استضاف مدى الكرمل – المركز العربي للدارسات الاجتماعية التطبيقية، د. آمال بشارة من جامعة تافتس في بوسطن، في محاضرة حول تعامل وكالات الإعلام العالمية مع ظاهرة كتابة الشعارات والرسومات على جدار الفصل العنصري. والمحاضرة هي جزء من بحث شامل أجرته د. بشارة عن دور الصحافة العالمية في الضفة الغربية. استعملت بشارة في بحثها وسائل من علم الإنسان، حيث لم تكتفي بتحليل النصوص والمواد الإعلامية، بل حاولت البحث عن العلاقة بين المجتمع والإعلام، والعلاقة بين العمل الصحفي والعمل السياسي. "تصوير الوكالات العالمية مهم جداً بسبب التغطية الواسعة لجدار الفصل من خلال الصوّر. ففي الفترة ما بين 2003-2005 كان بالإمكان مشاهدة مقالة واحدة في الصحافة العالمية عن الجدار، لكن وفي نفس الوقت كان هناك الكثير من الصور التي تنشر أسبوعيا".

يذكر أن د. بشارة هي بروفيسور مساعدة في دائرة الانتروبولوجيا في جامعة تاقتس، وهي متخصصة في مجالات الإعلام والصحافة عامة والصحافة في الشرق الأوسط على وجه التحديد، وفي آليات صناعة المعرفة، والديمقراطية وإثنوغرافيا المكان. أجرت أبحاثاً عدة عن الإعلام الفلسطيني في الأراضي المحتلة، ونشرتها في العديد من المقالات.

استهلت محاضرتها في سرد حادثة من شتاء عام 2004 في أبو ديس خلال محاكمة لاهاي ضد الجدار حين انطلقت من المكان مظاهرة احتجاجية، حيث توجهت فتاة في الثانية عشر من عمرها إلى الجدار وكتبت عليه بالانكليزية "أطفال ضد الجدار" فالتف حولها خمسة مصورين أجانب ليوثقوا ما كتبته. "في تلك اللحظة جسدت الطفلة للصحافيين صورة مثالية سلمية لمستقبل الشعب الفلسطيني. لقد عبرت بطريقة واضحة وباللغة الانكليزية عن أفكارها. قدمت هذه الطفلة للصحافيين مادة إعلامية جاهزة للتصوير. لكن ثمة تناقض واضح بين ما كتبته وبين السياق السياسي المحيط بمدينة أبو ديس. فقد ظهر ما كتبته الطفلة كشعار انتخابي في واقع لا توجد فيه انتخابات حرة ونزيهة بسبب الاحتلال. كما ظهر وكأن الفتاة توجه رسالة للذين أقاموا الجدار، لكننا نعرف أن الإسرائيليين لا يكترثون عادة لما يقوله الفلسطينيون،" قالت بشارة.

ثم تناولت باقتضاب تاريخ كتابة الشعارات على الجدران في فلسطين وارتباط ذلك بمقاومة الاحتلال، مبينة اختلاف السياقات في الفترات المختلفة. وأوضحت بشارة أنه وخلال الانتفاضة الأولى كانت الشعارات تلعب دوراً إعلاميا ووسيلة للتواصل، وخاصة في ظل إغلاق الصحف الفلسطينية من قبل سلطات الاحتلال وفي ظل غياب المحطات الإعلامية المحلية. وفي حينه حاول جيش الاحتلال محاربة هذه الظاهرة، مما وضع كاتبو الشعارات تحت الخطر. أما في هذه الفترة فجيش الاحتلال لا يتدخل في كتابة الشعارات على الجدار، حتى اصبح جدار الفصل العنصري يشكل لوحة إعلامية سياسية هامة لبعض الفلسطينيين، وكذلك للكثير من المتضامنين الأجانب. "لكن ما معنى حرية التعبير في ظل الاحتلال؟ إسرائيل تبني الجدار وتسمح في ذات الوقت للفلسطينيين الكتابة عليه،" تساءلت بشارة.

كما توقفت د. بشارة خلال محاضرتها على ظاهرة استعمال بعض المتضامنين الأجانب والإسرائيليين الكتابة والرسم على جدار الفصل. وقالت صحيح أنه وفي بعض الأحيان يعبر الأجانب عن رفضهم للاحتلال بطرق أوضح بسبب معرفتهم بالإعلام الغربي، لكنهم لا يعلمون الكثير عن معنى الحياة تحت الاحتلال وعن التجارب اليومية للفلسطينيين في ظل الاحتلال. لذلك فإن كتاباتهم على الجدار لا تعكس عادة واقع الاحتلال أمام الرأي الدولي العام،" قالت د. بشارة، وقدمت نموذجاً عن ذلك شعار "السلام يأتي من الاتفاقيات وليس من الفصل" الذي كتبه أحد المتضامنين الأجانب، حيث لا يعبر هذا الشعار عن واقع الاحتلال. كما قالت بشارة إن الفلسطينين يستعملون الجدار للتأكيد على حقوقهم، فهم يكتبون مثلاً "القدس لنا"، "نحن في القدس للأبد" أو "الحرية لأسرى الحرية"، لكن الوكالات الأجنبية لا تصور هذه الشعارات.

استعرضت د. بشارة خلال محاضرتها المواقف الفلسطينية المختلفة من الكتابة على جدار الفصل بين الموافقة والمعارضة. "قال قيادي من بلعين إن الورد الذي يرسمونه على جدار الفصل ليس أجمل من شجر الزيتون الذي اقتلعوه لناء الجدار… الفلسطينيون لا يريدون هذا الانتصار الزائف الآتي من الرسم على الجدار. فالجدار باق حول بيوتهم،" قالت بشارة. 

"أنا مسرورة جداً وفخورة لمشاركتي بهذا الحدث مع مركز مدى الكرمل، عدالة وأندلس للنشر – هذه المؤسسات التي تقاوم يومياً الفصل والعنصرية بأشكال مختلفة، بحثية وقانونية، أو عبر النشر والترجة كفعل مقاومة"، هكذا افتتحت الناشطة والصحافية نوعمي كلاين محاضرتها في مسرح الميدان في حيفا، حول مقاطعة إسرائيل. وكان مدى الكرمل، المركز العربي للدارسات الاجتماعية التطبيقية، بالتعاون من مركز عدالة ودار أندلس للنشر، قد استضافوا أمس (الأربعاء) الناشطة والصحافية والكاتبة الكندية نوعمي كلاين، في ندوة حول المقاطعة بمناسبة صدور كتابها "عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث" في اللغتين العربية والعبرية. وقد حضر الندوة المئات من المهتمين العرب واليهود، حيث لم تتسع القاعة الكبرى لهذا الحشد الكبير الذي حضر من مناطق مختلفة. شددت كلاين خلال محاضرتها على أهمية فرض المقاطعة على إسرائيل والمؤسسات التي تدعم الاحتلال والفصل العنصري لإجبار إسرائيل بالالتزام بجميع القرارات الدولية وتطبيقها بما فيها حق العودة، كما قالت إن حل الدولة الواحدة يجب أن يؤخذ بالحسبان وإن أهل البلاد هم من سيقررون ذلك.

