نظّم “مدى الكرمل -المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة” حلقة دراسيّة أكاديميّة لمناقشة كتاب الشيخ رائد صلاح “إضاءات على ميلاد الحركة الإسلاميّة المحظورة إسرائيليًّا”، مساء يومِ الجمعة الماضي في المركز الجماهيريّ في أمّ الفحم، وذلك ضمن برنامج سنويّ لقراءة كتب تتناول قضايا مختلفة في المجتمع الفلسطينيّ والعالم العربيّ.
أدار الحلقةَ الدراسيّة المحامي والأكاديميُّ علي حيدر، وقدّم الكتاب على أنّه ينطوي على أهمّيّة كبرى، معرفيّة وسياسيّة، مشيرًا أنّ الكتاب مُهمّ لجميع المجالات البحثيّة في العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، مقدِّرًا مجهود مركز مدى الكرمل الذي بادر إلى تنظيم هذه الحلقة الدراسيّة.
افتتح الندوةَ الدكتور مهنّد مصطفى مدير عام مدى الكرمل بمداخلة ساقَ خلالها عدّة ادّعاءات بشأن الكتاب؛ الأوّل تناول الكتابة ذاتها ومفاهيمها، مناقشًا أشكال الكتابة؛ التاريخيّة والعلميّة والذاتيّة وغير ذلك… وأكّد أنّ التعامل مع شكل الكتابة لدى الشيخ رائد صلاح عليه ألّا ينحاز إلى المقولات الأورومركزيّة، التي لا تنظر إلى السيرة الذاتيّة على أنّه كتاب تاريخيّ أكاديميّ. وكذلك أكّد مصطفى على أهمّيّة الكتاب التاريخيّة وشهادته على الماضي.
واما الأدِّعاء الثاني، فمفاده أن الكتاب بمثابة وثيقة تاريخيّة للحركة الإسلاميّة في الداخل (المحظورة إسرائيليًّا)، وذكر أنّ هذه من أولى الوثائق التي تتحدّث عن الحركة الإسلاميّة في الداخل، حيث تنبع أهميّة الكتاب من أهمّيّة الكاتب، الشيخ رائد صلاح، قائد الحركة الذي أنتج وثيقة تاريخيّة عن ذاته وعن تداخل حياته مع الحركة الإسلاميّة في إسرائيل.
أمّا الادّعاء الثالث، فقد تناول المعنى الاجتماعيّ للحظر، مشيرًا أنّ العلاقات والممارسة التي تُشكّلها الحركة الإسلاميّة في إسرائيل عبْر مشروعها في القُدس، هي التلاحم الاجتماعيّ، ومن ثَمّ السياسيّ، مع المشروع الوطنيّ الفلسطينيّ. هذه العلاقات، التي تشكّلت منذ بداية الحركة الإسلاميّة في إسرائيل، قرنت بين الفلسطينيّ في “داخل الخطّ الأخضر” والفلسطينيّ “خارج الخطّ الأخضر”، وهُنا برزت الأزمة عند المؤسّسة الاستعماريّة تجاهنا، ورفضها لهُويّتنا ووجودنا الفلسطينيَّيْن. وعلى أثر ذلك، حُظرت الحركة الإسلاميّة تحت قيادة الشيخ رائد صلاح.
وتحدّثت الباحثة عرين هوّاري منسقة برنامج دعم طلاب الدكتوراة في مدى الكرمل عن أهمّيّة الكتاب في دراسة الحركة الإسلاميّة، إذ يقدّم مادّة هامّة للباحثين والباحثات في هذا المجال، واعتبرت أنّ الكتاب يحمل أبعادًا إنسانيّة وسياسيّة هامّة في حياة الشيخ رائد صلاح، مؤكّدة أنّها لامست احترام الشيخ رائد لدَوْر المرأة وتقديره لها في العمل الإسلاميّ، ولكنّها أشارت في الوقت نفسه أنّه يقدّمها كمسانِدة للمشروع الإسلاميّ ومضحّية من أجله، أي لم تقدَّم كصاحبة مشروع. وادّعت هوّاري أنّها رأت من خلال الكتاب أنّ الحركة الإسلاميّة، المحظورة إسرائيليًّا، لم تتقدّم في مضمار دمج المرأة في المجال السياسيّ التنظيميّ كما حدث لدى الحركات الإسلاميّة في العالم العربيّ. واستحضرت في هذا السياق أطروحتها للدكتوراة التي قابلت خلال إعدادها ناشطات وقياديّات من التيّار الإسلاميّ عبّرن عن مواقف متباينة في قضايا اجتماعيّة تشير إلى التعدّديّة في صفوفهنّ، وفي الوقت ذاته ذكرن أنّ الحركة الإسلاميّة فتحت لهنّ المجال للخروج إلى الحيّز العامّ، حتّى في إطار غياب تمثيلهنّ في الأطر القياديّة في الحركة الإسلاميّة.
تَخْلص الباحثة عرين هوّاري إلى أنّ الحيّز العامّ الذي حقّقته الحركة الإسلاميّة لم يكن أمرًا عابرًا أو مسألة محسومة، بل هو إنجاز حقيقيّ لفتح قنوات للنساء للمشارَكة الاجتماعيّة والسياسيّة في الحيّز العموميّ. من هنا، أثَرُ الحظر الإسرائيليّ كان على آلاف النساء في الداخل، بسبب حرمانهنّ من أن تتوافر لهنّ إمكانيات للعبور إلى الحيّز العموميّ.
وكان المتحدّث الأخير الكاتب والصحفيّ أنطوان شلحت، الذي أشار إلى أنّ الكتاب ينتمي إلى الأدبيّات التي تحاول أن تقدّم سرديّة جماعيّة لا تتضمّن تمجيدًا للكاتب نفسه -وهذا أمر مميِّز للكتاب-. وأضاف أنّ السياسات الإسرائيليّة منذ عام 2000 والهبّة الشعبيّة في الداخل الفلسطينيّ، في سياق الانتفاضة الوطنيّة الثانية، بدأت بتطبيق استنتاجات “لجنة أور” التي حدّدت أنّ الحركة الإسلاميّة والشيخ رائد صلاح من الأسباب المؤدّية إلى ما حدث (إضافة إلى التجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ وقائده الدكتور عزمي بشارة)، لكونِها أسهمت في تطوير العلاقات بين الفلسطينيّين “داخل الخطّ الأخضر” مع القدس والمسجد الأقصى منذ بدايات الحركة الإسلاميّة، وهو ما أدّى إلى تكثيف المضايقات والملاحقة إلى أن جرى حظرها. وفي الختام، قام المشاركون بتقديم مداخلات وتساؤلات حول الكتاب والمداخلات.