يواجه المجتمع العربيّ منذ بداية أزمة الكورونا تحدّيات كبيرة على صعيد التعامل مع الانتشار الواسع للوباء في البلدات العربيّة، ظهر بعضها مؤخّرًا في سياق الدعوة إلى التطعيم ضدّ ڤيروس كورونا.

تشير الأدبيّات العلميّة إلى أنّ الفئات الاجتماعيّة متفاوتة من حيث تعاملها مع التطعيمات. هناك فئة توافق على التطعيم (مناصِرة للتطعيم)، وأخرى متردّدة (انتقائيّة في أخذها التطعيمات؛ إذ يتعلّق الأمر بنوع التطعيم ووتيرة أخذه وسهولة الوصول إليه)، وهناك فئة أخرى ترفض أخذ التطعيمات (مناهِضة للتطعيم). تتسلّح كلّ فئة منها باعتباراتها الخاصّة، ويميِّز كلَّ فئة مسارٌ مختلفٌ لاتّخاذ القرار بشأنه. فما هو تفسير سلوك المجتمع العربي من مسألة التطعيم الراهنة؟ تحاول الورقة الحالية الاجابة على هذا السؤال.

نشرت وحدة السياسات في مدى الكرمل- المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة، بالتعاون مع الباحث محمّد قعدان؛ ورقة تقدير موقف بعنوان “لجنة المتابعة ودورها في سياق إعادة انتخاب رئيسها الحالي”. ناقشت الورقة حيثيّات التفاصيل الإجرائيّة لانتخابات رئاسة المتابعة، بدءًا من الإعلان عن فتح باب التسجيل، نهايةً بانتخاب الرئيس الحالي؛ السيّد محمّد بركة، لولاية ثانية. وقد استعرضت الورقة الجدل حول انتخابات رئاسة المتابعة، ومواقف الأحزاب من الانتخابات. كما واستعرضت الورقة الخلاف المستمرّ بشأن أهمّيّة لجنة المتابعة وسُبل تطويرها، من خلال لجان مهنيّة وبعض الإصلاحات في ما يتعلّق بالنظام الداخليّ.

كشفتْ الورقة أنّ الانتخابات الحاليّة أظهرت تبايُناتٍ جديدةً بين مركّبات لجنة المتابعة، وعدمَ قدرتها على طرح مرشّحين لمنصب رئاسة اللجنة، فضلًا عن التغنّي بتصوُّراتها المعروفة عن إعادة بناء لجنة المتابعة، والذي ظهر هذه المرة كحالة هروب من مواجهة الواقع بدلًا من إصلاحه، باستثناء حركة أبناء البلد التي أعلنت انسحابها العلنيّ من عمليّة الانتخابات.

وتشيرُ الورقة إلى أنّ بقاء لجنة المتابعة في شكلها الحاليّ ليس وليدَ بنيانها، بل وليد إرادة الأحزاب السياسيّة للإبقاء عليها كهدف لا كأداة يمكن تطويرها؛ وهو ما يعني أنّ لجنة المتابعة تعاني من أزمة بنيويّة مستديمة في ما يتعلّق بانتخاباتها، وبدورها، وبفعلها. تتمثّل هامشيّة لجنة المتابعة بناءً على الورقة بانعدام المنافَسة الجِدّيّة والندّيّة في الانتخابات؛ بالتكرار للتصريحات ذاتها، والإشادة بأهمّيّة عمل اللجنة ودَوْرها وضرورة تنظيمها، دونما مبادرة إلى الابتداء في هذا التنظيم وتطبيقه بحجّة الظروف وعدم توافر الوقت؛ وبنظرةُ الأحزاب للقائمة المشتركة والعمل البرلمانيّ كساحة العمل السياسيّ الأساسيّ، وعليه وحوله تدور النقاشات الحزبيّة والتوتّرات والانقسامات.

