لماذا يشارك الفلسطينيون في إسرائيل في الانتخابات وفي البرلمان، ما الذي يستطيع النواب العرب تقديمه للجماهير العربية وما مدى تأثيرهم على السياسات الإسرائيلية؟ هذه الأسئلة وغيرها تطرح قبل وخلال كل دورة انتخابات من قبل أوساط عربية مختلفة. وفي المقابل تتزايد في السنوات الأخيرة الأصوات الإسرائيلية المطالبة بمنع مشاركة الفلسطينيين في البرلمان وفرض المزيد من القيود على مشاركتهم السياسية، كما تزداد الإدعاءات الصهيونية الرسمية وغير الرسمية بأن النواب العرب لا يمثلون جماهيرهم. رغم أهمية هذه الأسئلة لم يجر حتى الآن أي بحث أكاديمي شامل حول هذه المسألة. من هذه المنطلقات وغيرها قرر مركز مدى، المركز العربي للابحاث الاجتماعية التطبيقية، إجراء بحث مفصل حول المشاركة السياسية للعرب منذ عام 1948 وحتى اليوم في جميع جوانبها.

بهذه الخصوص عقد مركز مدى ورشة عمل حول المشاركة البرلمانية بمشاركة النواب العرب، أكاديميين والعديد من الناشطين السياسيين المهتمين بالأمر. افتتح الندوة بروفيسور نديم روحانا، المدير العام لمركز مدى الكرمل ومدير مشروع المشاركة السياسية، فقام بعرض المشروع البحثي وطرح أمام المشاركين أسئلة البحث لمناقشتها. وقد تمحورت الأسئلة البحثية حول عدة محاور مثل: نجاعة العمل البرلماني؛ أهداف المشاركة البرلمانية؛انجازات العمل البرلماني؛ الخطوط الحمراء للعمل البرلماني؛ وغيرها.

بعدها تحدثت السيدة أريج صباغ-خوري مركزة المشروع وقالت أن هذه الورشة هي الثانية ضمن سلسلة ورشات عمل ينظمها مدى بهدف دراسة أدوات العمل السياسي للمواطنين الفلسطينيين منذ 1948، وأرشفة جميع المواد والادبيات المرتبطة بالمشاركة السياسية. حيث تعمل ضمن المشروع خمسة طواقم بحث من مجالات مختلفة لدراسة أدوات المشاركة السياسية التالية: العمل البرلماني؛ الحركات السياسية غير البرلمانية؛ الجمعيات الأهلية؛ العمل القانوني؛ لجنة المتابعة. وقالت أنه من المقرر أن يتم هذا المشروع البحثي على مدار ثلاث سنوات، تتوج بنشر أبحاث الطواقم، وعقد مؤتمر دولي لعرض النتائج. كما تحدث منسق طاقم العمل البرلماني في مدى السيد إمطانس شحادة وشرح خصوصية بحث الاحزاب السياسية ومشاركتها البرلمانية وفحص نجاعة العمل البرلماني واشار ان هذه الورشة معدة لتساعدنا في تحديد الاسئلة البحثية وفي تعريف مسألة النجاعة.

أول المشاركين كان النائب د. حنا سويد، رئيس كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في الكنيست، الذي أكد اهمية البحث وضرورة استطلاع رأي الجمهور والاعتماد على الأبحاث من أجل وضع إستراتيجية للعمل البرلماني. وأشار إلى أن البحث المطروح يتلاءم مع تعريف مركز مدى من حيث كونه مركزا للأبحاث الاجتماعية التطبيقية. ودعا الى ضرورة الاهتمام بالمعايير التي توجه البحث وتتحكم به.

وفي حديثه عن جدوى العمل البرلماني والمردود السياسي أشار إلى الصعوبات التي يواجهها النواب عامة خلال العمل في الكنيست، وقال أن الطريق شبه مسدودة أمام النواب العرب الذين يعملون من داخل برلمان صهيوني. وقال انه لا يجب قياس الانجازات بعدد مشاريع القوانين التي يشرّعها النواب مثلا، بل بنوعية هذه القوانين ومدى خدمتها لمصلحة الجمهور العربي. "الأحزاب العربية هي أحزاب معارضة والخيار الطبيعي لمن يعمل في إطار المواطنة هو المشاركة في العملية الانتخابية وفي البرلمان"، قال سويد. وأضاف أن التعاون البرلماني للاحزاب العربية مأزوم وبحاجة الى معالجة جدية.، ودعا الى ضرورة العمل المشترك والتعاون والتنسيق.

"الكنيست هي منبر ويجب اخذ ذلك بعين الاعتبار وعدم التمركز حول الانجازات. البرلمان هو منبر للوصول الى الجمهور والاعلام ولا يجب التفريط به".

بعدها تحدث الباحث نهاد علي من قسم العلوم الاجتماعية في جامعة حيفا، وقال انه توجد محاولة مستمرة من قبل السياسيين والباحثين في اسرائيل الى الادعاء بوجود فجوة كبيرة بين القيادات العربية والجماهير العربية، وتحدث عن بحثه الذي يثبت عكس ذلك وبين تمسك الجمهور بالقيادات العربية وايمانه بها وتماثله معها. وقال ان الجماهير العربية تريد ان تكون جزءا من عملية صناعة القرار والتأثير عليه. يذكر أنه كان من المفروض أن يشارك في هذا القسم من الورشة النائب الشيخ ابراهيم عبد الله، رئيس الحركة الاسلامية الجنوبية ورئيس القائمة العربية الموحدة، لكنه تغيّب لأسباب طارئة.

