أقامَ برنامج الدراسات النسويّة في مدى الكرمل، بالتعاون مع المنتدى النسويّ، ندوة بعنوان “قراءات نسويّة نقديّة لنهج الانتخابات الأخيرة وخطابات الأحزاب”، وذلك في الثلاثين من نيسان. شاركت في الندوة د. سونيا بولس (المحاضِرة في قسم العلاقات الدوليّة في جامعة أنتونيو دي- نبريخا- مدريد، والعضوة في لجنة الأحوال الشخصيّة) بمداخلة حاولت فيها تقييم أداء وخطاب القائمة المشتركة في ما يتعلّق بحقوق النساء. أشارت بولس إلى أنّ تشكيل القائمة المشتركة نبع من الحاجة إلى اجتياز نسبة الحسم، ممّا دفع بحقوق الإنسان والنساء إلى الهامش، ولم تكن هذه الحقوق في سلّم أولويّاتها. وأضافت أنّ الفئات المستضعَفة في المجتمع -مثل النساء، ومجتمع الميم، والأطفال- تدفع ثمن غياب خطاب حقوق الإنسان، وامتناع القائمة المشتركة عن الخوض في المسائل الخلافيّة بمنظومة الأحوال الشخصيّة، وعن مناقشة الحقوق الجوهريّة والأساسيّة للنساء نحو: المساواة في الفرص، وفي التعليم، وفي العمل والحيّز الخاصّ مقابل العامّ، ودون الاعتراف بحقّ المرأة في تقرير مصيرها.
حصرت بولس ردود فعل أعضاء الكنيست والأحزاب العرب في تناول مثل هذه المسائل في ثلاث نقاط: الأولى الخجل من خطاب حقوق الإنسان، وتضليل الجمهور بعرض خاطئ للقوانين التي صوّتت لها الأحزاب. الثانية خلق خطاب أولويّات هرميّ، فيه يكون السياسيّ بمفهومه الضيّق أهمّ من النسويّ والجندريّ والحقوقيّ. الثالثة الصمت والهروب التامّ وتجنُّب الخوض في مناقشة الموضوعات الخلافيّة داخل المجتمع.
شاركت كذلك نسرين مزّاوي (الباحثة الاجتماعية، والمرشّحة لنيل شهادة الدكتوراة في علم الإنسان من جامعة حيفا) بمداخلة عرضت فيها قراءة للهوموفوبيا في الحملة الانتخابيّة الأخيرة (انتخابات الكنيست الـ 24). ادّعت مزّاوي أنّ الهوموفوبيا في الحملة الانتخابيّة -بخلاف الهوموفوبيا الدينيّة والاجتماعيّة المعروفة- هي هوموفوبيا سياسيّة، وتختلف بأنّها ترى بمؤسّسات الدولة وأدواتها وسيلة لملاحقة المثليّين وقمعهم. أشارت مزّاوي إلى أنّ صعود الهوموفوبيا السياسيّة يرتبط بعاملين أساسيّين: الأوّل اعتماد الشعبويّة كنهج سياسيّ على المستوى البرلمانيّ. والشعبويّة ترتبط بكُرْه الأقلّيّات، والحقد عليها، واستغلال الأزمات الاجتماعيّة والاقتصاديّة، حيث تُستمال الجماهير بالخطاب العاطفيّ، وبالافتعال المتعمّد لمثل هذه الأزمات؛ فهي التي تضمن الوجود السياسيّ. الثاني صعود الهوموفوبيا بين أحزاب اليمين الصهيونيّ المتطرّف؛ وهو ما أدخلها إلى الحلبة السياسيّة. المعاداة السياسيّة للهوموفوبيا تأتي على مستويين: الأوّل ترويج للكراهية والبغض بين أفراد المجتمع الواحد. والثاني عجْز الهوموفوبيا أمام المثليّ الصهيونيّ؛ لكنّها تحرّض على المثليّ الفلسطينيّ، وهذا يصبّ في مصلحة الخطاب الصهيونيّ المستشرق.
