في أعقاب الإعلان عن الاتّفاق الإماراتيّ الإسرائيليّ، عقد مركز مدى الكرمل- المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقيّة، ندوته الفكريّة ” الفلسطينيّون في إسرائيل والاتّفاق الإماراتيّ الإسرائيليّ المُرتقب: مقاربة الخطاب السياسيّ وتداعيات الاتّفاق”، من خلال تطبيق زووم.
افتتح الندوة وأدارها د. مهند مصطفى، المدير العام لمدى الكرمل، الذي أشار في افتتاحيّته إلى أهمّ ما يميّز هذه الندوة عن غيرها من الندوات، ذاك أنّه ومنذ إعلان الاتّفاق ركّزت معظم الندوات والمقالات على تأثير الاتّفاق على البيئة الإقليميّة والقضيّة الفلسطينيّة عمومًا، ولكن لم يكن هنالك نقاش جدّي وحقيقيّ على تأثير هذا الاتّفاق على الفلسطينيّين في إسرائيل. كما وتحدّث مصطفى عن أبعاد الاتّفاق في اعتباره أوّل اتّفاق فيه تطبيع مع إسرائيل ينفي مركبات من السرديّة الفلسطينيّة، ذلك أنّ الاتّفاق يتبنّى مركّبات من السرديّة الصهيونيّة فيما يتعلّق بالفلسطينيّين. وما يفاقم من تداعيات الاتّفاق، أنّه يأتي في سياق الحكومة اليمينيّة الأكثر تطرّفًا في تاريخ إسرائيل، وازدياد الأسرلة التي يمرّ بها المجتمع العربيّ في الداخل.
كانت المداخلة الأولى، لِـ د. فادي نحّاس، باحث في شؤون الأمن القوميّ الإسرائيليّ، الذي أجاب على السؤال كيف واجه المجتمع المدنيّ المصريّ التطبيع مع إسرائيل؟ وما هي أوجه الاختلاف عن التطبيع ومواجهته في الاتّفاق الاماراتيّ الاسرائيليّ؟ وقد أضاف نحّاس إلى جملة الأسباب التي تزيد من خطورة الاتّفاق عاملًا آخر هو غياب مؤسسات مدنيّة فاعلة في الإمارات لمواجهة التطبيع ومعارضته، وهذا فرق جوهريّ عن كيفيّة تعامل المجتمع المدنيّ المصريّ مع التطبيع بعد اتّفاقيّة كامب ديفيد، حيث كانت القضية الفلسطينية نقطة تجاذب بين النظام المصريّ والمجتمع المدنيّ، ممّا جعل النظام المصريّ حسَّاسًا في تعاطيه مع إسرائيل. أيّ أنّ اتّفاقيّة السلام مع مصر، والتي جاءت في سياق تاريخيّ بعد العديد من الحروبات، حُصرت على مستوى الدولة وليس المستوى الشعبيّ والمدنيّ، فيما كان التطبيع مع الإمارات تطبيعًا على المستوى الاقتصاديّ والأمنيّ كذلك. يُجمل نحّاس قائلًا أنّه لا يمكن التعويل على المجتمع المدنيّ اليوم، ولكن هنالك شرائح نخبويّة قويّة في المجتمع العربيّ ما زلت داعمة للقضيّة الفلسطينيّة.
تلته د. هنيدة غانم، مديرة المركز الفلسطينيّ للدراسات الإسرائيليّة “مدار”، التي أجابت على السؤال: ما هي تداعيات الاتّفاق على الفلسطينيّين في إسرائيل، وذلك في خضم النقاش حول التداعيات على القضيّة الفلسطينيّة؟ حاولت د.غانم في محاضرتها الإجابة عينيًّا عن تداعيات الاتّفاق على المواطنين الفلسطينيّين في إسرائيل، شاملةً في حديثها التداعيات على النواحي السياسيّة، الهويّة، والأسرلة، والتطبيع، وغيرها. تقولُ غانم أنّنا نشهد تحوّلًا تدريجيًّا في مواقف العالم العربيّ من اعتبار إسرائيل خصمًا لهم، إلى لاعب مركزيّ في لعبة التحالفات الإقليميّة. هذا الاتّفاق الذي تجتمع فيه المصالح الرأسماليّة التجاريّة، سيؤدّي إلى تهميش القضيّة الفلسطينيّة والتأسيس لإسرائيل كإمبراطوريّة في المنطقة. كلّ هذا يأتي في فترة الركاكة السياسيّة والضعف السياسيّ الفلسطينيّ البنيويّ الذي يُذكّر بالحالة التي كانت موجودة عشيّة النكبة، مع غياب الرؤية وعدم الوضوح في الموقف، وانعدام الجرأة لدى فلسطينيّي الداخل. إنّ الدعم الماليّ للفلسطينيّين الذي تعد به الإمارات يولّدُ خوفًا من أن يحدّد المال السياسيّ الأجندات القوميّة، وأن يتحوّل الفلسطينيّ في الداخل إلى “جسر سلام” من أجل إضعاف القضيّة الفلسطينيّة.
