مهند مصطفى: تعظيم سياسات التمثيل على حساب التنظيم هي قطيعة عن معاني انتفاضة القدس والأقصى
حظر الحركة الاسلامية جاء لضرب توجهات تنظيم المجتمع العربي
فقد العالم العربي مراكزه السياسية، لا سيّما مركزية مصر بعد الانقلاب العسكري
طه اغبارية
بمناسبة مرور 20 عاما على أحداث انتفاضة القدس والأقصى، واتفاقيات التطبيع مع المؤسسة الإسرائيلية، أجرت صحيفة “المدينة” هذا اللقاء مع د. مهند مصطفى، مدير عام مدى الكرمل: المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، ومحاضر مشارك في الكلية الأكاديمية- بيت بيرل، ورئيس قسم التاريخ في المعهد الأكاديمي العربي في الكلية.
– مرت 20 عاما على انتفاضة القدس والأقصى، ماذا يمثل هذه الحدث في هذه القترة؟
تمثل الانتفاضة في جوهرها، بالإشارة إلى أوضاعنا الحالية، على تداخل الناس مع المشروع السياسي الجماعي، مشروع البقاء، والأرض، والمقدسات. حملت الانتفاضة مشاركة جماعية للناس بوعيّ وطني، وبحس جماعي. حيث إن الوعي لا يكفي بدون الحس الذي يرافقه، هذا المزيج بين الوعي العقلاني بقضايا المجتمع، والشعور بالانتماء له ميّز سلوك الناس في الاحداث. مثلت الانتفاضة ما نفقده اليوم، تداخل الناس في العمل السياسي، مقابل العزوف عنه اليوم. مشاركة الناس في النضال الشعبي واقتصاره على شريحة صغيرة اليوم. وجود قيادة تقود ولا تنقاد، قيادة لديها مشاريع سياسية وطنية، أمام مشاريع لقيادات تحاول نزع السياسة عنها. والسياسة بمفهوم وجود حالة تسييس نابعة من الانتماء إلى مشروع وطني فلسطيني، يحمل تنوع ايديولوجي داخله، لكن تقويه ثوابت وطنية مشتركة، أهمها أن قضايا الفلسطينيين في مناطق ال-48، هي جزء من القضية الفلسطينية ولا يمكن الفصل بينهما.
– لماذا حدث تراجع في كل ما ذكرت؟
هذا سؤال كبير، سأحاول الاجابة عليه باختصار. هنالك أسباب تتعلق بنا، وأسباب تتعلق بتحولات جديدة في السياسات الإسرائيلية نحونا. ودعني ابدأ بالأسهل وهو المتعلق بإسرائيل. أدركت إسرائيل أن الانتفاضة هي حدث مفصلي. وإذا استمرت روحها بالحضور سيكون العرب غير العرب الذين عرفتهم قبل ذلك. تبنت إسرائيل استراتيجيتين في التعامل مع هذه الحقيقة، وكلا الاستراتيجيتين تصبان في تحقيق هدف واحد، تفكيك المشروع السياسي الجامع والجماعي للفلسطينيين في الداخل. الاستراتيجية الأولى هي تجريم العمل السياسي، وملاحقة حركات وقيادات سياسية تشدد في خطابها على تنظيم الجماهير الفلسطينية. وشهدنا خلال العقد الأول بعد الانتفاضة، حملة حثيثة وكثيفة في ملاحقة حركات وقيادات سياسية، وحتى نشطاء سياسيين. أي، اعادة بناء وتفعيل الملاحقة السياسية، ولكن بطرق أكثر ذكية. كانت ذروة هذه العملية هو حظر الحركة الاسلامية عن القانون خلال العقد الثاني بعد الانتفاضة. وعلى فكرة حمّلت لجنة اور الشيخ رائد صلاح جزء هام من مسؤولية اندلاع الانتفاضة، إضافة إلى الدكتور عزمي بشارة والسيد عبد المالك دهامشة. لذلك فهي تنتقم كل مرة من الأول عبر الاعتقالات والأسر في محاولة لتغييبه وتغييب دوره السياسي، ولفقت اتهامات أمنية للثاني اضطره لترك البلاد، وانتهى دور الثالث سياسيا بعد خروجه من الكنيست.
