في أعقاب الإعلان عن الاتّفاق الإماراتيّ الإسرائيليّ، عقد مركز مدى الكرمل- المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقيّة، ندوته الفكريّة ” الفلسطينيّون في إسرائيل والاتّفاق الإماراتيّ الإسرائيليّ المُرتقب: مقاربة الخطاب السياسيّ وتداعيات الاتّفاق”، من خلال تطبيق زووم. 

افتتح الندوة وأدارها د. مهند مصطفى، المدير العام لمدى الكرمل، الذي أشار في افتتاحيّته إلى أهمّ ما يميّز هذه الندوة عن غيرها من الندوات، ذاك أنّه ومنذ إعلان الاتّفاق ركّزت معظم الندوات والمقالات على تأثير الاتّفاق على البيئة الإقليميّة والقضيّة الفلسطينيّة عمومًا، ولكن لم يكن هنالك نقاش جدّي وحقيقيّ على تأثير هذا الاتّفاق على الفلسطينيّين في إسرائيل. كما وتحدّث مصطفى عن أبعاد الاتّفاق في اعتباره أوّل اتّفاق فيه تطبيع مع إسرائيل ينفي مركبات من السرديّة الفلسطينيّة، ذلك أنّ الاتّفاق يتبنّى مركّبات من السرديّة الصهيونيّة فيما يتعلّق بالفلسطينيّين. وما يفاقم من تداعيات الاتّفاق، أنّه يأتي في سياق الحكومة اليمينيّة الأكثر تطرّفًا في تاريخ إسرائيل، وازدياد الأسرلة التي يمرّ بها المجتمع العربيّ في الداخل.

كانت المداخلة الأولى، لِـ د. فادي نحّاس، باحث في شؤون الأمن القوميّ الإسرائيليّ، الذي أجاب على السؤال كيف واجه المجتمع المدنيّ المصريّ التطبيع مع إسرائيل؟ وما هي أوجه الاختلاف عن التطبيع ومواجهته في الاتّفاق الاماراتيّ الاسرائيليّ؟ وقد أضاف نحّاس إلى جملة الأسباب التي تزيد من خطورة الاتّفاق عاملًا آخر هو غياب مؤسسات مدنيّة فاعلة في الإمارات لمواجهة التطبيع ومعارضته، وهذا فرق جوهريّ عن كيفيّة تعامل المجتمع المدنيّ المصريّ مع التطبيع بعد اتّفاقيّة كامب ديفيد، حيث كانت القضية الفلسطينية نقطة تجاذب بين النظام المصريّ والمجتمع المدنيّ، ممّا جعل النظام المصريّ حسَّاسًا في تعاطيه مع إسرائيل. أيّ أنّ اتّفاقيّة السلام مع مصر، والتي جاءت في سياق تاريخيّ بعد العديد من الحروبات، حُصرت على مستوى الدولة وليس المستوى الشعبيّ والمدنيّ، فيما كان التطبيع مع الإمارات تطبيعًا على المستوى الاقتصاديّ والأمنيّ كذلك. يُجمل نحّاس قائلًا أنّه لا يمكن التعويل على المجتمع المدنيّ اليوم، ولكن هنالك شرائح نخبويّة قويّة في المجتمع العربيّ ما زلت داعمة للقضيّة الفلسطينيّة.

تلته د. هنيدة غانم، مديرة المركز الفلسطينيّ للدراسات الإسرائيليّة “مدار”، التي أجابت على السؤال: ما هي تداعيات الاتّفاق على الفلسطينيّين في إسرائيل، وذلك في خضم النقاش حول التداعيات على القضيّة الفلسطينيّة؟ حاولت د.غانم في محاضرتها الإجابة عينيًّا عن تداعيات الاتّفاق على المواطنين الفلسطينيّين في إسرائيل، شاملةً في حديثها التداعيات على النواحي السياسيّة، الهويّة، والأسرلة، والتطبيع، وغيرها. تقولُ غانم أنّنا نشهد تحوّلًا تدريجيًّا في مواقف العالم العربيّ من اعتبار إسرائيل خصمًا لهم، إلى لاعب مركزيّ في لعبة التحالفات الإقليميّة. هذا الاتّفاق الذي تجتمع فيه المصالح الرأسماليّة التجاريّة، سيؤدّي إلى تهميش القضيّة الفلسطينيّة والتأسيس لإسرائيل كإمبراطوريّة في المنطقة. كلّ هذا يأتي في فترة الركاكة السياسيّة والضعف السياسيّ الفلسطينيّ البنيويّ الذي يُذكّر بالحالة التي كانت موجودة عشيّة النكبة، مع غياب الرؤية وعدم الوضوح في الموقف، وانعدام الجرأة لدى فلسطينيّي الداخل. إنّ الدعم الماليّ للفلسطينيّين الذي تعد به الإمارات يولّدُ خوفًا من أن يحدّد المال السياسيّ الأجندات القوميّة، وأن يتحوّل الفلسطينيّ في الداخل إلى “جسر سلام” من أجل إضعاف القضيّة الفلسطينيّة.

