عقدَ مركز مدى الكرمل، بالتعاون مع جمعيّة الثقافة العربيّة، أمسيّة ثقافيّة لمناقشة الإنتاج الفكريّ للمفكّر والمؤرّخ التونسيّ الراحل هشام جعيّط (1935 – 2021)، في مقرّ جمعيّة الثقافة العربيّة في حيفا، وبُثَّت بثًّا مباشرًا على صفحة مدى الكرمل في الفيسبوك. رحل هشام جعيّط في الأوّل من حزيران المنصرم (2021)، بعد مسيرة فكريّة حافلة بالإنجازات، وجاءت هذه الأمسيّة تكريمًا له، واحتفاءً بأعماله وبإنتاجاته الفكريّة وإسهامه للمشهدَيْن الثقافيّ والحضاريّ العربيّين والإسلاميّين.

افتتح الندوةَ وأدارها د. جوني منصور، المؤرّخ والـمُحاضر في كلّيّة أورانيم، بتقديم لشخص هشام جعيّط المفكّر والباحث والدارس في مجال الدين والدولة في العصور الإسلاميّة، ولا سيّما القرن الأوّل الهجريّ. ورحّب بالمتحدّثين والضيوف والمتابعين على منصّات التواصل الاجتماعيّ. 

في المداخلة الأولى “هشام جعيّط والتفكير في السياسة في التاريخ الإسلاميّ”، تطرّق الدكتور مهنّد مصطفى (المدير العامّ لمدى الكرمل، ورئيس قسم التاريخ في المعهد الأكاديميّ العربيّ – بيت بيرل) إلى كتاب جعيّط “الفتنة: جدليّة الدينيّ والسياسيّ”، حيث عَرَضَ أهمّ مقولات الكتاب وناقشها. من هذه المقولات ما كان لحدث الفتنة من دَوْر في توسيع المجال السياسيّ في التاريخ الإسلاميّ، ودَوْرها في تطوير الفكر السياسيّ الإسلاميّ، إذ إنّ الفتنة كانت ثورةً مهمّة في التاريخ الإسلاميّ أسهمت في تنزيل التاريخ الإسلاميّ من لحظته المتعالية إلى واقع الصراع السياسيّ. واعتبر مصطفى أنّ جعيّط يقدّم قراءة تاريخيّة عقلانيّة لتاريخ الفتنة وتطوُّرها في التاريخ الإسلاميّ، بعيدًا عن التبسيطيّة الاستشراقيّة وعن الوعظيّة في قراءة التاريخ، بل حاول فهم الشخوص ومَطالبهم ومَصالحهم بصورة إنسانيّة، أي أسهم من خلال كتابه في أَنْسَنة التاريخ الإسلاميّ بقراءة تاريخانيّة عقلانيّة من باحث يرى أنّه ينتمي للهُويّة العربيّة والإسلاميّة.

في مداخلة حملت العنوان “قراءة في فكر هشام جعيّط”، وضّح الأستاذ شمس الدين الكيلاني (الباحث في المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات -الدوحة) أنّ هشام جعيّط ينتمي إلى الجيل الثالث من المؤرّخين العرب المعاصرين، الذين اهتمّوا بالثقافة وبالمفاهيم التي تحكم المجتمع، وعلاقة هذا بالمجتمع والتصاقه بأصوله الاجتماعيّة والتاريخيّة. اهتمّ جعيّط -شأنه في ذلك شأن أبناء هذا الجيل- بالبحث عن مشروع للتقدّم العربيّ الحداثيّ لكن عبْر المرور بنقدٍ وتمحيص للتاريخ والتراث. 

