استضاف برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل المؤرخة والناشرة النسويّة الهنديّة أورفاشي بوتاليا والتي قدمت محاضرة بعنوان "الجانب الآخر للصمت: أصوات من تقسيم الهند" وهو عنوان لاحد كتبها الذي صدر عام 1998. تمحورت المحاضرة حول اسقاطات مسألة قرار المستعمر البريطاني بتقسيم الهند عام 1947، إلى دولتين؛ الهند (للهندوس) وباكستان (للمسلمين)؛ تقسيم، الذي غالبا ما يُطلق عليه لقب "ركلة تقسيم أمبراطورية"، الجانب المُظلم في قصة الاستقلال الهندي.
افتتحت الندوة د. نادرة شلهوب كيفوركيان، مديرة برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل، حيث قدمت الضيفة وكتابها، مشيرة إلى علاقة موضوع الندوة مع ما حدث ويحدث في فلسطين التاريخية، وخاصة فيما يتعلق باسقاطات الأحداث التاريخية على النساء بشكل خاص. كما تطرقت الى التاريخ وتهميشه لقضايا المتعلقة بالانسان والانسانه بشكل عام والنساء الفلسطينيات خاصة، مؤكده على أهمية تأريخ الانسان وعن ضرورة القيام بابحاث ودراسات تتعامل مع آثار النكبة على النساء الفلسطينيات.
استهلت اورفاشي محاضرتها بالمشاركة حول قدومها الى فلسطين وخاصة انها مناصرة للقضية الفلسطينية ومطّلعة على المأساة التاريخية التي لحقت بالفلسطينيين. ثم بدأت محاضرتها بوصف اسقاطات قرار التقسيم على الانسان والمرأة بشكل خاص مستخدمة تجربتها كطفله لعائلة لاجئة في الهند حيث لجأت أمها ومعظم أخوالها إلى دلهي من مدينة لاهور (التي ضُمت بعد التقسيم إلى باكستان) بينما اختار خالها الأكبر البقاء في مدينة لاهور مع جدته. وأضافت انه الى جانب تجربتها الشخصية فقد ازداد اهتمامها في بحث قضية التقسيم عندما كانت تجمع شهادات حول العنف ضد طائفة السيخ في الهند، لاحقا لاغتيال رئيسة الحكومة الهندية السابقة انديرا غاندي عام 1980، خلالها لفت اهتمامها ان معظم الاشخاص اللذين قابلتهم في تلك الفترة قالوا "لم نتوقع ان يحدث هذا الأمر مرة أخرى" مشيرين الى تجربة اللجوء والعنف الذي رافق فترة التقسيم.
وفي وصفها للفترة التي لحقت قرار التقسيم قالت بان تلك الفترة كانت من اكثر الفترات عنفا في تاريخ الدولتين خلالها تعرضت النساء من الطرفين لحالات عنف واغتصاب وقد عانت النساء اللواتي تعرضن لاغتصاب من رفض العائلات لهن وتم إبعادهن إلى مخيمات. وقالت انه على الرغم من ذلك وعلى الرغم من حضور قرار التقسيم في كتب التاريخ والكتب المدرسية إلا انه لم يتم التطرق، إلا حديثاً، الى المعاناة الإنسانية والخسائر الفادحة في الأرواح التي نتجت عنه، وما رافق التقسيم من عمليات قتل واغتصاب واختطاف للنساء، أو للتقسيمات العميقة التي أحدثها، أو للدمار الذي حل ببيوت الناس وبعلاقاتها جراء هذا التقسيم. وقد حضر هذا الجانب من التاريخ بشكل بارز في حياة العائلات والافراد.
ركزت بوتاليا في نهاية المحاضرة على ما تعلّمته هي كباحثة، وأشارت إلى أهمية دراسة آثار التقسيم على الإنسان، كما تأثير رسم الحدود الإدارية على حيوات الناس، من حيث أسلوب تعاملهم مع الأمر، مدى نجاحهم في البقاء، الذكريات التي حملوها، وكيفية تجلّي هذه الذكريات في واقع حياتهم المُعاش. وقد اشارت الى صعوبة إجراء المقابلات مع النساء بالمقارنة مع المقابلات التي أجرتها مع الرجال. حيث كان عليها التقاء النساء داخل الأسرة وبحضور آخرين. وأشارت أنها تعلمت خلال المقابلات كيفية وضرورة الإصغاء ليس فقط لما تقوله النساء، بل بالأساس للحظات الصمت التي تخللت المقابلات والى ما اسمته بوتاليا "الاصغاء إلى المكتوم". مضيفة ان معظم النساء اللواتي قابلتهن طلبن عدم ذكر حالات الاختطاف والاغتصاب، الأمر الذي وضعها في حالة صراع بين احترام مشاعر النساء ورغبتهن وبين الحاجة إلى كتابة التاريخ وقصص التقسيم.
واختتمت المحاضرة بقولها أن تشكيل الأمم يحمل بالضرورة الكثير من العنف، وأحيانا من الصعب الفصل بين الضحية والجاني، وأنه قد تختلف نتائج تأثير التقسيم بين الأغلبية والأقلية، وأن انتقال الانسان بسبب التقسيم يمثل الانتماء من ناحية ولكن ايضا الخسارة، وفي كثير من الأحيان قد ينتج عنه ان "البيت يبقى دائما في الطرف الثاني". وان الكشف عن روايات النساء الناجيات من التقسيم يطرح اسئلة عميقة تتعلق في من يكتب التاريخ وكيف، وتأثير أحداث تاريخية وسياسية على حياة الانسان اليومية.
أختٌتِم اللقاء بنقاش بين الحضور والضيفة تناول فيه الحضور أوجه الشبه والاختلاف بين الحالتين الهندية والفلسطينية.