المتحدّث الأخير كان د. إبراهيم خطيب، باحث سياسيّ وزميل في مركز الدراسات الشرق أوسطيّة – جامعة هارفرد، الذي أجاب على السؤال ما هي مميّزات الخطاب السياسيّ وردود فعل الفلسطينيّين في إسرائيل على الاتّفاق الإماراتيّ الإسرائيليّ؟ يشيرُ خطيب أنّ درجة الرفض لدى الأحزاب والفلسطينيّين لاتّفاق السلام كانت متفاوتة، وهذا يرتبط بحسابات المواقف الإقليميّة والأجندات المختلفة. مع ذلك، فإنّ الموقف السائد في صفوف الفلسطينيّين في الداخل هو موقف مناهض للتطبيع. تناول خطيب مميّزات الخطاب الشعبيّ الذي جاء موقفه أقلّ حدّة ممّا هو متوقّع، بل وتميّز بالضعف.  لم يكن الأمر مختلفًا مع الأحزاب السياسيّة التي لم تتبنّى موقفًا واضحًا من الاتّفاق، نتيجة لانغماسهم في الشأن الداخليّ للفلسطينيّين، واتّجاه القائمة المشتركة نحو تعزيز الاندماج في السياسة الإسرائيلية. أمّا ردود الفعل وفقًا له، فقد تميّزت بحالة من الإحباط العام التي يعاني منها الفلسطينيّين في الداخل نتيجةً للوضع العربيّ المترهل. ردود الفعل تدلّ على معارضة التطبيع، ولكن هذه المعارضة محدودة وغير حازمة، ممّا يكشف عن مرحلة انتقال يمرّ فيها الفلسطينيّ في الداخل، من مرحلة مواقف واضحة إلى مرحلة تسجيل مواقف، من جزء من القضيّة الفلسطينيّة إلى مناصرين للقضيّة فقط.

اختتمت الندوة بفقرة نقاش من الحضور، لكن لسوء الحظ لم تسرّ الورشة بالسلاسة التي خُطط لها، حيث كانت هناك محاولات لاختراق الزووم من قبل شخصيّات غير معروفة وغير مرغوبة بهدف التشويش على سير الندوة، ذلك ظنًّا منهم أنّ هذا سيمنع مدى الكرمل من نقاش الاتّفاق وتداعياته، أو سيُحبط المحاضرين/ات ويؤثّر في رغبتهم/ن على الحديث. لكن في حقيقة الأمر، هذه المحاولة زادت من إصرار وعزم المتحدّثين/ات، حيث قالت د. غانم ردًّا على هذه المحاولة: “بس راح أحكي”.

أضف أنّ ذلك لم يمنع نجاح الندوة، حيث دلّ النقاش الذي دار على طول الندوة بين الحضور في “تشات” تطبيق الزووم على مدى تعطّش الجمهور لمناقشة هذا الموضوع، واهتمامهم بوجود أطر مثل مدى الكرمل التي توفّر لهم الفرصة للاستماع لآراء وتحليلات كبار الباحثين/ات حول الموضوع. تجدرُ بالإشارة أنّ عدد الحضور كان قد تجاوز الخمسين مشارك ومشاركة عبر تطبيق زووم. أمّا في الفيسبوك فقد حازت الندوة على أكثر من 1600 مشاهدة خلال أقل من 24 ساعة، وهذا مؤشّر على نجاحها الذي لم تطله محاولات الاختراق اليائسة تلك.

يرتبط الواقع الفلسطينيّ في الضفّة الغربيّة وقِطاع غزّة، اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، ارتباطًا مباشرًا بالمعطيات والمتغيّرات الحاصلة في إسرائيل، وذلك بموجب العلاقات المؤطَّرة ضمن اتّفاقيّة أوسلو، وملحقها ﭘروتوكول باريس، وبموجب العلاقات الاقتصاديّة والتجاريّة القائمة أصلًا قبل تأطير العلاقة ضمن ﭘروتوكول باريس. ومع تعاظم دَوْر الأحزاب اليمينيّة، وسيطرة التوجُّهات النيوليبراليّة على الحكومات في معظم دول العالم، وتراجُع دَوْر الأحزاب اليساريّة، كان الأثر واضحًا على الحكومات المتعاقبة في إسرائيل ما بعد العام 1977، وكذلك على النهج الذي تبنّته السلطة الفلسطينيّة منذ نشأتها. اتّجهت الحكومات في إسرائيل إلى تبنّي نهج السوق الحرّ، وإلى تبنّي سياسات ماليّة نيوليبراليّة، والتوجُّه نحو الخصخصة، وتعظيم دَوْر القِطاع الخاصّ، وكان لهذه التوجّهات أثرها المباشر على الواقع الفلسطينيّ في الضفّة الغربيّة وقِطاع غزّة، وعلى الحكومة الفلسطينيّة، سواء أكان ذاك في العلاقات السياسيّة أم في العلاقات الاقتصاديّة. 

لقراءة الدراسة بصيغة PDF اضغط هنا

شهدت الأعوام الأخيرة سباقًا عربيًّا محمومًا غريبًا وعجيبًا، وبالأخصّ من دول خليجيّة، من أجل تطبيع علاقاتها بطرق سرّيّة وعلنيّة للوصول لبناء علاقات رسميّة مع إسرائيل، حيث كان من اللافت تسارع عمليّات التطبيع عبر الزيارات والدعوات والاجتماعات والبيانات، والكتابات، وبروز طبقة من المثقّفين الداعين للتطبيع، بل وتعزيز العلاقات الدبلوماسيّة، والتشكيك في الحقّ الفلسطينيّ، لتتصدّر اليوم الإمارات العربيّة المتّحدة المشهد بالإعلان رسميًّا عن بدء العلاقات الرسميّة بينها وبين إسرائيل. إن عملية التطبيع من قِبل الإمارات مع إسرائيل كانت تسير إلى منتهاه دون أن تحرّك الإمارات ساكنًا إزاء ما تتّخذه إسرائيل والولايات المتّحدة الأمريكيّة من خطط وخطوات أحاديّة تجاه القضيّة الفلسطينيّة وقياداتها.