يبيّن الكيلاني أنّ اهتمام جعيّط انصبّ على الإسلام التأسيسيّ واللحظة التأسيسيّة للدين الإسلاميّ. وأضاف أنّ قضيّة الأنا والآخر (الذات والآخر) أشغلت جعيّط كذلك، وانعكس الأمر في انغماسه بالتفكير في التاريخ القديم والتاريخ العربيّ، ودَوْر الدين الحاضر بقوّة فيه. في الوقت نفسه، اتّجه فكره دائمًا نحوَ الحداثة، وقد راهن جعيّط في تفكيره على إمكانيّة التوفيق بين الحداثة والدين الإسلاميّ، وتميّزت نظرته إلى الثقافة العربيّة باتّجاهها نحوَ الحداثة واعتناقها على نحوٍ كامل، والتفكير فيها بطريقة جدّيّة، ذكيّة، واعية وشجاعة، ودعا العرب للدخول فيها من موقع قوّة واقتدار، وفي الوقت ذاته بأخلاقيّة وعزّة. في الجزء الثاني من المداخلة، أَوجزَ الكيلاني بعضًا من الأفكار الرئيسيّة التي وردت في خمسة من كتب الراحل هشام جعيّط: “الفتنة: جدليّة الدين والسياسة في الإسلام المبكّر”؛ “الكوفة: نشأة المدينة العربيّة الإسلاميّة”؛ “أزمة الثقافة الإسلاميّة”؛ “الشخصيّة العربيّة الإسلاميّة والمصير العربيّ”؛ “في السيرة النبويّة”. 

في المداخلة الثالثة، تحدّث د. حسني مليطات (الباحث والمترجم والحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة الأوتونوما في مدريد، من برنامج دراسات الفنّ والأدب والثقافة) عن “فكرة التاريخ في أعمال هشام جعيّط”. يصف د. مليطات أسلوب جعيّط قائلًا: “نجده قد اتّخذ أسلوبًا خاصًّا به يقوم على “كتابة ما تمّ إدراكه” من “الحقائق التاريخيّة” التي اهتمّت بدراسة هذا الموضوع. وفعْل الكتابة الإدراكيّة يوضّح للمتلقّي مدى قدرة المؤرّخ المفكّر، هشام جعيّط، على خلق خطاب تاريخيّ خاصّ به، يفصّل فيه وجهة نظره بعيدًا عن الالتزام القطعيّ بــِ “المرْويّات التاريخيّة” وأقوال الثقاة، وإنّما ببناء رأي وتأسيس منهج خاصّ به”. ويضيف مليطات أنّ في هذا إشارة إلى قدرة المؤرّخ المفكّر، هشام جعيّط، على “التفكير في الحدث التاريخيّ”، وإدراك “الحقيقة التاريخيّة”، وجعل التاريخ عبارة عن “تفكير”، يحتاج المؤرّخ إلى درايته بتأنٍّ كي يكون قادرًا على إعادة قراءته ومحاكاته بما يتوافق مع رؤيته، إذ يرى التاريخَ العلْمَ الذي يحرّك العقل ويحتاج إلى قدرة على فهم مضامينه.

لمشاهدة الندوة، اضغط هنا.

عُقِد يوم السبت الفائت (3/7/2021) يوم دراسيّ بعنوان “الجندر والدين والدولة: قضايا الأحوال الشخصيّة والنضال النسويّ الفلسطينيّ”، في فندق ليـﭼـاسي في الناصرة. جاء اليوم الدراسيّ ثمرة للتعاون بين برنامج الدراسات النسويّة في مدى الكرمل – المركز العربيّ للأبحاث الاجتماعيّة في حيفا، ولجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصيّة، وجمعيّة “كيان – تنظيم نسويّ”.

تناول اليوم الدراسيّ النضالات في قضايا الأحوال الشخصيّة في ثلاث جلسات تخلّلتها عروضٌ لأبحاث أكاديميّة، وتعقيباتٌ جمعت بين المراجَعات الأكاديميّة والنقاشات النسويّة، وذلك في محاولة لفهم السياسات الإسرائيليّة المتعلّقة بالمواطنين الفلسطينيّين حول الدين والدولة والجندر، والسياسات الداخليّة التي تمارسها المؤسّسات الدينيّة والحزبيّة والمجتمعيّة، وفي سبيل تحقيق فهم أوسع وتفكير مستقبليّ بالعمل النسويّ في هذه القضايا.

