تشكل الفئة العمرية الشابة أكثر من نصف المجتمع الفلسطيني في «إسرائيل»، إذ تشكل فئة (0-29 عاما) 63% من المجتمع، وفئة (15-29 عاماً) قرابة 26%. لذلك لا يمكن الحديث عن تنمية أو تطوير الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع الفلسطيني في «إسرائيل»، وكذلك التحرر من العادات والتقاليد، من دون فهم واقع الشباب واحتياجاته وتغيير المفاهيم والتصرف لدى فئة الشباب. وعلى الرغم من حجم هذه الفئة العمرية وأهميتها في مستقبل المجتمع الفلسطيني في الداخل، هناك شح في الأبحاث والدراسات التي تناولت احتياجات ومعيقات تنمية الشباب الفلسطيني ومعيقاتها، وفي الأبحاث عن مواقفهم الاجتماعية والسياسية.
يعرض هذا المقال المقتضب أبرز نتائج بحث أجرته جمعية «بلدنا» (جمعية فلسطينية شبابية في مدينة حيفا) في بداية العام الحالي لاستكشاف احتياجات الشباب الفلسطيني في الداخل وقراءة رؤية الشباب للصعوبات التي تواجههم في مجالات التعليم والعمل والمشاركة في الحيز العام (العمل الأهلي أو الحزبي)، وجوانب الهوية، وكذلك مواقف الشباب من قضايا اجتماعية مثل مساواة المرأة ومكانتها والعنف والطائفية لدى المجتمع الفلسطيني، من دون الخوض في تحليلها. واعتمد البحث إجراء استطلاع رأي بمشاركة قرابة 900 طالب عربي من صفوف الثاني عشر (جيل 17-18 عاما) وبحث ميداني في تسع مجموعات بؤرية (Focus groups) بمشاركة 110 مشاركين من عمر 19 لغاية 28 عاما. ونتناول في الفقرات التالية أبرز النتائج.
تشير نتائج الدراسة إلى استياء الشبان والشابات الفلسطينيين في الداخل من أداء المدارس العربية – جهاز التعليم العربي – وترى غالبيّة المشاركين والمشاركات في المجموعات البؤرية المدرسة كمصنع علامات، بمعنى أن المدرسة تهتم فقط بتحصيل الطالب/ة وتتجاهل تنمية الهوية الفردية والجماعية، كما تتجاهل، بل وأحيانا تقمع، المهارات والمواهب الشخصية. كذلك أظهرت النتائج محدودية مواضيع التخصص المتاحة في المدارس العربية والتي تشكل عائقا حقيقيا في وجه الطلبة العرب أمام اختيار مواضيع تخصص قريبة من اهتماماتهم ومواضيع تتلاءم مع أسواق العمل الحديثة.
يوضح تحليل المجموعات البؤرية وكذلك الاستطلاع أن معظم المدارس العربية تفتقد إلى جهاز إرشاد واستشارة تعليمية تساعد الطالب العربي في اختيار موضوع التخصص الثانوي. وعادة ما تتم عملية اختيار موضوع التخصص بحسب العلامات فقط من دون أن تتاح الفرصة لفهم ماهية التخصص، وعلاقته بميولهم التعليمية وقدراتهم في أي مجال تخصص أكاديمي أو مهني يؤهلهم، وما هي المهارات العلمية والعملية التي يكتسبها الطالب/ة من خلال التخصص.
كما أكدت نسبة كبيرة من المشاركين/ات في المجموعات البؤرية أنهم، على الرغم من وعيهم لسياسات التجهيل والإهمال وشح الميزانيات التي تتبعها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في جهاز التعليم العربي، يعتقدون أن المديرين والمدرسين وطواقم المدرسة لا يعملون كفاية لتحسين أوضاع التعليم العربي. ويقوّّم المشاركون في البحث طرق التعليم في المدارس على أنها نمطيّة وتقليدية ولا تهيئ الطالب للحياة ما بعد المدرسة، ولا تكفل تزويده بطرق تفكير نقدية غير تقليدية. ونتائج الاستطلاع تدعم هذه الموقف، إذ قال 35% من المستطلعين إن المدارس العربية تهيئ الطالب العربي للمرحلة الجامعية من الناحية التعليمية، و6% قالوا إنها لا تهيئ بتاتا الطالب العربي، و55% قالوا إنها تقوم بذلك بشكل قليل. أما عن تهيئة الطالب/ة من الناحية النفسية والاجتماعية، فنجد أن الحال أصعب بكثير، إذ قال 23% من الطلبة إنها تهيئ بشكل جيد جدا، و56% إنها تهيئ بشكل قليل، و16% إنها لا تقوم بذلك بتاتا.
