"أنا مسرورة جداً وفخورة لمشاركتي بهذا الحدث مع مركز مدى الكرمل، عدالة وأندلس للنشر – هذه المؤسسات التي تقاوم يومياً الفصل والعنصرية بأشكال مختلفة، بحثية وقانونية، أو عبر النشر والترجة كفعل مقاومة"، هكذا افتتحت الناشطة والصحافية نوعمي كلاين محاضرتها في مسرح الميدان في حيفا، حول مقاطعة إسرائيل. وكان مدى الكرمل، المركز العربي للدارسات الاجتماعية التطبيقية، بالتعاون من مركز عدالة ودار أندلس للنشر، قد استضافوا أمس (الأربعاء) الناشطة والصحافية والكاتبة الكندية نوعمي كلاين، في ندوة حول المقاطعة بمناسبة صدور كتابها "عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث" في اللغتين العربية والعبرية. وقد حضر الندوة المئات من المهتمين العرب واليهود، حيث لم تتسع القاعة الكبرى لهذا الحشد الكبير الذي حضر من مناطق مختلفة. شددت كلاين خلال محاضرتها على أهمية فرض المقاطعة على إسرائيل والمؤسسات التي تدعم الاحتلال والفصل العنصري لإجبار إسرائيل بالالتزام بجميع القرارات الدولية وتطبيقها بما فيها حق العودة، كما قالت إن حل الدولة الواحدة يجب أن يؤخذ بالحسبان وإن أهل البلاد هم من سيقررون ذلك.
إفتتح الندوة البروفيسور نديم روحانا، مدير عام مدى الكرمل، فرحب بالحضور، وأشار أنه تم العمل على مشروع الندوة منذ نحو عام بالتنسيق مع ياعيل ليرر صاحبة دار أندلس للنشر التي ترجمت كتاب نوعمي كلاين وأصدرته. "إن حضور نوعمي كلاين إلى حيفا بالتنسيق مع مدى الكرمل وعدالة هو إستمرار لموقفها المثابر والشجاع، وتحليلها الثاقب". وذكر بورفيسور روحانا بأن السيدة كلاين كانت قد أعلنت تأييدها لمقاطعة إسرائيل، وأن الحديث هو عن مقاطعة المؤسسات وليس مقاطعة الإسرائيليين كأفراد. لذلك قال "نرحب بالمشاركين الإسرائيليين وندعوهم لحضور برامجنا والاستماع إلى وجهة نظر مختلفة عن وجهات النظر الرسمية والتقليدية"، وذكّر بروفيسور روحانا بأن السيدة كلاين كانت قد كتبت أن إسرائيل تمارس الأبرتهايد وأنه من خلال المقاطعة يمكن خلق ديناميكيات شبيهة بتلك التي أدت إلى إسقاط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
بعده تحدثت المحامية عبير بكر عن مؤسسة عدالة. فتحدثت عن نظام الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل. تناولت بكر في كلمتها موضوع لم الشمل وكيف تعمل إسرائيل على الفصل بين الزوج وزوجته وبين الأهل وأولادهم بحجج "الأمن". وقالت إن ما يسيّر إسرائيل في تطبيق القوانين الدولية وقوانينها الداخلية هو الأيديولوجية الصهيونية وسياسات الأمن، التي تلعب دوراً حاسماً داخل المحاكم الإسرائيلية. كما تحدثت عن الأسرى الفلسطينيين وكيف يتم حرمانهم من أبسط الحقوق، حتى من مجرد لمس أطفالهم، بينما يستطيع قاتل مثل يغال أمير من الانجاب داخل السجن وإحتضان أولاده. وتحدثت عن نظام الفصل العنصري بما فيه الفصل العنصري الثقافي وكيف تفصل إسرائيل بين المجموعات الفلسطينية المختلفة.
