– القوانين العنصرية في الكنيست الحالية والعداء للمواطنين العرب
– تسامح القضاء الإسرائيلي مع قتل مواطنين عرب
– الملاحقة السياسية للمواطنين العرب وقياداتهم
استضاف برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل البروفيسور دوبرافكا زاركوف في ندوة حول العنف ضد الرجال في ظل الحروب، وكيفية تعامل الإعلام مع هذه المسألة. حيث تناولت المحاضرة الأشكال المختلفة للعنف ضد الرجال، وخاصة العنف الجنسي في يوغوسلافيا سابقا والعنف الجنسي ضد العراقيين في سجن أبو غريب. وأكدت زاركوف في بداية محاضرتها على أهمية فهم السياق الاجتماعي-السياسي بهدف قراءة صحيحة للواقع، وتحليل الأحداث ودلالاتها.
يذكر أن بروفيسور دوبرافكا زاركوف درست علم الاجتماع، الأنثروبولوجيا، التنمية، ودراسات المرأة في يوغوسلافيا السابقة وهولندا. وتتمحور اهتماماتها البحثية الرئيسية حول البحث في السياسات التمثيلية (في الإعلام) للنوع الجنسي، الجنس والعرق في سياق الحرب والعنف. وقد شاركت زاركوف في تحرير كتاب، "لحظة ما بعد الحرب. جيوش، الرجولة وحفظ السلام الدولية"، مع سينثيا كوكبرن (2002 )، ومن إصداراتها أيضا "هيئة الحرب. وسائل الإعلام، العرق والجنس في تفكك يوغوسلافيا" (2007)، و"النوع الجنسي والصراعات العنيفة والتنمية" (2008).
قامت زاركوف بمراجعة للصحافة الصربية والكرواتية في فترة الحرب (1991-1995)، حيث دلت النتائج على وجود اختلاف واضح في التغطية الإعلامية حول الاعتداءات الجنسية بين الرجال والنساء من حيث كمية وكثافة التغطية. وفي حين تبين أن الصحافة الصربية لم تغطي أي اعتداء جنسي على الرجال، فإن الصحافة الكرواتية تناولت المسألة باقتضاب شديد؛ ففي الأعوام 1992-1993 ومن بين 120 نصاً عن العنف خلال الحرب، فقط 30 منها تطرقت للاعتداءات الجنسية ضد النساء، وأربعة تطرقت باقتضاب للاعتداءات الجنسية ضد الرجال، ومعظمها مقتبسة من تقارير دولية أو من الصحافة الأجنبية. كما يذكر أن الاعتداءات الوحيدة التي حظيت بالتغطية الإعلامية هي حين كانت الضحية رجل مسلم والمعتدي من الصرب، مما يدل على تأثر الإعلام بالسياسة التمثيلية، ورغبة ومصالح القوى المهيمنة.
تقول بروفيسور زاركوف في تفسيرها لهذه المعطيات إن الحرب كانت حرب قومية أهلية، وكي لا تتضرر صورة الرجولة تم التغاضي عن هذه الاعتداءات الجنسية ضد الرجال. لقد تعاملت الصحافة مع الرجل الصربي على أنه سوي، بينما تعاملت من الرجل المسلم بكونه "الآخر، الضعيف والانثوي".
أما في حالة سجن أبو غريب، فقد درست زاكروف ما نشر في صحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمز، وتبين أن الصحافة الأمريكية قامت بتغطية واسعة للاعتداءات كما أرفقت في العديد من الحالات صور المعتدين والمعتدى عليهم. تقول زاكروف أن الصحافة الأمريكية تعاملت مع المعتدين على أنهم من خارج الثقافة العسكرية الأمريكية، وعلى أنهم شواذ لا يمثلون المجتمع الأمريكي. ففي حالة المجندة ليندي انجلاند، قامت الصحافة في التركيز على خلفيتها الاجتماعية، وأنها تنتمي لفئة اجتماعية مهمشة وهامشية في المجتمع الأمريكي، وأبرزت علاقاتها مع صديقها السابق، كي تثبت أنها غريبة الأطوار وغبية لا تمثل المجتمع الأمريكي. وتقول زاركوف بأن اعتراف الصحافة الأمريكية بهذه الجرائم ووصف المعتدين على أنهم خارج الثقافة الأمريكية، قد جاء بهدف تمثيل المجتمع الأمريكي كمجتمع ديمقراطي وذي قيم عالية. أما تصوير المعتدى عليهم من العراقيين فهو يظهر هؤلاء كضعفاء لكنه لا يمس بالمجتمع الأمريكي.
وفي نهاية حديثها تطرقت بروفيسور زاكروف للتوجهات النسوية المختلفة التي تعاملت مع قضية أبو غريب، وقالت أنه في البداية برز التوجه الجوهراني الذي استغرب من إمكانية قيام نساء باعتداءات وحشية على سجناء أبو غريب؛ فيما بعد ظهر توجه أخر الذي حاول أن يفهم انعكاس تلك الممارسات على المجتمع الأمريكي، وما تمثله بالنسبة للمجتمع؛ وكان توجه ثالث الذي حاول الربط بين الرجل العرقي والرجل الأسود. تاقول زاركوف بأن هذا التوجه يتجاهل سياق الحرب على العراق ويتجاهل حالة الاسلاموفوبيا، كما يتغاضى عن تاريخ العنصرية في المجتمع الأمريكي.
A workshop held on the occasion of the publication of Palestinian Women’s and Feminist NGOs within the 1948 Green Line.
تغيرت اسرائيل كثيرا بعد هبة تشرين الأول وانتفاضة الاقصى في العام 2000، وكذلك تغير المجتمع الفلسطيني في الداخل، في وعيه وتصرفه السياسي. كانت هبه تشرين الأول ذروة تحولات عميقة سرت في صميم وعي المجموعتين منذ منتصف التسعينيات. بعدها، بات واضحا ان الصراع بين الفلسطينيين في الداخل ودولة إسرائيل ما عاد يقتصر على قضايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فحسب، مثل قضايا إنهاء الاحتلال، والقدس واللاجئين والمساوة الشكلية داخل الدولة، بل تحول الى القضايا الجوهرية الداخلية وطبيعة النظام. منذ ذلك الحين، تمحور النضال في مراجعة نقديّة لبنية النظام والعلاقات بين الأغلبيّة والأقلّـيّة في حدود العام 1948، وتحول الاهتمام ـ في ما تحول ـ إلى مسألة تحد للدولة اليهودية وطرح البدائل من النظام القائم على شاكلة دولة جميع مواطنيها، أو الحكم الذاتي، أو الدولة الثنائية القومية، كشرط ضروريّ لتحقيق المساواة.
وبهذا المعنى، يمكن الادعاء ان السياسات الإسرائيلية المعمول بها منذ النكبة، لكيّ وعي سياسي مهزوم ومتعايش مع المشروع الصهيوني، واحتواء الفلسطينيين في الداخل، وربما أسرلتهم، لم تنجح كما ابتغى المشروع الصهيوني، الأمر الذي اقتضى، إسرائيليا، تغييرا للأدوات والسياسات.
أدعي في هذا المقال، ان الإطار العام لتعامل دولة إسرائيل مع الفلسطينيين في الداخل بعد هبة تشرين الأول 2000 صيغ بين اسطر تقرير «لجنة أور»، وترجم الى برامج وسياسات عملية في «لجنة لبيد» (لجنة وزارية لدراسة كيفية تطبيق توصيات لجنة اور برئاسة وزير القضاء السابق تومي لبيد)، وبدأت إسرائيل بتنفيذها منذ حكومة شارون. وأدعى ايضا ان دولة إسرائيل تقوم بتقويم نتائج السياسات المعمول بها ومدى تحقيق الاهداف بشكل دائم، ومن ثم تعمل على تحيين (حتلنة) السياسات المعمول بها تجاه الفلسطينيين في الداخل.
بعد هبة تشرين الأول عينت حكومة ايهود باراك «لجنة أور» للتحقيق في تلك الاحداث. وقد نشرت اللجنة توصياتها في العام 2003، ووصفت مجالات التمييز والغبن تجاه الفلسطينيين، وتطرقت، في ما تطرقت، بإسهاب، الى التحولات في الوعي السياسي لدى المجتمع العربي ومسببات ذلك. وما يهمنا هنا ما يخلص له التقرير «بأن المجتمع العربي يمر بعملية تطرف سياسي نتيجة تنامي قوة التيار القومي (التجمع الوطني الديموقراطي) والتيار الإسلامي المتطرف (الشق الشمالي)، وفق ما ورد حرفيا في التقرير. كما تناول التقرير تحليل الاسباب التي ادت الى رفع سقف المطالب السياسية للأقلية العربية منذ ثمانينيات القرن المنصرم، والتحول النوعي نحو زيادة وزن الهوية الفلسطينية والمطالب القومية وأهميتهما، بعد ان كانت المطالب مقتصرة على مساواة ظروف الحياة اليومية وتحسينها من دون ربطها بنوعية النظام السائد والطابع اليهودي للدولة. أي اصبح العرب يتطرقون الى لب الصراع غير مكتفين بالقشور، وعلى وجهة الخصوص تغيير نظام الدولة الى دولة كل مواطنيها.
على ما يبدو، استنتجت الدولة من تقرير «لجنة أور» وتقرير «لجنة لبيد»، انها تستطيع الاستمرار بمنهجية التمييز والغبن تجاه الأقلية العربية، من دون المخاطرة بتدهور الاوضاع الى مصادمات بين الدولة والأقلية، بشرط ان تتعامل مع المسببات والدوافع السياسية، وفقا لتحليل الدولة، التى أدت الى تلك المواجهات. ونقصد هنا ان الدولة والمؤسسات الأمنية وصلت الى قناعة ان منع تكرار المصادمات لا يحتم تغير الظروف المعيشية للمواطنين العرب ومكانتهم السياسية والاجتماعية، او تغيير نوع النظام السائد، بل يحتم التعامل مع اسباب «التطرف السياسي»: مثل كبح الاحزاب السياسية والحركات السياسية التي اتهمت بالتطرف، واحتواء لجنة المتابعة واللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية، وفرض قيود وصعوبات على عمل مؤسسات المجتمع المدني وترويضها، بالإضافة إلى احتواء الجيل الشاب وقمع تنامي الوعي الوطني للفلسطينيين في اسرائيل. وقد بدأ تطبيق هذه القناعات منذ حكومة شارون الثانية عام 2003 وتطور تدريجا منذ تلك الفترة بحسب تقييم النتائج من منظور اسرائيلي.