لقراءة الورقة بصيغة PDF

اختتم مركز مدى الكرمل ورشة الصهيونيّة والاستعمار الاستيطانيّ، وهي ورشة تدريبيّة وبحثيّة لطلّاب الدراسات العليا. عُقدت خلال الورشة ستّة لقاءات امتدّت على مدار سنة ونصف بهدف تدريب جيل جديد من الباحثين والباحثات في دراسة إسرائيل والصهيونيّة كمشروع استعمار استيطانيّ، إذ تسعى الورشة إلى المساهمة في كشف المشتركين/ات للفكر الأكاديميّ حول الاستعمار الاستيطانيّ، والكتابة الأكاديميّة الناقدة. كذلك تهتمّ الورشة بفتح المجال أمام الباحثين/ات الفلسطينيّين/ات من طرفيّ الخطّ الأخضر، للالتقاء والتحاور والدراسة المُشتركة من خلال قراءة نصوص، والاستماع الى محاضرات، وكتابة أوراق.

ترأس الورشة بروفيسور نديم روحانا، باحث مشارك في مدى الكرمل، فيما نسّقتها د. عرين هوّاري، منسّقة برنامج دعم طلبة الدكتوراه في مدى الكرمل. هذه المرّة عُقدت اللقاءات الثلاثة الأولى وجاهيًّا، فيما عقدت اللقاءات الأخيرة من خلال تطبيق زووم في محاولة من المركز للحفاظ على استمراريّة العمل والتواصل الدائم مع المشاركين/ات خلال أزمة كورونا وتقييداتها.

قال بروفيسور روحانا حول أهمّيّة الورشة: ” من الجدير بالذكر أنّ هذه الورشة هي الثالثة، بذلك نكون قد ساهمنا في دعم عدد كبير من طلّاب الدراسات العليا الفلسطينيّين، وفي خلق مساحة للتفكير والكتابة النقديّة حول الصهيونيّة والاستعمار الاستيطانيّ، وربط إنتاجنا المعرفيّ بالإنتاج المناهض للكولونياليّة والعنصريّة في العالم. كان نقاش الصهيونيّة في هذا الإطار يُعدُّ تجديدًا حين انطلقنا بالورشات عام 2014، أمّا الآن، نلاحظ ما يُشبه هيمنة هذا الخطاب على الساحة الأكاديميّة، والفكريّة، وحتّى السياسيّة التقدّميّة، ونحن سُعداء إن كانت لنا مساهمة، ولو بسيطة، في هذا التطور”.

شملت الورشة سلسلة من المحاضرات حول الكولونياليّة والصهيونيّة والمجتمع الإسرائيليّ وتاريخ فلسطين الحديث، قدّمها نخبة من المحاضرين/ات والباحثين/ات الفلسطينيّين/ات من طرفي الخط الأخضر، والعالميّين/ات في هذه الاختصاصات، منهم/نّ: د. أريج صبّاغ خوري، د. هنيدة غانم، الأستاذ أمنون راز كركوتسكن، بروفيسور نديم روحانا، المحامية سهاد بشارة، د. أحمد أمارة، د. عوض منصور، د. صالح عبد الجواد، د. نادرة شلهوب- كفوركيان، د. همّت زعبي، ود. مهنّد مصطفى.

أشار روحانا أنّ مدى الكرمل يعمل، بالشراكة مع قسم من الطلبة أعضاء الورشة وقسم من الباحثين الضيوف، بصدد إصدار كتاب يشمل مساهماتهم/نّ البحثيّة حول أحد الجوانب التي تهمّهم/ن في دراسة الصهيونيّة وإسرائيل. كان الطلبة قد قدّموا وناقشوا داخل المجموعة أبحاثهم هذه تحت إشراف الأساتذة المشاركين/ات. سيصدر الكتاب مع نهاية العام، وسيشمل مقالات أكاديميّة حول الصهيونيّة والاستعمار الاستيطانيّ من حقول معرفيّة مختلفة: التاريخ؛ الجندر؛ علم الاجتماع السياسيّ؛ علم الإنسان؛ والدراسات الثقافيّة. ستتضمّن هذه المقالات مقاربات فلسطينيّة حول الصهيونيّة والاستعمار الاستيطانيّ في فلسطين، متناولةً كذلك الفاعليّة السياسيّة الفلسطينيّة المقاوِمة

تركَت الورشة أثرها الواضح على فكر المشاركين/ات، ونجحت في بلورة رؤية ومعرفة جديدة لديهم/نّ. يُمكن استشفاف ذلك من خلال تقييماتهم/نّ، حيث علّقت الطالبة مي همّاش قائلة: “ساعدني التنوّع الجغرافيّ والخلفيّات الأكاديميّة لمجموعة ورشة الاستعمار الاستيطانيّ في توسيع معرفتي النظريّة، والتعرّف أكثر على نماذج وأدوات الصهيونيّة الاستعماريّ؛ الأيديولوجيّة منها، ووسائل العنف المباشرة. كما وساهمت الورشة في جعل كثير من المُمارسات والأفكار مرئيّة بالنسبة لي”. فيما قال أمير مرشي: ” جمعتني هذه الورشة مع باحثين\ات مثقفين \ات، وزملاء وزميلات في مساحة واحدة شكّلت لي بيتًا معرفيًّا. خلال اللقاءات تناقشنا فيما بيننا، تبادلنا المعرفة والخبرات والتجارب، وتعرّفنا على الأدوات النقديّة المتنوّعة التي يجب على كلّ فلسطينيّ\ة أن تتسلّح بها. بالإضافة، عرّفتنا هذه الورشة على أنفسنا من جديد، لنصون ونطوّر هويّتنا وممارساتنا كفلسطينيّين في الحيّز الأكاديميّ”.

