عَقَد مدى الكرمل، يوم السبت الـموافق 26 من شباط (2022)، اللقاءَ الرابع من ورشة “الصهيونيّة والحركة الوطنيّة الفلسطينيّة: قراءات في مذكّرات المستعمِر والمستعمَر” – الدورة الرابعة. واستضاف اللقاءُ الـﭘـروفيسور إيهاب سلول، الأستاذ في جامعة أمستردام للتراث والذاكرة والثقافة المادّيّة، الذي قدّم مداخلة حول تداخل التخصّصات والذكريات المتنافسة Interdisciplinarity and Competing Memories، وقد أدار اللقاء والنقاش الاستاذ نديم روحانا
تناولت المحاضرة عدّة موضوعات تتعلّق بمفاهيم كتداخل التخصّصات كحقل دراسيّ وبحثيّ، والذاكرة والذكريات والتراث، والذاكرات المتنافسة ودَوْرها في البناء المستمرّ للهُويّة الوطنيّة. وداخَلَ الأستاذ سلول حول أنّ تداخل التخصّصات Interdisciplinarity) كحقل دراسيّ يعني إنشاءً جديدًا، لا ينتمي إلى أيّ من التخصّصات بشكل خاصّ بل بالكيفيّة التي يجري فيها دمج التخصُّصات معًا في العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، وعمادُهُ الأساسيّ هو الأسئلة والموضوعات التي تُفْضي إلى البحث والتفسير والتحليل الذي لا يقتصر على منهج واحد. وتكمن أهمّيّة منهج تداخل التخصّصات في علاقته بالذاكرة والهُويّة والثقافة.
وأشار كذلك إلى أنّ مفاهيم التراث والذاكرة والهُويّة والثقافة في حالة تفاوض مستمرّ على بنائها وإعادة بنائها وتشكيلها في الوقت الحاضر، وذلك أنّ المفاهيم (Concepts) كأدوات هي العمود الفِقريّ للدراسة المتعدّدة التخصُّصات للثقافة بسبب احتماليّتها، أي لأنّها لا تحمل المعنى نفسه للجميع، بل على العكس من ذلك.
أمّا بخصوص الذاكرة والتاريخ، فقد أشار سلول إلى أنّ الفرق الأساسيّ بينهما -على الرغم من التداخل القائم بين الحقلين- هو ما تُمْكِن تسميتُهُ “إضافة الطابع المؤسّساتيّ على التاريخ” (Institutionalization of history) من خلال مؤسّسات متعدّدة.
أمّا بخصوص الذكريات المتنافسة والرواية، فأشار سلول إلى سؤال مهمّ يتعلّق بها، وهو كيفيّة تقديم ذكريات متنافسة تقدِّم هي بدورها رواية مغايرة، على الموقع نفسه؛ وذلك أنّه يمكن أن تكون السرديّة واحدة ولكن سردها يجري بطرق وأطر مختلفة بحيث تعطي منظورًا يختلف كلّ منها تمامًا عن الآخر، على نحوِ ما نجد في الروايات بشأن الحرب العالميّة الأولى، وطرق تقديمها بالمعارض الفنّيّة، بحيث تدلّل على سرديّات المنتصر والمهزوم. ففي المعرض، على سبيل المثال، هنالك الصورة المجرّدة الواضحة للجميع، وهناك -في المقابل- الوصف الذي يكرّس سلطةَ مَن يَعْلَم وبالتالي يفرض روايته على الصورة وعلى الكيفيّة التي يقرأ فيها المرء الصورة، بالمداومة على تكرار السرديّة. وهذا ينطبق على التاريخ وصناعته وعلى معنى “الحقيقة” فيه، ولا سيّما أنّ مفهوم التمثيل (Representation) لا يعني دومًا إظهار ما هو حقيقيّ، وما هو مهمّ فيه ليس ما يظهره فقط، بل ما يخفيه كذلك.
وتطرّق سلول بإسهاب إلى صعوبات تحديد الفَرْق بين الذكريات (Memories) والمذكّرات (Memoires) والتاريخ والتراث والذاكرة، معتبرًا إيّاها مفاهيم ديناميكيّة ومتغيّرة ولها أهمّيّتها في الحقول المتعدّدة الاختصاصات، وفي حقل دراسات الهولوكوست على وجه الخصوص. وناقش بإسهاب مفهوم المذكّرات (Memoires) التي تثير جدلًا كثيرًا حولها بشأن مدى اعتباره حقلًا في التاريخ أو الأدب والرواية القصيرة، وبيّن دقّته كحقيقة تاريخيّة أو مواضع الزيف فيها، وكيف يمكن التعامل معها كحقل معرفيّ وتاريخيّ.
وأنهى سلول مداخلته بمَوْضعة السرد في سياق الذكريات المتنافسة بين المستعمِر والمستعمَر، مؤكّدًا أنّه يستحيل أن يكون هناك تاريخ مشترك بينهما، ولا سيّما أنّ المستعمِر الصهيونيّ قد استعمر السرديّة، ولربما تكون مشاركة في مساحة السرد ولكن يستحيل أن يكون هناك تاريخ مشترك؛ وذلك أنّ أحدهما يلغي الآخر. واقترح سلول ضرورة التفكير في نموذج نظريّ جديد يخرج من ثنائيّة الضحيّة والجاني، لأنّ الانجرار وراء الردّ على سرديّة المستعمِر هي أيضًا شكل من أشكال الاستعمار.
عُقِد اللقاء عبر تقنيّة الزوم، على أن يُعْقَد اللقاء الخامس من الورشة وجاهيًّا في شهر أيّار، باستضافة من جامعة أمستردام.