– هذه الاستراتيجية الأولى، ماذا مع الاستراتيجية الثانية التي ذكرتها؟
الاستراتيجية الثانية هي مركبة جدا. تتمثل في دمج الفلسطينيين كأفراد في المجتمع الإسرائيلي، وما ساعد على ذلك هو التوجهات الليبرالية في الاقتصاد الإسرائيلي الذي تتباه الدولة بعد صعود اليمين للحكم. وتعزز هذا التوجه بعد الانتفاضة، طبعا لا ننسى أن نتنياهو، وهو من المتحمسين لليبرالية السوق، كان وزيرا للمالية في حكومة شارون الثانية. لا أقول إن هذه السياسات خاصة بالعرب، بل كان توجها عاما في الدولة، فاليمين الإسرائيلي ايديولوجيا ينطلق من توجهات ليبرالية في الاقتصاد، أي انسحاب الدولة من الاقتصاد، وافساح المجال لقوانين السوق بقيادة دفة الاقتصاد فضلا عن اندماج الاقتصاد الإسرائيلي في العولمة. ولكن ضمن هذا التوجه عملت مؤسسات الدولة على افساح المجال لدمج العرب في الاقتصاد كأفراد، دون تمكين العرب من بناء اقتصاد عربي حتى لو كان على نطاق محلي. وصرفت الدولة المليارات لدمج العرب في الاقتصاد، لا سيّما النساء العربيات، والخطة الاقتصادية الخمسية، 922، هي جزء من هذا التوجه، ينطلق هذه التوجه أن الادوات الاقتصادية الليبرالية تفكك المجتمع إلى افراد، صحيح أنهم أفراد متميزين وناجحين، ولكننا نعلم أن التميز الفردي لا يلغي التمييز الجماعي، هذه قاعدة تعلمناها من كل تجارب المجموعات المقموعة في العالم. وكل سياسات اقتصادية ليبرالية، ليس هنا فقط، تؤدي إلى تفكيك المجتمع بما هو مجتمع متضامن، لديه مشروع جماعي، حيث يتفكك إلى مشاريع فردية. والمشاريع الفردية هي مشاريع مشروعة طبعا، ولكنها لا تصب في مشروع جماعي، وهذه النقطة التي تهمنا.
– ذكرت أن التوجهات الليبرالية في الاقتصاد كانت سمة أيديولوجية وسياسات في الدولة، فلماذا لم يحدث ذلك التفكك للمشروع السياسي الصهيوني الجماعي؟
في حالة المجتمع الفلسطيني الذي أظهر قدرا كبيرا من الوعي والحس الجماعي خلال الانتفاضة، تم المزج بالتعامل معه من خلال الاستراتيجيتين اللتين ذكرتهما، الملاحقة السياسية والاندماج الاقتصادي. في حالة المجتمع اليهودي كان الأمر معاكسا، ولكنه مثير في نفس الوقت لنفهم حالة سياسية مثل إسرائيل. حيث إن إسرائيل، وتحديدا اليمين الإسرائيلي الذي يحكم منذ الانتفاضة بلا انقطاع، تبنى سياسات ليبرالية في الاقتصاد متحديّا فيها فكرة دولة الرفاه بمفهومها الاشتراكي الديمقراطي، ولكنه شدّد بالمقابل وبالتوازي على يهودية الدولة. وتشريع قانون القومية قبل عامين هو ذروة هذه العملية. تبنى اليمين الإسرائيلي سياسات ليبرالية في الاقتصاد، وفي نفس الوقت كان يعيد انتاج وبناء المجتمع والقومية اليهودية ويرصّها بخطاب ديني-قومي. بمعنى آخر وأكثر بساطة، يمكن القول، أن اليمين يقوم بصياغة مشروع سياسي جماعي صهيوني قومي-ديني، يضبط من خلاله حدود المجموعة ومفهوم الوطنية والانتماء لها، واحتكار تعريف الصهيونية وجوهرها، وفي نفس الوقت يتبع سياسات ليبرالية في الاقتصاد تشدد على انسحاب الدولة من الفعل والتأثير الاقتصاديين قدر الامكان. لم يحدث التفكك في المجتمع اليهودي، لأنه رافق الاقتصاد الليبرالي مشروع سياسي جماعي قومي-ديني. طبعا هنالك علاقة وتداعيات للمزج بين التوجهات القومية الدينية في السياسة والتوجهات الليبرالية في الاقتصاد، ولكن لا أريد أن اشغل القارئ بها في هذا اللقاء، حتى نبقى في موضوع المقابلة.
