"في احتجاجنا الجماعي ضد العدوان على غزة استطعنا الخروج من إطار المواطنة والتعامل مع أنفسنا كجزء من الهم الفلسطيني وكجزء من القضية. المعركة كانت واضحت المعالم وهدفها وقف المجازر وكسر الحصار. الجماهير الفلسطينية أبدت جاهزية واستعداداً كامليين. وقد شكل الفراغ الذي تركته لجنة المتابعة العليا وهشاشتها عاملا مساعدا في إنجاح الاحتجاجات وليس عاملا معيقا كما كان في الأعمال الاحتجاجية السابقة،" هذا ما قاله السيد أمير مخول، رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات ومدير عام اتجاه، خلال الندوة التي عقدها مدى الكرمل – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقة.
وكان مركز مدى قد دعا مجموعة من الناشطين السياسيين والاكادميين للمشاركة في الندوة التي عقدها مساء أمس (الاثنين) تحت عنوان "قراءة في احتجاجنا الجماعي اثناء العدوان على غزة". افتتح الندوة وأدارها البروفيسور نديم روحانا مدير عام مدى الكرمل، وقال إن هذه الندوة تعقد في إطار مشروع المركز لدراسة المشاركة السياسية للفلسطينيين في إسرائيل – وهو المشروع الذي يهدف إلى دراسة أدوات العمل السياسيّ التي استخدمها المواطنون الفلسطينيّون في إسرائيل، في فترات مختلفة منذ النكبة الفلسطينيّة عام 1948، وفحْص مدى جدوى كلّ أداة عمل ومدى تفاعل الأحزاب والحركات السياسيّة العربيّة في إسرائيل معها. وأشار البروفيسور روحانا إلى أنه سيتم مراجعة العمل السياسي من خلال الادوات التالية: العمل البرلماني، العمل السياسي خارج البرلمان، الجمعيات الأهلية، العمل القانوني، ولجنة المتابعة كمؤسسة تمثيلية.
وخلال كملته قال البروفيسور روحانا أنه وخلال الأعمال الاحتجاجية ضد العدوان على غزة "لمسنا مدى الاستعداد الجماهيري للمشاركة. فهل كانت مجرد تجرية خاصة في العدوان على غزة، أم بالامكان التعلم منها وتطويرها للنهوض بالعمل الجماهيري بشكل عام؟ وهل يمكن تجيير الاستعداد الجماهيري لأهداف أخرى جماعية؟".
وقد تناول د. أحمد سعدي، المحاضر في علم الاجتماع في جامعة بئر السبع، في مداخلته النظرة الإسرائيلية لأعمال الاحتجاج وتعاملها معها، من خلال ثلاثة محاور: أسباب الاحتجاج العربي، النظرة إلى نوعية الانسان الذي يمارس الاحتجاج ودور القيادات العربية، والشرطة وتعاملها مع المتظاهرين. وقال أن فكرة الاحتجاج الجماهيري بدأت في القرن الثامن عشر، وكان التعامل معها على أساس أنها مجموعة خطيرة وأن الجمهور المشارك غير منطقي. ثم أشار أن النظرة الإسرائيلية تنعكس من خلال تقرير لجنة أور الذي كرس نحو خمسين صفحة لاقتباس أقوال وتصريحات لقيادات عربية، بينما خصصت أقل من صفحتين لتصريحات قيادات يهودية. وأشار إن إسرائيل تعزو الاحتجاج العربي إلى الفجوات، معتمدة في ذلك على فكرة "الحرمان النسبي"، وإلى العامل السيكيولوجي الذي يؤدي برأيها إلى الانفجار الجماهيري.
كما قال د. سعدى إلى أن الشرطة وأجهزة الأمن الإسرائيلية تتعامل مع أعمال الاحتجاج بأسلوبين: الأول يعتمد على الاستعمال المتزايد للقوة، وهو مخصص للتعامل مع المتظاهرين العرب؛ الاسلوب الثاني يعتمد على إدارة المفاوضات، حيث تعتبر الشرطة الأعمال الاحتجاجية جزء من حرية التعبير، وهذا الاسلوب مخصص لليهود فقط. في نهاية مداخلته أشار د. سعدي إلى أن الجماهير العربية تشارك في الأعمال الاحتجاجية لاسباب ضميرية وخوفا من حدوث ما هو أسوأ.
مدير مكتب لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب، السيد عبد عنبتاوي، الذي شارك في الندوة، قال أن أعمال الاحتجاج ضد العدوان على غزة، لا تشكل نموذجا بل هي حالة استثنائية. "الصراع مع إسرائيل هو صراع وجودي، ونحن نمارس إدارة صراع وجودي على الصعيدين الفردي والجماعي، وليس فقط صراع حقوق. نحن جزء من أمة ومن ثقافة سائدة. نحن لا نملك ثقافة راسخة من رد الفعل والتخطيط لمقاومة الواقع المفروض علينا. نحن نمارس السياسة بدون سياسات جماعية، الأمر الذي ينعكس سلبا على الأعمال الاحتجاجية".