الملفت للانتباه، أنّ مركز مدى الكرمل يثبت مرّة أخرى سعيه الدائم للتطوير والتجديد، حيث كشف المركز أنّ الورشة القادمة من سلسلة الكولونياليّة والاستعمار الاستيطانيّ ستهتمّ بِـ “الصهيونيّة والحركة الوطنيّة الفلسطينيّة: قراءات في مذكّرات المستعمِر والمستعمَر”، حيث ستركّز الدورة التالية من الورشة في دلالات المذكّرات التي ينشرها قادة فكر وسياسة وعسكر فلسطينيّون وصهيونيّون كموقع لدراسة طبيعة المواجَهة بين المستعمِر والمستعمَر. 

سينشرُ المركز لاحقًا تفاصيل أوفى حول الورشة القادمة.

عقد مركز مدى الكرمل، المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التّطبيقيّة، مؤتمره السّنويّ السادس لطلبة الدّكتوراه الفلسطينيّين، السّبت الماضي، في فندق رمادا أوليفييه في الناصرة بحضور وجاهي للمتحدّثين فقط وذلك نتيجة لتقييدات أزمة كورونا. أمّا الجمهور فقد تمكّن من مشاهدة المؤتمر والمشاركة عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ من خلال البثّ المباشر للمؤتمر الذي نظّمه المركز. عرض أربعة باحثين وأربع باحثات فلسطينيّات من الجيل الجديد أبحاثهم/ن الدكتوراه في المؤتمر، وناقشوها مع أكاديميّين، باحثين وناشطين آخرين.

افتُتح المؤتمر بكلمات ترحيبيّة لعضو اللجنة الأكاديميّة للمؤتمر والمدير العام لمركز مدى الكرمل، د. مهنّد مصطفى، مشيرًا إلى هدف المؤتمر في إنتاج معرفة منحازة، لكنها علميّة وتعتمد المناهج البحثيّة الرصينة، وتنتج باللغة العربيّة التي هي جزء من ماهية المعرفة. مشدّدًا على أهمّيّة الدراسة والبحث خاصّة في ظلّ التحوّلات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والصحّيّة التي يعيشها هذا الجيل.

أتبعه د. نمر سلطاني، وهو محاضر في كلّيّة الدراسات الشرقيّة والأفريقيّة (سواس) في جامعة لندن، بمحاضرة افتتاحيّة بعنوان: الأكاديميا بين النيوليبراليّة والمقاومة، محاولًا الإجابة على السؤال كيف يمكن إنتاج معرفة مقاوِمة؟ ويقصد سلطاني بذلك مقاومة الهيمنات، ومقاومة الليبراليّة، والرأسماليّة، وعدم المساواة، والسلطة، والظلم بكلّ جوانبه من أجل ازدياد الحرّيّات في المجتمع.

تخلّل المؤتمر جلستين اثنتين، أدار الأولى منهما د. أيمن اغباريّة، عضو اللجنة الأكاديميّة للمؤتمر ورئيس برنامج اللقب الثاني في دراسات التربية والمجتمع والثقافة في جامعة حيفا، والتي كان عنوانها “فلسطين- مقاربات تاريخيّة واجتماعيّة”. عُرِض خلال هذه الجلسة أربعة أبحاث: الأوّل بعنوان “أثر الاحتلال الصليبيّ على العمارة الدينيّة في أرض فلسطين“، قدّمه الباحث عبد الرازق متّاني، طالب دكتوراه في قسم الآثار في جامعة بن غوريون. واستعرض خلاله أثر الاحتلال الصليبيّ على العمارة الدينيّة في أرض فلسطين مقارنة مع الحيّز الشاميّ الذي لم يقع تحت الاحتلال الصليبيّ. مداخلته هذه كانت جزءًا من رسالته الدكتوراه التي تناقش تطوّر عمارة المساجد في جنديّ الأردن وفلسطين منذ الفتح الإسلاميّ حتّى مطلع القرن العشرين.