كما عقب على هذا القسم من الورشة السيد سليم بريك الباحث المشارك في طاقم المشاركة البرلمانية. وقال ان السكان العرب في اسرائيل هم رعايا وتابعون وليسوا مواطنين وان وضع الاقلية العربية في اسرائيل من الناحية القانونية لا يشبه وضع الاقليات المختلفة في العالم. وأشار ان النظام البرلماني في اسرائيل ضعيف جدا وهنالك صعوبة في سن القوانين التي تتطلب تخصيص ميزانيات. وقال أن النواب العرب لا يستطيعون التأثير في البرلمان وانهم ليسوا جزءا من المهام الرئيسية للبرلمان مثل انتخاب الحكومة او اسقاطها. كما اكد على ان نظام الحكم في اسرائيل ليس ديمقراطيا بل هو نظام استبداد الاغلبية وهذا اصعب بكثير حتى من النظام الدكتاتوري.

في القسم الثاني من ورشة العمل تحدث النائب د. جمال زحالقة، رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي في الكنيست: الذي قال انه من الظلم التعامل مع النواب العرب كحالة معارضة عادية وتقليدية "نحن في حالة صراع وكل تعاملنا مع العمل العربي ينطلق من ذلك"، قال زحالقة. ثم أشار إلى ضرورة التمييز بين المشاركة في الانتخابات والمشاركة البرلمانية. فالمشاركة في الانتخابات لا تعني بالضرورة المشاركة في البرلمان. حيث ان المشاركة في الانتخابات تأتي من باب ضرورة عدم ترك فراغ وعدم ترك ساحة التصويت لأحزاب لا تمثل الجمهور العربي.

وحول المشاركة في البرلمان قال "السؤال هنا هو ما هي البدائل المتوفرة؟ العمل البرلماني لا يشكل عائقا أمام أي عمل سياسي آخر ولا يحدد أو يقيد مواقفنا ونشاطاتنا". وأشار إلى أن العمل البرلماني والسياسي يفرض على الاحزاب العربية العديد من التناقضات والسؤال هو كيفية التعامل مع هذه التناقضات.

بعده تحدث النائب طلب الصانع رئيس الحزب العربي الديمقراطي، فأشار الى وجود سقف للعمل البرلماني وقال ان النائب العربي يقوم بعدة اعمال ليست اصلا مطلوبة من النائب اليهودي. وعن الكنيست قال انها منبر للعمل السياسي وليس للعمل الوطني حيث ان النواب العرب محكومون لقواعد عمل سياسية مقوننة وان الواقع القانوني للعرب تمت صياغته فترة الحكم العسكري حيث تم تحديد العلاقة بين المواطنين العرب والدولة اعتمادا على عدم المساواة. وقال ان العرب يملكون حق الانتخاب ولا يملكون حق التأثير.

ثم قال الصانع أن مشكلتنا كعرب هي مع القانون ونحن لا يمكننا تغيير القوانين من خارج البرلمان ومن هنا تنبع قناعته بضرورة العمل البرلماني. وقال انه يجب استغلال جميع الفرص للتأثير وضرورة استغلال موازين القوى داخل الكنيست لتحقيق المكاسب للجماهير العربية.

تحدثت بعده د. سامرة اسمير من قسم الريتوريكا جامعة بريكلي في كاليفورنيا وقالت ان طرح سؤال مثل: ماذا يريد الناخب العربي يفترض ضمنا وجود ذات عربية مستقلة لديها رغبات وارادة وانه علينا فقط اكتشاف هذه الذات. وقالت انه بدل ذلك يجب طرح سؤال حول بنية الكنيست، مشيرة الى ان ارادة الناخب ورغباته هي تاريخية تتغير بتغيير التحديات السياسية وان الرغبات تتشكل من خلال الممارسة السياسية ومن خلال الفكر السياسي الليبرالي وأشارت إلى أن التساؤل المركزي يجب ان يكون حول فاعلية العمل البرلماني خارج منظومة النجاح والفشل. وعلينا هنا ان نسأل عن نوع الفكر السياسي الذي يؤسس له العمل البرلماني وعن نوعية الذات الجماعية التي يشكلها. و يجب ان نسأل حول اسقاطات هذه المشاركة وتأثيرها على الذات الجماعية العربية وعلى نوعية الجماعة السياسية التي نحاول عبر ذلك اعادة انتاجها.

وقد عقب على هذه الجلسة الباحث في طاقم المشاركة البرلمانية مهند مصطفي، فقال ان انتخابات الكنيست لا تنتج بالضرورة قيادات عربية واشار الى التراجع بنسبة المشاركة في الانتخابات. واشار الى نوعين من الخطاب للاحزاب العربية داخل البرلمان: 1- خطاب الاعتراف أي المطالبة بالاعتراف بالعرب كضحية وهو خطاب يقع داخل اطار المواطنة. 2- خطاب الاختلاف وهو محاولة لطرح المسألة خارج اطار المواطنة وطرح الحقوق دوليا.