إحياء لذكرى سقوط مدينة حيفا في العام 1948، أقام مدى الكرمل-المركز العربيّ للّدراسات الاجتماعيّة التّطبيقيّة ندوة بعنوان "سقوط حيفا وصمودها". افتتح النّدوة د. إمطانس شحادة باستعراض مقتضب لآثار النّكبة على مدينة حيفا، وطرح أسئلة حول أسباب سقوطها، ثمّ صمودها. شارك في النّدوة كلٌّ من بروفيسور محمود يزبك – أستاذ في قسم تاريخ الشّرق الأوسط في جامعة حيفا، ود. جوني منصور – أستاذ تاريخ وباحث في كلّيّة بيت بيرل، والسّيدة همّت زعبي – طالبة دكتوراه في جامعة بن غوريون في النّقب، ود. رونين بن-آري – أستاذ في كلّيّة الهندسة المعماريّة وتخطيط المدن.
قدم بروفيسور محمود يزبك مداخلة حول تاريخ مدينة حيفا الفلسطينيّة منذ العام 1939 وحتى سقوطها في العام 1948. وقال أنّ ثورة 1936 – 1939 شكّلت ضربة أولى لشعبنا الفلسطينيّ، ومقدّمة للنّكبة، حيث إنّها ساعدت على تقوية البنية التّحتيّة الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والعسكريّة للحركات الصّهيونيّة، مقابل تآكل الحالة الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والسّياسيّة للفلسطينيّين، وذلك لانعدام قيادة سياسيّة فلسطينيّة قادرة على مواجهة الاستعمار البريطانيّ والمشروع الصّهيونيّ، آنذاك. وفي حالة حيفا، يوضّح بروفسور يزبك أنّ الحركة الصّهيونيّة بدأت بالسّيطرة وبناء أحياء في مرتفعات المدنية وجبالها، بينما تموضعت البلد العربيّة في المناطق المنخفضة من المدينة. وفي العام 1948، تمّ إخلاء أكثر من 35 ألف فلسطينيّ خلال شهرين ونصف الشّهر، وذلك بمساعدة الرّاجمات والمدافع، ولم يتبقَّ من سكّان حيفا الأصليّين سوى 2500 فلسطينيّ، جُمّعت غالبيّتهم في وادي النّسناس.
تطرّق د. جوني منصور، في مداخلته، للرّواية الصّهيونيّة – الإسرائيليّة لسقوط مدينة حيفا وفقًا لنصوص منشورة، وتحديدًا كتاب من تأليف موشيه كرمل، الّذي يسرد، من ضمن فصوله، الرّواية الصّهيونيّة لسقوط مدينة حيفا. ويتّضح من خلال مراجعة الكتاب، وفقًا لد. منصور، أنّ الحركات الصّهيونيّة خطّطت تخطيطًا كاملًا للسّيطرة على البلاد، وتطهير الأرض من سكّانها الأصليّين بشكلٍ كامل. يصف الكاتب معركة حيفا والاستراتيجيّة الّتي طبّقتها حركة الهجناه الصّهيونيّة للسّيطرة على حيفا، وإخلاء سكّانها الفلسطينيّين، ودفعهم نحو الميناء؛ إذ تواجدت، هناك، سفن إنجليزيّة وصهيونيّة لإتمام عمليّة النّقل. وفي ختام مداخلته، أكّد د. منصور أنّ تحليل الاستراتيجيّة الصّهيونيّة يؤكّد أنّ الهدف هو اقتلاع سكّان المكان الأصليّين، الّذين بنوا المدينة بجهدهم، وإحلال مستوطنين من وراء البحار مكانهم.
أمّا مداخلة السّيّدة همّت زعبي، فكانت بعنوان "صندوق الصّمت" – الرّوايات الشّفويّة في بحث فترة الحكم العسكريّ. تطرّقت زعبي، خلالها، إلى هذه الفترة، كونها واحدة من الفترات المغيّبة من تاريخ شعبنا، والّتي استمرت حتى نهاية العام 1966، وكانت كفيلة، ليس فقط بتغيير المعالم، والحيّز، وتركيبة النّاس والسّكّان، ومصادرة الأراضي، إنّما، أيضًا، كونها صمّمت وهندست جزءًا كبيرًا من سلوكيّاتنا نحنُ كفلسطينيّين. وتحدّثت زعبي عن آثار فترة الحكم العسكريّ على الفلسطينيّين، والّتي تمثّلت بفرض قيود على الحركة، والعمل، والتّنقّل من مكان إلى آخر، حتى لزيارة أطبّاء، وأصبح هناك سياسة رقابة وتطويع على المدارس.
أمّا د. رونين بن-آري، فقد تناول، في مداخلته، سياسات التّخطيط الحاليّة الّتي تنتهجها بلديّة حيفا لتغيير معالم ما تبقّى من البلد التحتى-العربيّة، عن طريق تخويل القطاع الخاصّ القيام بمشاريع عمرانيّة ضخمة، تهدف إلى تحويل الحيّ إلى منطقة سياحيّة وتجاريّة، إلى جانب بناء عمارات سكنيّة حديثة للأجيال الشّابة. في كافّة هذه الخطوات، تقوم البلدية بتجاهل تاريخ المنطقة، بل وإتمام عمليّة طمس تاريخ الحيّ ومحوه. وبالطّبع، فإنّ هذا التّحول لن يتيح فرصة للمجتمع العربيّ للبقاء في تلك الأحياء، بسبب ارتفاع أسعار الشّقق والمرافق التّجاريّة. وختم بن-آري بالإشارة إلى أنّ هناك سياسات تخطيط نيو-ليبراليّة تتجلّى بالمصلحة المشتركة بين البلديّة وقطاع الأعمال، بغية تغيير معالم البلد التحتا-العربيّة. وبهذا المعنى، فإنّ السّياسات الحاليّة هي استمرار لتهجير عام 1948.