عقد مركز مدى الكرمل- المركز العربي للدراسات الاجتماعية والتطبيقية، بالتعاون مع جمعية الثقافة العربية، يوم الجمعة 17.4.2015، يومًا دراسيًّا تحت عنوان "نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية 2015: حقبة سياسية جديدة"، قُدّمت خلاله قراءة لنتائج انتخابات الكنيست الأخيرة. شمل اليوم الدراسي جلستين، تناولت الأولى "خطاب القائمة المشتركة"، والثانية "إسرائيل بعد انتخابات 2015".
افتتح اليومَ الدراسي مديرُ جمعية الثقافة العربية، الكاتب إياد برغوثي، مرحّبًا بالجمهور في المركز الثقافي العربي. وشدّد برغوثي على أهمية عقد مثل هذه الأيام الدراسية، وعلى أهمية الوجود الشبابي الذي كان حاضرًا في اليوم الدراسي.
شارك في الجلسة كل من د. امطانس شحادة، منسق برنامج دراسات إسرائيل في مدى الكرمل، والكاتب في صحيفة “هآرتس” كوبي نيف، بالإضافة إلى الصحافي والمذيع جاكي خوري. وترأست الجلسة د. منار محمود.
شحادة: المصوّتون والمقاطعون لا يختلفون إلاّ على الأداة، وبالتالي عليهم التشديد على القواسم المشتركة
قدّم د. امطانس شحادة مداخلة بعنوان "مواقف الناخب العربي من القائمة المشتركة"، عرض فيها نتائج استطلاع رأي أجراه مركز مدى الكرمل قُبَيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وقال إنه "من خلال البحث، نرى أن هناك نموًّا لثلاثة تيّارات داخل المجتمع العربي؛ الأول هو تيّار متفائل بالعمل البرلماني صوَّتَ للقائمة المشتركة، ويرى أنه من الممكن إحداث تغيير في مكانة الفلسطينيين في الداخل من خلال العمل البرلماني على صعيد القضية القومية الفلسطينية ككل، وعلى القضايا اليومية المعيشية للمواطنين العرب. أمّا التيّار الثاني، فهو لا يؤمن بإمكانية إحداث تغيير من خلال العمل البرلماني، ويقاطع الانتخابات، بالإضافة إلى تيّار صغير جدًّا يصوّت لأحزاب صهيونية بسبب عدم ثقته بالأحزاب العربية”. وأضاف شحادة أن “كِلا التيارين الأول والثاني، المصوّتين للقائمة المشتركة والمقاطعين للانتخابات، يختلفان في شأن الأداة وفي ما إذا كان من الممكن إحداث أي تغيير من خلال العمل البرلماني، إلا أنهما يتفقان في محاور كثيرة أخرى، كالنضال الشعبي وتعريف دولة إسرائيل وعلاقتهم بها وتعريفهم لذاتهم، أي مركّبات الهُويّة. وكما يتبيّن من الاستطلاع، يتّفق كلا الطرفين، المصوّتون للمشتركة والمقاطعون للانتخابات، إلى مدى بعيد في أن إسرائيل هي دولة ديمقراطية لليهود فقط، وغير ديمقراطية للعرب".
نيف: النظام في إسرائيل بنى جدارًا يحجب الآخر على نحوٍ كامل
أمّا الكاتب والناقد السينمائي، كوبي نيف، فقال في مداخلته تحت عنوان “لماذا لم يصوّت المجتمع اليهودي للقائمة المشتركة؟”: إن “المشكلة أن المجتمع اليهودي لا يرى أن الحل هو بالشراكة العربية اليهودية، وبالعمل المشترك. ما قام به النظام في إسرائيل على مدى عشرات السنين كان بناء جدار يحجب الآخر-العربي على نحوٍ تام؛ إذ لا يرى اليهوديُّ العربيَّ بتاتًا، ولا يرى فيه شريكاً، بل لا يراه موجودًا”.
وعن الحل، قال نيف إن “على الفلسطينيين في إسرائيل المطالبة بتمثيل مساوٍ لنسبتهم في الدولة مساواة كاملة، وعليهم المطالبة بـِ ٢٠٪ في جميع أماكن وجودهم، كي يعلم الإسرائيلي أنْ لا مناص من الحياة إلا مع العرب، وأن يخترقوا هذا الجدار القائم وعليهم أن يكونوا في كل مكان”.
خوري: القائمة المشتركة اختفت عن الإعلام بعد النتائج النهائية مباشرة
وعن الخطاب الإعلامي للقائمة المشتركة، تحدّث الصحافي جاكي خوري، فقال إن “الربيع الإعلامي للقائمة المشتركة كان بين العشرين من كانون الثاني (20/1)، أي الإعلان عن القائمة المشتركة وتشكيلها، والثامن عشر من آذار (18/3)، أي بعد يوم واحد من الانتخابات الإسرائيلية وظهور نتائج الانتخابات النهائية”.