إفتتح الندوة البروفيسور نديم روحانا، مدير عام مدى الكرمل، فرحب بالحضور، وأشار أنه تم العمل على مشروع الندوة منذ نحو عام بالتنسيق مع ياعيل ليرر صاحبة دار أندلس للنشر التي ترجمت كتاب نوعمي كلاين وأصدرته. "إن حضور نوعمي كلاين إلى حيفا بالتنسيق مع مدى الكرمل وعدالة هو إستمرار لموقفها المثابر والشجاع، وتحليلها الثاقب". وذكر بورفيسور روحانا بأن السيدة كلاين كانت قد أعلنت تأييدها لمقاطعة إسرائيل، وأن الحديث هو عن مقاطعة المؤسسات وليس مقاطعة الإسرائيليين كأفراد. لذلك قال "نرحب بالمشاركين الإسرائيليين وندعوهم لحضور برامجنا والاستماع إلى وجهة نظر مختلفة عن وجهات النظر الرسمية والتقليدية"، وذكّر بروفيسور روحانا بأن السيدة كلاين كانت قد كتبت أن إسرائيل تمارس الأبرتهايد وأنه من خلال المقاطعة يمكن خلق ديناميكيات شبيهة بتلك التي أدت إلى إسقاط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

بعده تحدثت المحامية عبير بكر عن مؤسسة عدالة. فتحدثت عن نظام الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل. تناولت بكر في كلمتها موضوع لم الشمل وكيف تعمل إسرائيل على الفصل بين الزوج وزوجته وبين الأهل وأولادهم بحجج "الأمن". وقالت إن ما يسيّر إسرائيل في تطبيق القوانين الدولية وقوانينها الداخلية هو الأيديولوجية الصهيونية وسياسات الأمن، التي تلعب دوراً حاسماً داخل المحاكم الإسرائيلية. كما تحدثت عن الأسرى الفلسطينيين وكيف يتم حرمانهم من أبسط الحقوق، حتى من مجرد لمس أطفالهم، بينما يستطيع قاتل مثل يغال أمير من الانجاب داخل السجن وإحتضان أولاده. وتحدثت عن نظام الفصل العنصري بما فيه الفصل العنصري الثقافي وكيف تفصل إسرائيل بين المجموعات الفلسطينية المختلفة.

ثم تحدثت كلاين فقالت إنها لن تقدم مداخلة تقليدية عن كتابها، "لقد كنت في أيام إستثنائية في غزة، وأنا فعلاً محظوظة بتمكني من دخول غزة، وخاصة أن العديد من أهلها المتواجدين في الخارج محرومون من الدخول إليها ومساعدة أهلهم المرضى وزيارة أقاربهم. حتى الصحفيون محرومون من دخول غزة ويُمنعون من القيام بواجبهم وكتابة التقارير عما يحدث في غزة". وقالت إن العنف الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين ليس بجديد لكن ما يحدث مؤخرا هو الأعنف منذ النكبة. ثم قامت بسرد بعض ما شاهدته في غزة ونقلت بعض أصوات الفلسطينيين الذين التقت بهم في غزة التي زارتها بداية الأسبوع. "كنت أنا وزوجي قد التقينا محمد سراب في مزرعته. وقصته معروفة، فقد كان يقود سيارته مع ولديه عندما فتح عليه الجنود النار دون سبب فأصابوه وولديه بجراح خطيرة. توسل محمد للجنود بمساعدته على انقاذ ابنه قسام الذي أصيب بصدره، معتقداً أن الجنود أطلقوا الرصاص بالخطأ، لكنهم رفضوا المساعدة. طلب محمد سيارة إسعاف لكنها لم تتمكن من الحضور إلى المكان بسبب الحواجز، وبعد انتظار نحو 12 ساعة توفى إبنه قسام بين يديه. وهو الأن يقاوم الجنون عن طريق الكتابة. وبما أن الورق غير متوفر في غزة بسبب الحصار فهو يكتب على قصاصات ورق دافتر باربي الصغيرة".

بعدها تحدثت عن المقاطعة وقالت إن أهم سبب لدعمها للمقاطعة هو "ليس فقط إرغام إسرائيل على تطبيق القرارات الدولية وإنهاء الإحتلال، بل الحفاظ على إنسانيتنا وعدم تطبيع الموت، وعدم تحويل غير الطبيعي إلى طبيعي. فيجب عمل كل شيء لتغيير هذا الوضع. فإذا رفضنا هذا التطبيع بشكل جماعي عندها يمكن أن نغيّر هذه الديناميكية". وأشارت إلى أن المقاطعة لا تعني مقاطعة الكتاب والآكاديميين، بل مقاطعة المؤسسات الآكاديمية والإقتصادية. وهذا لا يعني عدم زيارة إسرائيل، بل زيارتها بهدف دعم الفلسطينيين وليس التعاطف مع إسرائيل.

"أنا لا أطلب من الإسرائيليين مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. لكن لنتذكر عمل الطلاب على حث جمعاتهم بمقاطعة صناديق الإستثمارات التي تتعامل مع جنوب أفريقيا. أي أنه يجب مقاطعة تلك المؤسسات التي تساهم في نظام الفصل العنصري والإحتلال"، قالت كلاين. كما أشارت إلى الربح المادي الذي تجنيه إسرائيل من الإحتلال، وأشارت إلى العلاقة الوطيدة بين الجيش والدولة وصناعة الأسلפة. "هذا الثالوث يعلن عن حرب غير نهائية. ويدعي إلى حرب مستمرة ويحول سياسات الأمن إلى قطاع إقتصادي ربحي".

في نهاية كلمتها قالت إن شابا فلسطينيا قال لها: نحن لا نريد المقاطعة، بل نريد محاكمة إسرائيل التي ترتكب جرائم حرب. "الفلسطينيون يستحقون ما هو أكثر من المقاطعة، فهم يستحقون العدالة. ولكن حالياً يجب فرض المقاطعة حتى تلتزم إسرائيل بجميع القرارات الدولة بما فيها حق العودة"، قالت كلاين. بعد المحاضرة دار نقاش بين الجمهور تركز حول المقاطعة. ثم قامت كلاين بالتوقيع على النسخة العبرية لكتابها التي بيع منها أكثر من مائة نسخة، خلال الندوة.

استضاف برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل بالتعاون مع برنامج المشاركة السياسية في نهاية الأسبوع الماضي النائبة حنين زعبي والبروفيسور نهلة عبدو في ندوة حول المشاركة السياسية للنساء في مواقع صنع القرار. وكان من المفترض أن تشارك في الندوة السيدة عايدة توما لكنها اعتذرت في اللحظة الأخيرة. وقد أدارت الندوة وافتتحتها السيدة أريج خوري-صباغ الباحثة في مركز مدى.