 أمّا البحث الثّاني، والذي جاء بعنوان “ما بين الجبل والبحر: خدمات الصرف الصحّيّ كمدخل لدراسة العلاقة ما بين أحياء حيفا الانتدابيّة“، فقد كان للباحث أحمد محمود، طالب دكتوراه في قسم دراسات الإسلام والشرق الأوسط في الجامعة العبريّة في القدس. تناول محمود حال شبكات الصرف الصحّيّ بين الأجندة الاستعماريّة البريطانيّة وإدارة الحياة اليوميّة في مجال الصحّة العامّة خلال العقد الأوّل من سنوات الانتداب البريطانيّ على مدينة حيفا. وقد ناقش البحث الثالث الذي عرضه الباحث خالد عنبتاويّ، طالب دكتوراه في علم الاجتماع والإنسان؛ معهد جنيف للدراسات العليا في سويسرا، سؤالَ “الطائفيّة في تصوّرات الناس: كيف تُنتِج الطائفيّة السياسيّة طوائِفَها محلّيًّا؟“. وقد ادّعى عنبتاوي أنّه حين تُرسم حدود الطائفيّة، يتحوّل الانتماء للجماعة ولمجموعة البشر، وليس بالضرورة لقيم الدين ذاته، وحين تُنتج هذه الجماعة مصالحها السياسيّة والاجتماعيّة المُتخيّلة في الخطاب والممارسة (للنخبة خاصّة)، تتحوّل الطائفيّة إلى لاعب مركزيّ في السياسة المحلّيّة. 

المداخلة الرابعة والأخيرة لهذه الجلسة كانت لطالبة الدكتوراه في العلوم الاجتماعيّة في جامعة بير زيت، حليمة أبو هنيّة، بعنوان “ التحوّلات الاقتصاديّة الاجتماعيّة في مخيّم شعفاط للاجئين في القدس: 1965-2018″. ادّعت هنيّة بأن ّالتمييز والأوضاع الصعبة التي عانى منها سكّان مخيّم شعفاط مَنحَت السكّانَ مصادر قوّة ساعدتهم في تمكين أنفسهم والتغلّب على تهميشهم وإقصائهم، كأن يكسروا حاجز الخوف من المستعمِر، وهي أمور برزت كأدوات مقاومة وصمود لديهم. 

جاءت الجلسة الثانية تحت عنوان “الهويّة والممارسة في سياقات فلسطينيّة متعدّدة” أدارها أ.د خالد أبو عصبة، وهو محاضر ومشرف برنامج الدكتوراه في التربية في الجامعة العربيّة الأمريكيّة للدراسات العليا في رام الله. قدّمت خلال هذه الجلسة أربع مداخلات كانت الأولى لرلى (حامد) أبو زيد – أونيل، الحاصلة على إجازة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة كورك – إيرلندا. تطرّقت أبو زيد – أونيل في مداخلتها “النساء، الذاكرة والنكبة: حالة الفلسطينيّات مهجّرات الداخل” إلى دور الأمّهات والجدّات في نقل الرواية الفلسطينيّة وإلى كيفية تحويلهنّ لهذه القصص والحكايا إلى وسيلة لخلق ثقافة الانتماء، والوعي تجاه الظلم التاريخيّ والوطنيّ، ووسيلتهنّ للتعبير عن مشاعر جيل النكبة اتّجاه تجاربهم وذكرياتهم بأدوات وآليات يتقنونها.

قدّمت المداخلة الثّانية التي جاءت تحت عنوان “تضافر وتنافر آليات القمع وأثرها على التجربة المهنية للحقوقيات الفلسطينيّات في الدولة اليهوديّة“، الباحثة بانة شغري، طالبة دكتوراه في كلّيّة القانون في الجامعة العبريّة في القدس. سلّطت خلالها الضوء على أثر تضافر وتنافر آليات القمع الجندريّة والقوميّة المُمارَسة على الحقوقيّات الفلسطينيّات بسبب تقاطع هويّاتهن الشخصيّة والمهنيّة على مسيرتهنّ المهنيّة، وعلى الأساليب التي يعتمدن عليها للمقاومة والنضال من أجل القضايا التي يُؤْمِنَّ بها ولخلق مساحة من الحرّيّة لأنفسهنّ.

أمّا المتحدّث الثالث، فكان الباحث لؤي وتد، وهو طالب دكتوراة في دائرة علم الاجتماع في جامعة تل أبيب، فقد عرض بحثًا بعنوان “أدب أقلّي لقرّاء أقلّيّين: تحليل مقارن لحقل أدب الأطفال الفلسطينيّ في إسرائيل والضفّة الغربيّة”. أشار وتد أنّه من خلال قراءة حقل أدب الأطفال الفلسطينيّ بأدوات ومفاهيم نقديّة واجتماعيّة، تتحوّل قصّة الأطفال لاستعارة ومثل سياسيّ. السياسة تكشف – من خلال وجهات نظر “أطفاليّة” و”طفوليّة” و”أصلانيّة” – بُعدًا جديدًا ومختلفًا. في حين أنّ مجال الطفولة و”الأطفاليّة”، ذلك المجال المحايد والمنسلخ عن السياسة، يصبح وسيلة دلاليّةً للهروب والخلاص من تثبيت ذلك النظام السياسيّ. 

المداخلة الأخيرة في الجلسة والمؤتمر، كانت لطالبة الدكتوراه في مدرسة الخدمة الاجتماعيّة في جامعة حيفا، لينا غنايم بدران، بعنوان ” بين الدين والعلمانيّة- الفروقات بين العمّال الاجتماعيّين، والأئمة في التوصيّة حول قضايا الأحوال الشخصيّة للأشخاص ذوي التحدّيات العقليّة”. ادّعت بدران أنّه على الرغم من أنّ المجتمع الفلسطينيّ في الداخل ديناميكيّ ومتغيّر، إلّا أنّه لا يزال يتعامل مع مشاكل الصحّة العقليّة والنفسيّة لدى سكّانه من خلال المرآة الدينيّة والتقليديّة، يضمن ذلك طرق التكيّف والعلاج.