وأضاف خوري أن “حدث الوحدة ذاته فرض نفسه على الساحة والخطاب الإعلامي أجمع، فنشأ خطاب القوة الثالثة وسؤال التوصية على أحد المرشّحين بالإضافة إلى المناظرات. إلا أنّ مع إعلان النتائج النهائية للانتخابات اختفى كل هذا فجأة بفوز الليكود، وتحوّل كل الاهتمام الإعلامي الإسرائيلي إلى مكان آخر، وفي المقابل لم تنجح القائمة المشتركة في العودة إلى صُلب الإعلام الإسرائيلي والعناوين، حتى مع هدم البيوت وتشريد العائلات، حتى مسيرة أيمن عودة التي لم تحصل على تغطية ملائمة”.
الجلسة الثانية: "إسرائيل ما بعد انتخابات 2015".
شارك فيها كل من البروفيسور غادي إلغازي، وَد. هُنَيْدة غانم، وَد. مهنّد مصطفى، ود. محمود محارب. وترأستها د. أريج صباغ- خوري.
الغازي: اليسار الصهيوني يمنع ولادة يسار حقيقي
قدّم البروفيسور غادي إلغازي مداخلة تحت عنوان "حرب في الصيف وانتخابات في الشتاء… محنة اليسار في إسرائيل"، قال فيها إن “نتائج الانتخابات الأخيرة لم تُحسم في فترة الحملات الإعلامية، بل حُسمت منذ الحرب الأخيرة على غزة. فالجمهور الإسرائيلي يعلم أن حربًا قادمة ستكون لا محالة، وبالتالي يذهب للتصويت لنتنياهو واليمين الذي يمسك زمام الأمور الأمنية والعسكرية، وأقوى فيها من هرتسوغ وليفني”. وأضاف إلغازي أن “اليسار الإسرائيلي لا يطرح بديلاً للشارع الإسرائيلي، ولا يستطيع أن يصارح المجتمع الإسرائيلي بالحقيقة كيف يمكن إنهاء الحرب المستمرة منذ عشرات السنوات، وكيف يتم إنهاء هذه الحرب بشكل تام من خلال قول الحقيقة، الحقيقة التي قد لا يرغب المجتمع الإسرائيلي بسماعها، إلّا أنه يريدها، وهي الحديث عن تفكيك المستوطنات وطرح موضوع اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة”.
وعن اليسار الصهيوني الحالي، قال إلغازي إن “اليسار الصهيوني الذي في إسرائيل اليوم ليس غير مفيد فحسب، بل هو مضرّ أيضًا، إذ إنه يمنع ولادة يسار حقيقي يضم كل من يحارب الاستعمار ويطالب بعدالة اجتماعية حقيقية؛ عدالة تختلف عن العدالة الاجتماعية التي يطرحها اليسار الصهيوني الحالي الذي يحتكر الثروات والمؤسسات المهمة كافة، وبالتالي هو مستفيد من الطبيعة الاستعمارية وانعدام العدالة الاجتماعية”. وتابع أن “صناعة يسار حقيقي تحتاج إلى بناء تحالف واسع يضم كل القوى المستضعفة الفقيرة والمناهضة للصهيونية والاستعمار، وليس يسارًا أبيضَ، ذاك الذي ليس له مصلحة في توزيع عادل للثروات، ولا مصلحة له في إنهاء الاحتلال”. واختتم حديثه بالقول إن “ما أطمح إليه ليس فقط القائمة المشتركة، التي رأيت بها يسارًا حقيقيًّا على العكس ممّا ادعت حركة ميرتس: أنها هي اليسار الوحيد، أطمح لتشكيل تحالف مضطهدين لا على صعيد انتخابيّ فقط، بل كذلك على صعيد نضاليًّ”.
غانم: إسرائيل الثالثة، المستوطنون
د. هُنَيْدة غانم قدمت قراءة مقارنة لأنماط التصويت لحزب الليكود منذ العام 1977 حتّى العام 2015. وقالت إن “المشهد السياسي الإسرائيلي مر بثلاث مراحل أساسية، المرحلة الأولى كانت تلك التي سيطر عليها مؤسِّسو دولة إسرائيل وامتدّت حتى العام 1977، وتميّزت بهيمنة اليهود من أصول غربية على قيادة الدولة ومؤسساتها. أمّا المرحلة الثانية، فكانت منذ بداية العام 1977، وهي مرحلة الليكود واستقطاب الشرقيين؛ حينذاك شعر الشرقي أن باستطاعته التأثير على المشهد السياسي الإسرائيلي. وإسرائيل الثالثة التي نراها اليوم هي نهاية مرحلة الشرقيين وولادة مرحلة جديدة، هي مرحلة المستوطنين، إذ إن السياسيين أصبحوا يحصلون على شرعيتهم من علاقتهم بالمستوطنين”.