بدأت حكومة شارون تطبيق القراءة الإسرائيلية لتوصيات «لجنة أور» وترجمتها على ارض الواقع بواسطة مشاريع قوانين وسياسات. كانت البداية مع تعديل «قانون المواطنة ودخول إسرائيل» الذي يمنع لم شمل عائلات فلسطينية احد أزواجها من المناطق الفلسطينية المحتلة، بغية التعامل مع ما يسمى اسرائيليا الخطر الديموغرافي للفلسطينيين؛ ثم سنت قوانين تعيد رسم حدود اللعبة السياسية وتقليص هامش الديموقراطية الإسرائيلية (المحدود أصلا) منها فرض الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية كشرط لنيل الحق في الترشيح للانتخابات وشرط لتسجيل أحزاب سياسية؛ منع الترشيح للبرلمان لكل من يدعم «النضال المسلح» (المقاومة الفلسطينية واللبنانية بالأساس) ضد دولة إسرائيل؛ منع التواصل مع العالم العربي تحت حجة منع زيارة «دولة عدو»؛ إضافة الولاء للدولة كدولة يهودية وديموقراطية في قسم الولاء لاعضاء الكنيست. الى جانب استمرار نهج الترهيب والترغيب المعمول به لدى السلطة التنفيذية وتوكيل التعامل مع الفلسطينيين الى «مجلس الأمن القومي» ثم الى «المخابرات العامة ـ الشاباك».
الصفة العامة التي ميزّت تلك المرحلة كانت تقييد العمل السياسي الحزبي والحقوق السياسية ووضعها تحت سقف الاجماع الصهيوني، وفرض الاعتراف بيهودية الدولة لنيل الحق في الترشيح والمشاركة السياسية الحزبية البرلمانية، من دون ان تحاول الدولة فرض الاعتراف بيهودية الدولة بالقانون على المواطنين الفلسطينيين. لكن تلك السياسات فشلت في لجم مطالب الفلسطينيين في الداخل او في تغير الوعي السياسي القومي الاخذ في التنامي. ولم تنجح إسرائيل في طمس الهُوية الوطنية والانتماء الفلسطيني، او في صقل وعي سياسي يفرض على الأقلـية أنماط تصرّف سياسي مقبول على المجتمع الإسرائيلي. وقد ترجم فشل الدولة في نشر مؤسّسات أهليّة فلسطينيّة وثائقَ رؤيةٍ مستقبلية في نهاية 2006 وبداية 2007، تطالب بإعادة صوغ علاقة الدولة والأقلـية الفلسطينية واعتبار الأقلـية الفلسطينية أقلـية وطن أصلية لها حقوق جماعية، والمطالَبة بتغيير النظام إلى دولة ثنائية القومية. وقد عزز موقف الفلسطينيين وتصرفهم خلال الحرب على لبنان ثم الحرب على غزة، وانهيار التصويت للأحزاب الصهيونية وتنامي التصويت للأحزاب العربية في انتخابات 2006 و 2009، الفشل الإسرائيلي في كبح الانتماء القومي والإجماع السياسي الجديد للفلسطينيين في الداخل.
في اثر عدم نجاعة السياسات التي انتهجت منذ هبة تشرين الأول، من حيث عدم تغير الموقف والتصرف السياسي للفلسطينيين او كبح الطموحات السياسية وعدم خفض سقف المطالب السياسية الى لقمة العيش اليومي، جاءت انتخابات العام 2009 لتشكل منعطفا لمرحلة جديدة في تعامل الدولة مع الفلسطينيين، قد تكون من اشد المراحل خطراً في تعامل الدولة مع الفلسطينيين، من حيث نوع المطالب المواجهة الى الفلسطينيين في الداخل وأساليب فرضها.
ان بوادر الانتقال الى مرحلة جديدة برزت في فترة الحملة الانتخابية التي ترافقت مع الحرب الإسرائيلية على غزة. حينها تحولت الأقلـية الفلسطينية إلى أحد أبرز مواضيع الحملة لدى بعض الأحزاب الصهيونية، ولا سيما حزب «يسرائيل بيتينو» بزعامة أفيغدور ليبرمان. وقد تعالت الأصوات المطالِبة بلجم البعد القومي في هُوية الفلسطينيين وفرض قواعد للتصرف السياسي اللبق والمقبول بواسطة القانون، وربط الحقوق بالاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية وصهيونية.
بعد فوز تيار الصهيونية المتجددة (نيو ـ صهيوني) اليميني المتطرف في الانتخابات، كان واضحا ان الحكومة الجديدة، بل المجتمع الإسرائيلي بكافة شرائحه ومكوناته السياسية الحزبية، لن يقبل باستمرار الوضع السياسي القائم للفلسطينيين. بل ستنتقل السياسات إلى التهديد المباشر والمساومة على المواطَنة الممنوحة للأقلـية. وسوف يكون مطلوبا من الأقلـية الفلسطينية حسم موقفها على نحو نهائي في مسألة قبول الشروط الإسرائيلية للإبقاء على المواطَنة. وبعد قرابة العامين على الانتخابات واكثر من عام ونصف العام على تأليف حكومة نتنياهو، نرى ان المطالب من الفلسطينيين في الداخل تتمحور في:
ـ القبول بمواطنة تحت سقف الشروط الإسرائيلية، والتخلي عن الهوية القومية الجماعية ومطالب الحقوق الجماعية لأقلـية وطن أصلية، والاكتفاء بالحقوق الفردية المنتقَصة.
ـ منح الشرعية لدولة إسرائيل كدولة الشعب اليهودي.
ـ قبول الادعاء الإسرائيلي بأن تحقيق المَطالب القومية للفلسطينيين في إسرائيل سيكون من خلال حل دولتين لشعبين وإقامة دولة فلسطينية .
ـ قَوْنَنة نهائية للمكانة الدونية للفرد الفلسطيني في إسرائيل في جميع المجالات.
عندما قال أحد الفلاحين العرب لمدير في مديرية عقارات إسرائيل: كيف تنكرون ملكيتي… هذه الارض ملكي، ورثتها عن آبائي وأجدادي ولديّ كوشان طابو (سند ملكية رسمي)، أجابه المدير: نحن لدينا كوشان طابو أهم، لدينا كوشان من دان في شمالي إسرائيل إلى إيلات في الجنوب.
وعندما قال أحد الفلاحين لمدير آخر: ماذا تعرضون عليّ؟ هل ثمن أرضي 200 ليرة فقط للدونم؟ أجابه المدير: هذه ليست أرضك. هذه أرضنا، ونحن ندفع لكم أجرة «نطارة»! أنتم لستم سوى «نواطير»، «نطرتم» أرضنا 3000 سنة ونحن ندفع لكم أجرتكم! أما الأرض فهي أرضنا!
لا يقتصر التحول الى مرحلة جديدة على نوعية أهداف الدولة ومطالبها من الفلسطينيين فحسب، بل هناك تحول لا يقل أهمية في آليات ترجمة تلك الأهداف على ارض الواقع. اذ تسعى الدولة الى قمع الوعي القومي والهوية القومية، ومحاولة فرض يهودية الدولة واشتراط المواطنة بالولاء بواسطة قوانين تتعامل مع الافراد وليس مع المجموعة او الأحزاب السياسية، وهذا أمر جديد. فبعد ان قامت الدولة منذ حكومة شارون بتغيير قواعد اللعبة السياسة وحقوق المشاركة السياسية بالقانون، تقوم الآن على فرض تصرف سياسي واشتراط حقوق سياسية وحقوق إنسان أساسية بواسطة القانون وعلى مستوى الأفراد. وقد قام الكنيست بدعم من الحكومة منذ العام 2009 بسن عدد كبير من القوانين وقبول عدد اكبر من اقتراحات القوانين التي تربط الولاء لدولة إسرائيل كدولة يهودية صهيونية بحقوق المواطن. فقامت بسن قانون لمنع إحياء النكبة وفرض عقوبات مالية على كل مؤسسة تمويلها من الدولة وتقوم بإحياء يوم النكبة؛ وقامت بسن قوانين تهدف إلى معاقبة النواب العرب بسبب مواقفهم ونشاطاتهم السياسية؛ واقتراحات قوانين لفرض «الخدمة القومية» على الفلسطينيين بهدف تعزيز الهوية الإسرائيلية لدى الشبان والشابات العرب وخلق هوية مشوهة؛ واقتراح قانون سلطة أراضي إسرائيل الذي يهدف إلى تكريس التمييز ضد المواطنين العرب وتعزيز تهويد النقب والجليل، تحت غطاء «منح تسهيلات ومكافآت» للجنود المسرحين ولمن يؤدي الخدمة «القومية»؛ واقتراح قانون يتيح «للقرى التعاونية» اشتراط الاعتراف بيهودية القرية التعاونية وصهيونيتها كشرط لقبول سكان جدد.
