"الثورات العربية هي نتاج تناقضات بنيوية داخل النظام. والانفتاح السياسي في العالم العربي كان قد بدأ أوائل سبعينيات القرن الماضي بسبب تلك التناقضات، وليس كاستجابة لمطالب شعبية. كما أن صعود التيار الإسلامي كان قد دفع النظام للانفتاح السياسي لمواجهة هذا التيار. لكن النظام حاول دائما التحكم والسيطرة على التحولات الديمقراطية بهدف تكريس ذاته وتعميق سيطرته، وليس من أجل تفكيك نفسه. وكانت النتيجة دول هجينة تتناقض مع مفهوم الدولة المدنية"، هكذا تحدث الباحث مهند مصطفى خلال الندوة التي عقدها مركز مدى الكرمل حول "الثورات والتحولات في العالم العربي".
بداية تحدث بروفيسور قيس فرو، حيث استعرض عدة نظريات حول الثورات ونشوبها. وقال أن كل مؤرخ سوف يتوقف عند سنة 2011 كسنة مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط، وكبداية لمرحلة جديدة لا تشبه الفترات السابقة. وقال أن المؤرخ يحاول تأويل التاريخ وأنه يتعامل مع وصف الأحداث، وليس مع الحدث نفسه. كما رفض فكرة قدرة المؤرخ على التنبؤ بمسار التاريخ وتغيراته. و أكد البروفيسور فرو على استحالة فهم وتفسير ما حدث في العالم العربي خارج السياق العام وبمعزل عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. "خلال العقود الأخيرة حدثت عدة تغيّرات على النخب المسيطرة في العالم العربي، وأهم ما يميّز هذه التغيّرات هو أن النخب استعملت السلطة من أجل الثروة واعتماد النظام على الخطاب الديني القومي"، قال بروفيسور فرو.
أما الباحث مهند مصطفى فقد ركز في حديثه عن الحالة التونسية وجدلية التحديث والدمقرطة، وقال أنه تم استعمال الحداثة في تونس بهدف ضرب المشروع الديمقراطي والمشروع الإسلامي الإصلاحي. وقال أن ما يميّز النخب السياسية التونسية بعد الاستقلال أنها درست في الغرب، تحديدا في فرنسا ، ثم عادت إلى تونس لتستلم الحكم حاملة مشروع حداثوي متطور جداً، لكن هذا المشروع الذي أخذ عن الغرب الحداثة الاجتماعية والثقافية قد أغفل المشروع الحداثوي السياسي. "المشروع الحداثوي في تونس لم ينتج دمقرطة، بل عمل على ضرب جميع القوى الديمقراطية داخل تونس. هذا المشروع الحداثوي العلماني الغربي لم يضمن الديمقراطية. وما أدى إلى التحول الديمقراطي في تونس، ومصر أيضاً، هو التناقضات داخل النظام نفسه"، قال مصطفى.
حول ردود الفعل الإسرائيلي والموقف الإسرائيلي الرسمي من الثورات العربية تحدث د. محمود محارب، الذي قال بأن الفكر الإسرائيلي، الرسمي والأكاديمي، ينفي أمكانية حدوث تحول ثوري وديمقراطي في العالم العربي، وهو الفكر الذي يستند إلى النظريات الاستشراقية والثقافوية التي تخدم أجندة سياسية. وأكد بأن التوجهات الإسرائيلية السلطوية، كما مراكز الاستخبارات العسكرية ومراكز الأبحاث، كلها كانت معادية للثورات العربية وقلقة من نتائجها. وقال بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي بقيت متمسكة بنظام حسني مبارك، وحاولت الضغط على الولايات وأوروبا لدعم نظام مبارك.
"تاريخيا فضلت إسرائيل التعامل مع أنظمة الاستبداد والفساد وتحالفت معها. مع حدوث الثورة المصرية خسرت إسرائيل أهم حليف لها في الشرق الأوسط. فخلال العقود الثلاثة الأخيرة اعتبرت إسرائيل النظام المصري كمقاول للسياسة الإسرائيلية. وأكثر ما أزعج إسرائيل هو أن الثورات العربية لم تنتج عن انقلاب عسكري، بل نتاج حراك سياسي شعبي وسلمي. فقد خشيت إسرائيل من انتقال ذلك إلى الشعب الفلسطيني"، قال د. محارب.