ركّزت البروفيسور نهلة عبدو مداخلتها حول سؤال: ما هي خصوصية مشاركة المرأة الفلسطينية في السياسة، وهل ثمة ما يميّز المرأة في مواقع صنع القرار؛ كما تناولت مسألة ما الذي يمكن عمله من أجل توسيع رقعة المشاركة السياسية للمرأة. "الوضع الحالي لمشاركة المرأة ما زال مقتصراً على النخبة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن توسيع هذه المشاركة وتمكين قطاعات أوسع من النساء؟" قالت البروفيسور عبدو. ثم استعرضت تجربة النساء الفلسطينيات في مناطق ال-67 وتجربة الفلسطينيات في الداخل، من خلال مقارنة ذلك بتجارب النساء في أفريقيا. وأشارت إلى أن التحول الحاصل في هذا المجال في المناطق المحتلة عام 67 هو نتاج نضال الحركات النسوية هناك بالإضافة إلى الضغوطات الخارجية مثل ضغوطات الدول المانحة التي وضعت شروطا سياسية واجتماعية لتمويل السلطة الفلسطينية، وذكرت وجود خمس وزيرات فلسطينيات في الحكومة الحالية. وأشارت إلى أن جميعهن مناضلات ودخلن السجون الإسرائيلي، وإنها تتوخى منهن حمل الخطاب النسوي والتأثير وليس فقط الاهتمام بالشكليات. لكنهها شككت في شرعية الحكومة المعينة وخاصة أن التعيينات اقتصرت كلها على تيار سياسي واحد. "نحن نتحدث عن حكومة فلسطينية معينة، بدون دولة وبدون سيادة، أو سيطرة على الأرض أو على الجو. هذه وزارات شكلية لا يوجد لها تأثير هام على الواقع، وهناك علامة سؤال حول مدى شرعية هذه التعيينات، وحول العلاقة بين النسوية وبين المشاركة النسوية في مثل هذه المناصب،" قالت عبدو.

بعدها تناولت تجربة المشاركة السياسية للنساء في أفريقيا التي وجدتها شبيه بالتجربة الفلسطينية، ثم تعرضت لتجربة النساء في الداخل. "لموقع المرأة الفلسطينية في الداخل عمق وأبعاد مختلفة، بسبب الواقع المعقد ويهودية الدولة. فنحن شعب أصلاني تحول إلى أقلية في دولة كولونيالية، مما يحتم علينا خوض النضال القومي ضد العنصرية وضد الكولونيالية،" قالت عبدو.

بعدها تحدثت النائبة حنين زعبي حيث استعرضت تجربتها القصيرة نسبيا في الكنيست، وقالت إن الصعوبة التي تواجهها من خلال العمل البرلماني تعود إلى كونها عربية أكثر من كونها نسوية، وإن حمل الخطاب النسوي داخل البرلمان أسهل بكثير من حمله داخل الأحزاب. " فالنسوية داخل الحزب تفرض علينا المواجهة مع قيم المجتمع وثقافته، بينما يقتصر العمل النسوي داخل البرلمان على أمور مطلبية وتوفير الخدمات وخاصة في مجال العمل. والمواقف السياسية في البرلمان تتعلق بالحقوق القومية وليس بالخطاب النسوي. فنحن لسنا في لجنة المتابعة ولسنا بصدد تشكيل رأي عام عربي. كما أنه لا يوجد خطاب نسوي مشترك مع النساء اليهوديات في الكنيست، فهؤلاء يحملن خطابا صهيونيا مثل خدمة النساء في الجيش،" قالت زعبي، ثم أضافت: "العمل في البرلمان هو عمل غير نخبوي، فلا يمكن رفع أي قضية داخل البرلمان دون العمل الميداني وربط الموضوع بالهموم اليومية للنساء. العمل البرلماني يفرض التواصل الدائم والمكثف مع النساء في الحقل."

ثم أشارت إلى ظاهرة تشكيل اللجان الشعبية في العديد من القرى العربية رداً على حل السلطات المحلية وتعيين لجان لإدارة هذه السلطات. "اللجان الشعبية ليست طائفية أو عائلية، ونظريا هي مفتوحة أكثر أمام النساء. علينا استغلال هذا الوضع لتغيير معايير الانتخابات في السلطات المحلية العربية. نشوء هذة اللجان يفتح أفقا أوسع للعمل السياسي الميداني وتسييس عمل السلطات المحلية. أي، أفقا لكسر المعايير الطائفية والعائلية،" قالت النائبة زعبي. كما قالت إن وجود امرأة عربية قومية في البرلمان يشجع نساء غير حزبيات على دخول الحقل السياسي.

بعد المداخلتين دار نقاش حول حدود المشاركة السياسية للنساء، خصوصية مشاركة المرأة في السياسة والقيمة المضافة التي قد تجلبها النساء وغيرها.

استضافت كل من جمعية السوار وبرنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل الدكتورة منار حسن في محاضرة لها تحت عنوان "في حضرة المغيبات: الحاضرة (المدينة) الفلسطينية ونساؤها والحرب على الذاكرة" وذلك في لقاء تكريمي لها بمناسبة حصولها على شهادة الدكتوراه في موضوع المحاضرة. أقيم اللقاء في مقر جمعية السوار في حيفا يوم الخميس 25 حزيران.

افتتح اللقاء بكلمات تهنئة للباحثة وترحيب بالضيوف من الأطر الداعية، تلتها محاضرة الباحثة حسن والتي استعرضت خلالها بعض جوانب المدينة الفلسطينية قبل هدمها عام 48، حيث ادعت أن هذه المدينة قد غيبت في حيزين: الجغرافي والذاكرة. كما وأشارت حسن إلى انه رغم أهمية دور الأبحاث إلا أن بعض المعرفة ستبقى أبدا محدودة، لأن المدينة دمرت ولم يبق منها إلا شظايا وفتات حاولت تجميعها لتبين صورة لما كان. كما حاولت خلال المحاضرة أن تتعرض لتأثير تدمير المدينة على مكانة المرأة وعلى العلاقات الجنوسية.
أشارت بداية إلى انه من ضمن احد عشر مدينة فلسطينية بينها ثلاث مدن مركزية، لم يبق إلا مدينة واحدة. وبعد تدمير المدن تمت عملية ما أسمته بالترييف. الأمر الذي استأصل المدينة واثر على النسيج الاجتماعي.

كما وإدعت انه فقط في العقد الأخير من القرن العشرين ونتيجة لتراكمات معينة ، بدأت تظهر شرائح مدينيه على هامش المدينة اليهودية أدت إلى تحولات اجتماعية منها ما كان أيضا على صعيد مكانة المرأة والعلاقات الجنوسية. ولكنها أضافت أن هذه التحولات لا تلغي الحالة الوجودية من غياب المدينة وهو وضع يشكل حالة فريدة في التاريخ الحديث. ادعت حسن أن المدينة عامل هام في حدوث التغييرات ففيها نشوء القومية وفيها تبدأ تحولات العلاقات الجنوسية لان الحركة النسوية تنشأ في المدينة. إضافة إلى ظواهر ثقافية أخرى كالفن التشكيلي والرواية. هذه المدينة برأيها لم يغيبها فقط التأريخ الصهيوني وإنما التأريخ الفلسطيني لغاية منتصف التسعينات.