– ما هي الأسباب التي تتعلق بنا؟
اننا لم نستغل هذا الحدث المفصلي ونعيد قراءته وفهمه سياسيا، من خلال السعيّ إلى تنظيم المجتمع العربي عبر بناء مؤسسات وطنية جامعة وتفعليها. لم يكن قصورنا فوريا، بل تراكم حتى وصلنا إلى المرحلة الحالية التي فيها تعظيم لسياسات التمثيل على حساب سياسات التنظيم، تمثيل المجتمع في مؤسسات الدولة مقابل تنظيم المجتمع. لا بد من القول إن الحركة الاسلامية المحظورة كانت في مقدمة من نادى بتعظيم سياسات التنظيم، هناك من رأى امكانية التوزان بينهما، مثل التجمع الوطني، والذي تراجع في السنوات الاخيرة عن سياسات التنظيم لصالح التمثيل، وهناك من عظّم سياسات التمثيل واعتبره الركيزة الأساسية للسياسة العربية مثل الجبهة الديمقراطية. توضحت هذه التوجهات منذ عام 2015، مع تأسيس القائمة المشتركة والتي أثرت كثيرا على التجمع الوطني الذي فقد الكثير من تأثير خطابه السياسي جراء القائمة المشتركة، وحُظرت الحركة الاسلامية قبل ذلك، فتراجع وضعف صوت وتوجه سياسات التنظيم أمام خطاب التمثيل، مع التأكيد أن رسالة انتفاضة القدس والاقصى كانت تطالبنا بتعظيم سياسات التنظيم.
– ما تأثير سياسات التمثيل على المجتمع العربي، ربما تساهم بالفعل في تدعيم حقوقنا المدنية؟
سياسات التمثيل قد تُحقق انجازات مدنية للمجتمع العربي، على الرغم من قناعتي الذاتية أن التحسن النسبي في توزيع الميزانيات والموارد على المجتمع العربي نابع من تصور إسرائيلي في دمج العرب في الاقتصاد الإسرائيلي، علاوة على التزامات إسرائيلية دولية، ازدادت بعد انضمامها إلى منظمة التعاون الاقتصادي (OECD)، التي تنشر سنويا تقارير الفجوات داخل دول الاعضاء في كل المجالات، التعليمية، الصحية، الاقتصادية وغيرها. لا أريد أن انفي أن لسياسات التمثيل لها تأثير على اعادة توزيع موارد على المجتمع العربي، ولكنها تكون عينية، ولا تحمل من طرف الحكومة توجه نحو المساواة الكاملة، التي لا يمكن أن تتحقق ما دامت إسرائيل تُعرف نفسها كدولة يهودية. ولكن سياسات التمثيل وغياب سياسات التنظيم، تؤدي إلى أسرلة المجتمع، باعتبار أن خياره للتقدم يكون عبر الاندماج في اللعبة الإسرائيلية حصرا، فضلا عن أن هذا الاندماج يكون فرديا، لأنه لا يمكن أن يكون الاندماج جماعي، فقط اندماج فردي. لذلك تظهر في مجالنا العام، قيم التميز الفردي، التفوق والنجاح الفردي، الانجاز الفردي، ويتم تعظيم هذه الفردانية، ولكن ما مردود ذلك على الحالة الجماعية، ضئيل جدا.
– ولكن الأسرلة ليست حالة جديدة، كانت دائما حالة أسرلة في المجتمع العربي، تتصاعد مرات وتتراجع مرات أخرى، ما الذي تراه مختلفا هذه المرة؟
هذه المرة هي مختلفة، وأنا أطلق عليها أسرلة بوعيّ. وليست نابعة من الخوف كما كان في سنوات الحكم العسكري، ولا نابعة من انبهار كما كان في بداية التسعينات بعد توقيع اتفاق اوسلو، ولا عن جهل أو انتهازية شخصية، بل عن وعيّ بذلك. ولاحظ أن حالة الأسرلة الراهنة تتعاظم في الفترة التي تحكم فيها حكومة هي الأشد تطرفا في تاريخ إسرائيل وفقا للسياق التاريخي الذي نعيشه. في التسعينات ظهرت حالة الأسرلة في ظل حكومة رابين التي ذهبت إلى تسوية مع منظمة التحرير الفلسطينية، وكان هنالك أجواء أن الدولة الفلسطينية على الطريق، وكان هنالك مشاركة للأحزاب العربية في الحكومة ككتلة مانعة من الخارج، وتم إنفاق مليارات الدولارات على السلطات المحلية العربية. الان نحن في حالة أسرلة في ظل حكومة تقصي العرب، وتلاحقهم، وتشرع قانون القومية، وتدمر المشروع الوطني الفلسطيني. لذلك فإن تعظيم سياسات التمثيل في هذا السياق في السياسة العربية يعزز من الاسرلة. الأسرلة بوعي تنطلق أن الخلاص الفردي يكون بالاندماج، والاسرلة هنا ليست تشوه في الهوية بالضرورة، قد يكون صاحبها يملك الوعي الوطني أو الحس الديني، ولكن مقصدها أن الخلاص هو فردي وليس جماعي، الخلاص هو الاندماج كفرد متميز ومتفوق وناجح، وليس ضمن بناء مشروع سياسي جماعي، الأسرلة بوعي هي نزع السياسة عن المشروع الخلاصي الفردي. وإذا نزعت السياسة عن تفكيرك، قلّ انتماءك لمشروع سياسي جماعي.
