افتتح النّدوة مدير جمعيّة الثقافة العربيّة، مصطفى ريناوي، مرحّبًا بالمشاركين في النّدوة ومتحدّثًا عن صناعة السياسة في الداخل الفلسطيني من خلال التطرق إلى أحد الملفات البارزة والمؤسفة والذي تشهد أحداثا دامية من خلال الجريمة المنظمة وسياسة الشرطة حولها، وارتباط هذا الملف بالتعامل معه في حقيقته كجزء من استمرار النكبة ومطاردة الفلسطيني وسحق قوته في التنظيم لبناء مجتمع ذات تنشئة اجتماعية وسياسية سليمة، في مقابل الحالة السياسية العبثية التي ترى في الهامش السياسي الإسرائيلي مكانا مركزيا للفعل السياسي العربي والذي يحول خطاب الخدمات المشروطة إلى فعل منفصل عن الحالة السياسية العامة .
تناولت النّدوة بالأساس كتاب الدّكتور عزمي بشارة: “الخطاب السّياسي المبتور” وهو عبارة عن مجموعة مقالات نشرت في فترات زمنيّة متباعدة نسبيًا، وهي بذلك تعبّر عن تطوّر فكري متدرّج في فهم واقع ومستقبل ذلك الجزء من الشّعب العربي الفلسطيني الذي يعيش في إطار المواطنة الاسرائيليّة داخل الخط الأخضر. وكتاب “طروحات عن النّهضة المعاقة” الذي يجمع أيضًا مقالات تعرِض وتحلّل المعيقات التي تقف في وجه النّهوض بالمجتمع العربي في الدّاخل نحو التحديث، ويلتقي فيها البُعد النّظري بالاجتماعي والسياسي.
أدار النّدوة الصّحافي أحمد دراوشة، وأشار إلى التّفسيرات التي يُقدّمها الطرح الموجود في العناوين المُتناولة، وكيفيّة مساهمتها بشكل كبير جدًا في تفسير ظاهرة العنف والجريمة الموجودة الآن، وتقديم تفسير نقدي للخطاب السّياسي العربي وكيفيّة تعامله مع غياب المدينة ومشاريع بناء المؤسّسات القوميّة والوطنيّة، انطلاقًا من النّكبة في مرحلة حسّاسة لم نُكمِل بها مرحلة الحداثة، وغياب المدينة الفلسطينيّة وتحوّل الفلسطينيّين للحياة على الهامش.
شاركت في النّدوة مديرة برنامج الدراسات النّسوية في مركز مدى الكرمل، الدكتورة عرين هوّاري، التي قدّمت مراجعة لكتاب “الخطاب السّياسي المبتور”. ومما قالته: “كُتبَت الدّراسات في هذا الكتاب في بداية التّسعينيات، وطرحت تحليلا وتصوّرا للسياسة الفلسطينيّة في سياق سياسي متأثر باتفاقيّة أوسلو ثمّ بأزمة أوسلو، حيث طرحَت الاتفاقيّة حلًا مُتخيّلًا للقضيّة الفلسطينيّة وما طرأ منها، واختزال القضيّة بين المواطنة والمساواة السّرديّة”. وتابعت أن بشارة ينحاز في الكتاب “بشكلٍ واضح للديمقراطيّة وللحريّة ولبلوغ السّعادة كهدف، وبالتّالي فإن مشروعه القومي ليس مشروع هويّة قائمة، لا بذاتها ولا لذاتها. كما تجدر الإشارة إلى أن الأسئلة التي طرحها عزمي بشارة ما زالت مطروحة حتّى اليوم”.
من جهته، قدّم الباحث في مركز مدى الكرمل، د. إمطانس شحادة، قراءة إضافية في كتاب “الخطاب السّياسي المبتور” فقال إن عنوان المرحلة الحالية هو العودة للخطاب السّياسي المبتور وتبنّيه الآن، بالرغم من التزامن مع تعميق فهمنا، كفلسطينيّين، للدولة الاستيطانيّة المتطرّفة. وأكد أن الطرح الذي جاء به الكاتب في كتابه تميّز بأنّه تعامل مع الحالة الاسرائيليّة والفلسطينيّة في الدّاخل بشكل نقدي، ورفض استعمال القوالب الفكريّة والأكاديميّة الموجودة، ولم يستورِد مشروعًا سياسيًا حاضرًا (الشّيوعي/ الإسلامي/ القومي العربي)، إنّما جاء بمقولة أنه بدون القومي والديمقراطي لا يمكن للفلسطيني تغيير الحالة الفلسطينيّة ومواجهة الحالة الإسرائيلية
وتطرّق الكاتب أنطوان شلحت إلى سؤال الهويّة، فقال إن مساهمة عزمي بشارة بلغت مكانة متميّزة في أواسط التّسعينيات، بالذات بعد انطلاق عمليّات التّسوية، وكانت رائدة في كل ما يتعلق بتحليل عناصر الشّخصية العربيّة في الداخل التي تتنازعها عمليّتان متناقضتان: فلسطينيّة الهويّة وأسرلة المواطنين، وفيما يحيل إلى استحصالها، مُضيفًا أنّ تسوية المسألة الفلسطينية، في إطار الحل المطروح دوليًا وعربيًا وفلسطينيًا وإلى حد ما إسرائيليًا على أساس “دولتين للشعبين”، لن تؤدي إلى حلّ مشكلة هوية العرب الفلسطينيين في الداخل. كما أوضح أن الأسرلة لا تُعدّ خيارًا واقعيًا للعرب، لأسباب عدّة منها أن اسرائيل ليست دولة للإسرائيليّين وإنًما لليهود فقط، لافتًا إلى أنّها تعني دفع العرب نحو هامش المجتمع الاسرائيلي. وتكلم المتحدث عن كتاب بشارة “طروحات عن النهضة المعاقة” فقال إن بشارة فتح العلاقة بين السّياسة والثّقافة على أفق الحوار، باعتبار ذلك شرطًا من شروط تحديث الوعي الاجتماعي، وإقرارًا بأن أي مشروع سياسي هو مشروع ثقافي بامتياز، ولذا بقي مهجوسًا بالنهضة الثقافية، ورأى أن معركة النهضة ليست معركة حرّية تعبير، وإنما معركة دفاع عن العقل ضد الخرافة، عن العلم ضد الجهل، عن التجريبية ضد الغيبية، عن النقد العلمي ضد العقائدية. وإن المعركة هي الدفاع عن صحة الرأي الصحيح لا عن “حق صاحب الرأي في التعبير عن ذاته، ولو كانوا لا يتفقون معه”!
لمشاهدة الندوة أضغط هنا