وتجدر الإشارة بأن المؤتمر حاز على ما يقارب 7000 مشاهدة بالمجموع، وعبّر الجمهور من خلال تعليقاتهم عن استحسانهم للجهد المبذول من قبل المركز، وإعجابهم بالمضامين المطروحة خلال المداخلات والإطراء على مدى تميّز المتحدّثين والمتحدّثات لهذا العام، على سبيل المثال، كتبَت إحدى المتابعات: ” اللغة مظهر من مظاهر الابتكار في مجموع الأمة أو ذاتها العامّة، فإذا هجعت قوّة الابتكار، توقّفت اللغة عن مسيرها، وفي الوقوف التقهقر، وفي التقهقر الموت والاندثار. كلّ الاحترام لطرح الطلبة مواضيع البحث باللغة العربيّة فهذا ليس مفهومًا ضمنًا”.

برنامج المؤتمر اضغط هنا

لمشاهدة مداخلات الجلسة الأولى:
عبد الرازق متّاني اضغط هنا
أحمد محمود اضغط هنا
خالد عنبتاويّ اضغط هنا
حليمة أبو هنيّة اضغط هنا

لمشاهدة مداخلات الجلسة الثانية:
د.رلى (حامد) أبو زيد – أونيل اضغط هنا
بانة شغري اضغط هنا
لؤي وتد اضغط هنا
لينا غنايم بدران اضغط هنا

تتناول الورقة في محورها الأوّل بداية ظهور فكرة خيار حلّ السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة. أمّا في محورها الثاني، فهي تناقش أربع مقارَبات إجرائيّة رئيسيّة تتعلّق بهذا الخيار إن ضمّت إسرائيل مناطق في الضفّة الغربيّة. تدعو المقارَبة الأولى إلى حلّ السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة وتسليمها للسلطات الإسرائيليّة، بينما تدعو المقارَبة الثانية إلى عدم حلّ السلطة بأيّ حال من الأحوال. أمّا المقارَبة الثالثة، فتدعو إلى تغيير وظيفة السلطة لا إلى حلّها، وتتناول المقارَبة الرابعة إعادة تشكيل السلطة من قِبل منظّمة التحرير الفلسطينيّة. وفي الخاتمة، توضّح الورقة النتائج المتوقَّعة إذا جرى حلّ السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة من خلال المقارَبات الأربع التي تناولتها الورقة.

لقراءة الورقة بصيغة PDF

نشر مركز مدى الكرمل المقال الأكاديميّ الأوّل من سلسلة دراساته وأبحاثه الجديدة “النيوليبراليّة الإسرائيليّة والاستعمار” وهو برنامج أطلقه مركز مدى الكرمل في محاولة للوصول إلى فهم أعمق لانعكاسات السياسات النيوليبراليّة، ولا سيّما الاقتصاديّة منها، على حياة الفلسطينيّين كلّ حسب موقعه الجغرافيّ ومكانته داخل المشروع الاستعماريّ. وقد كتبت المقال الأوّل بعنوان “الليبراليّة الحديثة وصحّة الفلسطينيّين في إسرائيل: رؤية نقديّة بمنظور تاريخيّ”، أحلام رحّال- من مدينة الناصرة، وهي مُحاضِرة في جامعة مكغيل McGill في كندا ومرشّحة للحصول على الدكتوراه من نفس الجامعة، تخصّص علم نفس تربويّ واستشاريّ.

ابتغت رحّال في دراستها الإجابة  على السؤال: كيف أثّر النظام الليبراليّ في إسرائيل على صحّة الفرد وصحّة المجموعات المهمَّشة؟ كما وحاولت من خلال هذا المقال تحليل تأثير الليبراليّة الحديثة في إسرائيل على صحّة الفلسطينيّين في إسرائيل، من خلال رصد معطيّات الصحّة الخاصّة بها في العقود الأخيرة، وتحليلها، آخذة بعين الاعتبار علاقة الفلسطينيّين بالدولة الإسرائيليّة وصراعات القوى التاريخيّة بينهم وبينها.

سلّطت دراسة رحّال الضوء على الفجوات الصحّيّة (الجسديّة والنفسيّة) بين الفلسطينيّين واليهود في إسرائيل، وعلى ازدياد هذه الفجوات مع ازدياد الفجوات في الوضع الاجتماعيّ – الاقتصاديّ خلال سنين. من ثمّ قامت رحّال بتحليل هذه الفجوات الصحّيّة بالاستناد إلى النظريّة النقديّة العرقيّة وصراع القوى، من خلال طرح نقد لسياسات إسرائيل الاقتصاديّة وأيديولوجيّتها القوميّة؛ التي استثنت خلال السنين، ولا سيّما خلال تبنّي سياسات الليبراليّة الحديثة، المجموعةَ الفلسطينيّة من المشارَكة في الاقتصاد الحرّ، وهو ما أضعف النواحي الاجتماعيّة – الاقتصاديّة لدى الفلسطينيّين، وبالتالي انعكس الأمر على صحّتهم الجسديّة والنفسيّة.