1 ـ التعليم الجامعي: وفقا لتحليل المجموعات البؤرية، نجد غياب برامج التوجيه الأكاديمي في المرحلة الثانوية، وأن الشباب العربي يحتاجها حاجة ماسة. وهذا الغياب يؤدي، وفقا للمشاركين في المجموعات، إلى تخبط وصعوبة في اختيار موضوع التخصص. لذلك، يختار الطالب العربي موضوع التخصص فوق الثانوي بمعزل، وأحيانا بشكل يتناقض، مع التخصص في المدرسة.
توضح النتائج أن الطالب العربي يميل للالتحاق بتخصصات تعليمية تقليدية (الشبان: طب، محاماة، إدارة حسابات. الشابات: لغات، تمريض وعمل اجتماعي). ويفسر المشاركون اختياراتهم بانعدام الإرشاد، لذلك يستقي الشاب المعلومات من البيئة القريبة – العائلة الجيران والمعارف. وتتأثر اختياراته بحسب النوع الاجتماعي والآراء الاجتماعية التقليدية بخصوص أدوار النوع الاجتماعي. كما توضح النتائج أن معظم الطلبة العرب غير ملمين بالتخصصات المتنوعة في الجامعات والكليات، وهذا يشكل سببا إضافيا في اختيار مواضيع تقليدية. كما تشكل عنصرية سوق العمل الإسرائيلية ومحدوديتها عاملا إضافيا في اختيار الطالب العربي لموضوع تعليم يؤهله للعمل في سوق العمل العربية المحلية.
إن اهتمام الطالب العربي باستمرار التعليم العالي موجود بالتوازي لوعيه بالمعوقات الكبيرة أمام تنفيذ هذه الرغبة. وتوضح نتائج البحث أن أبرز عائق وتحد أمام استمرار الطالب العربي في التعليم العالي في الجامعات الإسرائيلية هو امتحان البسيخومتري-جيمات (امتحان يحدد إمكانيات القبول للمواضيع التعليمية في الجامعات الإسرائيلية). وكذلك برز عائق إضافي خلال البحث هو قيام الجامعات بتحديد القبول في بعض المواضيع، الأمر الذي يعتبر بالنسبة لكثير من مشاركي/ات البحث عقبة جدية في طريق التحاقهم بالتعليم فوق الثانوي، وكذلك نجد أن الطالب العربي واع أن العنصرية تشكل عائقا أساسيا للالتحاق بالتعليم العالي.
أما حول الصعوبات التي تواجه الطالب/ة العربي في الجامعات والكليات الإسرائيلية، فتشير نتائج الدراسة الميدانية إلى أن معظم الطلاب والطالبات يواجهون صعوبات في تمويل التعليم فوق الثانوي، وأن اللغة العبرية تشكل إحدى الصعوبات المركزية التي تواجه الطالب/ة العربي/ة في السنة الأولى من تعليمه فوق الثانوي. كما أشار معظم المشاركين/ات إلى حدوث «صدمة ثقافية» مع دخولهم/ن حيز الجامعات والكليات الإسرائيلية. وكذلك تشكل العنصرية تجاه العرب إحدى الصعوبات التي يتوجب على الطالب/ة العربي تحديها في حيز الجامعات والكليات.
2 ـ سوق العمل: تشير نتائج الدراسة الميدانية إلى محدودية جديّة في سوق العمل للفئة الشبابيّة، إذ أفاد العديد من المشاركين/ات إلى نقص في فرص العمل، إلى جانب هذا أشارت نسبة كبيرة من المشاركين/ات في سوق العمل في المرحلة الثانوية ومباشرة بعد إنهاء التعليم الثانوي إلى أن ظروف العمل مجحفة من حيث الرواتب، الحقوق الاجتماعية، ساعات العمل وغيرها. كما أظهرت النتائج وجود تمييز على خلفية النوع الاجتماعي من حيث الرواتب وشروط العمل.
3 ـ العمل بعد التعليم الجامعي: توضح النتائج أن غالبية مشاركي/ات المجموعات البؤرية تجهل احتياجات سوق العمل في إسرائيل ولا تعيرها اهتماما كافيا لدى اختيار موضوع التعليم. كما عبّرت الغالبية عن حاجتها لوجود أطر إرشاد وتوجيه في هذا المجال. أي أنها لا تملك معلومات كافية حول حاجات سوق العمل الإسرائيلية من حيث التخصصات العلمية والمهنية.