لقراءة الورقة: https://bit.ly/3rDhbtb

انتخب المجلس المركزيّ للجنة المتابعة، بتاريخ 19/12/2020، السيّد محمّد بركة لولاية ثانية رئيسًا للجنة المتابعة العليا، وكان بركة هو المرشّح الوحيد الذي أعلن عن ترشُّحه لرئاسة اللجنة، إذ لم يبادر أيّ حزب إلى طرح مرشّح حتّى إغلاق باب الترشيح بتاريخ 16/12/2020. وهكذا كان الاختيار أمام المصوّتين إمّا التصويت لصالح السيّد بركة، وإمّا اختيار الورقة البيضاء. حصل السيّد بركة على تأييد 54 عضوًا من أصل 62 عضوًا في المجلس المركزيّ.
وجاءت هذه الانتخابات بعد جدل استمرّ طويلًا حول مدّة الولاية الدستوريّة لولاية الرئيس المنتخَب. تمحور النقاش في ما إذا كانت ولاية الرئيس المنتخَب تنتهي بعد دورة تمتدّ خمسة أعوام (2015-2020)، أم تنتهي بعد ثلاثة شهور من انتخابات السلطات المحلّيّة (2018). وبما أنّ الانتخابات لرئاسة اللجنة كانت عام 2015، أي بتأخُّر عامَيْن عن انتخابات السلطات المحلّيّة المنعقدة عام 2013، فقد تقرّر عَقدها في كانون الأوّل (2020)، أي بعد دورة كاملة من خمسة أعوام.

يرتكز الإطار النظريّ في هذه الدراسة على التشابك بين الاستعمار الاستيطانيّ والمشروع النيوليبراليّ في هذه الدولة، دونما تحييد للعلاقات التي نتجت عن هذا التشابك، بل مع رصد ورؤية الممارسات السياسيّة والاقتصاديّة التي حدّدت من جهة سمات الفقر البنيويّ لدى العرب الفلسطينيّين داخل الدولة من جهة، ومن جهة أخرى حفّزت أنماطًا جديدة للكسب والعيش: الإجرام المنظّم وتشابكه مع العائلة وأجهزة الشرطة وتطوّرها في سياق نمط التراكم النيوليبراليّ؛ وبالتالي تحفيز منطق المحو والسلب من خلال بناء مراكز الشرطة؛ وزيادة وسائل المُراقبة؛ وانتشار الأسلحة.

لقراءة الدراسة بصيغة PDF اضغط هنا

أصدر مركز مدى الكرمل- المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة، العدد الثامن والثلاثين من مجلّة جدل بعنوان “السياسة في زمن الكورونا”. يأتي هذا العدد ضمن جهد بحثيّ وأكاديميّ ضخم عمل عليه مدى الكرمل طوال العام الحالي لمناقشة تَبعات أزمة كورونا على الحياة الاجتماعيّة، السياسيّة، الاقتصاديّة والصحيّة للفلسطينيّين في الداخل، فضلا عن تداعياتها على السياسات الإسرائيليّة. وكان المركز قد أطلق خلال العام الحالي سلسلة محاضرات مُتلفزة تحمل نفس العنوان، وعدّة أوراق تقدير موقف صادرة عن وحدة السياسات في مدى الكرمل تناقش ذات الموضوع.

وقد أشار المحرّران، د. مهنّد مصطفى وَد. عرين هوّاري أنّ جائحة كورونا نجحتْ في إعادة سوسيولوجيا الأوبئة إلى السطح المعرفيّ، “إذ تكشف الأوبئة العابرة للحدود عن طبقة أخرى من ماهيّات البُنى السياسيّة والاجتماعيّة والصحّيّة في المجتمعات والدول، وكذلك تُعيد التفكير فيها، وفي قوّتها وضعفها وهشاشتها أو حتّى جدواها”. ومما لا شكّ فيه أنّ جائحة كورونا أسهمت، وفي ذات الوقت كشفت عن الكثير من التداعيات على المجتمع الفلسطينيّ؛ كما كتبَ المحرّران، موضّحان: “بداية، كشفت الجائحة عن التمييز في النظام الصحّيّ الإسرائيليّ، وعن ديناميكيّة هذا النظام وارتباطه بالبنية السياسيّة الاستعماريّة الراهنة ودَور الفلسطينيّين فيه، سواء أكانوا مهنيين أم مستهلكي خدمات. أضافة إلى ذلك، الجائحة أزالت الغبار عن طبقة أخرى من الاستغلال الاقتصاديّ في النظام الاستعماريّ، ومآزق النظام الرأسماليّ والنيو-ليبراليّة، غير أنّها زادت من تأزّم ظواهر اجتماعيّة، مثل العنف ضدّ النساء، ولا سيّما العربيّات، ومعاناة النساء في ظلّ هذه الجائحة، وهشاشة جهاز التعليم العربيّ ولا سيّما في النقب، وفي الوقت نفسه حملت الكثير من التأمّلات في حياتنا اليوميّة ومن الدروس المستفادة، نتيجة التغيّرات التي طرأت على روتين سلوكنا اليوميّ من جرّاء الحجر الصحّيّ، والإغلاق ومنع التجوال، وتقييد حرّيّة الحركة والتنقّل وغيرها”.