خلال استعراضها لبعض جوانب المدينة الفلسطينية قبل 48 قالت حسن مثلا، أن مجمل الصحف التي صدرت في فلسطين آنذاك كانت 206 صحف. إضافة لدور السينما والمسارح والنوادي الثقافية. وداري إذاعة ومقاه ومراقص وحدائق عامة وكذلك نقابات عمالية وتنظيمات نسوية وكل هذه الاحيزة اختفت. حسن تضيف أنها ترى هذه المدينة من خلال أعين نسائها اللواتي عشن مدينة ما قبل ال48 واللواتي قابلتهن أو راجعت ما كتبنه للصحف والمجلات، فتقول مثلا أن قضايا المرأة كانت متناولة بشكل كبير فأشارت إلى بعض الأسماء النسائية الهامة كالكاتبة والمفكرة فكرية صدقي من يافا، التي طرحت نقاشات هامة في الصحف حول مكانة المرأة كالعلاقات بين الجنسين والدين والدولة والزواج والطلاق، وساذج نصار التي حررت صحيفة الكرمل لمدة أربع سنوات. هذه الفضاءات إضافة إلى أفعال شخصية أخرى مثل خلع النقاب، أدت إلى خلق نقاشات حادة وعارمة حول مكانة المرأة والعلاقات بين الجنسين، وقد كانت مساهمة الرجال أيضا في هذه النقاشات كبيرة ولم تقل عن مساهمة النساء.  أشارت أيضا إلى ظاهرة الجناكي وهي ظاهرة مرتبطة بالطبقة الدنيا من نساء عملن كراقصات أو مغنيات أو عازفات، هؤلاء النساء حصلن من خلال عملهن على استقلال اقتصادي وحيزي. وكانت ظاهرة انتقال نساء للسكن في مدن والاستقلال بالسكنى من اجل العمل كالمعلمات مثلا ظاهرة مقبولة، خاصة العزباوات اللواتي كن ينتقلن من قراهن أو داخل المدينة للسكن.

خلال النقاش طرحت بعض الأسئلة والملاحظات فمع التأكيد على أهمية تأريخ هذا الجزء من حياة الشعب الفلسطيني قبل النكبة سُأِلت الباحثة لماذا الاحتفاء بالمدينة ؟ خاصة وان دخول الحداثة وما واكبه من رأسمالية وإفقار أدى إلى اختلاف شاسع بين الريف والمدينة، وكما وتم التساؤل هل نتحدث عن فروقات بين المدينة والقرية أم نفاضل بينهما لصالح المدينة؟. أشارت حسن إلى أن استحضار المدينة هام لان الحيز المديني برأيها عامل مؤسس للعديد من الظواهر الاجتماعية التي لا يملك أن ينتجها الحيز الريفي، وهذا يفسر كون وضعنا متدنيا أكثر من العالم العربي أو المناطق الفلسطينية التي احتلت عام 67 ولم تهدم مدنها. وقالت أيضا انه بسبب غياب المدينة فجزء منا ذوت كثيرا من الأساطير حول "تمدننا" بفضل إسرائيل.

"يسعدني أن أنقل إليكن تجربتنا النسوية في كندا وأشارككن قضايانا، وفي نفس الوقت التعلم من تجربتكن هنا في فلسطين. فثمة العديد من أوجه الشبه بين هنا وهناك من ناحية السياق التاريخي، وهنالك بعض أوجه الاختلاف. فأيضا كندا هي دولة استعمارية استيطانية وعنصرية، قامت على معاداة السكان الاصلانيين (الهنود الحمر المعروفين باسم شعب أبورجينال) وسلبهم".هكذا افتتحت البروفيسور سونيرا طوباني محاضرتها أمام العشرات من الناشطات النسويات, في اليوم الدراسي الذي عقدته جمعية نساء ضد العنف وبرنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل , أمس الأربعاء , تحت عنوان " النسوية المناهضة للعنصرية ".

والبروفيسور طوباني هي محاضرة في برنامج الدراسات النسوية ودراسات النوع الاجتماعي في جامعة UBC في كندا. تناولت في العديد من الأبحاث مواضيع العولمة، المواطنة، الهجرة، العنصرية وعلاقات النوع الاجتماعي. كما نشرت العديد من المقالات في دوريات ومجلات عالمية متخصصة في قضايا النساء، دراسات النوع الاجتماعي، اللاجئين والقانون.

وكانت افتتحت الندوة وأدارتها السيدة عايدة توما – سليمان مديرة جمعية نساء ضد العنف، فأشارت إلى أن عقد اليوم الدراسي يأتي ردا على ازدياد ظواهر العنصرية في ضد الفلسطينيين في المجتمع الإسرائيلي وتحولها إلى نهج روتيني ويومي , مؤكدة أن هذه نتيجة قد تكون حتمية في نظام مثل المسيطر في إسرائيل والمبني على الأثنوقراطية وتفضيل مجموعة من المواطنين على مجموعة أخرى، نحن الفلسطينيين. وأضافت توما- سليمان بأن النضال النسوي الذي تخوضه النسويات الفلسطينيات داخل إسرائيل له اشكالياته وكثيرا ما يصطدم هذا النضال بظواهر عنصرية داخل الحركة النسوية الإسرائيلية , وذكرت بعض النماذج.
وتركزت البروفيسور طوباني في محاضرتها بالحديث عن السياق التاريخي للسكان الأصلانيين في كندا وعن كيفية بناء "الأمة" الكندية على أساس عنصري وكولونيالي. وقالت إن النقاش المعاصر حول كندا، تعريفها وماهيتها يدور عبر خطاب عنصري. ثم تطرقت إلى النسويات البيض في كندا وقالت "صحيح إنهن (النسويات البيض) يعانين من العنصرية كما النساء الأصلانيات، إلا أن العنصرية لا تشكل عقبة أمامهن، بل إنهن استفدن من العنصرية الكندية ضد شعب أبورجينال وضد النساء الأصلانيات، واستفدن من الأرض المسروقة. نحن لا نتحدث هنا عن التاريخ والماضي، والعنصرية في كندا ليست من عداد الماضي، بل تتم إعادة إنتاج هذا الواقع يومياً . فنحن نتحدث عن مجتمع استعماري استيطاني قام على أسس العنصرية ضد السكان الأصلانيين".
خلال محاضرتها ذكرت طوباني العديد من الأمثلة الشخصية عن معاناة النساء من أصول أسيوية من العنصرية الكندية بشكل يومي، فذكرت أنها سكنت في عدة مناطق في كندا وعندما كانت تسجل ابنتها في المدرسة كانوا يطلبون منها في كل مرة جواز السفر وشهادة ميلاد البنت، وهو ما لا يطلب من البيض بتاتا. كما ذكرت إنها تدرس في الجامعة مع العديد من الزملاء المهاجرين، ودائما تٌسأل من أين هي بينما لا يتم طرح هذا السؤال على زملائها المهاجرين البيض.

