكيان الأسري.
استعرضت السيدة همت زعبي خلال مداخلتها جزءا من دراسة أوسع لبرنامج الدراسات النسوية حول المكانة الاقتصادية للنساء الفلسطينيات في اسرائيل – قراءة من منظور الاقتصاد السياسي. وقالت أن هذا الجزء من الدراسة يحاول قراءة تأثير البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المكانة الاقتصادية للنساء الفلسطينيات في دولة إسرائيل، من خلال فحص مكانة المهجّرات الاقتصادية. وأضافت انه لا يمكن فحص مكانة المهجرات الاقتصادية بمعزل عن فهم التاريخ، البني الاجتماعية السياسية والاقتصادية، العرق القومية، والنوع الاجتماعي، الذي يميز المنطقة المنكوبة قبل النكبة، ويميّز أوضاع المهجرين بعد النكبة.