تولّت عرافةَ اليوم الدراسيّ السيّدة مقبولة نصّار، التي كانت أوّل مركّزة للجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصيّة، فأكّدت على أهمّيّة عَقْد هذا اليوم، مشيرة إلى أنّ النضال النسويّ في قضايا الأحوال الشخصيّة بدأ قبل أكثر من خمسة وعشرين عامًا، وأنّه كان نضالًا جريئًا وأضاف للعمل النسويّ الكثيرَ وأوصله إلى إنجازات مهمّة. افتَتحت الكلماتِ البروفسورةُ نادرة شلهوب كيـڤـوركيان (رئيسة الهيئة الإداريّة لمدى الكرمل)، مرحِّبة بالحضور، مشيرة إلى أنّ سؤال الدين والدولة والجندر هو سؤال محوريّ فكريًّا، وبخاصّة في ظلّ دولة استعماريّة استيطانيّة ، مضيفة أنّ النظر للنضال النسويّ في قضايا الأحوال الشخصيّة ولكتاب الأستاذ الدكتور ميخائيل كَرَيَنّي حول “فخّ التعدّديّة: الدين والدولة والعرب الفلسطينيّون في إسرائيل” يضيفان رؤية نقديّة فكريّة في طرحنا وعملنا كنسويّات في هذه القضايا، ولا سيّما أنّ القضيّة مرتبطة بهُويّتنا وواقعنا.

خُصّصت الجلسة الأولى من اليوم الدراسيّ، التي أدارتها المحامية نسرين عليمي (عضوة لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصيّة)، لمناقشة كتاب “فخّ التعدُّديّة: الدين والدولة والعرب الفلسطينيّون في إسرائيل”، وهو من تأليف الـﭘـروفيسور ميخائيل كَرَيَنّي الـمُحاضِر في كلّيّة القانون في الجامعة العبريّة والعميد السابق للكلّيّة. أشارت عليمي إلى انشغال الكاتب بهذه القضيّة منذ سنوات طويلة، وإلى أهمّيّة الكتاب في طرحه تعامل إسرائيل مع الدين والدولة كقضيّة يهوديّة فقط وتهميش مسألة الدين لدى العرب. وفي مداخلة قدّمها الدكتور مهنّد مصطفى (المدير العامّ لمدى الكرمل)، أشار إلى أهمّيّة الكتاب قائلًا إنّ الكاتب ينتقد مقاربة التعدُّديّة الثقافيّة في السياق الإسرائيليّ، مُمَوْضِعًا نفسه في المنظومة الفكريّة الليبراليّة ومنطلِقًا منها. وتطرّق مصطفى في مداخلته إلى مسألتين مترابطتين جرى التعامل معهما في الكتاب: التعدُّديّة الثقافيّة ونقدها، والدين والعلمانيّة. مشيرا الى انه بخلاف النقد التقليديّ لمنظومة إسرائيل للتعدُّديّة الثقافيّة كخرق للحرّيّات الفرديّة وتغييب هُويّة فرديّة مقابل قيود المجموعة، فإنّ نقد التعدّديّة الثقافيّة في إسرائيل يفرغها تماما من مضمونها ويظهر زَيْفها. الكتاب يرى أنّ الفلسطينيّ هامشيّ في مسألة التسويات بين الدين والدولة، وأنّ ما يحرّك إسرائيل ليس التعدُّديّة الثقافيّة، بل الحفاظ على جوهرها اليهوديّ؛ فإسرائيل في جوهرها ونظامها السياسيّ الدستوريّ تُناقض التعدُّديّة التي من المفروض أن تقوم أصلًا على نزع طابع الدولة الإثنيّ (اليهوديّ في حالة إسرائيل). فضلًا عن هذا، التعدُّديّة في إسرائيل نتجت ضمن ميزان قوى غير متكافئ بين أغلبيّة مهيمنة وأقلّيّة فلسطينيّة ترى الدولةُ هُويّتَها تهديدًا.

