"هل كانت هناك ثورة في مصر؟" هو عنوان المحاضرة التي قدمها أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا بروفيسور جويل بنين، في مركز مدى الكرمل. وكان بينين قد وصل إلى مدى الكرمل مباشرة من مصر، حيث كان يعيش سابقا ويعمل مديراً لمركز دراسات الشرق الأوسط وأستاذاً للتاريخ في الجامعة الأمريكية في القاهرة. لبنين العديد من الدراسات حول العمال، والفلاحين، والأقليات في الشرق الأوسط، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

 

افتتح الندوة وأدارها بروفيسور نديم روحانا، مدير مدى الكرمل، حيث قدم المحاضر واستعرض أهم مساهماته الفكرية ومؤلفاته. ثم استهل بينين مداخلته بالقول أن ما حدث في مصر يختلف عن الثورات التقليدية التي شهدها التاريخ، مثل الثورة الفرنسية عام 1789، أو الثورة في انكلترا عام 1688، أو الثورة الروسية عام 1917، وقال أيضاً أن ما حدث في مصر يختلف عن الثورات التي حدثت في أمريكا اللاتينية أو في أوروبا الشرقية.

برأي بينين فأن ما يميّز الحالة المصرية والحراك الشعبي هناك هو عدم وجود قيادة حزبية وغياب الخلفية الأيديولوجية الواضحة؛ إضافة إلى أن حجم الحراك لم يكن متوقعاً، حيث أن الاحتجاجات الشعبية السابقة منذ العام 2009 لم تحظ بنفس الزخم. "حتى أن المنظمين للحراك في 25 كانون الثاني لم يتوقعوا مشاركة أكثر من بضع مئات"، قال بينين.

 

وحول مسببات الحراك الشعبي في مصر، يقول بينين أن الأوضاع الاقتصادية والأمنية في مصر هي من أهم العوامل التي ساهمت في انطلاق "الثورة". حيث قال ان سياسة الانفتاح الاقتصادي التي بدأت منذ عهد أنور السادات في السبعينيات، قد أثرت بشكل كبير على تدني مستوى المعيشة وتراجع الحد الأدنى للأجور وازدياد الإجحاف في شروط العمل. وقال أن الخوف على المستقبل، خاصة في عهد حكومة أحمد نظيف، والدور الذي لعبه جمال مبارك، اضافة الى تسارع وتيرة خصخصة القطاع العام، كانت الدوافع الأقوى وراء خروج الشباب إلى ميدان التحرير.

أما بالنسبة للجانب الأمني، فقال بنين أن مؤسسة الجيش المصري قد تأثرت هي الأخرى من السياسة الاقتصادية الليبرالية، التي باتت تهدد قوتها الاقتصادية. مضيفاً بأن الامتيازات التي مُنحت لقوات الأمن الداخلي بقيادة حبيب العادلي، هددت هي الأخرى المكانة الاقتصادية للجيش، وهو ما يفسر وقوف هذه المؤسسة إلى جانب الشعب بسبب تقاطع المصالح. كما أشار بينين إلى الدور الذي لعبته حركة "كفاية" والحركة القضائية المستقلة، إضافة إلى دور وسائل الإعلام، وخاصة الجزيرة، ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة – وهي وسائل ساعدت في تنظيم "الثورة"، لكن ليس في اندلاعها.

 

"ثورة مصر هي نصف ثورة ونصف انقلاب عسكري بالتصوير البطيء، حيث تقاطعت مصالح الجيش مع مصالح الشعب الذي وثق بالجيش لأسباب تاريخية أيضاً"، قال بينين، ثم أضاف أنه فقط مؤخراً أدرك الشباب أن الجيش غير محايد تماماً، وأنه لا يؤيد إجراء تغيير جذري. فالجيش يؤيد إجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة، لكنه غير معني بتغييرات جذرية في مبنى النظام.

وفي نهاية مداخلته قال بنين أن موازين القوى غير واضحة حتى الآن، ولا توجد ضمانات حول اتجاه "الثورة"، والسؤال هو ما الذي سيحدث أيام الجمعة وخلال شهر رمضان؛ فحتى الآن لا يمكن القول أنه كانت هناك ثورة في مصر، كما أنه لا يمكن القول أنه لم تكن ثورة.