نظّم برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل -المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة، بالتعاون مع جمعيّة الثقافة العربيّة، الأسبوع الماضي، ندوة فكرية بعنوان “الثورات العربيّة-أسئلة في الأخلاق والسياسة”، وذلك على شرف نيل رسالة الدكتوراه للباحثة ياسمين ضاهر التي تناولت في رسالتها هذا الموضوع.
أدارت الندوة عضوة الهيئة الإدارية في جمعية الثقافة العربية، المحامية حنين إغباريّة، والتي أكدت على أهميّة الموضوع المطروح، واستطاعت الباحثة النظر فلسفيّا إلى الثورات العربيّة وإعادة الروحِ البحثيّة لها.
وافتتح مُدير عام مدى الكرمل، د. مُهند مصطفى، بكلمةٍ تُشيد بموضوع الندوة “الثورات العربيّة” وأهميّة دراسةِ الثورات العربيّة من موقعِنا الفلسطينيّ، مؤكدا على أهمية المساهمات المعرفيّة العربيّة لنقدِ الاستبداد في المنطقةِ العربيّة وطرحِ أسئلةٍ تُحاكي المعاناة العربيّة، على عكسِ الأسئلة الاستشراقيّة والعُنصريّة التي تنحو لتجريمِ الشعوب.
وكانت كلمته، مُقدمة لحديث د. ياسمين ضاهر؛ التي أطلقت مُحاضرتها بسؤال “لماذا لا يوجد تحوّل ديمقراطي، في المنطقةِ العربيّة؟” وبدأت في تفكيك المقولة الدارجة في دراسات “التحوّل الديمقراطي” في العقود الخمسة الأخيرة، بأن المنطقةِ العربيّة هي في مسارٍ خطيّ نحو الديمقراطيّة، وبأن الديمقراطية هي الخير للشعوبِ جميعا، وطرحت أن هذهِ المقولة تُغيّب “الشعب” و”الناس” عن هذا المسار.
وطرحت ضاهر إشكاليّة فلسفيّة وأخلاقيّة لفهمِ جذور المشكلة في تحليل الثورات عمومًا والثورات العربية خصوصًا. تتعلق الإشكاليّة بالنظرة إلى الأحداث والفعل الثوري، إذ طرحت مستلهمة من الفيلسوفة حنة أرندت، بأن الفلسفة الغربيّة منذُ هيغل تنظرُ إلى الفعل الثوري، على أنها تقف على مسافةٍ من الحدث والفعل والتاريخ، وتُراقبها، وتُحلل مُجرياتِها، دون أن ترى ذاتها جُزءًا من هذا الحدث والفعل والتاريخ، وهُنا يغيبُ عنها العديد من الإمكانيّات في هذا الفعل الثوري. وبالتالي، تُقصي العديد من مُركباته، وأهمها الشعب والناس في الميادين، وتراها بأنها هامشيّة، وينتجُ عن ذلك دراساتٍ لا تجدُ في الفعل الثوري الجماهيري ذاتهِ بديلا عن الاستبداد.
وعلى إثر ذلك، انتقدت ضاهر المدارس الثلاث في “دراسات التحوّل الديمقراطي” التي تدرس الفعل الثوري في المنطقةِ العربيّة على أنهُ موضوع منفصل عن الذات المشاركة في الثورات العربيّة. لذلك رأت المدارس جميعا بأن التحول الديمقراطي يأتي فقط عبر النخبِ والمؤسسات، دونَ فهمِ الدور الأساسي للفعل الثوري الجماهيري ذاتهِ.
دراسة الثورة كما تطرحُها ضاهر، عليها أن تعكس منظورًا أخلاقيّا، يرتكز على مُشاركة “الشعب” و”الناس” في السياسة وصنعها. واعتمدت الباحثة على الفيلسوف إيمانويل كانط في تحديد أهميّة تداول الفعل الثوري كمُمارسة أخلاقيّة، دونَ الاكتراث بالتبعاتِ السياسيّة، بل الأمل في التقدّم والحريّة، كما تطرحُها الثورة، هي الفعل الأخلاقي.
ووجدت ضاهر، بأن الممارسات والفعل الثوري بالميادين في الثورات العربيّة، التي جسّدت انخراط الشعب بالسياسة والسيطرة على الحيّز العامّ، قد خلقت بدائل نضالية في إدارةِ حياتِهم، بالتالي أصبحت الحشود تملكُ السياسة مادّيا، وهكذا نستطيع فهم الفعل الثوري من خلال مُركباتهِ الأخلاقيّة وإمكانيّاتهِ السياسيّة.
وأنهت الباحثة مُحاضرتها في الحديث عن إمكانيّات صقل الذوات الأخلاقيّة من خلال الفعل الثوريّ ذاتهِ.
ثم قدّم د. رائف زريق تعقيبًا على ما قدّمته ضاهر، من جانب “ما هي الثورة؟” فقد رأى زريق بأن الباحثة ارتكزت على مفهوم جماليّ للثورة، على أنها بذاتِها هي تعبّر عن مرحلة خلق وبدء من جديد، وفيها فروسيّة وتحدّ. وقال إنه هو أيضا يرى بأهميّة التركيز على الفعلِ الثوريّ ذاتهِ، ولكن مع الوعي لمحدوديّته.
وأضاف زريق، بأن الكلام عن الثورة عليهِ دائما أن يكونَ في السياق الاجتماعيّ السياسيّ، بالتالي كما تحدّثت أرندت عن أهميّة “احتلال” الحيّز العام للمقهورين والفُقراء والأقليّات، وعدم الاعتماد على قوانين حقوق الإنسان في عالمٍ فاشيّ ونازيّ. في المقابل وجّه زريق نقدا لفكرة امتلاك الحيز العام بالمطلق، معتبرا أن ذلك في بعض الأحيان يؤدي إلى نتائج عكسية، لا سيما إذا سيطرت عليه قوى غير ديمقراطية.