– إذن، هل لنا أن نفهم ان حظر الحركة الاسلامية جاء في هذا السياق؟
بلا شك، كان أحد العوامل. في رأيي كانت استراتيجية إسرائيلية مُحكمة لإضعاف سياسات التنظيم في المجتمع العربي. هكذا تم حظر الحركة الاسلامية، واضعاف التجمع الوطني الديمقراطي، الذي تراجع بسبب عوامل داخلية بالحزب أيضا. وكلاهما كانا حاملان لمشروع تنظيم المجتمع، عتبي على التجمع أنه بسلوكه في العقد الأخير أهمل سياسات التنظيم لصالح التمثيل.
– لنعود إلى الحالة الاقليمية والتطبيع، ماذا يحدث للعرب؟
العرب، وتحديدا الأنظمة العربية تنضوي في تحالفات كل حسب مصالحه. في المنطقة العربية هنالك ثلاثة تحالفات مركزية. تحالف تقوده إيران، تحالف تقوده تركيا، وتحالف تقوده إسرائيل برعاية أمريكية غير مسبوقة. والتحالف الأخير هو التحالف المثير. في الماضي البعيد كانت المنطقة العربية عصيّة على إسرائيل، وحاولت الأخيرة بناء تحالفات لحصار المنطقة العربية، وكانت تحالفاتها غير عربية، مع اثيوبيا، مع إيران قبل الثورة، ومع تركيا خلال الفترة العسكرية. الان تدخل إسرائيل قلب المنطقة العربية، ومن يدخلها؟ حكومة يمينية تُعلن صراحة أن مشروعها هو تقويض المشروع الوطني الفلسطيني، وحتى الحد الأدنى منه، حل الدولتين. وهذا الأمر لا يُحرك ساكنا عند أنظمة عربية معينة، منها من يعقد اتفاقات مع إسرائيل، منها من يبارك، ومنها من يصمت. وقليلا من هذه الانظمة يصرح علنا أنه ملتزم بالقضية الفلسطينية.
– ما هي مصالح التحالف الذي تقوده إسرائيل؟
هذا التحالف كان قبل الاتفاق، والاتفاق هو مجرد احتفال بهذا التحالف، وتوقيته جاء ليخدم ترامب في الانتخابات. هنالك مجموعة مصالح لهذا التحالف، أهمها منع التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، لأن نهاية الاستبداد هو البُشرى الحقيقية للقضية الفلسطينية، وهو النقيض لأنظمة مستبدة. وليس صدفة أن هذا التحالف تعزز بعد اندلاع الثورات العربية. ومصر هي جزء من هذا التحالف بعد الانقلاب العسكري عام 2013. والمصلحة الثانية هو مواجهة التحالف الذي تقوده تركيا في المنطقة، وليس صدفة أن هنالك حالة عداء بين الدول المنضوية في هذا التحالف وبين تركيا. ومنها: مصر، الامارات، السعودية وإسرائيل. واتركك من بلاهة وغباء الموقف القائل إن هنالك تحالف بين تركيا وإسرائيل بسبب التبادل التجاري بينهما، وهو تبادل تجاري بين اقتصادين ليبراليين. هذا لا يُلغي أن هنالك مصالح قومية لتركيا في المنطقة العربية وفي حوض المتوسط، تتعدى المصالح الايديولوجية لنظام الحكم فيها. المصلحة الأخرى هي مواجهة إيران، وهذه المصلحة هي مصلحة إسرائيلية بالدرجة الاولى ومن ثم خليجية، وأخيرا مواجهة الحركات الاسلامية في المنطقة العربية، وهو أمر لا تخفيه تصريحات لدول خليجية، ودراسات وأوراق لمراكز ابحاث حكومية فيها.