ركزت البروفيسور طوباني خلال محاضرتها على دور النسويات البيض في كندا، وأشارت إلى أن نظريتهن النسوية قامت بسبب تجربتهم المختلفة على أسس عنصرية. فالنساء (والنسويات) البيض يعملن في مؤسسات الدولة وتم التعامل معهن تاريخيا على أنهن موّلدات للأمة الكندية الجديدة، وانه عندما هاجرن إلى كندا كن قد حصلن على ظروف حياة حتى أفضل مما كان لديهن. "لقد تم التعامل معهن على أنهن أمهات الأمة الجديدة. وهن لم يناضلن من أجل أهداف مشتركة مع النساء الأصلانيات، بل ناضلن من أجل أهداف مشتركة مع الرجال البيض. لذلك كن وما زلن جزء من إنتاج العنصرية ضد السكان الأصلانيين. هؤلاء طالبن في حينه المشاركة في الحرب على أفغانستان مثل الرجال البيض، ويرفضن التعامل مع سياسات الهجرة كموضوع نسوي كما يرفضن التعامل مع الامبريالية كموضوع نسوي"، قالت طوباني. وتجدر الإشارة إلى أوجه الشبه العديدة بين الممارسات الكولونيالية ضد السكان الأصلانيين في كندا وبين الممارسات الكولونيالية والعنصرية الصهيونية ضد السكان الأصلانيين في فلسطين، كما تبين من محاضرة البروفيسور طوباني، مثل العنصرية والتمييز في برامج التعليم، قوانين الهجرة، وقوننة العنصرية.
بعدها تحدثت بروفيسور نهلة عبدو عن العنصرية في السياق الإسرائيلي. فأشارت إلى التشابه الكبير بين النموذجين، الكندي والإسرائيلي. وقالت إن ما قيل عن النسويات البيض في كندا وعنصريتهن ينطبق تماما على النسويات اليهوديات الإسرائيليات. ثم انتقدت الخطاب الأثني والتعامل مع السكان الفلسطينيين في إسرائيل كمجموعة أثنية كباقي المجموعات الأخرى مثل الروس والإثيوبيين وحتى الييهودي الشرقي والغربي المهاجر/ مستعمر) وقالت إن هذا الخطاب يموّه الواقع الكولونيالي العنصري للدولة، ويضع الجميع في خانة واحدة متساوية. كما تطرقت بروفيسور عبدو خلال محاضرتها إلى إشكاليات الحركات القومية بشكل عام في عدم وضوح رؤية هذه الأيديولوجية لدور الطبقة ، وبشكل اساسي في تعاملها مع النساء. فقالت إن كل مجتمع بحاجة للنساء لتوليد الأمة الجديدة وتوليد جيش هذه الأمة، فيتم التعامل مع النساء ك "أداة تفريخ". وبعد أن أكدت الفروق بين قومية الدولة الكولونيالية الإستيطانية وقومية حركات التحرر ضد الكولونيالية، أضافت "أنه ثمة إشكالية بين القومية والجنوسة. فالقومية بمؤسساتها وتنظيماتها يصيغها الرجال ويحكمونها. إذ عادة ما تستثنى المرأة من عملية صنع وأخذ القرار في تلك المؤسسات. ومن هنا تظهر العلاقة الوطيدة بين الذكورية وبين القومية. وتناولت بروفيسور نهلة عبدو إشكالية العلاقات بين النسويات الفلسطينيات والنسويات اليهوديات الإسرائيليات في ظل نظام كولونيالي وفصل عنصري وأكدت أن التعاون بين الطرفين ممكن فقط إذا كانت النسويات اليهوديات مناهضات للصهيونية ولا يعترفن بشرعية يهودية الدولة . وفي ختام محاضرتها قالت عبدو إنه يمكن إلغاء الطابع الاستعماري والطابع اليهودي والصهيوني للدولة عن طريق إقامة دولة واحدة علمانية مشتركة. وقالت إن مثل هذا الكيان يمكنه أن يزيل العديد من أشكال القمع القومي والنسوي.

ثم القت د. نادرة شلهوب- كيفوركيان مديرة برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل محاضرة بعنوان "العنصرية، النسوية، فيزياء القوة". شددت المحاضرة على ثلاثة محاور رئيسية لتحليل العنصرية والنسوية، الاول هو تأريخ العنصرية لتفكيكها وفهمها، الثاني تحليل السياق الفلسطيني وتأثيره على ادوار ومكانة المرأة الفلسطينية بمراحله التاريخية المتفاوتة، وبحيزه الجغرافي المختلف والمشتت، والمحور الثالث تحليل ديناميكيات القوى المحلية، الاقليمية والعالمية. وختمت محاضرتها بطرح السؤال: "كيف يمكن للمرأة الفلسطينية والتي أصبحت بين ليلة وضحاها أقلية وطن في وطنها المسلوب، ممارسة العمل النسوي الضد العنصري وضد الامبريالي برغم الاشتباك والتعقيد؟ كيف يمكنها انتاج معرفة مقاومة وممارسات نقدية برغم صراعات القوة في سياق الهيمنة الجغرافية، والاقتصادية، والفكرية,، واللاخلاقية للسياسات العنصرية والتي لعبت دورا حاسما في تبرير جرائم الدولة اليهودية، وادت الى دعمهن للاستعمار الصهيوني لدرجة مأسسة الامنيسيا الغربية لحق الفلسطيني/ة في الحياة؟ وانهت د. شلهوب-كيفوركيان المحاضرة بقولها ان تحديات التنظير والعمل النسوي الفلسطيني تتطلب التعمق بما اسميته "فيزياء القوة" المؤدي الداعم للعنصرية، والتي تكاثفت مع تكاثف المأسسة العالمية لامنيسيا حق الحياة للفلسطيني/ة، والتي حددت موقعة المرأة الفلسطينينية في تاريج وجغرافيا واقتصاد القضية الفلسطينية- التي ما زالت تعاني من العنصرية الممأسسة.

وركزت على ضرورة قراءة وتحليل فيزياء القوة وليس فقط كيمياء القوة لفهم الواقع. بعدها دار نقاش بين المشاركات وجهت خلاله العديد من الأسئلة للمحاضرات، والذي تمحور في أغلبه حول العلاقة بين النظريات النسوية وبين النضال الميداني، من هم شركاء النضال، القومية والنسوية.

استضاف برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل، المركز العربي للدارسات الاجتماعية التطبيقية، مساء أمس (الأربعاء) فيلم "حكاوي حرب على غزة" ودكتور هديل قزاز، مديرة مركز الأبحاث الفلسطيني-الأميركي في رام الله، في أمسية بعنوان "أصوات نسوية من غزة". وقد عقدت الأمسية في مسرح الميدان وحضرها العديد من الناشطات النسويات والناشطين الاجتماعيين والسياسيين.

