في الذكرى الرابعة والستّين للنكبة، استضاف برنامج الدراسات النسويّة في مدى الكرمل طاولة مستديرة بعنوان "تأثير سياسات هدم البيوت على العائلات الفلسطينيّة".

افتتحت الندوة البروفسورة نادرة شلهوب-كيفوركيان مرحِّبةً بالحضور، وعلى وجه الخصوص عائلة "أبو نديم" التي حضرت من القدس لمشاركة المدعوّين والمدعوّات، لتقدّم شهادة حيّة لمعاناتها في أعقاب هدم بيتها أربع مرّات خلال عدّة سنوات.
أبو نديم (وهو من مواليد القدس) شكر القائمين على الندوة وشكر الحضور وقال: "منذ احتلال القدس عام 1967 نحن نعاني سياسات الترحيل والهدم. أصبح الهدم جزءًا من حياتنا. أذكر أنّ أوّل هدم قد نُفّذ تجاه بيت والدي، وحدث هذا مباشرة مع احتلال القدس، وكنت حينذاك في السابعة عشرة من عمري، وسكنت في بيت العائلة الذي نملكه أبًا عن جَدّ، في حيّ المغاربة". حضر مع أبي نديم زوجته، وابنه ياسر ابن التاسعة الذي أثّر في قلوب الحاضرين حين تحدّث عن معاناته من جراء هدم بيته إذ قال: "رحت على المدرسة ولمّا رجعت لقيت البيت مهدوم وضاعت بسّتي نمر وما رجعت لقيتها، ولقيت درّاجتي مكسّرة تحت الهدم، ليش بعملوا فينا هيك؟!". أمّا أمّ نديم، فقد أثارت شهادتُها العديد من التساؤلات حول الآليّات والذرائع التي تستخدمها السلطات الإسرائيليّة في تنفيذ مخطّطها في القدس، إذ قالت: "في الأربع مرّات الّي هدموا فيهم البيت، ولا مرّة كنّا فيه، كأنّهم براقبونا. بستنّونا لنطلع وبيجوا يهدّوه. في مرّة من المرّات، أبو النديم كان بالمحكمة، محكمة بموضوع البيت، قبل ما يطلع قرار القاضي كانوا مخلّصين على البيت".
تتشابه تجربة عائلة أبي نديم مع تجارب عائلات مقدسيّة أخرى قامت بمقابلتهم السيّدة سناء خشيبون (وهي طالبة دكتوراة في قسم الخدمة الاجتماعيّة في الجامعة العبريّة) بغية فهم أهمّـيّة البيت وتأثير سياسات هدم البيوت على العائلة الفلسطينيّة في القدس. وفي مستهلّ مداخلتها حول الموضوع، قالت السيّدة خشيبون: "يشكّل البيت حيّزًا مهمًّا جدًّا للعائلات العربيّة، والمقدسيّة على وجه الخصوص؛ إذ يشكِّل مسكنًا للنفس، ويشكِّل بناؤُه تحقيقًا للذات، ونجاحًا ومصدرًا لتشكيل الهُويّة". وأضافت قائلةً: "منذ احتلال مدينة القدس عام 1967، يتعرّض السكّان الفلسطينيّون لسياسات إسرائيل العنصريّة، ولانتهاكات مستمرّة لحقوقهم الإنسانيّة والأساسيّة، وهو ما يتمثّل في هدم المنازل والتهجير القسريّ، في محاولة لتغيير ديمغرافيّة المدينة وتهويدها. ولهذا أثر بالغ على حياة المقدسيّين حيث يمثّل فقدان البيت، بحسب نتائح الدراسة، بمثابة صدمة قويّة لها إسقاطات نفسيّة وعمليّة على العائلة".
أمّا نتائج الدراسة التي عرضها السيّد ليث جيّوسي حول الحياة في ظلّ الهدم والفقدان -الأبعاد النفسيّة والاجتماعيّة لهدم البيوت على الشباب والفتيات البدو في القرى غير المعترف بها في النقب- فلم تكن تختلف كثيرًا عن تلك التي عُرضت حول القدس. واستهلّ مداخلته بقوله: "خلال السنوات الأخيرة، ازدادت ظاهرة هدم البيوت العربيّة في النقب، كجزء من المخطَّط العامّ لتهويد المكان وتركيز الفلسطينيّين في تجمّعات سكنيّة خاصّة ابتغاءَ الاستيلاء على أرضهم". وأضاف قوله: "كما في القدس كذلك في النقب؛ إذ تُظهر نتائج الدراسة حدوث صدمة نفسيّة لدى الشبّان والشابّات الذين تعرّضت بيوتهم للهدم".
علاوة على الآثار النفسيّة والجسديّة والصحّـيّة على حياة المقدسيّين وأهالي النقب -كما جاء في المداخلتين-، أشار كلّ من السيّدة خشيبون والسيّد جيّوسي إلى أنّ نتائج الدراستين تؤكّد أنّ هناك كذلك عوامل قوّة لدى العائلات، إذ أشارت خشيبون قائلةً: "وبرغم الصدمة والصعوبات، برزت لدى العائلات المقدسيّة قوى نفسيّة عزّزت طموح العائلة في بناء البيت من جديد في القدس، وذلك بغية الحفاظ على الذات، والحفاظ على العائلة وعلى موروثها وموروث البيت التاريخيّ". أشارت نتائج دراسة جيّوسي إلى أنّ العمل الجماهيريّ، والتصدّي الجماعيّ لسياسات الهدم، والتظاهر، وتوافر مصادر الدعم، كلّ هذه تساهم وتساعد الشبّان والشابّات على التعامل مع صعوبات الهدم.
وفي نهاية اللقاء، دار نقاش بين الحاضرين والحاضرات تَمَحْوَرَ حول أهمّـيّة التعاون في التصدّي الجماعيّ لظاهرة الهدم التي تهدّد النقب والقدس بشكل عينيّ، ولكنّها كذلك تهدِّد العديد من قرانا وتجمّعاتنا العربيّة.