هذه التعديلات والقوانين الجديدة، تعني في ما تعني، محاولة فرض الاعتراف بيهودية الدولة على الفلسطينيين في اسرائيل بواسطة القانون، واشتراط حقوق طبيعية بموقف سياسي، او بالاحرى بالتنازل عن الهوية الفلسطينية. تجديد إضافي للآليات المعمول بها هو إرفاق تهديد مبطن للفلسطينيين، مفاده انه في حال عدم الرضوخ للشروط الإسرائيلية، سوف يأتي التهديد بحل تبادل الأراضي أو السكان مع السلطة الفلسطينية. إن تطوّرات الخطاب الإسرائيلي الجديد ضد الفلسطينيين، ما هو إلاّ تراكم لما حدث خلال العقدين الأخيرين في تدهور علاقات الأغلبية والأقلـية في إسرائيل، من جهة، وتزايد قبول طروحات أحزاب اليمين ـ الصهيونية الجديدة في شرائح واسعة من المجتمع والأحزاب الإسرائيلية في ما يتعلق بالتعامل مع الفلسطينيين في إسرائيل والتشديد على الطابع اليهودي لدولة إسرائيل. ويمكن اعتبار السنوات الاخيرة كمرحلة الهوس الإثني اليهودي، حيث يجري التشديد على هُوية الدولة اليهودية وطابعها الإثني، من خلال تعزيز هذا الطابع عَبْر إجراءات سياسية وقانونية لم يسبق لها مثيل، ومحاولة فرض الشروط الإسرائيلية على الفلسطينيين، لقبول نتائج النكبة كشرط للبقاء في بلادهم. في المقابل تضع إسرائيل معوقات إضافية أمام العمل السياسي للفلسطينيين لمواجهة هذا الإقصاء، بواسطة تقييد عمل الأحزاب العربية، والمجتمع المدني الفلسطيني، والحراك السياسي الشعبي. لكن، على غرار تجربة 62 عاما منذ النكبة، يمكننا التكهن بأن مصير السياسات الحكومة الراهنة سيكون كمصير السياسات السابقة، ولن يساوم الفلسطينيون على حقوقهم القومية، ولا على الهوية الفلسطينية، ولن يتنازلوا عن وجودهم على ارض الوطن.
للمقالة الأصلية اضغط هنا.
شغل موضوع النساء والعمل لدى النساء الفلسطينيات من مناطق الـ1948 مؤخراً حيّزاً واسعاً من الدراسات التي تحاول تحليل الأوضاع الاقتصاديّة الاجتماعيّة للفلسطينيين في إسرائيل، كما حظي باهتمام واسع لدى السياسيّين والناشطات والناشطين في الجمعيّات الأهلية. لكن، في حين ينبع اهتمام الاكاديميّات/ين والسياسيين الفلسطينيات/ين والناشطات/ين في الجمعيّات الأهليّة الفلسطينية، المهتمّة بالقضايا النسائيّة والنسويّة، من قلق بشأن مكانة الفلسطينيين/ات الاقتصادية ومن محاولة المساهمة في تطوير المكانة الاقتصادية الاجتماعية والسياسية لهذه المجموعة، يعود اهتمام السياسيين الاسرائيليين والحكومات الاسرائيلية (خصوصاً الحكومات الأخيرة) باقتصاد فلسطينيي الـ1948 الى قلقهم من كون الأوضاع الاقتصادية الصعبة للفلسطينيين في اسرائيل تشكل عائقا امام الاقتصاد الاسرائيلي الكلي وتنميته. ومن المرجّح أن هذا الاهتمام حصل نتيجة لضروريات الاندماج الكامل بالاقتصاد العالمي، في الأساس بسبب اضطرار اسرائيل الى الاستجابة لشروط عدد من المنظمات الدولية، منها، على سبيل المثال لا للحصر، منظمة التنمية والتعاون الدولية.
ثمّة أثر كبير للأُسس الأيديولوجيّة الصّهيونيّة في المكانة الاقتصاديّة للفلسطينيين عموماً وضمنهم الفلسطينيات. وترتكز هذه الأُسس، في الأساس، على مبدأ تجنيد الاقتصاد لمتطلبات النّفوذ اليهودي وضرورة تطوير الاقتصاد وتعزيزه، إضافة إلى تنظيم سوق العمل والسيطرة عليها (تهويد الاقتصاد والعمل)، إلى جانب السيطرة على الأرض وتغيير الميزان الديموغرافي. ويتلازم هذا مع حجب الموارد الاقتصاديّة عن مجموعة الأقليّة بهدف ضمان تعلّقها بالموارد الاقتصادية وبأماكن العمل التي تنتجها مجموعة الأغلبية أو الدولة. وتعتبر هذه جميعها شروطا ضرورية لإنجاح المشروع الصهيوني. ومن نافل القول ان المكانة الاقتصادية للنساء الفلسطينيات تنبثق بالضرورة من الواقع السياسي للفلسطينيين في اسرائيل، وانَّ دراسة الواقع الإقتصادي للفلسطينيّين بشكل عام، وللفلسطينيّات بشكل خاص، تكشف السياسات الحكومية تجاه الأقلية الفلسطينيّة على نحو دقيق.
تُعتبر نسبة انخراط النساء الفلسطينيّات من مناطق الـ1948 في سوق العمل شديدة الانخفاض؛ إذ تشير المعطيات الى أنّه خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة لم يطرأ تغيير ملحوظ على نسبة انخراطهن في سوق العمل، فقد كانت نسبه مشاركتهن فيها في عام 1995 نحو 18% فيما تصل اليوم الى 21% فقط. في حين تصل نسبة مشارَكة النساء اليهوديّات في سوق العمل اليوم إلى ما يعادل 60%، أي نحو ثلاثة أضعاف نسبة مشاركة النساء الفلسطينيات. وتُعتبر نسبة انخراط النساء الفلسطينيات في سوق العمل من النسب المنخفضة في العالم حتّى إذا قورنت بالعالم العربيّ؛ حيث يبلغ معدّل انخراط النساء في سوق العمل هناك (عام 2005) حوالى 33.3%.
يصعب تفسير هذه النسبة المتدنية ولا سيّما في ضوء التغيير الملحوظ الذي طرأ على متوسط سنوات التعليم للنساء الفلسطينيات. ففي غضون السنوات العشر الأخيرة، تمكّن الفلسطينيون في اسرائيل من تقليص الفجوة في عدد سنوات التعليم مقارنة بالأغلبية اليهودية ـ كان الفارق في متوسط عدد سنوات التعليم 7,4 في عام 1961 وتقلّص الى 1,5 في عام 2007، كما تقلصت هذا الفجوة بين النساء والرجال الفلسطينيين، حتى أنه في شريحة الشباب فاق متوسط سنوات التعليم لدى الشابات الفلسطينيات متوسط سنوات التعليم لدى الشبان الفلسطينيين ـ إلا أنه على الرغم من هذا الارتفاع في متوسط سنوات التعليم لدى النساء الفلسطينيات الذي كان من المفروض نظريًا أن يشكّل رافعة للدخول والانخراط في سوق العمل، بما يتوافق مع ما تبرهن الأبحاث عن وجود علاقة طردية بين سنوات دراسة النساء الفلسطينيّات ومشاركتهنّ في سوق العمل (تصل نسبة مشاركة النساء اللواتي درسن لمدة 16 سنة فما فوق إلى ما يقارب 70%)، بقي الازدياد في نسبة مشاركتهنّ لا يتلاءم مع ارتفاع متوسط سنوات التعليم، وبقيت نسبة مشاركة الفلسطينيات أقلّ من نسبة مشاركة الأكاديميّين العرب وأقلّ من نسبة مشاركة الأكاديميّات اليهوديّات. يُضاف هذا طبعا إلى المشاركة المنخفضة نسبيّا للنساء الفلسطينيّات اللواتي أنهين ما بين 13 و15 سنة دراسيّة مقارَنةً بالنساء اليهوديّات ـ 37% ـ 66% على التوالي.
تتعدّد الأسباب والتفسيرات في شأن المشاركة المتدنية للنساء الفلسطينيات في سوق العمل الإسرائيليّة، وتعزو معظمُ الدراسات والتحليلات الإسرائيليّة، إن كانت تصدر عن باحثين/ات في المؤسّسات الأكاديميّة الإسرائيليّة أو تصدر بصورة نشرات دوريّة عن المؤسّسات الإسرائيليّة الرسميّة (بنك إسرائيل والدوائر الحكوميّة المختلفة ذات الصلة ومن ضمنها وزير المالية الحالي)، أسبابَ المشارَكة المنخفضة للنساء الفلسطينيّات في إسرائيل في سوق العمل إلى عوامل ثقافويّة وإلى بنيةِ المجتمع الفلسطينيّ التقليديّةِ، متجاهلة المعيقات السياسيّة والبنيويّة المرتبطة بعنصريّة الدولة ـ والتي سأتطرق اليها لاحقا في هذا المقال ـ التي تساهم، بشكل اساسي، في هذه الظاهرة.
تتلخّص العوامل الثقافويّة، التي تحاول تفسير هذه الظاهرة، في أنّ المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل مجتمع تقليديّ وذكوريّ تُقسم فيه الوظائف الاجتماعيّة بصورة تقليديّة، بحسب النوع الاجتماعيّ؛ حيث يقوم الرجل بمسؤوليّة إعالة العائلة، وتقوم المرأة بالمهامّ المنـزليّة والإنجاب ورعاية الأطفال. تقوم هذه العوامل بدَوْرٍ ما في تفسير الظاهرة، لكن ثمّة أسبابا أخرى تتعلّق بعنصريّة الدولة (العنصريّة التي تتجسّد في سياسات التمييز تجاه الأقلّـيّة الفلسطينيّة، كما في سياسات أخرى في مجالات شتّى) تُعزِّز هذه الظاهرةَ وتشكّل، في بعض الأحيان، عائقًا أمام حصول تغيُّر في مكانة المرأة الفلسطينيّة وتساهم في تعزيز دونيّتها.
تشكل شحة أماكن العمل في القرى والتجمعّات الفلسطينيّة احد اهم الاسباب التي تحول دون انخراط النساء في اسواق العمل الاسرائيليّة. ُيذكر ان 2,4% فقط من المناطق الصناعية في دولة اسرائيل موجودة في التجمعّات الفلسطينيّة، فعلى سبيل المثال تضم «نتسيرت عليت» (وهي مستوطنة بالقرب من الناصرة يصل تعداد سكانها إلى 42 الف مواطن) خمس مناطق صناعية تصل مساحة احداها (تسيبوري) إلى نحو ستة آلاف دونم وهي مساحة تفوق مساحة جميع المناطق الصناعية في المجمعّات الفلسطينية مجتمعة. في المقابل لا تتعدى مساحة المنطقة الصناعية في مدينة الناصرة (اكبر التجمعات الفلسطينية في اسرائيل ويصل تعداد سكانها ما يقارب 66 الفاً) 150 دونماً.