وإعتبر السيد عنبتاوي أن أفراد المجتمع غير أحرار، وعليه لا يمكن لمجتمعنا أن يكون حراً. وبرأيه فإن التعددية الحزبية تعكس حالة من التشرذم، تغلب عليها سطوة العصبيات القبلية والفئوية. وأكد أن المجتمع العربي في الداخل يعاني من حالة خلل بنيوية، وأن الفعل الجماعي لدينا موسمي، عاطفي وبدون سيرورة.
"علينا البدء فورا باحداث تغييرات بنيوية عميقة، والعمل على إعادة بناء وتنظيم وعينا الفردي والجماعي، وتنظيم إرادتنا، التي هي أهم من التفكير في إعادة بناء لجنة المتابعة. كما علينا الادراك أننا أمام صراع وجود وليس صراع حقوق"، قال السيد عنبتاوي.
السيدة عايدة توما-سليمان، مديرة جعية نساء ضد العنف وناشطة سياسية واجتماعية، عارضت توجه السيد عنبتاوي، رافضة فكرة أن ثقافتنا تفتقر لفكر الاحتجاج. وقالت أنها تقرأ تجرية الاحتجاج من منظور أوسع من عملية الاحتجاج ضد العدوان على غزة، وبناء على تجربتها الشخصية في الحقل. وقالت: "الاحتجاج خلال الحرب على غزة كان له زخم كبير، ولعبت العاطفة دوراً فعالاً في تحريك الجماهير. العاطفة عبرت عن الانتماء للمكان والتواصل مع الهوية. وهذه المرة الأولى التي نتعرض فيها لحرب ببث مباشر. المشاركة الجماهيرية فاقت كل التوقعات من ناحية العدد والجيل، حيث برزت بشكل خاص مشاركة الجيل الشاب. خلال مظاهرة سخنين كان لدينا شعور بالقوة، أما في مظاهرة تل أبيب فساد شعور التحدي وهو ما لم ألمسه خلال مظاهرة سخنين. ففي تل أبيب شعرت أننا ننقل الاحتجاج إلى عقر بيت المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب في غزة".
ثم تحدثت عن شعورها كناشطة نسوية وقالت أن الاحتجاج خلال الحرب على غزة طرح العديد من التساؤلات حول حق الاختلاف. "نحن مجتمع فيه تعددية لها شكل سياسي ومعالم فكرية، وكان من المفروض أن تتحول هذه التعددية إلى مصدر قوة، لكنها تحولت إلى مصدر ضعف وتسلط. ففي مظاهرة سخنين برزت توجهات وصبغة معينة. كنسوية أرفض عملية إقصاء النساء وإبعادهن عن قيادة ومقدمة المظاهرات. على الاحتجاج الجماعي أن يعكس التعددية القائمة لا أن يطمسها".
المتداخل الأخير كان السيد أمير مخول، الذي أشار إلى أن دور الجماهير العربية خلال أعمال الاحتجاج كان يهدف إلى دعم الصمود في غزة وليس مخاطبة الرأي العام اليهودي في إسرائيل. "الأعمال الاحتجاجية هدفت إلى مواجهة إسرائيل ومواجهة العدوان. فالمعركة كانت حول مدى صمود غزة والمقاومة"، قال السيد مخول. ثم أشار إلى الدور الايجابي الذي لعبته فضائية الجزيرة خلال الحرب.
وفي كلمته أشار السيد مخول إلى محاولة جهاز المخابرات الإسرائيلي كسر إرادة الشباب عبر استعمال وسائل الترهيب واستدعاء العديد منهم للتحقيق. كما حذر من خطورة استيراد الخلافات الفلسطينية الفلسطينية إلى الداخل لما قد تسببه من تصادم بين الاطراف. ولفت السيد مخول إلى ضرورة عدم التركيز على ليبرمان وحكومة اليمين. "ليبرمان ليس مصدر العنصرية في إسرائيل، بل هو نتاج لها. التركيز على حكومة اليمين قد يعمل تحويل مجرمين مثل ايهود براك، ايهود أولمرت وتسيفي ليفني إلى معتدلين. ليبرمان لن يصل إلى دموية وإجرامية براك وتسيفي لفني". كما دعا السيد مخول إلى ضرورة بناء مرجعياتنا ضمن المرجعيات العامة للشعب الفلسطيني، والتفكير جاداً في الموضوع لدى الحديث عن إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية.
في نهاية المداخلات جرى نقاش بين جمهور المشاركين، تمركز حول أليات مراكمة تجرية الاحتجاج الجماعي وتحويله إلى أداة فاعلة. وإلى ضرورة تحويل رد الفعل العاطفي إلى رد سياسي. وشدد المشاركون إلى ضرورة تشجيع التعددية، لكن ضمن سقف واحد ومرجعية وطنية واضحة.