ثم تحدثت كلاين فقالت إنها لن تقدم مداخلة تقليدية عن كتابها، "لقد كنت في أيام إستثنائية في غزة، وأنا فعلاً محظوظة بتمكني من دخول غزة، وخاصة أن العديد من أهلها المتواجدين في الخارج محرومون من الدخول إليها ومساعدة أهلهم المرضى وزيارة أقاربهم. حتى الصحفيون محرومون من دخول غزة ويُمنعون من القيام بواجبهم وكتابة التقارير عما يحدث في غزة". وقالت إن العنف الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين ليس بجديد لكن ما يحدث مؤخرا هو الأعنف منذ النكبة. ثم قامت بسرد بعض ما شاهدته في غزة ونقلت بعض أصوات الفلسطينيين الذين التقت بهم في غزة التي زارتها بداية الأسبوع. "كنت أنا وزوجي قد التقينا محمد سراب في مزرعته. وقصته معروفة، فقد كان يقود سيارته مع ولديه عندما فتح عليه الجنود النار دون سبب فأصابوه وولديه بجراح خطيرة. توسل محمد للجنود بمساعدته على انقاذ ابنه قسام الذي أصيب بصدره، معتقداً أن الجنود أطلقوا الرصاص بالخطأ، لكنهم رفضوا المساعدة. طلب محمد سيارة إسعاف لكنها لم تتمكن من الحضور إلى المكان بسبب الحواجز، وبعد انتظار نحو 12 ساعة توفى إبنه قسام بين يديه. وهو الأن يقاوم الجنون عن طريق الكتابة. وبما أن الورق غير متوفر في غزة بسبب الحصار فهو يكتب على قصاصات ورق دافتر باربي الصغيرة".
بعدها تحدثت عن المقاطعة وقالت إن أهم سبب لدعمها للمقاطعة هو "ليس فقط إرغام إسرائيل على تطبيق القرارات الدولية وإنهاء الإحتلال، بل الحفاظ على إنسانيتنا وعدم تطبيع الموت، وعدم تحويل غير الطبيعي إلى طبيعي. فيجب عمل كل شيء لتغيير هذا الوضع. فإذا رفضنا هذا التطبيع بشكل جماعي عندها يمكن أن نغيّر هذه الديناميكية". وأشارت إلى أن المقاطعة لا تعني مقاطعة الكتاب والآكاديميين، بل مقاطعة المؤسسات الآكاديمية والإقتصادية. وهذا لا يعني عدم زيارة إسرائيل، بل زيارتها بهدف دعم الفلسطينيين وليس التعاطف مع إسرائيل.
"أنا لا أطلب من الإسرائيليين مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. لكن لنتذكر عمل الطلاب على حث جمعاتهم بمقاطعة صناديق الإستثمارات التي تتعامل مع جنوب أفريقيا. أي أنه يجب مقاطعة تلك المؤسسات التي تساهم في نظام الفصل العنصري والإحتلال"، قالت كلاين. كما أشارت إلى الربح المادي الذي تجنيه إسرائيل من الإحتلال، وأشارت إلى العلاقة الوطيدة بين الجيش والدولة وصناعة الأسلפة. "هذا الثالوث يعلن عن حرب غير نهائية. ويدعي إلى حرب مستمرة ويحول سياسات الأمن إلى قطاع إقتصادي ربحي".
في نهاية كلمتها قالت إن شابا فلسطينيا قال لها: نحن لا نريد المقاطعة، بل نريد محاكمة إسرائيل التي ترتكب جرائم حرب. "الفلسطينيون يستحقون ما هو أكثر من المقاطعة، فهم يستحقون العدالة. ولكن حالياً يجب فرض المقاطعة حتى تلتزم إسرائيل بجميع القرارات الدولة بما فيها حق العودة"، قالت كلاين. بعد المحاضرة دار نقاش بين الجمهور تركز حول المقاطعة. ثم قامت كلاين بالتوقيع على النسخة العبرية لكتابها التي بيع منها أكثر من مائة نسخة، خلال الندوة.