وفي حين تُعتبر الحكومة مشغِّلاً مركزيًّا للنساء، ولا سيّما الأكاديميّات، إذ إنّ 65% من العاملين في المكاتب والوزارات الحكوميّة المختلفة من النساء، لكن الوضع ليس على هذا النحو بالنسبة الى النساء الفلسطينيّات اللواتي لا يشكّلن إلا 3% من العاملين في المؤسّسات الحكوميّة، يسكن معظمهنّ في منطقة الشمال وحيفا.
ضعف شبكة المواصلات داخل التجمّعات العربيّة ـ منها وإليها ـ هو معيق إضافيّ أمام النساء؛ ويستدل من نتائج بحث عن شبكة المواصلات العامّة في التجمّعات العربيّة، إنّ ضعف شبكة المواصلات العامّة، من حيث توافرها ووتيرة حركة حافلات وسيارات النقل العامة، في التجمّعات الفلسطينيّة، يساهم في إقصاء المجتمع الفلسطينيّ عمومًا، والنساء على وجه التحديد، كما يضرّ بصورة أساسيّة بحقوقهنّ الاجتماعيّة ـ الاقتصاديّة، ويشكّل معيقا حقيقيّا لاحتمالات انخراطهنّ في سوق العمل. كما أنّ انعدام أطر الرعاية اليوميّة للأطفال قد يشكّل عائقًا حقيقيًّا إضافيًا أمام انخراط النساء في سوق العمل. ومن معايَنة لمعطيات وزارة الشؤون الاجتماعيّة يتضح أنّه من بين 1600 حضانة للرعاية اليوميّة للأطفال الذين لا يتجاوزون الثالثة تعمل في إسرائيل بدعم ماليّ من القطاع العام،ّ هناك 25 حضانة فقط تعمل في التجمّعات الفلسطينيّة.
ويساهم النقص في برامج التأهيل الملائمة للنساء الفلسطينيّات المواطنات في إسرائيل في وضع عقبة أخرى أمام انخراط النساء في سوق العمل، وتشير المعطيات الى أنّ معظم المدارس المهنيّة العاملة في القرى الفلسطينيّة تقوم بتوفير تأهيل مهنيّ تقليديّ للنساء، ولا تقدّم هذه المدارس التأهيل المهنيّ في المجالات التكنولوجيّة، وكذلك تقوم وزارة العمل والصناعة والتجارة بإدارة برامج تأهيل مهنيّة للعاطلين عن العمل، بَيْدَ أنّها لا تقدّم ما يكفي من الدورات التدريبيّة المخصّصة للنساء الفلسطينيّات. علاوة على هذا، فإنّ النساء اللواتي شاركن في هذه البرامج حصلن على تأهيل مهنيّ تقليديّ، حتّى عندما كانت برامج التأهيل التكنولوجيّة متوافرة. نتيجة لذلك، تتركّز النساء الفلسطينيّات في مهن ذات طابع «أنثويّ» حيث لا مجال للتطوّر المهنيّ، ولا متطلّبات لمهارات خاصّة، والأجور الممنوحة متدنّية. يُستدَلّ من هذه المعطيات أنّ للسياسات الإسرائيليّة المستشرقة المنتهجة تجاه النساء الفلسطينيّات دَوْرًا في تعزيز دونيّة المرأة الفلسطينيّة وعدم تقدّمها.
بالإضافة إلى هذه المعيقات المؤسّساتيّة، تلعب عنصريّة المجتمع الإسرائيليّ والمشغِّلين اليهود دورًا ما في عدم انخراط النساء الفلسطينيّات في سوق العمل. فعلى سبيل المثال، تبيِّن نتائح ابحاث نشرت في السنوات الأخيرة عن العنصرية وعمالة النساء، أنّه بالإضافة إلى شحّ فرص العمل ـ وهي التي تشكّل سببًا رئيسيًّا في عدم انخراط النساء الفلسطينيّات في سوق العمل ـ، تشكّل عنصريّةُ المشغِّلين اليهود سببًا إضافيًّا، فكثير من المشغّلين اليهود يمتنعون عن تشغيل العرب، ولا سيّما النساء، كما يشترط بعض المشغِّلين الخدمةَ العسكريّة، ومعرفةَ اللغة الروسيّة للمتقدّمات إلى العمل. هذا عدا عن العنصريّة والتمييز اللذين تواجههما النساءُ المحجّبات في توجّههنّ إلى العمل لدى مشغِّل إسرائيليّ. كلّ هذا يضاف إلى المسبّبات التي تعيق انخراط النساء الفلسطينيّات في سوق العمل الإسرائيليّ.
لا تقف اوضاع النساء الفلسطينيات المتردية، عند حقيقة أنّ نسبتهن خارج قوى العمل(*) تبلغ نحو 81% بل تتعدّى ذلك إلى مجال الأجور، إذ تشير المعطيات إلى أنّ هناك تمييزًا واضحًا في الأجور بين النساء الفلسطينيّات والنساء اليهوديّات. ويبلغ معدّل الأجر الشهريّ للنساء الفلسطينيّات 4350 شيكلاً، مقابل 6112 شيكلاً لليهوديّات. وتعمل النساء الفلسطينيّات ساعات أقلّ في الأسبوع 32,4 ساعة، في مقابل 35,7 ساعة للنساء اليهوديّات، وتتلقّى النساء اليهوديّات أجرًا أعلى عن الساعة الواحدة، يبلغ 41,5 شيكلا في مقابل 32,3 شيكلا تتلقّاها النساء الفلسطينيّات.
تتعدّد أسباب تدنّي مدى انخراط النساء الفلسطينيّات في سوق العمل، ويتحمّل المجتمع الفلسطينيّ جزءًا من المسؤوليّة تجاهها، لكن كما تبيّن من العرض أعلاه، فانَّ تدّني نسبة النساء الفلسطينيات في سوق العمل هو نتاج لعلاقة الدولة اليهودية وسياساتها بالأقلية الفلسطينية؛ فعنصريّةُ الدولة وسياساتُ التهميش والتمييز التي تنتهجها الدولة تجاه الأقلّـيّة العربيّة بعامّةٍ، تُشكّل العائقَ الأساسيَّ حيال تقدُّم المكانة الاقتصاديّة والاجتماعيّة للمجتمع الفلسطينيّ بعامّة، وتساهم هذه السياسات، باستخدامها غطاء المبرّرات الثقافويّة كإحدى الآليّات، في إعادة إنتاج وتعزيز دونيّة المرأة الفلسطينيّة معيقةً بهذا تقدُّمَها الاجتماعيّ والاقتصاديّ.
للمقالة الأصلية اضغط هنا.
نديم روحانا وأريج صّباغ خوري*
أثارت مشاهد الحريق الذي التهم جزءًا من جبال الكرمل لأيام متواصلة في أوائل هذا الشهر وردات الفعل الإسرائيلية والفلسطينية مشاعر عميقة ومتداخلة بخصوص وعي الفلسطيني لعلاقته بوطنه، وعلاقته بالآخر الإسرائيلي، ومشاعره نحو علاقة الإسرائيلي بهذا الوطن. وصلت النيران الملتهبة في جبال الكرمل إلى طبقات من الذاكرة الجماعية ما زالت جمرتها متقدة، وكشفت جوانب من تعابير الحب والحميمية للوطن ما زال الفلسطيني في وطنه يتجنب المجاهرة بها في بعض الأحيان والمواقع، وأحضرت تساؤلات مكبوتة عن ذلك الذي سلب الوطن وأراد مصادرة حب أهله له. كذلك أثار عنفوان النار ووقوف إسرائيل عاجزة أمامها وتعاطي المجتمع والإعلام الإسرائيليين معها برمزية لا تُخفى اختلط فيها لدى الفلسطيني الحس البديهي بواقع اللا معقول مع الفكر المتأني في هذا الواقع.
«والوافدون ـ
بحارة ومغتصبون
يزيلون الحواكير
ويدفنون الأشجار. يمنعوننا من إطالة النظر
إلى زهور البرقوق وعصا الراعي
ويحرمون علينا لمس البقول
والعلت والعكوب».
لا يخطر في بال الإسرائيلي انه عندما يحترق الكرمل فإن الفلسطيني ـ ذلك الموجود في وطنه وذلك الذي في المنفى ـ يشعر بأن جزءًا من وطنه يحترق. فالإسرائيلي الذي صادر الوطن الفلسطيني بأرضه، ووديانه، وتلاله، وسهوله، وصحرائه، وأزهاره وأشجاره أراد أيضًا مصادرة علاقة الفلسطيني بوطنه وتحريم حبه له، حتى يصبح الوطن له حصرًا ـ أرضًا وبيتًا ومعنىً وحبًا.
وفي العلاقة الكولونيالية فإن الإسرائيلي الذي أشاع وصدق ما أشاع أن الوطن له حصرًا يدخل حالة من الخوف إذا ما أبدى ابناء الوطن الأصليين وبناته علاقة بوطنهم، ويدخل حالة من الاستنفار إذا ما أبدوا حُبًا لوطنهم. أما الفلسطيني الواقع تحت الهيمنة الإسرائيلية فإنه يقارع الكولونيالي في الحيز العام، في القضايا السياسية، وفي حيزه الخاص، فهو في حالة حب مع وطنه تبدو أحيانًا سرية وفي أغلب الاحيان لا يجاهر بها في الحيز المشترك مع الإسرائيلي الذي يعتبرُ هذا الحب تهديدًا له وربما اعتداءً عليه. لا مكان للحديث عن حب الوطن في الحيز المشترك.
يُشكل هذا الحب تهديدًا للإسرائيلي إلا إذا نجح في «حفر الوعي الفلسطيني» بأن وطنه ضائع لن يعود، وأنه أصبح مقيمًا في وطن الشعب اليهودي وفي دولة اليهود. عندها يصبح التعبير عن عشق الوطن، ربما تحرشًا أو اشتهاء مقتنى غيرك، أو في أحسن الأحوال تعبيرًا عن نوستالجيا للوطن الذي ضاع، يتم التسامح معها من الليبرالي الذي «يتفهم» ذلك «كـإحساس إنساني».