من استنتاجات دراسة رحّال أنّ سياسات السيطرة والإقصاء الإسرائيليّة تغلغلت إلى مَناحي الحياة كافّة، بما في ذلك الشؤون الصحّيّة. كما وخلصت رحّال، من خلال معاينة معطيات الصحّة الجسديّة والنفسيّة لدى الفلسطينيّين خلال العقود السابقة في إطار علاقتهم التاريخيّة بدولة إسرائيل، ولا سيّما في ظلّ انتهاج الليبراليّة الحديثة وتأثيرها على المجتمع الإسرائيليّ، “أنّ الفجوات الصحّيّة بين الفلسطينيّين واليهود لا تنفصل عن تاريخ اضطهاد الفلسطينيّين وتهميشهم في مَناحٍ حياتيّة مختلفة خلال العقود السابقة. فهذا المجتمع الذي قُمع عسكريًّا في بداية تأسيس إسرائيل، لوحِقَ سياسيًّا، وهُمِّش اجتماعيًّا وثقافيًّا من قِبل سياسات الدولة، تتجلّى فيه بوضوحٍ مشاكلُ الصحّة الجسديّة والنفسيّة الحاليّة مقارنة بالأكثرية اليهوديّة. مع تحوُّل إسرائيل نحو الليبراليّة الحديثة، محافظةً على طابعها القوميّ والتمييز السياسيّ والاقتصاديّ لصالح الأكثرية اليهوديّة، تفاقمت الفجوات الاجتماعيّة – الاقتصاديّة بين الفلسطينيّين واليهود، وبالتالي انعكست على مشاكل الصحّة لدى الفلسطينيّين”، حيث بيّنت الدراسة من حيث الصحّة الجسديّة اتّساع الفجوات في معدّل العمر بين الفلسطينيّين واليهود، ومعدل وفيّات الأطفال، والإصابة بأمراض السرطان، ومعدّل الخصوبة. ولم يختلف الأمر كثيرًا من حيث الصحّة النفسيّة، حيث كشفت رحّال عن “الضائقةَ النفسيّة التي يعيشها المواطنون الفلسطينيّون، مقارَنةً بنظرائهم اليهود في إسرائيل؛ فقد عبّروا خلال السنين عن رضا أقلّ عن حياتهم وواقعهم الاقتصاديّ وعملهم ومكان سكناهم. إضافة إلى هذا، اختبر الفلسطينيّون أكثر من اليهود مشاعر الإحباط، والتوتّر، والاكتئاب، وعدم الأمان، والتمييز، والوحدة”.

لقراءة الدراسة كاملة اضغط هنا 

ترمي الدراسة التالية إلى رصد صحّة المجموعة الفلسطينيّة الأصلانيّة في إسرائيل خلال العقود الأخيرة، ولا سيّما خلال انتقال إسرائيل إلى منظومة الليبراليّة الحديثة، وتحليلها، آخذة بعين الاعتبار علاقة الفلسطينيّين بالدولة الإسرائيليّة وصراعات القوى التاريخيّة بينهم وبينها. من مُراجعة لمعطيات الصحّة خلال عقود سابقة في ظلّ الانتقال إلى الليبراليّة الحديثة، سلّطت الدراسة الضوء على الفجوات الصحّيّة (الجسديّة والنفسيّة) بين الفلسطينيّين واليهود في إسرائيل، وعلى ازدياد هذه الفجوات مع ازدياد الثغرات في الوضع الاجتماعيّ – الاقتصاديّ خلال السنين. واستنادًا إلى النظريّة النقديّة العِرقيّة وصراع القوى، جرى تحليل هذه الفجوات الصحّيّة من خلال نقد سياسات إسرائيل الاقتصاديّة وأيديولوجيّتها القوميّة؛ فقد استثنت خلالش السنين، ولا سيّما خلال تبنّي سياسات الليبراليّة الحديثة، المجموعةَ الفلسطينيّة من المشارَكة في الاقتصاد الحرّ، وهو ما أضعف النواحي الاجتماعيّة – الاقتصاديّة لدى الفلسطينيّين، وبالتالي انعكس الأمر على صحّتهم الجسديّة والنفسيّة. من استنتاجات الدراسة أيضًا أنّ سياسات السيطرة والإقصاء الإسرائيليّة تغلغلت إلى مَناحي الحياة كافّة، بما في ذلك الشؤون الصحّيّة. تقدِّمُ هذه الدراسة أيضًا اقتراحات وتوصيات مستقبليّة لتعميق فهم الفجوات الصحّيّة بين الفلسطينيّين واليهود في إسرائيل.

لقراءة الدراسة بصيغة PDF اضغط هنا

اختتم مدى الكرمل – المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة في حيفا، السيمنار السادس من برنامج دعم طلبة الدراسات العليا، وذلك بمشاركة أحد عشرَ طالبًا وطالبة دراسات عليا فلسطينيّين من جميع أنحاء البلاد. أدار البرنامج وأشرف عليه أكاديميًّا د. مهنّد مصطفى، المدير العام لمدى الكرمل، ونسّقته د. عرين هواري- منسّقة مشروع برنامج طلّاب الدكتوراه في مدى الكرمل وباحثة في المركز. يهدف البرنامج إلى احتضان طلبة الدراسات العليا الفلسطينيّين في الجامعات الإسرائيليّة ومنحهم منصّة لمناقشة دراساتهم وأبحاثهم بلغتهم الأمّ، والى توفير إطار يستطيع الطلبة خلاله التعبير عن أفكارهم وآرائهم بحرّية، وسماع تقييمات وملاحظات حول أبحاثهم من كبار المحاضرين والمحاضرات الفلسطينيّين. كما تهدف الورشة إلى بناء باحثين فلسطينيّين مقاومين للأكاديميا الإسرائيليّة المهيمنة، نقدها ونقضها.

