نشر مركز مدى الكرمل مقالًا بعنوان ” أوجه الشبه بين الكولونياليّة الصهيونيّة والكولونياليّة الأوروﭘـيّة”، لكاتبه شفير ﭼرشون وهو عالِم اجتماع يهوديّ إسرائيليّ وأستاذ في جامعة كاليفورنيا في سان دييـﭼو، ترجم المقال وقدّمه أنطوان شلحت. 

يقول شلحت أنّ ” أهمّ خلاصة يتوصّل إليها شفير في هذه المقالة، وفي كتابه عمومًا، تتمثّل في أنّ الحركة الصهيونيّة، ومنذ البدايات الأولى لمشروع الاستيطان اليهوديّ في فلسطين، احتقنت بطابع استعماريّ _ كولونياليّ إزاء الفلسطينيّين سكّان البلد الأصلانيّين”. قام شلحت في مقدّمته بتقديم طرح حول انقسام الباحثين الإسرائيليّين في طريقة تعاملهم مع العقيدة الصهيونيّة، معدّدًا منهم  من تعامل مع الاستيطان اليهوديّ كحركة كولونياليّة، ومن تنكّر بشكل صارم لأيّ جانب كولونياليّ حول الاستيطان اليهوديّ المبكّر قبل 1948 وحتّى 1967. وفي توطئة مقاله نرى طرحًا مشابهًا على يد شفير، قبل أن يدّعي “أنّ هناك شبهًا مبدئيًّا، وإن كان هناك اختلاف مُعيّن، بين الاستيطان الصهيونيّ وسيرورات الاستيطان الكولونياليّ الأوروبي في ما وراء البحار”، و”أنّ التغيُّرات التي طرأت على المجتمع الإسرائيليّ بعد عام 1967 لا ينبغي فهمها بوصفها انتقالًا من مجتمع صهيونيّ _ اشتراكيّ إلى مجتمع يمينيّ _ كولونياليّ، بل بوصفها استمرارًا طبيعيًّا للمشروع الكولونياليّ (الصهيونيّ)، عبْر الانتقال من شكل استيطانيّ معيّن إلى شكل آخر”.

في الفصل الأوّل من المقال، يقترح شفير تصنيفًا للنماذج الكولونياليّة الأوروبية، وهو يعتمد أربعة نماذج لمستعمرات كولونياليّة مختلفة كان الباحثان فيلدهاوس وفريريكسون يميّزون بينها، هي: المستعمرة العسكريّة، المستعمرة المختلطة، مستعمرة المَزارع، ومستعمرة الاستيطان الطاهرة. وهو يخلص إلى نتيجة مفادها أنّ طابع قوّة العمل، التي تشتغل في الأرض التي يمتلكها الكولونياليّون، يشكّل “علامةً فارقة حاسمة بين أنواع المستعمرات التي أنشأها الأوروبيون خارج تخوم قارّتهم”، كما ويُجمل شفير أنّ “الفوارق البارزة بين أنواع المستعمرات الأوروبية، والمعيار المميّز الأساسيّ هو ما أبداه المستوطنون، في كلّ حالة، من اهتمام بالأرض والعمل المحلّيّين. وثمّة تمايز إضافيّ يتعلّق بما يسمّيه المصلحة الديموﭼرافيّة لأنواع المستعمرات المختلفة”. في هذا الفصل أيضًا، يستعرض شفير الظروف والشروط التي كانت سائدة في فلسطين، بالمقارنة مع تلك التي كانت سائدة في مناطق استيطان مجتمعات كولونياليّة أخرى، وإسقاطات هذه الفوارق على الاستيطان وطابع الحركات الكولونياليّة فيها.

في فصله الثاني، يحلّل شفير “الكيفيّة التي بواسطتها لاءمت حركة العمل الصهيونيّة نموذج الاستيطان الأوروبي إلى احتياجاتها، وإلى الظروف المحلّيّة التي واجهتها”، وهو يقوم بالبحث في التطوّر التاريخيّ للاستيطان الكولونياليّ اليهوديّ في فلسطين من عام 1882 حتّى عام 1948. يرى شفير أنّه يمكن التمييز في الاستيطان الصهيونيّ، بين ستّ مراحل للتطوّر قابلة لأن تتوزّع إلى فترتَيْن رئيسيّتَيْن: فترة الهجرة الأولى (1882-1903)، وفترة الهجرة الثانية (1904- 1914). وهو يعرض للتغييرات التي طرأت في تأسيس عملية الاستيطان وأنواعها واختلاف الاستراتيجيات المتّبعة لتثبيت الاستيطان والكولونياليّة على مراحل عدة. ويوضّح شفير في فصله هذا كيف تبنّت حركة الاستيطان الصهيونيّة النموذج البروسيّ، واستراتيجيّة احتلال الأرض واحتلال العمل التي انتهجها المستوطنون من خلال “الكيبوتس”، وقد كان اعتماد الاستيطان الصهيونيّ في فلسطين على ركنَيْن أساسيَّيْن: “الكيرن كاييمت” التابعة للهِسْتَدْروت الصهيونيّة العالميّة، وهِسْتَدْروت (نقابة) العمّال العبريّين. 