يعبر الفلسطيني عن علاقة حبه لوطنه في حيزه الخاص، في الفن والشعر والغناء والفلكلور والموسيقى. لكنه مهما حاول أن يعبر فإن علاقة حبه بوطنه لا تصل إلى الكولونيالي، أو تصل اليه كما يريد هو أن يراها. ويعلم أصحاب البلاد أن هذا الحب يخيف الإسرائيلي، وأن التعبير عنه هو «موقف متطرف» ومهدد للإسرائيلي. ولأن الكولونيالي يرفض أن يرى هذا الحب لأنه يعتبر نفسه العاشق الوحيد، فإنه يحمِّل العربي مسؤولية إضرام النار، ويصبح الفلسطيني هو المتهم الطبيعي في كل نارٍ تضرم في طبيعة الوطن.
يتحول التهديد الذي يشعر به الكولونيالي من حب الفلسطيني لوطنه إلى غضب إذا ما عبر الفلسطيني عن حبه بانتمائه إلى وطنه بأن يقول مثلاً «هذا وطني» او «هذا الكرمل لي». أو كما قال محمود درويش في الجدارية: «هذا البحر لي… ولي ما كان لي». هكذا حدث حين طرد أحد أعرق الصحافيين الإسرائيليين بغضب عضو برلمان عربي في بث تلفزيوني حي ومباشر في كانون الأول 2009 من استديو التلفزيون الإسرائيلي عندما ذكّر المذيع الذي اهانه بأن الاستوديو وجامعة تل أبيب الذي يبث منها يقومان على ارض قرية الشيخ مونس العربية المهجرة والمدمرة منبهًا أياه إلى انه «لي ما كان لي». وصرخ مذيع مشهور آخر في كانون الأول 2010 بعضو برلمان عربي آخر في بث حي ومباشر عندما حاول عضو البرلمان الدفاع عن اتهام العرب بإضرام الحرائق بقوله: «الكرمل هو لي». ففي حين فضح المذيع الأول حين فقد السيطرة على نفسه أن الإسرائيلي يشعر أنه «السيد» أمام العربي، كشف المذيع الثاني أحد جوانب الحالة الكولونيالية المستعصية ـ الهلع. وحين صرخ «قل إن الكرمل هو لي أنا أيضا». ولكن لا يخطر ببال هذا المذيع «اليساري» أن يتحدى حب اليهودي للكرمل ولا يطالبه بمشاركة الفلسطيني في ملكيته.
وكشف الحريق عن جانب آخر من جوانب الحالة الكولونيالية الخاصة التي أنتجتها الصهيونية في فلسطين. وربما يكون لتعبير «السكان غير اليهود في أرض إسرائيل» بعد نفسي بعمق البعد السياسي. فإن هذا التعبير لا ينكر على الفلسطيني علاقته بالوطن فحسب، ويحرّم عليه التعبير عن حبه له وملكيته عليه فحسب، بل يستكثر عليه أن تكون علاقته بقريته ومحيطها علاقة وطنية او علاقة أصيلة (authentic). فحين دأب الإسرائيلي على التدمير المنهجي للوجود الفلسطيني في الدولة التي أقامها على الوطن، وبنى على أنقاض القرى وفي المدن الفلسطينية بلدانًا ومدنًا تعبّر شكلاً وهندسةً «معماريةً، وسكانًا، وقوانين وأسماء، ومشهديةً وثقافةً عن القيم الصهيونية والاستثنائية اليهودية التي يذكرنا بها صباحًا وظهرًا ومساءً بشكل استحواذي، فإنه لم يترك للفلسطيني من زاوية في الوطن يشعر به في الحميمية إلا بيته وقريته ومحيطها الذي أُبقي له. وتصبح العلاقة بالقرية او بالحي العربي تعبيرًا عن علاقته بوطنه الحاضر الغائب في آن معًا. وبسبب الغربة التي أنتجها الواقع الاستعماري في باقي أجزاء الوطن تشدّدت العلاقة المحلية حتى وإن كانت القرية قد تحولت إلى شبه غيتو. وصارت العلاقة مع «البلد» هي احد انواع التعبير عن العلاقة مع الوطن والبيت والمكان الآمن. وصارت أقوى من علاقة المواطن ببلدته في ظروف عادية. فحين يُسأل الفلسطيني المقيم خارج الوطن إذا كان سيسافر مثلاً هذا الصيف يقول «نعم سأذهب إلى حيفا»، «إلى الناصرة» او «إلى ام الفحم» ولا يقول سأسافر إلى إسرائيل ـ لأنه في الواقع لا يسافر إليها بسبب غربته عنها وفيها ولا يسافر إلى فلسطين ـ لأنه في غيابها انحصرت فلسطين في بلدته.
كشف حريق الكرمل كيف أن الكولونيالي لا يقبل حتى هذه العلاقة، وينكر على المستعمَر أن تكون له حتى هذه الحميمية ذات الجغرافيا المحدودة. فالكرمل لأبناء قرى الكرمل وبناته، هو جزء من مشهدهم اليومي وحياتهم اليومية. وهو من دون فلسفة أو تنظير جزء من هويتهم، يحوطهم من جميع الجهات، يتصبحون به ويتمسون به، يتنفسوه، ويستدخلون نسيمه وألوانه وأعشابه وأشجاره ويعتادون عنفوان شتائه وبهاء ربيعه ورقّة صيفه، ويعودون إليه كمأمن. كثيرون منهم يعرفون تضاريس مناطقه كما عرفها آباؤهم وأمهاتهم، ويعبرون عن حميميتهم بإعطاء الأسماء الخاصة للتلال والجبال والوديان والربا التي كانت «الزرّاعة» ، و«باب الهوى» و«رأس النبع» وأصبحت بقدرة مستعمر «جبعات ألون» و«هار شوكيد». ولولا أن غالبية سكان عسفيا ودالية الكرمل ـ القريتان العربيتان اللتان بقيتا على جبل الكرمل ـ هم من الدروز الذين يخدمون في الجيش الإسرئيلي وأذرعه الأمنية لكانت أصابع الاتهام ضد العرب من الكرمل بإضرام النار أشد وأقوى. ومع ذلك لم يتردد الإسرائيلي في اتهام العربي بإضرام النار، الا أنه أعاد صوغ التهمة للأسباب المذكورة. فحتى لو خدم الدرزي في الجيش (وربما لأنه يخدم في الجيش) لا يُعطى احترام ان تكون له علاقة أصيلة مع بلده، وكرمله وأحراشه ـ هذه لليهودي وحده، خدم في الجيش أم لم يخدم. الا أن الخدمة في الجيش أدت بالإسرائيلي إلى أن يحول تهمة إضرام النار من نيات عدوانية تخريبية إلى إهمال صبيّ يبطّن الحديث عنه كيف ان الأصلانيين العرب (والدروز بلغة المستعمِر) لا يقدرون الطبيعة ولا يحترمونها.
تؤلم السرية في العلاقة مع الوطن حين تحافظ عليها السلطة الفلسطينية عندما ترسل مركبات المطافئ التابعة للدفاع المدني للمشاركة في إخماد الحريق. وجاء إرسال مركبات المطافئ الفلسطينية بعد التنسيق بين الجنرال الإسرائيلي الذي ينسق أعمال الحكومة في «مناطق الضفة الغربية»، وبين الوزير الفلسطيني المسؤول عن دائرة الشؤون المدنية في السلطة. وعرضت مساهمة السلطة الوطنية على أنها مساهمة في إخماد حريق في بلدٍ مجاورٍ.
وعبر الكولونيالي عن شكره لصاحب الوطن على المساندة في إخماد حريقٍ في الوطن. وطن من؟ وكان قد نشر ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قدم امتنانه، هاتفيا، إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس «لمشاركة فرق الدفاع المدني الفلسطيني في اخماد النيران التي اندلعت في جبال الكرمل شمال إسرائيل». ونقلت وكالة «وفا» تأكيد الرئيس الفلسطيني خلال الاتصال الهاتفي مع نتانياهو على انه في مثل هذه الظروف لن يتوانى الشعب الفلسطيني عن تقديم مساعدات انسانية. ورد نتانياهو على كلام عباس قائلا: انه «يجب ان يساعد الجيران بعضهم بعضا دائما».
ويحتاج هذا التبادل الدبلوماسي مقالة منفردة لتحليله وفهم معانيه. ولكن يكفي أن نلاحظ انه لم يخطر في بال الإسرائيلي ان هذا الفلسطيني يساهم في إنقاذ وطنه وكرمله هو من الحريق. هل يعود عدم فهم الإسرائيلي إلى ان السلطة الفلسطينية عبرت عن استعدادها للمساعدة «الإنسانية» في إخماد الحريق؟ أم هل يعود ذلك إلى أنه لا يخطر في بال الإسرائيلي ـ كما سبق وذكرنا ـ إن الفلسطيني يحب وطنه؟ أم ربما ان الإسرائيلي يعلم أن السلطة لا تنظر إلى الكرمل على أنه جزء من الوطن الفلسطيني؟ ولماذا لم تعبر السلطة ولو بالتلميح عن القلق على الكرمل واحتراقه؟ هل لأن مثل هذا التلميح قد يثير عاصفة دبلوماسية، وبذلك يبقى الحب سّرًا لا تجوز المجاهرة به؟ ام لأنه حُفر في وعي مسؤولي السلطة أن الكرمل أصبح جزءًا من «وطنٍ ضائعٍ لن يعود»؟ وأي الحالتين أكثر قسوةً؟
بين أحراش الكرمل وعلى سفوحه المطلة مباشرة على المتوسط بقيت قرية عربية اسمها عين حوض. وعين حوض هجرت مثل غالبية قرى الساحل والسفح الفلسطيني ولكنها كانت القرية المهجرة الوحيدة التي بقيت مثلما كانت. والقصة الطويلة تختصر بأن فنانًا مرموقًا زارها سنة 1953 واحب البيوت العربية وطلب إقامة قرية للفنانين فيها بدل هدمها من أجل تشجيع السياحة. وبينما تم محو القرى الاخرى عن الذاكرة بالهدم وإزالتها كليًا عن وجه الأرض وزرع الأحراش والغابات فوقها، فإن محاولة محو عين حوض من الذاكرة تمّ عن طريق تحويلها إلى قرية يهودية وإعطائها اسمًا معبرنناً «عين هود». واحتلت بيوت القرية شريحة من المفترض ان تكون أكثر شرائح المجتمع حساسية، وهي شريحة من الفنانين. وعندما تزور قرية عين حوض مثلما زرناها تستطيع ان تلمس جمال القرية المتجسد بيوت الحجر العربية، وبهندستها المعمارية التي شملت الحاكورة والشارع الضيق، والشجرية والشبابيك الطويلة. وعندما تدخل إلى البيت لتسأل اصحابه الذين اتوا من جميع بقاع الأرض ليتمتعوا بالقرية المسلوبة ترى أن هناك استوديوهات فنية مقامة في بيوت ذات سقوف عالية وبلاط جميل وعقود عربية تقليدية، تتحدث إليك بلغة مألوفة. وتتعجب كيف يتعامل هذا الفنان «الحساس» مع هذا الواقع. وعندما تسأله يعطيك إجابة تعتمد الاكروباتيكا النفسية المعهودة التي اتقنها الكولونيالي من أجل الكذب على الذات.