المتحدّث الأخير كان د. إبراهيم خطيب، باحث سياسيّ وزميل في مركز الدراسات الشرق أوسطيّة – جامعة هارفرد، الذي أجاب على السؤال ما هي مميّزات الخطاب السياسيّ وردود فعل الفلسطينيّين في إسرائيل على الاتّفاق الإماراتيّ الإسرائيليّ؟ يشيرُ خطيب أنّ درجة الرفض لدى الأحزاب والفلسطينيّين لاتّفاق السلام كانت متفاوتة، وهذا يرتبط بحسابات المواقف الإقليميّة والأجندات المختلفة. مع ذلك، فإنّ الموقف السائد في صفوف الفلسطينيّين في الداخل هو موقف مناهض للتطبيع. تناول خطيب مميّزات الخطاب الشعبيّ الذي جاء موقفه أقلّ حدّة ممّا هو متوقّع، بل وتميّز بالضعف. لم يكن الأمر مختلفًا مع الأحزاب السياسيّة التي لم تتبنّى موقفًا واضحًا من الاتّفاق، نتيجة لانغماسهم في الشأن الداخليّ للفلسطينيّين، واتّجاه القائمة المشتركة نحو تعزيز الاندماج في السياسة الإسرائيلية. أمّا ردود الفعل وفقًا له، فقد تميّزت بحالة من الإحباط العام التي يعاني منها الفلسطينيّين في الداخل نتيجةً للوضع العربيّ المترهل. ردود الفعل تدلّ على معارضة التطبيع، ولكن هذه المعارضة محدودة وغير حازمة، ممّا يكشف عن مرحلة انتقال يمرّ فيها الفلسطينيّ في الداخل، من مرحلة مواقف واضحة إلى مرحلة تسجيل مواقف، من جزء من القضيّة الفلسطينيّة إلى مناصرين للقضيّة فقط.
اختتمت الندوة بفقرة نقاش من الحضور، لكن لسوء الحظ لم تسرّ الورشة بالسلاسة التي خُطط لها، حيث كانت هناك محاولات لاختراق الزووم من قبل شخصيّات غير معروفة وغير مرغوبة بهدف التشويش على سير الندوة، ذلك ظنًّا منهم أنّ هذا سيمنع مدى الكرمل من نقاش الاتّفاق وتداعياته، أو سيُحبط المحاضرين/ات ويؤثّر في رغبتهم/ن على الحديث. لكن في حقيقة الأمر، هذه المحاولة زادت من إصرار وعزم المتحدّثين/ات، حيث قالت د. غانم ردًّا على هذه المحاولة: “بس راح أحكي”.
أضف أنّ ذلك لم يمنع نجاح الندوة، حيث دلّ النقاش الذي دار على طول الندوة بين الحضور في “تشات” تطبيق الزووم على مدى تعطّش الجمهور لمناقشة هذا الموضوع، واهتمامهم بوجود أطر مثل مدى الكرمل التي توفّر لهم الفرصة للاستماع لآراء وتحليلات كبار الباحثين/ات حول الموضوع. تجدرُ بالإشارة أنّ عدد الحضور كان قد تجاوز الخمسين مشارك ومشاركة عبر تطبيق زووم. أمّا في الفيسبوك فقد حازت الندوة على أكثر من 1600 مشاهدة خلال أقل من 24 ساعة، وهذا مؤشّر على نجاحها الذي لم تطله محاولات الاختراق اليائسة تلك.