 

أمّا الدكتورة سونيا بولس (المحاضِرة في القانون الدوليّ في جامعة نبريخا في مدريد)، فقد أشارت إلى أنّ الكتاب نجح إلى حدّ كبير في تفكيك الصورة الليبراليّة التي تتمتّع بها إسرائيل حتّى من قِبل منتقِديها سياسيًّا؛ إذ يُنظر إليها -في ما يتعلّق بالحرّيّات الشخصيّة وحقوق المرأة وحقوق مجتمع الميم- على أنّها دولة ليبراليّة. ورأت أنّ الكتاب يثبت أنّه في حالة الفلسطينيّين المنظومةُ أخطر بكثير؛ وذلك أنّها مقرونة بسياسة عدم تدخّل من الدولة، وكذلك بسبب تحييد الفلسطينيّين تمامًا من مناقشة الدين والدولة في إسرائيل. وأضافت بولس أنّ المساهمة الثانية للكتاب متعلّقة بالنقاش النظريّ حول التعدُّديّة الثقافيّة من خلال طرح شروط يجب أن تتوافر في أيّ منظومة كي تُدْرَج ضمن مسمّى التعدُّديّة الثقافيّة، حيث ينجح الكاتب في تفكيك توصيف نموذج الأحوال الشخصيّة المعمول به في إسرائيل كنموذج متعدّد الثقافات. ويظهر على نحوٍ واضحٍ التناقضُ والنفاق في مناقشة الأحوال الشخصيّة؛ فحين يكون النقاش الإسرائيليّ متعلّقًا بمنظومة الأحوال الشخصيّة لدى اليهود، توصَف بأنّها غير ليبراليّة وقمعيّة تجاه الأفراد، بينما حين توصَف منظومة الأحوال الشخصيّة لدى العرب فإنّ اللغة تختلف؛ إذ بدلًا من اتّهام هذه المنظومة بأنّها قمعيّة يتحوّل التوصيف إلى أنّها إيجابيّة تعكس تعدُّديّة ثقافيّة. المهمّ في الكتاب أنّه لا يكتفي بكشف النفاق، وإنّما أهمّيّة الكتاب في أنّه يقول إنّه لا يجوز أصلًا استخدام التعدُّديّة الثقافيّة لشرح المنظومة في إسرائيل، متناولًا فشل المنظومة الإسرائيليّة في استيفاء أيّ شرط من شروط المنظومة المتعدّدة الثقافات التي يفصّلها في الكتاب.

وفي تعقيب الـﭘـروفيسور ميخائيل على المداخلتَيْن، شكر القائمين على اليوم الدراسيّ والمتداخِلين/ات. بدأ مداخلته بتأكيده أنّه يرى أنّ المنظومة الـمُثلى هي “لا إكراه في الدين”، بحيث تكون لكلّ شخصٍ الحرّيّة في اختيار الدين أو العلمانيّة؛ وهو أمر غير ممكن -برأيه- في الأفق السياسيّ الحاليّ، ممّا استوجب منه أن يقدّم في الفصل السادس من الكتاب اقتراحات لتعديلات جزئيّة. ثمّ أشار أنّ مشروع الكتاب بدأ قبل عشرين عامًا، حين بدأ اهتمامه بسؤال لم يكن مطروحًا قَطّ: أين العرب في الأدبيّات الإسرائيليّة حين تُناقَش علاقة الدين بالدولة؟ لماذا يقتصر ذاك على المجموعة اليهوديّة؟ ولماذا حين يُكتَب عن القانون الدستوريّ الإسرائيليّ في قضيّة الدين والدولة يجري التعامل فقط مع الديانة اليهوديّة؟ ثمّ أضاف قائلًا إنّ اليهوديّة موجودة في دولة إسرائيل في الحيّز العامّ، لأنّ إسرائيل تستقي شَرْعَنة وجودها من يهوديّتها، بينما ينحصر الدين لدى العرب في الحيّز الخاصّ. الأدبيّات الإسرائيليّة ترى أنّ منظومة الأحوال الشخصيّة اليهوديّة والمحاكم الربّانوت اكراه مرفوض من منظور ليبراليّ، ولكن المنظور المزيّف نفسه يرى المحاكم الدينيّة الخاصّة بالعرب ضمن إطار التعدُّديّة. وأضاف أنّ كلّ نقاش حول العلمانيّة هو نقاش يتجاهل العرب تمامًا، وأنّه ثمّة قوانين دينيّة إشكاليّة مرتبطة باليهود أنفسهم وتاريخهم يجري فرضها على العرب (من بينها -على سبيل المثال- قانون التبنّي).