الناشطة النسويّة وعضوة منتدى جسور – كيان، جهينة حسين، تناولت في مداخلتها تراجُع تمثيل النساء في الأحزاب العربيّة بعد أن طغت الشخصيّات والمنافسات الذكوريّة داخل القوائم العربيّة، وأثّرت على مواقع النساء في داخل الأحزاب. التشرذم الكبير الذي ولّدته إقامة المشتركة كوحدة هدف، دون وضع آليّات عمل واضحة للجميع، أو إدارة الخلافات السياسيّة داخل المشتركة، أضرّ -أكثرَ ما أضرّ- بالنساء، باعتبارهنّ الحلقة الضعيفة. وأدانت حسين تناقُضَ الأحزاب بين المطالَبة بالعدالة الاجتماعيّة والاعتراض على الحرّيّة الشخصيّة، في أعقاب رضوخ الأحزاب والجمعيّات الحقوقيّة تحت الضغط المجتمعيّ المحافظ، وتخبُّطها أمام القضايا الخلافيّة في المجتمع.
ترى حسين التمثيل النسائيّ في الأحزاب العربيّة تمثيلًا غير حقيقيّ هدفُهُ تزيين القوائم العربيّة فحسب، وشدّدت على ضرورة العمل على تسييس النساء، الأمر الذي قد يصبّ في مصلحتهنّ ومصلحة حقوقهنّ في المستقبل. كذلك طالبت بنقلهنّ إلى مواقع قياديّة ذات تأثير، تمكّنهنّ من اتّخاذ القرارات داخل الأحزاب العربيّة كي لا تغريهنّ الأحزاب الصهيونيّة التي تستغلّ تهميش النساء في الأحزاب العربيّة وتعمل على استيعابهنّ من خلال رفع سقف توقّعاتهنّ من الحزب. اختتمت حسين مداخَلتها بتأكيد ضرورة السعي للحصول على حقوق النساء الكاملة وعدم الاكتفاء بالفُتات، وبأن تكون نساؤنا مؤثّرات ومؤمنات بالنسويّة وحقوق المرأة، ووضع خطّة عمل ممنهجة بالتعاون مع الجمعيّات النسويّة، في سبيل تحقيق العدالة المجتمعيّة.
عقّبت على المداخَلات عضوة الكنيست عن الجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة عايدة توما – سليمان. ادّعت توما أنّ الخلاف بين القائمة المشترَكة والموحَّدة صُوِّرَ على أنّه خلاف حول قضيّة المثليّين، لأنّه يخدم الخطاب الشعبويّ ويحيّد الخطاب السياسيّ، ولكنّ القائمة المشترَكة والمجتمع العربيّ فشِلا في تحدّي تحييد الخطاب من مواجهة الدولة إلى معركة داخليّة في المجتمع العربيّ. فضلًا عن ذلك، رَفَعَت الشعاراتُ الرنّانة من سقف توقّع الجمهور العربيّ على نحوٍ لا يلائم الواقعَ السياسيّ في ظلّ دولة تتّجه نحو الفاشية وتؤسّس لنظام أﭘـارتهايد.
انتقلت توما للحديث عن تحييد آخر في داخل القائمة المشتركة، هو تحييد الخلافات، ونشوء منافسة ذكوريّة لاكتساب القوّة والعمل على رفع المكانة الشخصيّة لكلّ شخص موجود داخل المعادلة. وَفق ما قالت، هذا هو الاختلاف الأساسيّ بين التوجُّه الذكوريّ والتوجُّه النسويّ في إدارة المعارك السياسيّة؛ إذ يعمل التوجُّه الذكوريّ بمنطق القوّة ومحاولات كسر الآخر.
ختمت توما محذِّرةً من المرحلة السياسيّة الخطرة التي نُقبِل عليها، مع صعود الخطاب الشعبويّ والانحراف عن المواقف الوطنيّة الواضحة. أشارت كذلك إلى أنّ دور النساء لا يجب أن يقتصر على الدفاع عن حقوقهنّ فقط، بل عليهنّ أن يكُنّ حاضنة نسويّة تقدّميّة، وجزءًا من المعركة العامّة، ومن تطوير الأَجِنْدات والخطابات السياسيّة.
تلت المداخلات فقرة نقاش وتعقيبات من المشارِكات في اللقاء.