وكما هو معروف فإن مهجري قرية عين حوض تحولوا إلى لاجئين في أماكن مختلفة داخل الوطن وخارجه. إلاّ أن جزءًا منهم نجح في ان يبقى في ضواحي بلدته وتحولوا إلى مهجرين يسكنون قرية صغيرة أقاموا بيوتها بجانب قريتهم الاصلية، اعترفت بها إسرائيل قبل سنوات قليلة بعد صراع طويل مع السلطات وسميت بعين حوض الجديدة.
وعند اشتعال الحريق في بعض بيوت عين حوض القديمة لم يكن هناك أي ذكر في الإعلام الإسرائيلي لتاريخ القرية الفلسطيني، وان هذه البيوت هي عمليًا غنيمة من غنائم حرب عام 1948. وقد عُرض الحريق على انه حريق في قريتين واحدة يهودية وهي «عين هود» وواحدة عربية وهي عين حوض. واظهر الحريق وتعامل المجتمع الإسرئيلي وإعلامه مع «عين هود» وعين حوض كيف ان المشروع الصهيوني نجح في تغييب التاريخ الفلسطيني وكبت الذاكرة لدى الاجيال الإسرائيلية الجديدة. وأصبحت «عين هود» قرية يهودية من غير طرح أي تساؤل. أما بالنسبة إلى العربي في عين حوض وخارجها فقد أرجع الحريق بعضًا من زخم الذاكرة الفلسطينية. فبينما كانت «عين هود» مهددة بالإحتراق كان الخوف الفلسطيني ان تحترق القرية الفلسطينية المنكوبة المسلوبة، الباقية والضائعة. كان الخوف أن تضيع مرة أخرى حتى لو كان المقيمون فيها فنانين يهود.
لم يكن مستغرباً ان يتعامل المجتمع والدولة الإسرائيلية مع الحريق كمشروع عسكري. فقد سادت اللغة العسكرية في تغطية الحدث، وكأنها اللغة الوحيدة التي يُتقنها الإسرئيلي. لذلك فإن إطفاء الحريق تحول إلى «الحرب على الحريق»، أو أصبح «الانتصار على الحريق». واستعملت المصطلحات العسكرية في تغطية عملية الإطفاء ووصلت ذروة اللغة العسكرية في تصريح اعطاه لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو «ان الحرب على الحريق سوف يتم حسمها من الجو».
ويتبادر إلى الأذهان السؤال عن تركيز المجتمع الإسرئيلي على الجهوزية العسكرية، فهو عادة ما يرى محيطه من فوهة البندقية، ويرى العالم من منظور أمني ويشدد على القوة بمفهومها التقليدي الضيق. وكانت نتيجة ذلك إهماله لمتطلبات الحياة المدنية مثل البنى التحتية العصرية، إذا لم ترتبط ارتباطًا عضويًا بالعسكرة. وإذا تعاملنا مع الحريق كإشارة رمزية، في النهاية، فإن التعامل مع جميع القضايا من خلال التوجه العسكري سيؤدي إلى الحريق.
لم يخفَ على الفلسطيني ولا على الإسرائيلي الرمزية الحاضرة في هذا الحريق. ويتمثل جزء من الرمزية في السؤال المركزي عن استطاعة إسرائيل الاستمرار في الوجود، وهل مشروعها قابل للعيش إذا لم تستطع السيطرة على حريق وإن كان كبيرًا. وحين خرج الحريق عن سيطرتها تذكرّ المجتمع الإسرائيلي دينامكية خروج الأمور من السيطرة التي برزت خلال الحرب على لبنان عام 2006، وبعد الحرب على غزة عام 2009. فلدى الإسرائيلي في الفترة الأخيرة شعور بالخطر الوجودي المحدق. وفي الفترة الأخيرة أيضا أُثيرت تساؤلات متكررة عن إمكانية عدم استمرار المشروع الصهيوني. ومن المثير ان عددًا كبيرًا من مقالات الرأي التي تُنشر في الصحف العبرية في السنوات الأخيرة تبدأ وتنتهي في أن إسرائيل في حالة خطر وجودي. ودخل الوعي بهذه الحالة بخطوات واثقة إلى الفكر الإسرائيلي بعد الحرب على لبنان، وتعزز بعد الحرب على غزة، وبالذات بعد قضية الهجوم على قافلة السفن التي كانت في طريقها إلى غزة. وازدادت التخوفات داخل إسرائيل حين طُرحت تساؤلات عن شرعية إسرائيل في العالم وبعد الأزمة مع الولايات المتحدة. وفرض الحريق رمزيتة بقوة مدهشة في الوعي العام. وبسبب هذه الرمزية ارتبطت الأسئلة عن الحريق، بأسئلة جوهرية تتعلق باستمرارية الدولة نفسها. فمثلاً أثيرت الأسئلة عن معنى عدم قدرة إسرائيل على «مواجهة» الحريق وحدها. فإذا لم تستطع إسرائيل التعامل مع الحريق كيف ستستطيع التعامل مع التحديات الكبرى؟ واحتاجت إسرائيل لمساعدة دول عدة لإخماد الحريق وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة. ويحضر ذلك إلى الأذهان الحالة الخاصة التي هي إسرائيل. فقد كان قيام إسرائيل بقرار دول أجنبية وتثبيت مشروعها بمساعدة دول أجنبية، وما زال بقاؤها نفسه مرهون بالدعم والتأييد الأجنبي الكثيف.
وعلى الرغم من ان الإسرائيلي المتوسط يرفض ان يرى مسؤوليته في التسبب في الصراع وفي استعمال العنف والاقتلاع وفي الحرب التي شنتها إسرائيل ويرى أن العالم ضده، لربما يعلمه الحريق أنه لولا دعم العالم ومساعدته كان من الصعب على الدولة العسكرية اخماد الحريق وحدها، مثلما أن من الصعب الحفاظ على بقائها.
رؤية الفلسطيني للحريق هي رؤية مركبة وتعامله معه معقد. فمن ناحية يتألم الفلسطني من إحتراق الكرمل، وهو أحد أجمل مناطق الوطن (ولذلك صار أحد رموزه). ومن ناحية اخرى يرغب الفلسطيني في ان تُكشف هشاشة إسرائيل وفي أن يدرك الإسرائيليون أن الخطاب والممارسات العسكرية والأمنية والاعتماد على القوة والعنف سوف تؤدي إلى الهلاك.
ولا ينكر كثير من الفلسطينيين قوة العلاقة التي انتجتها إسرائيل بين الوطن وبين اليهودي الإسرائيلي. فعلى الرغم من قيام إسرائيل كمشروع كولونيالي الا انها أنشأت علاقة بين الإسرائيلين وبين الوطن. ويؤدي الوعي بوجود هذه العلاقة إلى ألم دائم بسب ظروف إنتاجها من خلال الطرد والعنف ضد السكان الاصليين. وصار التحدي لدى الفلسطيني يتجلى في أسئلة مركزية منها مثلاً: كيف تكون الطريق لأن يعيش الفلسطيني ـ في الوطن وفي المنفى ـ والإسرائيلي في هذا الوطن؟ و كيف يجاهر للإسرائيلي عن حبه للوطن ويقنعه ان هذا هو وطنه؟ ولكن من ناحية أخرى كيف يقنع الفلسطيني في باقي أجزاء الوطن وفي الشتات ان هذا الكولونيالي الذي احتل الوطن وسلبه، طوّر علاقةً حقيقية مع وطننا رغم الألم المترتب على هذا الإدراك.
احتراق الكرمل يعيد إلينا طبقات من الذاكرة ويطرح بقوة وضوح الحالة الكولونيالية الإسرائيلية ويحفزنا على ان نجاهر بحبنا وأن لا نخاف من المستعمِر. ولكن في الوقت نفسه يحثنّا على التفكير في مستقبل يكون لنا فيه وللمستعمِر المتحرر من كولونياليته مكان في هذا الوطن بحيث لا يحترق الكرمل ولا يحترق الوطن.
للمقالة الأصلية اضغط هنا.
The last of Mada’s series of workshops in its Political Participation Research Project.
بعد عاصفة النكبة التي ضربت الشعب الفلسطيني عام 1948 وعصفت بكينونته ومقدراته وحولت أجزاء كبيرة منه إلى لاجئين في الشتات، بقي في إطار الدولة اليهودية التي أقيمت في أعقاب تلك النكبة قرابة مئة وخمسين ألفاً من الفلسطينيين فرض عليهم نظام الحكم العسكري الذي كان القصد الأولي منه تحديد تحركاتهم والتحكم بالعمليات الجارية في أوساطهم ومنع تواصلهم مع المحيط العربي العام . بل جرى العمل كذلك على منع التواصل بين مكونات الأقلية القومية العربية والتي تركزت في ثلاثة تجمعات أساسية لا تواصل جغرافياً بينها (الجليل والمثلث والنقب)، بالإضافة إلى التجمعات الصغيرة التي تبقت في ما عرف لاحقا بالمدن المختلطة كحيفا ويافا واللد والرملة وعكا .