الجلسة الثانية أدارتها السيّدة رفاه عنبتاوي (مديرة جمعيّة “كيان – تنظيم نسويّ”، وعضوة لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصيّة)، وقد افتتحتها من خلال التأكيد على أهمّيّة التعاطي مع سؤال الدين والدولة والجندر، ومشيرة إلى دَوْر الدكتورة عرين هوّاري في طرح هذه الأسئلة في الأُطُر النسويّة منذ سنوات عديدة، قبل أن تتعامل معها أكاديميًّا، وجاء بحثها مكمّلًا لسيرورة عمل طويلة خاضتها الأطر النسويّة واللجنة، وكانت هوّاري جزءًا لا يتجزّأ منها. في بداية الجلسة، عرضت الدكتورة عرين هوّاري (مديرة برنامج الدراسات النسويّة في مدى الكرمل) أحد فصول أطروحتها لنيل الدكتوراة الذي تناول السياسات النسويّة في قضايا الأحوال الشخصيّة. وقبل أن تتطرّق إلى نتائج بحثها، تناولت الدولةَ وعلاقتها بالدين والجندر في دولِ ما بعد الاستعمار في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أثر تراث الاستعمار في ربط سؤال الجندر والدين بسؤال الاستعمار، وهو ما جعل النساء، في نضالهنّ للمساواة في قضايا الأحوال الشخصيّة، يشتبكن مع واقع يتّهم إيّاهنّ بالتواطؤ مع الغرب أمام قوانين تعتمد على تفسيرات فقهيّة معيّنة وعلى قوانين أوروبيّة، ولكنّها تدّعي القداسة، وهو ما جعل أحد أهمّ نجاحات النضال لتغييرها نزع ادّعاء القداسة عنها. وحول السياق الفلسطينيّ داخل الخطّ الأخضر، ادّعت أنّه إضافة إلى تراث الاستعمار تعاني النساء من واقع استعماريّ استيطانيّ ما زال قائمًا، ممّا يجعل أيّ نضال لتحقيق المساواة في قضايا الأحوال الشخصيّة -سواء اتّبع المرجعيّة العلمانيّة كلجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصيّة، أو التنظيم النسويّ “كيان”، أو المرجعيّة النسويّة الإسلاميّة كجمعيّة “نساء وآفاق”- عرضةً للهجوم وللاتّهام بالتواطؤ مع القِيَم الغربيّة ومع المشروع الصهيونيّ أو للتجاهل السلطويّ الاستعلائيّ، وهو ما يضع النساء بين خيار المساومة وخيار الصمت وخيار المواجَهة الدائمة. وأكّدت هوّاري على دَوْر الناشطات في تحفيز النقاش في هذه المواضيع، وعلى جرأتهنّ في خرق التابوهات حول قضايا الدين والجندر والدولة.