بالإضافة إلى ذلك، تشير نتائج الدراسة إلى أن الشباب يعاني العنصرية المتفشية في سوق العمل الإسرائيلية، ما يدفع الشباب الفلسطيني للبحث عن عمل في السوق العربية المحلية. لكن من ناحية أخرى، فإن فرص العمل في سوق العمل المحلية محدودة، الأمر الذي يخلق منافسة عالية وعائقا جديا في احتمالات انخراط الشبان والشابات في سوق العمل، خاصة أن الفتاة العربية أشارت إلى أنها تفضل العمل في سوق العمل المحلية، وفي منطقة سكنها، لأسباب اجتماعية وعائلية وأخرى سياسية.
أظهر معظم المشاركين/ات في المجموعات البؤرية وعيا سياسيا عاليا برز في تعريفهم لهويتهم العربية والفلسطينية. لكن إلى جانب هذا، برزت في بعض المجموعات، الهوية الدينية كأحد مركبات الهوية الأساسية للتعريف عن الذات. كما أكد معظم المشاركين/ات المنخرطين في أطر حزبية أو سياسية أو اجتماعية على ضرورة تطوير وتعزيز الهوية الفلسطينية/ العربية لدى الجيل الشاب، وذلك لأهميتها في بناء هوية جمعية، خاصة للفلسطينيين في الداخل.
غاب وضوح الهوية الذي ظهر في المجموعات البؤرية، بعض الشيء في نتائج الاستطلاع، من جهة، ومن جهة أخرى برزت أيضا الهوية الدينية لدى الطلبة العرب. ونجد أن تعريف الهوية لدى هؤلاء الطلبة لغاية جيل 18 عاما ما زال غير واضح ومكتمل مقارنة بالأجيال الأكبر سنا. ووفقا لنتائج الاستطلاع، فإن قرابة 27% من المستطلعين يعرفون نفسهم كـ«عربي فلسطيني» و«عربي فلسطيني في إسرائيل»، وفقط 5% كـ «عربي فلسطيني إسرائيلي»، و 6% كعربي، وقد اختار قرابة 25% اختيار تعريف وفقا للمركب الديني (مسلم أو مسيحي)، والباقي اختار تعريفات شخصية أو عائلية أو جهوية متنوعة يدخل المركب القومي في العديد منها (مثل عربي مسلم فلسطيني في إسرائيل أو عربي مسيحي في إسرائيل)، ما يشير إلى تعدد المركبات في هوية الشباب العربي من جهة، وعدم نضوج الهوية القومية مقارنة مع الأجيال الأكبر سنا. لكن بالتوازي مع عدم اكتمال مركبات الهوية، نجد أن الشباب العربي لا يتماثل أو يشعر بالفخر من الانجازات الإسرائيلية، إذ قال 45% إنهم لا يشعرون بالفخر عندما يسمع عن انجازات إسرائيلية، و13.5% إنهم يشعرون شعوراً سلبياً، وفقط 6% يشعرون بفخر شديد، و30% بنوع من الفخر.
محور آخر حظي باهتمام البحث، هو مواقف الشبان والشابات العرب من مكانة المرأة ومساواتها بالرجل. وأظهر تحليل المجموعات البؤرية وجود إجماع لدى معظم المشاركين/ات على عدم مساواة المرأة بالرجل ودونية مكانة المرأة العربية. مع هذا برز خلاف على أهمية التغيير، ومجالات التغيير! وتبين أن معظم المشاركين/ات مدركون ضرورة تحسين مكانة المرأة في مجال المشاركة السياسية وسوق العمل، من ناحية، لكن من ناحية أخرى أشارت غالبية المشاركين/ات إلى وجوب الحفاظ على علاقات القوة القائمة في المجال الاجتماعي والعائلي، وبرزت آراء محافظة بشكل خاص في شأن الحريات الشخصية.
