يشارك، وللمرة الأولى، باحثون فلسطينيون من جانبي الخط الأخضر في ورشة أكاديمية حول الصهيونية والاستعمار الاستيطاني، وهي ورشة مكونة من ستة لقاءات تدريبية وبحثية فصلية حول الاستعمار الاستيطاني والصهيونية، ومعدّة لطلاب الدراسات العليا وللخريجين الذين حصلوا على اللقب الثالث في السنوات الثلاث الأخيرة. تهدف الورشة الى تدريب جيل جديد من الباحثين والباحثات في دراسة إسرائيل وتتيح الفرصة لهم للإلمام والاطّلاع على ابحاث أكاديميّة هامّة تتعامل مع الصهيونيّة كحركة كولونياليّة استيطانيّة. ينظم الورشة مركز الأبحاث مدى الكرمل ويرأسها الأستاذ نديم روحانا، مدير عام مدى الكرمل.
عقدت ضمن الورشة ، خلال سنة، أربعة لقاءات استمر كل منها يومين او ثلاثة، وقد استضافت الورشات، حتى الآن، باحثين وعلماء فلسطينيين ودوليّين ، وإسرائيليين مناهضين للصهيونية، من بينهم أبرز الباحثين بموضوع الكولونياليّة الاستيطانيّة.
يُذكر أنّ الورشة الأولى، والتي أقيمت بشهر تموز عام 2015 في رام الله، استضافت باحثين فلسطينيين منهم الدكتور عبد الرحيم الشيخ والدكتور منير فخر الدين من جامعة بير زيت. وقد تمت خلالها مناقشة موضوع الاستعمار الاستيطاني والصهيونيّة من أوجه عدّة. وقد استضاف اللقاء الثاني، والذي عقد في ديسمبر 2015، البروفسور الأسترالي باتريك وولف (الذي توفّي مؤخراً)، وهو من ابرز الباحثين في العالم في موضوع الاستعمار الاستيطاني، وأيضا، الباحث الهندي فيجاي براشاد. كما واستضافت الورشة، الاستاذين المناهِضَين للصهيونية يهودا شنهاف وجادي الغازي، وكذلك الأستاذ المؤرخ محمود يزبك والاستاذه رنا بركات من جامعة بير زيت. تعمق المحاضرون خلال الورشة في مناقشة الصهيونية والاطار الاستعماري الاستيطاني. أمّا اللقاء الثالث، والذي عقد في مدينة عمان، فقد تناول موضوع “الثّقافة والكولونياليّة”، مستضيفا الكاتب والروائيّ اللبنانيّ الياس خوري، والناقد الفلسطيني فيصل دراج، والباحثين الفلسطينيين جميل هلال، وهنيده غانم، وخالد فوراني وتمّت، خلاله، معالجة الموضوع من زوايا مختلفة: الأدب، والثقافة كمقاومة، والجندر، وكذلك دور الثّقافة في حالة الضّمور والانكفاء السياسيّين.
واما الورشة الرابعة، والتي عقدت مؤخرا في مدينة رام الله، فقد تناولت في محورها المركزي قراءة الحركة الوطنية الفلسطينية للصهيونية. شدّد الاستاذ نديم روحانا، في افتتاحها، على أهمية العودة لإطار الاستيطان الكولونيالي في مقاربة الصهيونيّة والصراع معها. مشيرا الى أنّ الفكر السياسيّ الفلسطينيّ نظر للصهيونيّة تاريخيّاً كمشروع كولونيالي، الا أنّ التحول تجاه مشروع الدولة، خاصة بعد عام 1974، أدّى إلى تحوّل سياسيّ في التعامل مع الصراع، اذ صار يُعرض كصراع بين مجموعتين تتنافسان على نفس الوطن. وذلك بالتوازي مع استمرار إسرائيل في الاستيطان في المناطق المحتلة عام 67 وأيضا داخل الخط الأخضر.
بداية وقبل تناول الحركة الوطنية الفلسطينية، قدّم الأستاذ ايلان بابي، مدير عام المركز الأوروبي للدراسات وزميل بحث في مركز الدراسات العربية في جامعة اكستر البريطانية، المحاضرة الافتتاحيّة حول الصهيوينة. وقال، خلالها، أنّ الاستعمار الاستيطانيّ الصهيونيّ هو مسار وليس بنية ولذا من الصعب إيجاد خصائصه، وانما وجب النظر الى المنطق الذي يحفز المشروع، وهو منطق الإبادة المرتبط بمنطق شيطنة المحليين.