وفي تعقيب المحامية ألحان نحّاس داود (الخبيرة في مجال الأحوال الشخصيّة -وتعمل في القسم القانونيّ في جمعيّة “كيان”)، تناولت أثر التعديل الذي قامت به الأطر النسويّة لقانون العائلة، مشيرة إلى تحسُّن في المحاكم الشرعيّة من النواحي الإجرائيّة والنظاميّة، بدون تغيير القانون الذي يرتكز على القوانين الدينيّة، ومضيفة أنّ المحاكم ما زالت ذكوريّة؛ فوصايةُ الرجل على المرأة في كلّ القضايا ما زالت قائمة، وتعامُلُ المحاكم الدينيّة ما زال يميّز بينها وبين الرجل. وفي ما يخصّ الدولة، أشارت أنّ عدم تدخُّل الدولة هو في حدّ ذاته تدخُّل. فعلى سبيل المثال، المحكمة العليا لا تتدخّل إلّا بصورة نادرة، وتعطي المحاكم الدينيّة صلاحيات كبيرة. أمّا محاكم شؤون العائلة، فترتكز في كثير من قراراتها على القانون الدينيّ مثل قضايا النفقات، ممّا يشير إلى المنظومة المركَّبة والتداخل بين المدنيّ والدينيّ في الأحوال الشخصيّة. وأشارت كذلك إلى قضايا حارقة قامت “كيان” بالتوجّه بشأنها إلى المحاكم، مثل تعيين محكمّات في المحاكم الشرعيّة والرسوم الباهظة في المحاكم الكنسيّة. كذلك ركّزت نحّاس في مداخلتها على ضرورة رفع منسوب الوعي لدى النساء في سبيل تحصيل حقوقهنّ.

أمّا الباحثة بانة شغري (عضوة لجنة الأحوال الشخصيّة، وطالبة الدكتوراة في القانون)، فقد أكّدت موافقتها على طرح هوّاري، وأضافت إلى المحور الرئيسيّ الذي طرحته هوّاري -القائل بأنّ النضال النسويّ للفلسطينيّات محكوم بالتراث الاستعماريّ وبالذكوريّة المجتمعيّة وبالدولة الاستعماريّة- محورًا متعلّقًا بالصراعات الدينيّة اليهوديّة الداخليّة وبخاصّة صراع النسويّة الدينيّة الأرثوذكسيّة مع المنظومة الدينيّة اليهوديّة المهينة. واتّفقت مع ادّعاء الـﭘـروفيسور كَرَيَنّي أنّ الدين اليهوديّ هو الحيّز العامّ للدولة، وبالتالي أضافت أنّه يحكم حيّز العرب الدينيّ ويخفض من سقف التغيير الممكن، ممّا يجعل نضال النسويّات الفلسطينيّات في الأحوال الشخصيّة وقضايا الدين والدولة محكومًا بنضال اليهوديّات المتديّنات. وساقت مثالًا على ذلك، إذ ادّعت أنّ تأخير قرار تعيين قاضية في محاكم شرعيّة حتّى عام 2017 لا يمتّ للدين الإسلاميّ بِصِلة، بل له صلة بالنقاش الدينيّ اليهوديّ الداخليّ، أيْ مَرَدُّه إلى التخوّف من أن يؤثّر نجاح النساء المسلمات على اليهوديّات المتديّنات. وأضافت أنّه من الضروريّ أن نقوم بمحاربة فخّ أو زَيْف القناع الدينيّ أسوة بفخّ التعدُّديّة الثقافيّة، حيث يجري استخدام الدين كذريعة للقمع الذكوريّ للنساء، ويُساء استخدام المحاكم الدينيّة لسلب الحقوق التي يمنحها الدين للنساء مثل ما في قضايا الميراث. وفي إجمالها، أكّدت أنّه قد آن الأوان لمشاركة الرجال غير الذكوريّين في نضالنا النسويّ لنتصوّر ونخلق معًا المجتمع الذي نريد أن نعيش فيه.