افتتحت الأمسية د. نادرة شلهوب-كيفوركيان، مديرة برنامج الدراسات النسوية، وقالت إن الهدف من جلب أصوات نسائية من غزة إلى حيفا، مع كل ما يتضمن ذلك من معاناة، ليس لمشاهدة وفحص كمية الخسائر وحجم المأساة، بل هو محاولة لفحص كيف يمكن أن تتحدث حيفا عن غزة، كيف يمكن أن ترى حيفا غزة، أو ربما لا تراها. "الهدف هو فتح قصة غزة لأهل حيفا، ومشاهدة هذه الأفلام من أجل الاستمرار في التفكير في دورنا وموقعنا. في الطريق من القدس إلى حيفا نشاهد الكذبة (كذبة المواطنة)، فغزة هي حيفا وحيفا هي غزة. الهدف هو الاستماع لما وراء تلك الأصوات التي تعرضها الأفلام".

بعد كلمة الافتتاح القصيرة تم عرض فيلم "حكاوي حرب على غزة"، والذي تضمن أربع قصص قصيرة مصوّرة، مدة القصة الواحدة خمس دقائق. توثق هذه القصص للقاءات مع عدد من النساء اللواتي ذقن ويلات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. حيث شاهدنا نساء غزة يسردن قصصهن وقصص عائلاتهن وقصص أطفالهن خلال الحرب الوحشية، وخاصة نساء من أكثر المناطق تضرراً كمنطقة العطاطرة، عزبة عبد ربه، حي الزيتون وتل الهوا. يُذكر أن الفيلم من تصوير وإنتاج مركز شؤون المرأة في قطاع غزة، ويعرض لأول مرة في الداخل.

ثم قدمت د. قزاز مداخلة قصيرة بعنوان "نساء في مواجهة النار، الحصار، الإفقار والفلتان الأمني". عرضت د. قزاز في مداخلتها لقصة امرأة عمرها 27 سنة وضعت طفلا خلال الحرب على غزة بعد انتظار ومعاناة استمرا ثلاث سنوات. وحاولت د. قزاز من خلال ذلك تسليط الضوء على قضية العنف ضد النساء في قطاع غزة بكل إشكاله، وتفكيك تأثير الاحتلال على معاناة المرأة الفلسطينية وتكريس دونيتها. استعرضت د. قزاز من خلال مداخلتها تسلسل الأحداث المأساوية التي مرت بها تلك السيدة، بدءاً بالضغوط الاجتماعية والأسرية بسبب عدم الإنجاب، مرورا بوضع الجنين تحت القصف الوحشي وما رافق ذلك من رعب، وانتهاء بحالة الكآبة بعد الولادة وحتى الهذيان بسبب انعدام الدعم والعلاج الطبي والنفسي، ومن ثم حالة اليأس وفقدان الأمل. فقد واجهت تلك السيدة ست محاولات انتحار، محاولتين لقتل طفلتها وممارسة العنف ضد الزوج. فبسبب حالتها النفسية وانعدام أي نوع من الدعم والعلاج النفسي، قامت بتحميل الطفلة والزوج مسؤولية ما حصل ويحصل لها.

"يعيش في قطاع غزة مليون ونصف المليون إنسان داخل جيتو وسجن كبير، ممنوعين من الخروج. وهنالك حالة عامة من الشعور الكامل بالعجز وعدم القدرة على التغيير. نحن نتحدث عن مجتمع كامل سلبوه الأمل، شعب كامل يعيش داخل جيتو في ظل الحصار والدمار والإفقار والتجويع والقتل. قصة هذه السيدة مع الاحتلال ومع المجتمع هي فقط نموذج لآلاف الحالات لتي لا نسمع عنها ولا نعلم بها"، قالت د. قزاز.

بعدها قدمت د. شلهوب-كيفوركيان محاضرة قصيرة بعنوان "الازدواجية اللا-أخلاقية والمرأة الفلسطينية في غزة"، وقالت إن مسؤوليتنا هي فهم الوضع وتحليله على حقيقته، ليس من أجل أشاعت اليأس وفقدان الأمل، بل من أجل فتح النقاش حول دورنا وما يمكن فعله، وفحص كيف يتعامل الفرد الفلسطيني في حيفا مع هذه الأحداث. ثم استعرضت ردود الفعل العالمية خلال الحرب على غزة وما تتضمنه من ازدواجية لا أخلاقية في التعامل مع الفلسطينيين.

في نهاية المداخلات دار نقاش بمشاركة الجمهور قُدمت خلاله العديد من المداخلات، التي تمحورت في معظمها حول دورنا، وحول ازدواجية حياتنا في الداخل وازدواجية معاييرنا. كما دار نقاش حول سؤال "ما هو دورنا". فسأل البعض "هل المقصود ما ذا نعمل تجاه غزة ومن أجل غزة، أم ما ذا نتعلم من درس غزة؟". تبعه نقاش حول حالة التشرذم الفلسطيني هنا وهناك، وحول العنف هنا وهناك.

"النكبة كانت الحدث الأهم والمؤسس في حياة عرب الداخل ومركباً أساسياُ في تشكيل وعيهم. ولا يمكن فهم تاريخ عرب الداخل دون فهم تاريخ النكبة بشموليتها وبتفاصيلها، أي ما حدث في كل بلد وبلد، وخاصة خلال سنة كاملة من حرب 1948 واستمرار أحداث النكبة"، هذا بعض ما جاء في محاضرة د. عادل مناع في مدى الكرمل – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية.

وكان مركز مدى قد استضاف أمس (الأربعاء) الدكتور عادل مناع في محاضرة تحت عنوان "المعاني المختلفة للنكبة في الجليل في 1948" حضرها العديد من الباحثين والناشطين السياسيين. والدكتور عادل مناع مؤرخ وباحث بارز، أدار مركز دراسات المجتمع العربي في إسرائيل في معهد فان لير في القدس حتى عام 2007. وكان د. مناع قد سلط الضوء عبر كتابين له باللغة العربية على تاريخ فلسطين خلال الحقبة العثمانية وهما: أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني 1800-1918 (1995) وتـاريخ فلسـطين في أواخـر العـهد العثماني، 1700-1918 (1999). ومحاضرته هذه في مركز مدى تعتمد على بحث مطوًل حول النكبة في الجليل يعكف عليه منذ عدة سنوات، ومن المتوقع أن يصدر الجزء الأول منه قريبا.

افتتح الندوة البروفيسور نديم روحانا مدير عام مركز مدى الكرمل، فتحدث عن نشاطات مدى القريبة وقدم الدكتور مناع. ثم استهل د. مناع محاضرته موضحا أنه سيحاول تفكيك الخطاب التاريخي والشمولي للنكبة، من خلال التركيز على النكبة في منطقة الجليل كحالة دراسية، وأنه سيتناول المعاني والدلالات المختلفة للنكبة، عبر الخوض في التفاصيل بنظرة شمولية، وفي محاولة للإجابة عن العديد من الأسئلة الصعبة والملحة.