بالإضافة الى ورشات العمل وحلقات النقاش والحوار التي شارك فيها الطلبة، استضاف السمينار مجموعة من الشخصيّات الأكاديميّة الفلسطينيّة البارزة وأتاح للطلّاب التعرّف عليهم والاكتساب من خبراتهم البحثيّة وتجاربهم الأكاديميّة، هم: الدكتورة ياسمين ظاهر، د. سامي محاجنة، البروفيسورة خولة أبو بكر، البروفيسور أمل جمّال، د. أيمن اغبارية، البروفيسورة منى خوري كسابري، والدكتورة تغريد يحيى- يونس. وقد قدّمت هذه الكوكبة من الشخصيّات الأكاديميّة للطلّاب نصائحًا حول مواضيع مختلفة كعمليّة كتابة رسالة الدكتوراة والتحدّيات المتعلّقة بها، منهجيّة البحث الكمّيّ والنوعيّ، الكتابة والنشر في مجلّات أكاديميّة، مسار ما بعد الدكتوراه، وغيرها. كما وشارك المحاضرون الضيوف طلّاب الورشة بمراحل ومحطّات تطوّرهم المهنيّ والبحثيّ، مشدّدين على بعض القضايا ذات البُعد الوطنيّ والمجتمعيّ  كالمسؤولية المجتمعيّة للباحث والباحثة، دور المثقّف في مقاومة الهيمنة الأكاديميّة في الجامعات الاسرائيليّة والإنتاج المعرفيّ المُنحاز للعدالة  وغيرها من الموضوعات. 

وعبّر المشاركون والمشاركات عن مدى أهمّيّة وضرورة وجود أطر كهذه تجمع طلّاب الدراسات العليا الفلسطينيّين من طرفَي الخط الأخضر، وبناء شبكة تواصل فكريّ بينهم، والانكشاف على الحقل الأكاديميّ واستسقاء النصائح من باحثين وباحثات فيه، والتعرّف عليهم عن قرب. حيث علّق المشترك لؤي وتد على هذه التجربة قائلًا “الإضافة الحقيقيّة التي حصلت عليها من هذا البرنامج هي تجسيد الباحثين الفلسطينيّين التي كانت معرفتي بهم  لا تتعدّى أسماءهم التي سمعت عنها أو التي قرأتُ لها، أمّا اليوم فوجوههم باتت مألوفة لي، ولها ملامح، وحصلت لنفسي على علاقة شخصيّة مع الاسم. كما وسُدّت فجأة هذه الفجوة بيني وبينهم التي تشكّلت سابقًا بسبب عوامل مثل مكانتهم الأكاديميّة أو فجوة الجيل أو النخبويّة التي يتميّز بها الحقل الأكاديميّ. أمّا اليوم أنا أشعر أنّي أصبحتُ جزءًا من هذه المجموعة، وبأنّ هذه المجموعة على استعداد لاستقبالي وتقبّلي فيها، وبأنّ لي مكانًا وحيّزًا في إطار هذه المجموعة”.

أمّا المشاركة عائشة مسلماني، وهي طالبة من القدس، فقد اختارت أن تشارك بتجربة عاطفيّة كانت قد عايشتها في برنامج طلّاب الدراسات العليا، هي: ” التواصل مع طلّاب فلسطينيّين من الداخل، بعد حالة من الفقد والنقص التي عانيتُ منها في القدس، خاصّة في إطار دراستي في الجامعة العبريّة. ما صدمني للغاية هو شعور الانقطاع عن طلّاب وباحثي الداخل، وقد تمكّن هذا البرنامج من ملء هذه الفراغات لديّ ومساعدتي على تجاوز شعور الانقطاع لديّ. أما ما لا شكّ فيه هو أنّ هذا البرنامج كان غنيًّا ومثريًا بالنسبة لي”.

تجدرُ الإشارة إلى أنّ مركز مدى الكرمل يهدف إلى تطوير وتوسيع هذا المشروع، بافتتاح ورشات لطلّاب البكالوريوس كذلك، وإطلاق مسابقة أفضل سمينار لطلّاب البكالوريوس ابتداءً من هذا العام. وقد عقّب د. مهند مصطفى، المدير العام لمدى الكرمل، على ذلك قائلا: “نهدف من خلال  توسيع المشروع إلى خلق دائرة من التدريب البحثيّ الناقد والمهنيّ من مرحلة البكالوريوس وحتّى الدكتوراه، عبر ورشات بحثيّة وتدريببيّة، تُساهم في إعداد جيل من الباحثين الفلسطينيّين النقديّين والجادّين. لذلك سوف نطلق مشروع سيمنار طلّاب البكالوريوس في العلوم الاجتماعيّة ليلتقي مع سيمنار طلّاب الدراسات العليا الذي دمجنا فيه هذا العام طلّاب ماجستير الى جانب طلّاب دكتوراه، ليلتقي كلّ ذلك مع ورشة الصهيونيّة والاستعمار الاستيطانيّ، لنبني دائرة يستطيع مدى من خلالها مرافقة الطلّاب وتطوير قدراتهم البحثيّة وكشفهم على تجارب أكاديميّة لباحثين فلسطينيّين، نحو بناء الباحث الفلسطينيّ المثقّف”.