شمل العدد على ثلاثة أبواب رئيسيّة: الأوّل مقاربات نظريّة؛ الثانيّ، الكورونا والفلسطينيّون في إسرائيل؛ والثالث، الكورونا في السياق الفلسطينيّ العام- بين الوطنيّ واليوميّ؛ ومقالات إضافيّة. في الباب الأوّل ساهم الباحث منصور أبو كريِّم بمقال، عنوانه: “تساؤلات مستقبل دور الدولة والاقتصاد الحرّ في ضوء جائحة كورونا”. كما وساهم الباحث محمّد قعدان بالمقال الآخر والمعنوَن: “الرأسماليّة، المجتمع، والتاريخ: ملاحظات في فهمِ الوباء”. وفي الباب الثاني من العدد شارك الباحث أسامة طنّوس بمقال، عنوانه: “الأطباء العرب في إسرائيل- رؤية من الداخل”. كذلك، قام الباحث إبراهيم أبو عجاج بالمشاركة بمقال بعنوان: “جائحة كورونا وانعكاساتها على جهاز التربية والتعليم في النقب: تحدّيات وتطلُّعات مستقبليّة”. فيما كان المقال الأخير من كتابة الباحثة منال شبلي، بعنوان: “نحوَ استراتيجيّات ملائمة لعلاج ظاهرة العنف الجندريّ في ظلّ جائحة الكورونا”.

تضمّن الباب الثالث مقالًا بعنوان: ” تمثّلات البنية الاستغلاليّة الاستعماريّة الإسرائيليّة للعمّال الفلسطينيّين خلال جائحة كورونا” للباحث أحمد عزّ الدين أسعد؛ ومقالًا آخر بعنوان: “الضغوط الحياتيّة النفسيّة_الاجتماعيّة والاقتصاديّة لدى المرأة الحامل، في داخل السياق الثقافيّ الفلسطينيّ، في ظلّ أزمة كورونا” للباحثين غادة جمهور حلواني ومهدي حلواني. المقال الأخير في هذا الباب للباحثة زينة أبو زرقة، جاء تحت عنوان: “فلسطين في ظلّ الكورونا بين اليوميّ والقوميّ: تأمّلات شخصيّة”. في القسم الأخير من العدد نُشر مقالًا إضافيًّا للد. مهنّد مصطفى، المدير العام لمدى الكرمل، بعنوان “من وحي الانتفاضة عام 2000 وما بعدها”.

بالإضافة إلى الأبحاث الهامّة التي ساهمت في الحقل المعرفيّ والفكريّ حول تداعيات أزمة كورونا، يمثّل هذا العدد من المجلّة الفكريّة والثقافيّة “جدل” منصّة بحثيّة قَيِّمَة للجيل الجديد من الباحثين الشباب والباحثات الشابّات لنشر أبحاثهم/ن ودعمهم/ن في مسيرتهم/ن العلميّة. كما ويعتزم مركز مدى الكرمل على متابعة سيرورة تسليط الضوء على السياسات في زمن الكورونا من خلال مؤتمره السنويّ القادم لعام 2021 الذي سيُعقد في الثلاثين من أيّار القادم.
لقراءة العدد اضغط هنا