"علينا كمثقفين أن نفكر في فضاء العلاقة بين المُستعمِر والمُستعمَر واعتماد العلاقات والموروث التي تقع خارج هذا الفضاء وهذه العلاقة. فالخروج عن إطار هذه العلاقة يُرهب السيد ويذعره. ودور المثقف هو أن يؤشر ويدل الجماعة التي ينتمي اليها على تلك النقاط العمياء في العلاقة بين الطرفين والتي لا يفهما السيد. فالهدف الاساسي هو تفكيك النظام الصهيوني والتحرر، أي تحرير الانسان. فوضع الدولة كهدف أعلى يُفشلنا ولا يُخرجنا من علاقة السيد والعبد"، هذا بعض ما قاله د. اسماعيل ناشف، المحاضر في قسم العلوم الاجتماعية في جامعة بن غوريون في بئر السبع، خلال الندوة التي عقدها مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية.
يذكر أن مركز مدى قد نظم ندوة حول دور المثقف الفلسطيني في ظل الأوضاع السياسية الراهنة، وذلك على خلفية ما تشهده الساحة السياسية في الفترة الأخيرة من تصعيد خطير في الملاحقة السياسية، التحريض ومحاولات الترهيب والتخويف، التي أصبحت تشكل خطراً وجوديا على القيادات والجماهير العربية. هذا وقد ناقشت الندوة كتاب "بناء الأمة من جديد – المثقفون الفلسطينيون في إسرائيل"، الذي صدر مؤخراً للباحثة د. هنيدة غانم، المديرة العامة لمركز مدار- المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية.
افتتح الندوة وأدارها الباحث إمطانس شحادة من مركز مدى في عرض مجموعة من الأسئلة المرتبطة بالكتاب المطروح حول دور المثقف وكيف يفهم ويحلل الوضع السياسي الراهن. "كيف يشخص المثقف المرحلة الحالية في علاقاتنا مع إسرائيل؟ ما هو دور المثقف في هذه الحالة؟ هل له دور اجتماعي سياسي، أم يقتصر دوره على التحليل فقط؟ هل ثمة حالة من الغربة بين المثقف والسياسية وعزوف المثقف عنها؟ وكيف نعرّف دور ووظائف المثقف الفلسطيني في المرحلة الحالية؟" هذه بعض من التساؤلات التي طرحها شحادة للحوار .
د. اسماعيل ناشف اشار في محاضرته الى اهمية عدم اختزال الفكر بالسياسة بالمعنى المباشر وخاصة أن السياق الفلسطيني السياسي هو جزء من الأزمة، ثم قدم قراءة نقدية لكتاب د. هنيدة غانم وربط ذلك بدور المثقف، لافتاً إلى ما يتضمنه الكتاب من أنجاز هام. "الكتاب والخلفية الاجتماعية لهنيدة غانم مهمان جدا، فهي تكسر النسق القائم من الكتابات النسائية الفلسطينية التي تشكل في غالبيتها جزء من الأزمة"، قال د. ناشف، لكنه من ناحية اخرى اشار إلى أن الكتاب الذي نحن في صدده يوثق تاريخ تطور المثقف الفلسطيني من خلال استعمال تقنيات كلاسيكية كالمقابلة وتحليل للنصوص دون التفاعل مع الحركة الداخلية لهذه النصوص، الأمر الذي أدخل التحليل في ورطة التعامل مع النص كشعار، وليس واضحا تماما لماذا هذا الخيار دون غيره. وأضاف بأن النظام التحليلي الذي يعتمده الكتاب لا يتجاوز علاقة "السيد والعبد" بمصطلحات هيجلاينية. كما قال بأن الكتاب يجمل العمليات الممكنة والمأزومة في علاقة المثقف الفلسطيني مع المستعمِر الصهيوني ويبين لنا حدود الحراك وحدود الأزمة. كما أكد د. ناشف على أهمية دور المثقف في كسر المرآة التي يصنعها الصهيوني المستعمر والخروج عن إطار علاقات القوة التي يبنيها بهدف تحرير إنسانيتا وتحرير الإنسان، وخاصة أن الاستعمار يفقدنا إنسانيتنا وممارستها.
بعده تحدث د. أحمد سعدي، المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة بن غوريون، الذي قام هو الأخر بتقديم قراءة سريعة للكتاب متوقفا عند دور المثقف المعاصر. "السؤال هو لماذا ندرس المثقف، ولماذا نعطيه هذه الأهمية؟ ما الذي يملكه المثقف غير المعرف العينية؟ السؤال ليس ما هو دور المثقف، بل لماذا نطرح أصلاً مثل هذا السؤال"، قال د. سعدي. ثم تناول دور المثقف عبر حقبات زمنية مختلفة ومن خلال أيديولوجيات مختلفة. ثم أشار سعدي إلى أن دور المثقف في السياق الإسلامي العربي الكلاسيكي هو محاربة الظلم، أما في العالم الثالث فللمثقف دور هام في بلورة الوعي القومي.
"أعتقد أن على المثقف أن يمتلك فكرا كونيا وأن تكون له نظرة مميزة للواقع. أما بالنسبة لدور المثقف، فالمجتمع هو من يمنح هذا الدور للمثقف، وأعتقد أنه لا يوجد للمثقف دور خاص، وأن التوقعات منه في غير محلها. وعلى كل إنسان العمل في مجال تأثيره هو. وأعتقد أن المثقف المعاصر بدأ يفقد دوره الكلاسيكي، بل ان الجامعات بدأت تفقد دورها. حتى الكلمة والنص يفقدان مركزهما، فاليوم يبرز دور الإشارات والصورة التي بدأت تأخذ دورا هاما في التأثير على الوعي"، قال د. سعدي.
هذا وعقبت د. هنيدة غانم على المداخلتين السابقتين، مشيرة إلى أن الكتاب عبارة عن رسالة دكتوراه وأنه من الضرورة الحكم عليه بصفته هذه. وقالت أنها حاولت عبر هذا الكتاب تمثيل الأمور والقضايا التي شغلت بال المثقفين وتفكيك تلك المواضيع وتحليها. "صحيح أن حدود القضايا التي شغلت بال المثقفين، وأن حدود الكلام، هي نفسها حدود الأزمة. فالمساحة التي يتحرك داخلها المثقف الفلسطيني هي حدود تحكمها علاقة السيد والعبد"، قالت د. غانم. كما أشارت إلى أن الكتاب لا يتناول السياق والمثقف الفلسطيني ما بعد عام 2000.
بعد المداخلات دار نقاش بين المشاركين حول دور المثقف، وخاصة في ظل الاستعمار. حيث تمحور النقاش بين الدور المهني والتحليلي للمثقف وبين الدور العملي في تحليل الواقع بهدف تغييره.