قال الدكتور مناع إنه بعد النكبة وحتى عام 1948 (أي قبل تسليم منطقة المثلث وضمها لإسرائيل عام 1949) شكل سكان الجليل الجزء الأساسي من فلسطينيي الداخل، حيث بقي هناك نحو 106 آلاف فلسطيني من أصل 120 ألف فلسطيني بقوا ضمن حدود الدولة العبرية. ثم طرح مجموعة من الأسئلة التي تفرضها هذه الحقيقة: لماذا بقى هذا العدد في الجليل؟ لماذا نجت الناصرة وقراها من مصير طبريا وصفد وغيرها؟ لماذا لم تبق قرى عربية في الجليل الشرقي، حيث دُمرت 86 قرية من أصل 90 قرية؟

ثم ذكر الدكتور مناع أن الكتابة عن النكبة (عربيا وإسرائيليا) تميّزت حتى الآن بنوعين من الكتابة: الكتابة الشمولية التي تغفل التفاصيل، والمحلية التي تفتقد للنظرة الشمولية دون محاولة الربط بين الحدث المحلي والقضية العامة والأشمل. بعدها قسم د. مناع النكبة في الجليل إلى أربع مراحل، لكل مرحلة خصوصيتها وأحداثها: المرحلة الأولى وتمتد من كانون أول 1947 وحتى نيسان 1948، أي قبل تنفيذ الخطة (د) الخاصة باحتلال مدن وقرى فلسطينية وطرد سكانها. وذكر أنه في هذه المرحلة وفي 18 كانون الثاني 1947 ارتكب الجيش الإسرائيلي أول مجزرة في قرية الخصاص بمشاركة "الهجانا"، حيث قتل الجيش 13 رجلاً وامرأة وطفلاً وهم نيام في بيوتهم. وفي 31 كانون أول 1947 نفذت "الهجانا" مجزرة في بلد الشيخ وقتلت 60-70 من الرجال والأطفال والنساء، وتم تهجير سكانها.
المرحلة الثانية تبدأ من نيسان 1948 وحتى تموز؛ والمرحلة الثالثة، هي مرحلة حرب الأيام العشرة بعد اتفاقية وقف إطلاق النار الأولى، وبدأت من 9 تموز حتى 18 تموز. في هذه المرحلة تم احتلال الجليل الأسفل والغربي؛ أما المرحلة الرابعة فهي مرحلة احتلال "جيب الجليل، والتي تم احتلاله خلال يومين بعد خروج جيش الإنقاذ. وقد أشار د. مناع أنه، ومع بداية الحرب، تعامل معها الفلسطينيون وكأنها نسخة جديدة من ثورة 1936-1939 فلم يستعدوا لها كما يجب. وقال إن الوعي جاء متأخراً كثيراً بأن الحديث هو عن حرب مصيرية، وخاصة بعد عمليات الترانسفير ومنع المهجرين من العودة إلى قراهم ومدنهم.

وقال د. مناع إن عدة عوامل أثرت في بقاء النسبة الأكبر من سكان فلسطين الداخل في منطقة الجليل، منها: بدأ الوعي بخطورة الحرب مما أدى إلى نوع آخر من تصرف السكان وتعاملهم مع الحرب وتمسكهم في قراهم؛ بدأ الضغط على إسرائيل بعد الجرائم التي ارتكبتها في اللد والرملة. وقال أيضا إن الجليل كان على هامش فلسطين التاريخية، حيث كان المركز في القدس، وإن كون الجليل بعيداً عن المركز قد أثر كثيراً على الأحداث وتصرف السكان، لبعدهم عن سلطة القيادة المركزية.

بعدها تناول الدكتور مناع "حالة الناصرة" وقراها. وتساءل: كيف حدث في بداية تموز أن ارتكبت الصهيونية مجازر فظيعة في اللد والرملة وطردت نحو 70 ألف نسمة، وفقط بعدها بنحو أسبوع تم احتلال الناصرة ولم يتم تهجير سكانها أو تدميرها، وكيف بقيت معظم قرى الناصرة؟ وقد عزا الدكتور مناع ذلك إلى عدة أسباب منها: الطابع الديني التاريخي للناصرة، بدأ الضغوطات الدولية على إسرائيل، بداية وعي السكان وتمسكهم في وطنهم، دور جيش الانقاذ الذي رابط على مداخل الناصرة ومنع السكان من المغادرة، أحيانا تحت تهديد السلاح، دور عصبة التحرر (فيما بعد الحزب الشيوعي الإسرائيلي).

هنا تناول د. مناع الدور الذي لعبته عصبة التحرر وتغيير موقفها بتأثير ستالين. وقال إنه حتى تاريخ 19 – كانون الأول 1947، كانت العصبة تتحدث عن دولة واحدة متواصلة ولم تتحدث عن أي حل قومي لليهود، بل كانت تعتبر الصهيونية حركة استعمارية. وذكر أن الشيوعيين اليهود في تلك الفترة وبعد صدور قرار التقسيم طالبوا بالانضمام للهاجانا وإقامة دولة يهودية. كما تطوع قيادة الشق اليهودي للحزب الشيوعي في الجيش وعمل على جلب السلاح وفرق المتطوعين إلى إسرائيل. من هنا بدأت عصبة التحرر بتبني موقف مختلف كليا، فوافقت على قرار التقسيم وبدأت تتحدث عن "حرب بين الشعوب وبين الاستعمار" في حين كان رفاقهم اليهود يقاتلون في صفوف الهاجانا ضد الفلسطينيين.

"بتاريخ 11.7.1947 وبعد دخول الجيوش العربية لمساعدة فلسطين، أصدرت عصبة التحرر منشورا يدعو الجيوش العربية لمغادرة فلسطين والعودة إلى بلادهم"، قال د. مناع. كما أصدرت عصبة التحرر مناشير مماثلة وزرعتها على جيش الانقاذ وحرضتهم على عدم القتال وترك فلسطين. وأشار د. مناع إلى أن صحيفة الاتحاد بدأت تتحدث عن "تحرير الجليل" من جيش الانقاذ، مع العلم أنه وحسب قرار التقسيم كان من المفروض أن يكون الجليل ضمن الدولة الفلسطينية. وقال أيضا إنه يتضح من وثائق المخابرات الصهيونية في حينه ("شاي") أنه كانت دعوة لعدم التعرض للشيوعيين العرب وعدم ملاحقتهم "لأنهم يقومون بدور لصالح إسرائيل"