كان نظام «الحكم العسكري» هو الجهاز القانوني ـ العسكري ـ السياسي الذي مكّن، بعد 1948، السلطات الإسرائيلية من استمرارية بناء الدولة اليهودية، بحسب أساليب «البيت القومي» في فترة الانتداب، أي: بناء مؤسسات وأنظمة الدولة من دون العرب ومع تجاهل وجودهم. وقد كانت الفرضية الأساسية التي حركت أنظمة هذا الحكم وآلياته هي النظر إلى المواطنين على أنهم خطر أمني استراتيجي داهم، أو كما وصفهم بعض مصممي الرأي العام الإسرائيلي، في حينه، بأنهم «قنبلة موقوتة» أو «طابور خامس» أو «مشكلة أمنية مزمنة». وقد غذت هذه الأوصاف مخيلة مَن تعامل مع المواطنين العرب من موظفين وضباط وجنود… الخ، وأضحت أساساً للتعامل معهم طيلة سنوات الحكم العسكري، بل لا نبالغ إذا قلنا إن ذلك ما زال مستمراًَ حتى أيامنا هذه .
لقد قرر مجلس الدولة الموقت في أثناء حرب 1948 أن يطبّق على الجليل والمثلث والنقب وعلى مدن الرملة واللد ويافا ومجدل-عسقلان (التي هجر سكانها لاحقاً عام 1951) أي على المناطق التي كانت مأهولة حين انتهاء المعارك بأغلبية عربية كبيرة ـ سيادة خاصة لحكم عسكري. في البداية تم وصف هذه المناطق بأنها «مناطق مدارة» وذلك لأنها وقعت بمعظمها ضمن الأراضي المخصصة للدولة العربية بحسب قرار التقسيم. ولكن مع تقدم الوقت نظرت السلطات الإسرائيلية إليها على أنها جزء من الدولة وليست «مناطق مدارة» مرشحة للإعادة والإخلاء في حالة تم الاتفاق على ذلك .
منذ ذلك الحين وحتى وقف العمل بالحكم العسكري خلال سنة 1966، كان هذا الحكم هو الجسم المؤسسي المركزي الذي نشط في صفوف الأقلية العربية في إسرائيل. وقد اعتمدت الصلاحية الدستورية للحكم العسكري على أنظمة الدفاع الانتدابية لزمن الطوارئ (1945) التي تبناها مجلس الدولة الموقت وبعده الكنيست الإسرائيلي، إضافة إلى قوانين انتدابية أخرى جرى استغلالها لإضفاء صفة الشرعية على نظام الحكم العسكري وتسهيل أمر قبول تبعاته خاصة فيما يتعلق بالأبعاد الأخلاقية والسلوكية. وقد طبّقت هيئات الحكم العسكري خمسة بنود فقط من بين 162 بندًا من أنظمة الطوارئ، ثلاثة منها (رقم 110، 111، 124) هدفت إلى تمكين الحاكم العسكري من السيطرة، والحد أو حتى منع الحركة للمواطنين الواقعين تحت سلطته. أما البندان الآخران (رقم 109، 125) فقد هدفا إلى تمكين الحاكم العسكري من منع دخول المواطنين إلى مناطق أُعلن عنها أنها مناطق مغلقة. وقد سهل تطبيق هذه البنود على سلطات الحكم العسكري والسلطات الإسرائيلية بشكل عام تطبيق سياساتها تجاه المواطنين العرب تحت ستار الحفاظ على الأمن العام، وخاصة سياسة مصادرة الأراضي وشرعنتها بحيث تم استغلال أحد بنود نظام الطوارئ والذي يبيح للوزير المعني مصادرة أي ارض يمر عليها حول ولم تفلح، ولا سيما أن أصحابها لم يتمكنوا من الوصول إليها بسبب عدم حصولهم على التصاريح اللازمة لذلك. ومن الجدير ذكره هنا أن هذا الاستغلال لقوانين الطوارئ خلال فترة الحكم العسكري من مصادرة ما يقارب الخمسة ملايين دونم، وهو رقم لم تصل إليه المؤسسات الصهيونية الفاعلة منذ بداية المشروع الاستيطاني اليهودي عام 1881 وحتى العام 1948 .
وقد اتضح بناء على الحقائق الديمغرافية في المنطقة الخاضعة لسلطة الحكم العسكري أن مهمته الرئيسية كانت مهمة مدنية وهي: مراقبة لصيقة على الأقلية العربية ، بحيث كانت لهذه المراقبة التي عُرّفت بأنها «مراقبة أمنية»، تعبيرات كثيرة تركّزت في منع حرية الحركة وحرية العمل وحرية التنظيم السياسي في أوساط المواطنين العرب.
كان الهدف من نشاط الحكم العسكري التوصّل إلى حالة تقارب الإلغاء لمعاني المساواة العملية للمواطنة التي مُنحت للعرب، وإفراغها من معظم تبعاتها وأبعادها، ليتسنى إقصاؤهم عن جميع أجهزة الدولة اليهودية، وليسهل سياسة التمييز ضدهم في كل مجال، وتعميق التجزئة والتمزق والتشرذم في صفوفهم ، من أجل منع تبلورهم في جماعة قومية، وحتى إبعادهم الجسدي – في حالة أن الأمر كان ممكنًا كجزء من جهاز عسكري آخر. وحقاً، جاءت عملية إلغاء الحكم العسكري البطيئة بعد أن استخلصت المؤسسة الإسرائيلية العِبَر من حرب سيناء (1956) ومجزرة كفر قاسم التي واكبتها ومن ضمنها الإدراك بأن الأقلية العربية لن تبادر إلى مغادرة البلاد.
إن التعبير الصريح عن كون الحكم العسكري جهازًا عسكريًا نشط في شؤون مدنية هو أن ضابطًا بدرجة عميد كان رئيسًا للحكم العسكري في هيئة الأركان العامة، وفي الوقت ذاته رئيسًا لقسم الحكم العسكري في وزارة الأمن. وقد كان هذا الضابط، في وظيفته المدنية، ملحقًا برئيس الأركان، وفي وظيفته المدنية ملحقًا بوزير الأمن.
في سنة 1959 صرح مستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية أنه في سنة 1949 كان المواطنون العرب «مرتبكين، معزولين، منقسمين ومذعورين». وعلى العكس تمامًا من هذا الوصف، فإن الركيزة المبدئية والجماهيرية والسياسية للحكومة، عند إنشائها واستمرارها في تنفيذ الحكم العسكري، كانت الادعاء بأن هؤلاء المواطنين يشكّلون خطرًا أمنيا على وجود الدولة اليهودية. وقد قُبل هذا الادعاء على انه صحيح وواقعي وتعرّض إلى نقد بسيط. مع هذا، فمنذ سنوات الدولة الأوائل طُرحت على مستوى الجماهير الإسرائيلية، في الكنيست وفي قيادة حزب مباي، انتقادات وتحفظات عن طابع الحكم العسكري ومهماته وحتى عن الحاجة إلى وجوده. ولذا، فإنه منذ إقامته قام موظفون معينّون ولجان بفحص نجاعته، وأُحدثت فيه تغييرات جوهرها تقليص المساحة التي كانت تحت سيادة الحكم العسكري.
لكن، على الرغم من أن الاحتجاج البرلماني والشعبي ضد مجرد وجود الحكم العسكري ازداد حدّة منذ نهاية الخمسينيات، إلا أن الجهاز العسكري للحكم لم يُلغ في حينه بسبب تعريف راسمي السياسة الأمنية للدولة، وعلى رأسهم من كان حتى 1963 رئيسًا للحكومة ووزيرًا للأمن، دافيد بن غوريون، لمهمة الحكم. هذه القيادة أمسكت (حتى 1965) بزمام الحكم العسكري كأداة أساسية لتحقيق السيطرة على العرب، وإقصائهم عن الأجهزة السياسية وتنفيذ مشروع تهويد وعبرنة البلاد، وأحيانًا حتى بشكل أساسي، كوسيلة ردع للخارج. وهكذا، فإن استمرار وجود الحكم العسكري جاء ليبرهن للدول العربية أن حكومة إسرائيل لا تقلص قوة الجيش الإسرائيلي، ولا تغرق في اللامبالاة، إنما تبقى متيقظة للخطر الوجودي الذي كانت معرضة له، والذي شكل الشماعة التي علقت عليها أوزار الحكم العسكري .
صحيح أن نظام الحكم العسكري تم إلغاؤه في تشرين الثاني 1966 ، ولكن موروثه من آليات عمل وسياسات وسلوكيات سلطوية تجاه المواطنين العرب ما زال يشكل الأرض الصلبة لسياسة التمييز الصارخ بحق هؤلاء المواطنين، للمحاولات الدائبة لتهميشهم وتغييبهم ونزع الشرعية عنهم، بل ترحيلهم القسري من ديارهم الذي بات طرحاً سياسيا متداولاً في ردهات السياسة الإسرائيلية.
للمقالة الأصلية اضغط هنا.
As part of its Political Participation Project, which is engaged in mapping the political tools Palestinians in Israel have used since 1948, Mada al-Carmel held a workshop on political and social protest movements
في ظل الخلافات الحادة في مواقف الأحزاب والحركات السياسية العربية حول اعادة بناء لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، والتباين في الأطروحات السياسية المختلفة، وفي ظل غياب موقف توافقي دعا العديد من مركبات اللجنة إلى صياغة مبادرة لإجراء انتخابات مباشرة. هذا ما اتضح خلال ورشة العمل التي أقامها مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية. وقد برز خلال ورشة العمل مدى انعكاس المواقف الأيديولوجية للأحزاب والحركات السياسية على مواقفها التنظيمية من لجنة المتابعة: تنظيمها ومستقبلها. يذكر أن مركز مدى الكرمل كان قد عقد ورشة عمل تحت عنوان "لجنة المتابعة: النشأة والأطروحات السياسية حول إعادة بناء وتنظيم اللجنة"، وذلك ضمن مشروع المشاركة السياسية للفلسطينيين في اسرائيل منذ عام 1948 يهدف إلى دراسة أدوات العمل السياسي للمواطنين الفلسطينيين.