أمّا الجلسة الأخيرة، التي أدارتها السيّدة نائلة عوّاد (مديرة جمعيّة نساء ضدّ العنف، وعضوة لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصيّة)، فخُصّصت لمناقشة القضايا والأبحاث التي طُرِحت، وللتفكير المشترك في آفاق العمل. شكرت خلالها عوّاد القيّمين على عَقْد اليوم الدراسيّ، وجميعَ المتحدّثين والمتحدّثات، وأكّدت على أهمّيّة النضال النسويّ الذي بدأ منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا، والذي رفع سقف الخطاب في قضايا الأحوال الشخصيّة وقضايا أخرى، والذي ما زالت القوى الأصوليّة تحاربه. وأكّدت على أهمّيّة استمرار النضال، وعلى ضرورة رفع السقف والوقوف أمام تحدّي إقامة نظامِ أحوال شخصيّة مدنيٍّ. وخلال النقاش، طَرحت كثيرات من المشارِكات أسئلة، من بينها أسئلة سياسيّة عن أساليب النضال النسويّ وتحدّياته، وأخرى أسئلة قانونيّة بشأن مسارات العمل داخل المحاكم في قضايا الأحوال الشخصيّة. واتُّفِق في نهاية اليوم على الاستمرار في العمل، وإقامة يوم دراسيّ آخَر بعد بضعة شهور.

لمشاهدة الجلسة الاولى أضغط هنا.

لمشاهدة الجلسة الثانية أضغط هنا.

 

اختتمَ مدى الكرمل – المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة في حيفا، سمينار دعم طلبة الدراسات العليا، الذي شارك فيه أربعة عشر من طَلبة وطالبات الدراسات العليا الفلسطينيّين من جميع أنحاء البلاد. أدار البرنامج وأشرف عليه أكاديميًّا الدكتور مهنّد مصطفى، المدير العامّ لمدى الكرمل، والدكتورة عرين هواري -منسّقة مشروع برنامج دعم طلبة الدكتوراة في مدى الكرمل، والباحثة في المركز.

يهدف البرنامج إلى احتضان طلبة الدراسات العليا الفلسطينيّين في الجامعات الإسرائيليّة، ومنحهم منصّة لمناقشة دراساتهم وأبحاثهم بلغتهم الأمّ، والى توفير إطار يتمكّن الطلبة من خلاله من التعبير عن أفكارهم وآرائهم بِـحُرّيّة، وسماع تقييمات وملاحظات حول أبحاثهم من كبار المحاضرين والمحاضِرات الفلسطينيّات. كذلك ترمي الورشة إلى بناء باحثين فلسطينيّين مقاومين للأكاديميا الإسرائيليّة المهيمنة، نقدًا ونقضًا.

بالإضافة الى ورشات العمل وحلقات النقاش والحِوار التي شارك فيها الطلبة، استضاف السمينار مجموعة من الشخصيّات الأكاديميّة الفلسطينيّة البارزة، وأتاح للطلبة التعرّف عليهم والاكتساب من خبراتهم البحثيّة وتجاربهم الأكاديميّة. في اللقاء الأوّل من السمينار، دارَ الحِوار مع المشاركين حول “النظريّة النقديّة في الفكر الغربيّ والعربيّ”. في اللقاء الثاني، ناقشَ المشاركون فصلًا من كتاب محمّد صبّور “المعرفة والسلطة في المجتمع العربيّ”. في الجزء الثاني من اللقاء، استضاف السمينار الـمُحاضِر الدكتور نمر سلطاني؛ وهو باحث فلسطينيّ ومُحاضِر في كلّيّة الدراسات الشرقيّة والأفريقيّة (“سواس”) في جامعة لندن. قدّم سلطاني محاضَرة حول “الإطار المعرفيّ والنظريّ: مقارَبة نقديّة”، عالجَ فيها الموضوع من خلال الحديث عن كتابه بشأن القانون والثورة ما بعد الربيع العربيّ. تَلا مُحاضرةَ سلطاني نقاشٌ حول المقارَبة النقديّة للأدبيّات في الكتابة الأكاديميّة.