يشدّد شفير في الفصل الثالث من المقال على سمات الاستيطان الصهيونيّ الخصوصيّة حتّى عام 1948.  يشير شفير إلى الانتقال من نموذج مستعمرة المَزارع الإثنيّة إلى نمط الاستيطان الكولونياليّ المتمثّل في مستعمرة استيطان طاهرة- تلك التي تكون فيها أكثرية يهوديّة في جزء من البلد- وإقصاء العمّال الفلسطينيّين من سوق العمل اليهوديّة، الأمر الذي أدّى إلى ما يسمّى التقييد الذاتيّ الجغرافيّ.

أمّا الفصل الرابع فيعرض، بإيجاز شديد، خصائص الفترة الواقعة بين العامين 1948 وَ 1967، التي امتازت بالانفصال الإثنيّ على الرغم من النية المعلَنة بشأن إقامة “دولة حديثة”، طبقًا للنموذج الديموقراطيّ الغربيّ. يقول شفير أنّ الفترة الواقعة بين “حرب الاستقلال” (نكبة عام 1948) وَ “حرب الأيّام الستّة” (1967) تتميّز ” بِسِمة التجانس الإثنيّ النسبيّ للسكّان الإسرائيليّين، ولذا فإنّها لا تنفكّ تشكّل -حتّى يومنا هذا- غايةً نوسطالجيّةً (حنينيّةً) لكثير من الإسرائيليّين، الذين يبدو لهم ذلك الواقعُ أكثرَ مناسَبةً من وضعيّة الخليط الإثنيّ التي نشأت بعد حرب عام 1967″.

وأخيرًا بحث الفصل الخامس في أنماط الاستيطان الكولونياليّة في فترة ما بعد عام 1967، بالمقارنة مع تلك الأنماط من الفترتين العثمانيّة والانتدابيّة، ويبحث في إسقاطات هذه الأنماط الجديدة على طابع المجتمع الإسرائيليّ. وهو يرى  أنّ فترة ما بعد عام 1967 تميّزت بالراديكاليّة، بعد أن ظهرت أنماط جديدة من الاستيطان هي “الصهيونيّة الجديدة” التي انقسمت إلى تيارين: أحدهما يؤيد نموذج المستعمرة طاهرة، والآخر نموذج مستعمرة المَزارع. من جهة أخرى، وكردّ مضاد ظهر تيار “ما بعد الصهيونيّة” في أوساط أجزاء من حركة العمل وحركات أخرى، والتي طالبت بمساواة حقوق المواطن في إسرائيل بين العرب واليهود.

لتحميل ملف الورقة بصيغة PDF

 

يسرّنا أن نضع بين أيديكم، مقالًا جديدًا من سلسلة “دراسات عن إسرائيل” بعنوان ” أوجه الشبه بين الكولونياليّة الصهيونيّة والكولونياليّة الأوروﭘـيّة”، لكاتبه شفير ﭼرشون وهو عالِم اجتماع يهوديّ إسرائيليّ وأستاذ في جامعة كاليفورنيا في سان دييـﭼو. ترجم المقال وقدّمه أنطوان شلحت، وأشار في تقديمه إلى أنّ كتاب شفير، الذي يعتمد عليه هذا المقال، صدر بموازاة صدور كتب أخرى لمؤرّخين إسرائيليّين أمثال بيني موريس وآڤي شلايم وإيلان ﭘاﭘيه. وقد اعتُبرت تلك الكتب الأربعة في عداد أوّل قطاف لموجةِ ما اصطُلِح على تسميته “التأريخ الإسرائيليّ الجديد”. ويضيف أنّه وحتّى ظهور مقاربة شفير المعبَّر عنها في مقالته المترجَمة هنا، كان المنظور الكولونياليّ منبوذًا على نحوٍ يكاد يكون مطْلقًا في التيّار الأكاديميّ الإسرائيليّ العامّ. أمّا على وجه العموم، فإنّ الفكرة التي تتعامل مع إسرائيل باعتبارها مجتمعًا كولونياليًّا لم تجد أصداءً لها داخل المجتمع اليهوديّ، إلّا في أوساط جماعات هامشيّة من المثقّفين فقط.

يرى شفير أنّه ومنذ سنوات السبعين المتقدّمة (في القرن العشرين الفائت)، بدأت في التبلور في أوساط الباحثين الإسرائيليّين وفي الجدل الجماهيريّ العامّ، مقاربةٌ جديدة ونقديّة، ترى من منظورها، أنه من الصائب عقد مقارنة بين الاستيطانِ الإسرائيليّ الراهن والتشكيل الاجتماعيّ الإسرائيليّ الناشئ الآن، من جهة، ومجتمعاتٍ كولونياليّة أخرى مثل إيرلندا الشماليّة والجزائر الفرنسيّة أو جنوب أفريقيا، من جهة أخرى. ومريدو هذه المقاربة هم من منتقدي الاستيطان اليهوديّ في أراضي الضفّة الغربيّة وقِطاع غزّة بعد حرب حزيران عام 1967.

لتحميل ملف الورقة بصيغة PDF