في بداية الورشة أستعرض السيد محمد زيدان، رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، تاريخ نشأة وتطور فكرة إقامة لجنة المتابعة، تأسيسها وتطورها. في بداية حديثه أشاد السيد زيدان بأهمية البحث الآكاديمي ودوره في تطوير عمل لجنة المتابعة، ثم استعرض المحطات المختلفة في تاريخ الفلسطينيين في إسرائيل منذ عام 1948 وحتى اليوم، متوقفا عند نقاط مفصلية مثل يوم الأرض وهبة أكتوبر 2000.
"في عام 1975 تم تأسيس أول جسم رسمي عربي هو اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، وقبل ذلك كانت لجنة الدفاع عن الأراضي، بعدها نشأت فكرة تأسيس لجنة المتابعة. اللجنة القطرية، في حينه، لم تعكس تطلعات الجمهور العربي وكانت مواجهات حادة داخل اللجنة فيما يتعلق بقرار يوم الأرض. القرار حول الإضراب حسم من قبل الجماهير التي احتشدت خارج المبنى مطالبة بالاضراب. في عام 1980 كانت بداية نشوء لجنة المتابعة كحاجة جماهيرية، وتم الاعلان عنها رسميا عام 1982، لتشكل أطارا وتطورا أعلى وأرقى وكممثل للجماهير العربية وتطلعتها"، قال السيد زيدان. وأضاف أن النقاش حول تركيبة لجنة المتابعة وتنظيمها رافقها منذ البداية وما زال مستمرا حتى الان. "حتى اليوم لم نرتق بعد لتحديد أهداف لجنة المتابعة ومسارها. يجب الارتقاء بلجنة المتابعة بحيث تشكل قيادة وطنية صادقة للجماهير العربية. كما يجب الجمع بين كونها هيئة وطنية وبين كونها هيئة تنسيقية ومظلة لجميع الحركات السياسية على اختلاف مواقفها. لذلك ثمة حاجة ضرورية للجمع بين التنسيق في المواقف وبين التمثيل القومي"، شدد السيد زيدان. كما دحض خلال استعراضه فكرة أن لجنة المتابعة أقيمت بمبادرة إسرائيل مؤسساتية، فتحدث كيف ظهرت فكرة تأسيس مثل هذا التنظيم من خلال عمل لجنة الدفاع عن الأراضي وعمل اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، ونتاج لحاجة جماهيرية، وأشار الى العوائق االبنيوية في لجنة المتابعة، مثل مسألة تمثيل الاحزاب فيها، والتي تعرقل عمله كرئيس لجنة المتابعة وذلك بسبب بنيتها الحالية.
بعده تحدث السيد عبد عنبتاوي، مدير مكتب لجنة المتابعة، وقال: "نشأت لجنة المتابعة بسبب دافعين، الأول كان على خلفية أزمة السلطات المحلية في بداية الثمانينيات والحاجة لتجنيد النواب العرب في المعركة على الميزانيات؛ والثاني، وهو العامل الحاسم، كان مجزرة صبرا وشاتيلا، التي فرضت على القيادات العربية ضرورة النهوض والرقي بتنظيم قومي والربط ما بين المطلب اليومي والمطلب السياسي القومي". وأشار أن لجنة المتابعة حققت العديد من الانجازات وأنها حاجة ضرورية للمواطنين العرب. "لكن، رغم هذا التطور، هنالك غياب للارادة الحقيقية من قبل بعض القيادات كي نرتقي بهذه المؤسسة. كما أن العلاقات بين الأحزاب العربية، والعلاقات الداخلية، تنعكس سلبا على أداء لجنة المتابعة"، أضاف السيد عنبتاوي. كما أشار إلى أن الابحاث المتوفرة لم تنجح حتى الان في إحداث حالة وعي لدى الجماهير والقيادات العربية. صراعنا مع المؤسسة الصهيونية يحتاج إلى أدوات مهنية تندمج مع التطلعات القومية.
أما السيد رجاء اغبارية، رئيس حركة أبناء البلد، فقال ان "التصادم الفكري في برامج الأحزاب والحركات السياسية هو الذي يعيق انتخاب لجنة المتابعة بطريقة مباشرة. لقد جاءت لجنة المتابعة كضرورة تنظيمية للجماهير العربية، وكل أقلية في العالم تملك حق الادارة الذاتية. حركة أبناء البلد ترى ضرورة في إجراء انتخابات مباشرة للجنة المتابعة، والتوجه العام هو نحو إنشاء برلمان عربي". أما عن سبب أعاقة تطوير عمل اللجنة وتنظيمها من جديد فقال: "هنالك سببان: الأول هو وجود أحزاب ترفض فكرة الانتخابات المباشرة، وأقصد هنا موقف الحزب الشيوعي؛ والثاني هو أن بعض الأحزاب تصرح بأنها مع الانتخابات المباشرة، ولكن ممارساتها على أرض الواقع بعكس ذك، وأقصد الحركة الإسلامية الجنوبية وحزب أحمد طيبي". كما أشار أن ألية اتخاذ القرارات داخل المتابعة والقائمة على الوفاق تشكل عائقا أمام اتخاذ قرارات هامة داخل اللجنة.
هذا وتحدث السيد إغبارية عن وجود مجموعة من الأحزاب والحركات السياسية (والتي اطلق عليها مجموعة الستة) التي تعمل على إعداد مشروع لإعادة بناء لجنة المتابعة، والعمل على إجراء انتخابات مباشرة حتى في ظل غياب قرار رسمي.
بعده استعرض السيد عوض عبد الفتاح، الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، موقف حزبه من لجنة المتابعة، وقال أنه يجب الربط بين تطوير لجنة المتابعة وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الواقع الإسرائيلي لا يسمح بالانفصال، ولكنه لا يسمح بالاندماج أيضا". ثم أشار إلى أن مشروع إعادة بناء لجنة المتابعة يُطرح على أساس الانفصال النسبي عن المركز الإسرائيلي مع الحفاظ على نوع من الارتباط. "لجنة المتابعة في وضعها الحالي لا تمثل هيئة وطنية، حيث أن مركباتها إسرائيلية، بمعنى أن النواب المندوبين ينتخبون إما عن طريق الكنيست وإما عن طريق السلطات المحلية. حاليا هي هيئة تنسيق بين الأحزاب ويجب تحويلها إلى مؤسسة وطنية. الانتخاب المباشر من قبل الشعب هو الذي يمنحها الصفة التمثيلية الوطنية"، قال السيد عبد الفتاح. كما قال أن على لجنة المتابعة، وبعد تحويلها إلى مؤسسة وطنية منتخبة، السعي للحصول على اعتراف رسمي بها، والعمل على إنشاء مؤسسات وطنية وتأسيس صندوق قومي لتمويل نشاطاتها. وأكد أنه "حتى في وضعها الحالي، فإن للجنة المتابعة أهمية رغم هشاشتها، فهي تقوم بدور معنوي هام".
"نحن ندرك ان الانتخابات المباشرة للجنة المتابعة قد تتحول إلى مشروع صدامي مع المؤسسة الإسرائيلية، لذلك يجب تحويل ذلك إلى مشروع نضالي. نحن نتحدث عن مشروع طويل الأمد من الضروري البدء بالتحضير له وتعبئة الجماهير"، قال السيد عبد الفتاح.
وعن موقف الحركة الإسلامية الشق الجنوبي فقد تحدث السيد منصور عباس، رئيس الادارة العامة للحركة، فقال ان الوضع الحالي في لجنة المتابعة يعكس الأزمة التي يعاني منها المجتمع العربي في الداخل. وعن موقف الحركة من إعادة بناء لجنة المتابعة قال: "الموقف المبدئي للحركة الإسلامية هو مع إعادة بناء وهيكلة لجنة المتابعة، بما في ذلك الانتخابات المباشرة. نعم هناك بعض الارباك داخل الحركة في هذا الخصوص، وذلك بسبب وجود عدة وجهات نظر من هذه القضية. نحن نعتقد أن الأولوية يجب أن تكون للقضية الفلسطينية في الضفة الغربية، قطاع غزة والشتات، وخاصة أن وضعنا المعيشي في الداخل أفضل من وضع بقية شعبنا. نحن جزء من هذه القضية وعلينا مراعاة الأولويات".
كما قال السيد عباس أن الانتخابات المباشرة للجنة المتابعة قد تكون الخطوة السليمة ولكن ليس من الضرورة ضمان نجاحها. وعلينا أن نفكر كيف سندير اللجنة المنتخبة، وهل الانتخابات المباشرة والخلافات بين الأحزاب ستؤدي مثلا إلى شل عمل اللجنة كليا في ظل غياب التوافق.
ثم تحدث السيد صالح لطفي، عضو المكتب السياسي للحركة الإسلامية الشق الشمالي، وقال أن الحركة الإسلامية تتفق على ضرورة إعادة بناء وتشكيل لجنة المتابعة من خلال انتخابات مباشرة، وعلينا البدء بعملية تثقيف سياسي يؤسس لحالة جديدة في مجتمعنا. ثم قال ان الفلسطينيين في الداخل يختلفون عن كل أقلية أخرى في العالم "فنحن هنا أصحاب الحق الشرعي؛ نحن تحولنا إلى أقلية قصرا؛ تطورت بيننا كمجتمع فلسطيني وبين المؤسسة الإسرائيلية علاقة خاصة، حيث يتم التعامل معنا كخطر استراتيجي، ونحن بدورنا طورنا حالة مقاومة خاصة".
هذا وأشار السيد لطفي إلى أن الحركة الإسلامية ترفض وتكفر في الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون في الداخل، وانها ترفض مفاهيم مثل الأزمة الاقتصادية، حيث أنه وبتوفر القيادات المخلصة والزاهدة يمكننا نقل مجتمعنا إلى حالة مميزة. "الضغط أما أن يولد الانفجار، وإما أن يولد الابداع. لذلك يجب أن لا نخشى المواجهة"، قال السيد لطفي. ثم أستشهد بعدة قواعد شرعية التي تفسر موقف الحركة الإسلامية من الانتخابات المباشرة للجنة المتابعة وتشكيلها كهيئة تمثيلية عليا.
هذا ولم يُطرح خلال الورشة موقف الجبهة الدمقراطية للمساواة من لجنة المتابعة بسبب تغيب ممثل الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي كان من المفترض أن يشارك في الورشة.