في القسم الأوّل من اللقاء الثالث، عرضت طالبة الدكتوراة سُكينة سواعد بحثها الذي يناقش التجربة التربويّة /الاجتماعيّة /العائليّة والوطنيّة للطالبات الفلسطينيّات اللواتي يدرسنَ للحصول على الدكتوراة في الأوساط الأكاديميّة الإسرائيليّة. في القسم الثاني، استضاف السمينار الدكتورة سامرة إسمير؛ وهي محاضِرة في قسم البلاغة في جامعة بيركلي، في محاضَرة ونقاش حول القراءات النقديّة في النظريّات الأكاديميّة.

استضاف السمينار في اللقاء الرابع الـﭘـروفيسور أمل جمّال، المحاضِر في قسم العلوم السياسيّة في جامعة تل أبيب. تناول جمّال أهمّيّة النشر في مجلّات أكاديميّة في سبيل التقدّم الأكاديميّ؛ مشيرًا إلى أهمّ الأمور التي على الباحث أن يتناولها في أبحاثه، وفي كتاباته البحثيّة.

عُقِد اللقاء الاختتاميّ للسمينار على مدار يومَيْن في رام الله. افتُتِح اللقاء بجلسة حِواريّة بعنوان “تأصيل المعرفة والمعرفة البديلة في العلوم الاجتماعيّة”، أدارها طالب الدكتوراه خالد عنبتاوي، وتحدّث فيها الدكتور أباهر السقّا بجلسة، كما عرضَ خلالها عضو السمينار الطالب طارق بصول ورقة بعنوان: “شفاعمرو: تطويرها الديمـﭼـرافيّ والاقتصاديّ والعمرانيّ خلال الحكم العسكريّ الإسرائيليّ 1948-1966”.

وقد خصّص السمينار الجزء الأوّل من اليوم الثاني لورشة بعنوان “ما هي المنهجيّة؟ حاجتنا إليها وتوظيفنا لها”، أدارها الطالب أشرف بدر، وتحدّث فيها د. خالد فوراني، وعرضت خلالها الطالبة بانة شغري ورقة بعنوان: “أنا؟ نحن؟ إنشاء ومحو الفوارق بين الباحثة وعيّنة البحث”. وقد استضاف السمينار في الجزء الثاني الدكتورة أريج صبّاغ – خوري في محاضَرة ونقاش بعنوان “الكولونياليّة الاستيطانيّة، سوسيولوجيا إنتاج المعرفة في إسرائيل والمنهجيّات النقديّة”، وأدارها الطالب علي موسى.

وقد عقّب الدكتور مهنّد مصطفى، المدير العامّ لمدى الكرمل، على اختتام السمينار قائلًا: “يشكِّل سمينار طلبة الدراسات العليا إطارًا أكاديميًّا ومعرفيًّا ومنهجيًّا مهمًّا في مسيرة الطلبة الأكاديميّة، فضلًا عن أنّه مكان يلتقي فيه الطلبة من جامعات مختلفة ومن تخصُّصات وأنساق معرفيّة متنوّعة في فلسطين، وينكشفون على عالم المعرفة والإنتاج البحثيّ من محاضِرين ومحاضِرات فلسطينيّين في مؤسّسات أكاديميّة محلّيّة وعالميّة، ونهدف منه أيضًا إلى تطوير المعرفة الناقدة وإكساب الطلبة مهارات في الكتابة الأكاديميّة تبدأ من التعرّف على الحقل المعرفيّ والنظريّ، مرورًا بالمنهجيّات البحثيّة وطرحها بشكل معمّق، وانتهاءً بدَوْر الطالب الفلسطينيّ في المجال العموميّ، والعلاقة بين المعرفة والبحث الجادّ والموضوعيّ، والانحياز إلى قضايا المجتمع وهمومه الوطنيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة”.

 

ترمي هذه الورقة إلى تحليل دعم ومشاركة القائمة العربيّة الموحّدة، برئاسة منصور عبّاس، للحكومة الإسرائيليّة الجديدة برئاسة نفتالي بِنِتْ ويئير لـﭘـيد، وفهم دلالاتها السياسيّة والمدنيّة، وإسقاطات هذه التجربة غير المسبوقة في السياسة العربيّة.