قدم الاستاذ داهود تلحمي محاضرة حول المحيط الإقليمي ومقارعة الصهيونية. وقال في مستهلّ حديثه، انه بالرغم من كون الشعب الفلسطيني هو الضحية الأولى للمشروع الصهيوني، ولكن الأخير يستهدف أيضاً المحيط العربي، وغير العربي، من خلال الجانب التوسعي الجغرافي الكامن فيه. ولكن، الأخطر من هذا المشروع، هو الدور الإمبريالي الإقليمي الذي تقوم به الدولة الصهيونية في المنطقة.
اما المحاضرة الثالثة فكانت للأستاذ سميح حمودة، محاضر في دائرة العلوم السياسية في جامعة بير زيت، وقال، خلالها، أن التيار الإسلامي مثل تيارات منظمة التحرير يعاني من ضعف في التنظير والمنهج الفكريّ. ثم ادّعى بأنّ خطاب حماس يمزج بين الديني والسياسي وينظر لليهود نظرة جوهرانيّة، بينما الجهاد الإسلامي لم ينظر للصهيونية كامتداد للجماعات اليهودية في التاريخ انما يراها جزءا مرتبطا عضويا بالاستعمار.
بعد ذلك قدم الأستاذ عبد اللطيف حصري، عضو الدائرة الفكرية في الحزب الشيوعي الاسرائيلي، محاضرة عن الحزب الشيوعي الاسرائيلي، حيث رأى بأنه ما زال مركبا هاما في حركة التحرير الفلسطينية. وحول جذوره الفكرية، قال انه بدا كمزيج من فكر مهاجرين وصلوا الى فلسطين مع أفكار ماركسية وبالتوازي مع شيوعيين نشأوا في المدينة الفلسطينية. وتطرق، أيضا، للانقسامات المختلفة ثم الوحدة بين تيارات الحزب كالانقسام الذي حلّ بالحزب عام 1943 بين العرب واليهود، والذي أنشا عصبة التحرر، والذي كان سببه رفض العرب الموازاة بين النزعة القومية لحركة تناضل ضد الاضطهاد وبين نزعات قومية لأمة تمارس الاضطهاد.
الجلسة الأولى في اليوم الثاني كانت حول قراءة الحركة الوطنية في الداخل للصهيونية، وقدّمها د. مهند مصطفى، وهو محاضر في كلية الدراسات الاكاديمية وباحث في مدى الكرمل. ادّعى، خلالها، أنّ الإسلام السياسي في الداخل الفلسطيني قارب الصهيونية مقاربة تاريخية من خلال المنظومة الإسلاميّة الواسعة بكل مركباتها. بينما قاربت الحركة الوطنية الصهيونية مقاربة أيديولوجية تتعلق بمشروعها الاستعماري في فلسطين، دون ان تهمش علاقتها، أي الصهيونية، مع مجمل المشروع الاستعماري في المنطقة العربية.
الجلسة التالية كانت حول الحزب الشيوعي الإسرائيلي ومقاربته للصهيونية، تحدث، خلالها، الدكتور محمود محارب، المحاضر في جامعة القدس (أبو ديس) ، عن نشأة الحزب الشيوعي، والتي كانت في صفوف حركة المستوطنين اليهود وليس السكان الأصليين. مضيفا بان العرب أُدخلوا، لصفوف الحزب، بطلب من قادة الكومنترن، ولكن الحزب ،وجدانيا، كان قريبا من المشروع الاستيطاني وتحدث باسم البروليتارية اليهودية. ولكن، من جهة أخرى، ممارسات الصهيونية وتحالفها مع الاستعمار كانت من العوامل التي أبعدت الحزب عن الصهيونية.
تحدث في الجلسة الأخيرة والتي كان عنوانها الهوية والرواية الفلسطينية في ظل الصهيونية عضوان من أعضاء الورشة عن بحثيهما، حيث تحدثت هبه يزبك، طالبة اللقب الثالث في علم الاجتماع في جامعة تل ابيب، عن المهجرين داخل الخط الأخضر وكيف يروون، هم، روايتهم. وتحدث الدكتور منار مخول، منسّق مشروع الرصد السياسيّ في مدى الكرمل، عن تطور الهوية داخل إسرائيل، في ظل الصهيونية، من خلال مراجعة وتحليل اكثر من سبعين رواية فلسطينية كتبت داخل الخط الأخضر.
تمّ التعقيب وفتح مجال للنقاش في نهاية كل محاضرة من قبل شخصيّات عدة منها قيادات سياسية فلسطينية مثل نائبة البرلمان حنين زعبي، وعضو المكتب السياسي القطري للحركة الإسلامية الأستاذ وليد طه ومحاضرون من بينهم الدكتور جورج جقمان من جامعة بير زيت.
ويذكر أن الورشة ستعقد اجتماعين اضافيين يعرض المشتركون، خلالهما، ابحاثهم التي أجروها في اطار الورشة.