المرأة وكيانها: الموجه في قضايا الصحة, الجسد والجنسانية (نساء لنساء)-2011
تحرير: رغدة النابلسي وعربية منصور
"جسدي هو بيتي.. هو قلعتي التي أواجه بها العالم وهو السند الذي أستمد منه قوتي وثقتي بنفسي.. جسدي هو هويتي التي أنسجم وإياها .. أنا جسدي .."
جاء كتاب "المرأة وكيانها" نتاجا لمسار استغرق بضعة سنوات، قامت خلاله مجموعة كبيرة من النساء بعمل فريقي متميز، سعيا للمساهمة في عملية الارتقاء بمستوى الوعي الصحي للنساء الفلسطينيات في إسرائيل. التجربة مستوحاة من الكتاب الأصلي الذي أُصدر في أمريكا لأول مرة في بداية السبعينات بعنوان Our Bodies Ourselves"" والذي أسهم في تعزيز وعي النساء لحقوقهن في تلك المرحلة التاريخية التي كانت تخوض بها النساء معارك نضالية من أجل التحرر ولتحقيق العدالة الاجتماعية والحقوق المتساوية للمرأة.
لقد بُذلت جهودا جبارة لإصدار هذا الكتاب بنسخته العربية التي اعتمدت رؤية نسوية نقدية وجريئة عكستها شهادات النساء الفلسطينيات، تأملاتهن ورؤيتهن الخاصة لكل ما يتعلق بصحة أجسادهن وجنسانيتهن. شاركت بالعمل عشرات من النساء ، من خلفيات مجتمعية وثقافية متعددة، ومن ذوي التخصصات في المجالات المهنية كالطب، علم النفس، التربية، العمل الصحي، الإرشاد الجنساني، علم الاجتماع والنوع الاجتماعي، إدارة الأعمال، الترجمة وغيرها من التخصصات. فجاء الكتاب ثمرة عمل جماعي مثابر من البحث والحوار، جمع المقابلات وتدوينها، صياغة النصوص ومراجعتها وتدقيقها.
لعل السبب الأساسي من وراء سعينا للعمل على هذا المشروع هو الواقع المتدني لصحة النساء الفلسطينيات في إسرائيل. إذ وعلى الرغم من التقدم النسبي للخدمات الصحية المقدمة للنساء في إسرائيل – مقارنة مع باقي دول المنطقة – تشير المعطيات إلى تدني المستوى المعرفي لدى النساء عموما، مما يعيق عملية تواصلهن مع أجسادهن، ويحد من مداركهن تجاه السلوكيات السليمة المطلوبة لتعزيز صحتهن الجسدية والنفسية. زد على ذلك، فإن افتقار مصادر المعلومات يكرس عدم معرفة النساء لحقوقهن الإنجابية والجنسانية، مما يتناسب طرديا مع مستوى الرفاهية الصحية التي تتمتع بها النساء.
وبما أن الواقع الصحي له ارتباط وثيق مع الواقع السياسي والاقتصادي، فانعكاساته أشد على المرأة الفلسطينية في إسرائيل، كونها الأفقر اقتصاديا والأقل حظا في فرص العمل والأكثر تهميشا في الساحة السياسية، كما تشير جميع المعطيات الرسمية (جهاز الإحصاء المركزي ووزارة الصحة الإسرائيلية).
من هنا، كان لا بد من طرح توجهات بديلة، منبثقة من رؤية نسوية تقدمية، تهدف لخلق حيز إنساني جديد وعادل يرتقي بمستوى الرفاهية الصحية والعدالة الاجتماعية والقانونية المتعلقة بصحة النساء. فجاءت جمعية "المرأة وكيانها" في عام 2005 كمبادرة للقيام بهذا العمل من أجل إرساء واقعٍ مغايرٍ أكثر إنصافًا للمرأة وصحتها.
يسعى كتاب "المرأة وكيانها" المساهمة الفعالة في عملية التغيير للنظرة الدونية والنمطية السائدة في المجتمع والمتعلقة بأجساد النساء وصحتها ورفاهيتها والتي أسهمت المؤسسات الطبية تحديدا، في تعميقها، بل إلى تذويتها من قبل النساء أنفسهن.
إن كتاب "المرأة وكيانها" بمثابة فُسحة للتعرف على الجوانب المتعددة لصحة المرأة الفلسطينية، بما فيها الحقوق الجسدية والمسؤولية الفردية والجمعية تجاهها، وهو أيضا فرصة للتأمل العميق في الخيارات المتاحة للفتيات والنساء وذلك لضمان الاستفادة القصوى من الخدمات الصحية القائمة. كما أن الكتاب يعرض أمام مقدمي الخدمات الصحية، رؤية شمولية تكاملية ترتكز على خصوصية الواقع الصحي, الاجتماعي والسياسي للنساء الفلسطينيات في البلاد.
يتطرق الكتاب بأجزائه المختلفة إلى كافة الجوانب الصحية الخاصة بالنساء وبمستويات متعددة كالصحة الجسدية، الصحة النفسية، الصحة المهنية والبيئية، سن الأمان، الأمراض النسائية، علاج الخصوبة، الجنس الآمن, الامراض المنقولة جنسيا, العضو التناسلي الانثوي والوعي للخصوبة, الحقوق المتعلقة بجهاز الصحة العامة المقدمة من الدولة، وتسييس صحة المرأة، فحوص طبية وأبحاث وغيرها من الأمور التي تهم المرأة الفلسطينية لارتباطها بالصحة الجسدية والنفسية.
وهنا تكمن أهمية هذا الكتاب، كونه محاولة فعلية لتقليص الفجوة المعرفية ولتطوير نظرة ايجابية معاصرة للجسم الأنثوي، ولكون الكتاب أداة تمكين لقدرات النساء في التصدي للدور النمطي للجهاز الصحي العام.