– إذن العرب، أصبحوا تابعين لتحالفات تقودها دول غير عربية؟
بالضبط، ولكن ليست المشكلة في هُوية الدولة التي تقود التحالف، بل في مضمون التحالفات، الدول تقوم بتحالفات دائما. فمثلا منظمة دول عدم الانحياز التي كان جمال عبد الناصر أحد مؤسسيها، لم تكن كلها دولا عربية، ولكن مضمون التحالف كان الهام، تحالف ايديولوجي وسياسي في سياق تاريخي محدد. هنا لا بد أن أشير أن المنطقة العربية فقدت مراكزها السياسية الحقيقية، التي قادت العالم العربي، وهي إلى جانب كونها مراكز سياسية كانت مراكز ثقافية وفكرية. واقصد غياب العراق بعد الاحتلال الأمريكي، وسوريا بعد تطييفها، ومصر مع الانقلاب العسكري عام 2013. من بين الدول الثلاث، كانت مصر قادرة على أخذ المنطقة العربية إلى مكان مختلف لولا هذا الانقلاب. لو أكملت مصر تحولها الديمقراطي، لكانت المنطقة العربية في مكان آخر. إن انتقال المركز السياسي العربي من مصر إلى دول خليجية، ترى في المال مصدر القوة الوحيد في العلاقات الدولية، ساهم في الهرولة الى التطبيع وتشرذم العرب. وهنا ليس صدفة أن تتحالف دول خليجية مع إسرائيل على تقويض التحول الديمقراطي في مصر ودعم الانقلاب العسكري، لأنهم يدركون أهمية مصر وشعبها عندما تكون في الريادة السياسية، وصوت شعبها حرا. لذلك برأيي ما حدث في مصر هو سبب كل ما يحدث في المنطقة العربية اليوم.
– ولكن مصر وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل وايضا الاردن، ومصر وقعته قبل أكثر من 40 عاما؟
هذا صحيح، ولكن عندما وقعت مصر هذا الاتفاق تم طردها من جامعة الدول العربية. أنا لا أقبل مساواة ما قامت به مصر والاردن مع الاتفاق الإماراتي البحريني الإسرائيلي. في حالة مصر فإنها وقعت الاتفاق وفق تصور السادات، تحديدا بعد حرب 1973، أنه الحل الوحيد لإرجاع الأرض المصرية المحتلة، ومصر هي دولة حاربت وقدمت الشهداء ودفعت ثمنا في الصراع، ومع ذلك رفض العرب والفلسطينيون هذا المبرر وقاطعوا مصر وطردوها من جامعة الدول العربية لحوالي عشر سنوات. علاوة على ذلك وقعت مصر الاتفاق لهدف ومصلحة محددة، ولكنها لم تُطبّع مع إسرائيل، وكان فيها مجتمع مدني وأحزاب ومثقفين رفضوا التطبيع وحاربوه بشدة. لم تشوه مصر القضية الفلسطينية ولم تهاجم الفلسطينيين وعدالة قضيتهم، مثل تُرهات نسمعها اليوم من إعلاميين خليجيين، لا تستحق حتى مجرد الرد عليها. والاردن وقعت الاتفاق ضمن مناخ توقيع اتفاق اوسلو، وبموافقة فلسطينية، وأيضا لمصلحة إرجاع أراضيها، ومع ذلك كان فيها مجتمع مدني وأحزاب رفضت التطبيع مع إسرائيل، وحملت القضية الفلسطينية وعدالتها. في حالة الإمارات فإنها لا تكتفي بالتعبير عن مصالحها الاستراتيجية من خلال الاتفاق، وكان يمكن لها أن تتوقف هنا، لكنها تعمل على تطبيع علاقتها مع إسرائيل في مجالات أخرى، ويتم ذلك عبر العداء للفلسطينيين وتشويه قضيتهم من إعلاميين وناشطين اماراتيين وخليجيين، وتبني مركبات من الرواية الصهيونية للصراع، وهذا سقوط أخلاقي قبل أن يكون ضحالة سياسية.
– كلمة أخيرة:
دائما أحب أن اكرر أن لا مكان للإحباط واليأس في حياتنا. سياسة الأمل هي منارة حياتنا كفلسطينيين. القضية الفلسطينية هي القضية الأكثر عدالة في العالم، قد لا تكون الأكثر تراجيدية، لكنها الأكثر عدالة، وهي ضمير الشعوب العربية والاسلامية، قد تنشغل هذه الشعوب بقضاياها الداخلية، لا سيّما في المنطقة العربية، ولكن تبقى القضية الفلسطينية هي القضية التي تجمعها، خيارنا هو البقاء، ونقل الذاكرة والتاريخ والتغريبة الفلسطينية للأجيال، وبناء مشروع سياسي راهن يعبر عن كل ذلك.