أما لدى الأجيال الأصغر سنا، ممن شاركوا في الاستطلاع، فنجد أن مواقفهم من مساواة المرأة قريبة من المشاركين في المجموعات البؤرية في جوانب المساواة الاقتصادية المعيشية، لكنها محافظة أكثر في مجال المساواة الجوهرية والحقوق الفردية الليبرالية. فقد قال 56% من الطلبة المستطلعين أن عمل المرأة مهم مثل عمل الرجل، و12% انه مهم فقط إذا كان عمل الرجل غير كاف، و20% انه مهم فقط إذا كان لا يعيق القيام بأمور البيت، و4.5% قالوا انه غير مهم بتاتا. أما بالنسبة إلى ما هو مقبول من حيث حقوق المرأة، قال غالبية المشاركين (86%) أن إنهاء التعليم العالي للنساء مقبول جدا، لكن هذه النسبة تنخفض بشكل كبير لدى الحديث عن سكن المرأة خارج البيت بهدف العمل، إذ قال قرابة 47% إن هذا غير مقبول، وفقط 19% انه مقبول جدا. غالبية الطلاب (70%) تقول إن خروج الفتاة للترفيه من دون مرافقة أحد أفراد العائلة هو أمر غير مقبول. أما بالنسبة إلى مقولة إن «الفتاة هي التي تقرر من هو الشخص الذي تريد الزواج به في المستقبل»، فقد قال 66% إنهم غير موافقين أبدا على هذه المقولة مقابل 10% يوافقون. وقرابة 80% قالوا إنهم يوافقون على مقولة ان «من المفضل أن يقرر الأهل من هو الشخص الذي ستتزوج به الفتاة في المستقبل».
يتضح من نتائج البحث، أن قضية العنف هي من أبرز المخاطر الداخلية التي تواجه المجتمع العربي وأهمها. فقد أجمع المشاركون في البحث على أن هذه الظاهرة تقع ضمن مسؤولية الدولة ومؤسساتها بشكل مباشر وأساسي. كما وجدنا وعيا لمسؤولية المجتمع والأحزاب وضرورة محاربتها، ووعيا جزئيا بخصوص مسؤولية الأفراد. وفقا لنتائج الاستطلاع، فقد قال قرابة 75% من الطلبة المستطلعين إن الظاهرة موجودة بشكل بارز في المجتمع. أما بالنسبة لتعرض الطلبة بشكل شخصي إلى اعتداءات جسدية، فإنه يتضح أن الإجابات كانت سلبية، وفقط نسبة قليلة صرحت بالتعرض لاعتداءات في المدرسة (5.5%) أو في البيت (4%) أو في الحارة (4%). أما عن العنف الكلامي، فقد قال قرابة 20% إنهم تعرضوا لعنف كلامي من معلميهم في المدرسة، و30% إلى عنف كلامي من زملاء في المدرسة، و17% في البلدة. وحين نسأل «هل شاهدت أعمال عنف «ضد آخرين»، نرى أن الصورة تتغير تماما، ويقول قرابة 40% إنهم شاهدوا ذلك في الصف، و68% في المدرسة، و15% في البيت، و55% في الحارة. أي أن الطالب العربي يفضل أن يعزو مشاهد العنف للآخرين، وانه كان شاهدا على ذلك لكنه شخصيا لم يتعرض للعنف، ربما من منطلقات الخجل أو الإنكار.
أبدى المشاركون/ات في المجموعات البؤرية وعيا لوجود طائفية دينية في المجتمع الفلسطيني، وقالوا إن السياسة الداخلية في بعض البلدات تخلق الحساسيات الطائفية، وأشاروا إلى ضرورة محاربة هذه الظاهرة. كما أشار بعض المشاركين إلى أن تعزيز الوطنية والقومية كفيل بمحاربة الطائفية. ووفقا لنتائج الاستطلاع، قال 15% من المستطلعين أن الظاهرة غير موجودة في المجتمع، و44% إنها موجودة بحدة قليلة أو متوسطة، و38% إنها موجودة بحدة عالية. وقال 36% من المستطلعين إنهم يشعرون بتمييز من جانب عرب آخرين بسبب انتمائهم الطائفي أو العائلي.
توضح النتائج بصورة بحثية أكاديمية ما يشعر به كثير من الشبان والشابات في المجتمع العربي، وتشير إلى صعوبات في مجال الدراسة والعمل من جهة، وإلى وضوح حالة العنصرية والتمييز التي يعيشها المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، وإلى وعي الجيل الشاب لمشاكل العنف والطائفية. من جهة أخرى، نرى أن الأجيال الشابة ما زالت محافظة إلى حد ما في قضايا مساواة المرأة بالرجل. أما بالنسبة لهوية الشباب الفلسطيني، فنجد، وعلى الرغم من وجود عدم وضوح في مركبات الهوية، أن الشباب الفلسطيني لم يستبطن الهوية الإسرائيلية ولا يتماثل مع الانجازات الإسرائيلية.
باحثان في مركز مدى الكرمل (المركز العربي للأبحاث الاجتماعية التطبيقية)- حيفا.
للمقالة الأصلية اضغط هنا.