لقراءة الملف باللغة العربية بصيغة PDF اضغط هنا

لقراءة الملف باللغة العبرية بصيغة PDF اضغط هنا

لقراءة الملف باللغة الإنجليزية بصيغة PDF اضغط هنا

كلمة التحرير
  • كلمة العدد
المقال التحليلي
  • الذاكرة الجماعيّة، المقاومة المحلّـيّة والنضال من أجل العودة:الفلسطينيّون في إسرائيل، ستّة عقود بعد النكبة | نور مصالحة
وجهات نظر
  • تقديم | محرر المجلة
  • كيف يستوي حلّ الدولتين مع حقّ العودة؟ | رائف زريق
  • مشكلة اللاجئين الفلسطينيّين: هل يمكن أن تجد لها حلاًّ من خلال أنموذج جديد لدولة القوميّة؟ | ساري حنفي
  • ضمان حقوق اللاجئين ضمانٌ لتسوية سياسيّة دائمة | هشام نفاع
أوراق معلوماتية
  • تقديم | محرر المجلة
  • المهجَّرون الفلسطينيّون في إسرائيل | أريج صباغ-خوري
  • النكبة | هنيدة غانم
الرصد السياسي
الأنشطة الجارية في مركز مدى
  • “قراءة في احتجاجنا الجماعيّ أثناء العدوان على غزّة”
  • برنامج الدراسات النسويّة”المرأة الفلسطينيّة والاقتصاد السياسيّ الإسرائيليّ”
المحرر المسؤول
نديم روحانا
المحرر الضيف
نبيل الصالح
مساعدة تحرير
ترجمة
نواف عثامنة
جلال حسن
تدقيق لغوي
حنا نور الحاج

المواد المنشورة في ”جدل” تعبر عن آراء كتابها، ولا تعكس بالضرورة مواقف مدى الكرمل. © حقوق الطبع محفوظة.

 

"لعبت المرأة الفلسطينية، وما زالت تعلب، دوراً هاماً في بناء المجتمع الاقتصادي السياسي، والاجتماعي الثقافي. وللمرأة الفلسطينية بشكل خاص علاقة وطيدة مع الأرض، حيث ارتبطت بالأرض عبر علاقات مادية وثقافية ومعنوية. فالأرض لم تكن بالنسبة لها مجرد مصدر رزق، حيث نلاحظ في العديد من الكتابات العلاقة بين الثقافة والشعر والأرض والمرأة"، هذا بعض ما قالته البروفيسور نهلة عبدو أستاذة علم الاجتماع في جامعة كارلتون في كندا، في محاضرتها في مركز مدى الكرمل.

فقد استضاف برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل البروفيسور عبدو، أمس (الخميس) في محاضرة لها حول "المرأة الفلسطينية والإقتصاد السياسي الإسرائيلي". وقد عقدت هذه المحاضرة ضمن سمينار الجنوسة في برنامج الدراسات النسوية، والذي يهدف إلى المساهمة في خلق وتطوير مساحات حوار نسوية في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل.

افتتحت الندوة د. نادرة شلهوب-كيفرويكان، مديرة برنامج الدراسات النسوية في مدى، مشيرة إلى العلاقة بين موضوع المحاضرة والبحث الجديد الذي بادر إليه البرنامج تحت عنوان "التسويغ الأمني: سياسة حيّزيّة، البطريركيّة والحقوق الإقصتادية للنساء الفلسطينيات في إسرائيل". وقالت أن البحث يهدف إلى إجراء تفحص معمق للسياسات الإسرائيلية والممارسات من وجهة نظر سياسية إقتصادية نسوية، والكشف عن شكل تأثير الكولونيالية الإسرائيلية على الحقوق السياسية الإقتصادية للنساء الفلسطينيات. كذلك يسعى البحث الجديد إلى الكشف عن العقبات التي تَحُول دون حصول النساء الفلسطينيّات في إسرائيل على الحقوق الاقتصاديّة، بغية مواجهة هذا والتوصّل في المحصّلة إلى دفع الحقوق الاقتصاديّة الخاصّة بهذه المجموعة.

وكانت بروفيسور عبدو، وفي محاولة لجسر الهوة المعرفية بما يتعلق بموضعة المرأة الفلسطينية، قد ركّزت محاضرتها على مكانة المرأة الفلسيطينية في الإقتصاد السياسي الإسرائيلي، عبر خمسة مفاهيم: الأرض كحق اقتصادي؛ المرأة والمواطنة؛ الدولة اليهودية كدولة كولونيالية استعمارية عنصرية؛ عمالة المرأة والأسواق الإثنية التي تعتمد على الإقصاء والتهميش؛ تأنيث الفقر؛ الثقافة والدين والعائلة – هل هي أسباب تهميش أم ذرائع فقط؟.

في بداية محاضرتها تناولت بروفيسور عبدو مفهوم الإقتصاد السياسي وتطورعه عبر الفترات، رابطتة ذلك بالتطورات العالمية بدءً من انهيار المعسكر الإشتراكي، التحول إلى عالم أحداي القطب والسيطرة، وحتى يومنا هذا. وقالت أن هذا المفهوم الماركسي كمنهاجية للتحليل قد أرسى الخطوط العريضة لفهم العلاقات بين الدولة وأنماظ الانتاج. وخلال تناولها لهذا المفهوم أشارت عبدو إلى أن الرأسمالية في العالم الثالث وبفعل الكولونيالية الاستعمارية قد تطورت بشكل مختلف عن تطورها في الغرب، مما ساهم في انتاج طبقة واسعة جدا من الفقر المدقع. ثم أشارت إلى التشابك بين الكولونيالية البريكانية في فلسطين والاستعمار الصهيوني.

كما أشارت عبدو إلى أن قوانين تسويات وتوزيع الأراضي ومن ثم سلب الأراضي، قد لعبت دورا سلبيا في التأثير على الاقتصاد والعلاقات الإسرية الجندرية، بل وعلى مجمل الحضارة الفلسطينية. وقالت أن الاستعمار الصهيوني لم يسلب الأرض ويحتلها فقط، ولم يهدم القرى والمدن الفلسطينية ويهجر سكانها بقوة إرهاب الدولة المنظم فقط، بل علم على سلب الثروة والممتلكات أيضا، التي شكلت رأسمالا قويا لتقوية الاقتصاد الصهيوني.

وتطرقت خلال محاضرتها إلى المعيقات التي وضعتها الدولة الصهيونية أمام تطور النساء الفلسطينيات في الداخل وتهميشهن، بواسائل مختلفة، مثل الحرمان من حرية التنقل وعدم توفير المواصلات لخروج المرأة للعمل والتعليم، غياب الحضانات الذي شكل عائقا أمام عمل النساء المتزوجات، وخاصة المعيلات الوحيدات، وغيرها.

"المرأة الفلسطينية تتعامل مع دولة بينت على مبدأ صهيوني استعماري عنصري يقوم على التهميش. ومنذ بدايتها جاءت الصهيونية إلى فلسطينين مستندتا إلى مبدأ (شعب بلا أرض لأرض بلا شعب). والصهيونية هي حركة استعمارية أوروبية عنصرية بيضاء، وقد تعاملت مع النساء الفلسطينيات بمفاهيم استشراقية عنصرية ودونية،" قالت عبدو.