وتابعت بقولها إن “التغييرات الديمغرافية ذات الخطاب الاستيطاني، التي حصلت في إسرائيل، حوّلت حزب الليكود بالكامل إلى حزب مستوطنين، فضلاً عن أنه تحوّل إلى الحزب الوحيد القادر على قيادة دولة إسرائيل وسيستمر”. وتوقّعت غانم أن “يختفي اليسار في إسرائيل، وتنقسم إسرائيل إلى يمين ليبرالي ويمين استيطاني”.
مصطفى: اليمين الإسرائيلي الجديد يشبه اليمين المتطرّف في أوروبا
د. مهند مصطفى قدم مداخله بعنوان “اليمين الجديد في إسرائيل والعودة إلى نموذج الحزب المهيمن”، قال فيها “إن يمينًا جديدًا نتج في إسرائيل شبيهًا باليمين المتطرّف في أوروبا، والفرق الوحيد أن هذا اليمين في أوروبا هامشي جدًّا، أمّا في إسرائيل فهو في السلطة ويقود دولة إسرائيل منذ العام 1977”. وأضاف مصطفى أن “هذا اليمين يتميّز بكونه يعتبر الدين مرجعية أخلاقية؛ إذ هو يعيد الربط بين اليهودية والقومية، بالإضافة إلى أنه يتعامل مع الهجرة غير اليهودية إلى إسرائيل كخطر، ويقلّص حيّز التعدّديّة القوميّة، ويتميّز بـِ "الإسلاموفوبيا" وتصوير الإسلام كعدو أساسي وإرهاب ويحتكر الوطنية والصهيونية. وبالتالي هو لا يختلف عن اليمين المتطرّف الذي نشأ في أوروبا”. وعن الحزب المهيمن قال مصطفى إن “إسرائيل لم تصل بعد إلى حالة "الحزب المهيمن"، بل إنها تتميّز بنظام حزبي مهيمن هو الوحيد القادر على تشكيل حكومة، وإذا استمرت على هذا النهج ليس مستبعدًا أن يصبح فيها نظام الحزب الواحد المهيمن”.
محارب: ليدفع المحتل ثمن الاحتلال
د. محمود محارب قدّم مداخلة بعنوان إسقاطات نتائج الانتخابات الإسرائيليّة على القضية الفلسطينية، وقال: “إنّ أي حكومة إسرائيلية ستأتي، سواء أكانت حكومة يمين أم حكومة يسار صهيوني، لا تريد أن تتجاوب مع الحد الأدنى لمطالب الشعب الفلسطيني ولا للحقوق الفلسطينية الطبيعية والعادلة، فكم بالحري لدى الحديث عن حكومة يمين ويمين متطرّف”؟! وأضاف د. محارب أن “الحديث أصبح يدور عن مجتمع كامل عنصري يتسّم بأفكار عنصرية، أصبحت فيه المساواة أو المطالَبة بها تطرّفًا، والحديث ليس عن الليكود أو أحزاب اليمين فقط، وإنّما هو مشروع كامل تتشارك فيه الأحزاب والجهات الإسرائيلية كافّة، بمن فيها ميرتس وغيرها؛ إذ جميع هذه مع الاستعمار والاستمرار في الاستيطان، ونتنياهو هو القائد”.
وتابع قائلاً إن “ما يريده نتنياهو من الشعب الفلسطيني هو الاستسلام، الاستسلام السياسي والفكري أيضًا، ويسعى بكل قوته إلى تقليص تطلّعات الشعب الفلسطيني، وإلى تحويل الحركة الوطنية الفلسطينية ومنظّمة التحرير كلها من حركة تَحرُّر ومقاومة إلى روابط قرى ومدن تسعى لنَيْل رضى إسرائيل عنها، بدون أن يقدّم أي تنازل”.
واختتم محارب حديثه مشدّدًا على أهمية تدويل القضية الفلسطينية، إذ قال إنّه “علينا كفلسطينيين الخروج إلى العالم، وإرغامه على أن يتخذ موقفًا من إسرائيل كدولة كولونيالية، وعلى الناشطين الديمقراطيين اليهود المطالبة بفرض عقوبات على إسرائيل، كي يدفع المحتل ثمن الاحتلال”.