"تؤثّر الأحداث السياسيّة والظروف الاجتماعيّة على حياة النساء ولها إسقاطات عديدة على مبنى العائلة والعلاقات الاجتماعيّة. تحليل العلاقة بين مبنى العائلة والظروف السياسيّة قد يساهم في فهم بعض القضايا الاجتماعيّة مثل السيطرة والرقابة الاجتماعيّة على أجساد النساء" -هذا ما قالته د. إيزيس نصير في مداخلتها "المشرّدون/ات في البيت: الانتماءات الإثنيّة والنوع الاجتماعيّ في المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل" في برنامج الدراسات النسويّة في مدى الكرمل.
بمناسبة صدور كتاب "المشرّدون/ات في البيت: الانتماءات الإثنيّة والنوع الاجتماعيّ في المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل"، الذي صدر عن دار النشر "ساني بريس" عام 2010، وهو من تحرير د. روضة آن كناعنة وَد. ايزيس نصير، استضاف برنامج الدراسات النسويّة في مدى الكرمل د. إيزيس نصير (محرِّرة شريكة للكتاب ومحاضِرة في العلاقات الدوليّة ودراسات المرأة في جامعة "دينستون" في أوهايو الولايات المتّحدة)، ومنال شلبي (ناشطة وباحثة نسويّة لها فصل في الكتاب بعنوان "سياسات الجنوسة لدى النساء الفلسطينيّات في إسرائيل").
افتتحت اللقاءَ وأدارته السيّدة أريج صبّاغ- خوري (منسقّة مشروع المشاركة السياسيّة في مدى الكرمل) قائلة: "يسرّنا في برنامج الدراسات النسويّة وفي مدى الكرمل الاحتفال بصدور هذا الكتاب الذي يشكّل مرجعًا مهمًّا حول النساء الفلسطينيّات في إسرائيل. وهو من أوائل الأدبيّات الأكاديميّة التي تجمع كاتبات فلسطينيّات من مناطق الـ 48 يكتبن ويبحثن في مواضيع متعلّقة في السياق الاجتماعيّ الاقتصاديّ الخاصّ بهنّ. ويأتي هذا الإصدار -إلى جانب أدبيّات أخرى، بعضها من إصدار برنامج الدراسات النسويّة- ليملأ فراغًا دام طويلاً في الأدبيّات الأكاديميّة حول النساء الفلسطينيّات في إسرائيل، ولا سيّما مراجع باللغة الإنكليزيّة".
في بداية مداخلتها، تناولت د. إيزيس نصير فكرة الإصدار وطريقة العمل التي رافقت إصداره وقالت: "أهمّـيّة هذا الكتاب تتعدّى كونه متعدّد الأبعاد مركَّبًا ومتنوّع المواضيع، حيث تتراوح مواضيع الكتاب ما بين المهجّرين في الداخل والذاكرة التاريخيّة، وصولاً إلى جنسانيّة المرأة وإمكانيّات المقاومة الكامنة في ثقافة الهيب هوب بين الشبيبة الفلسطينيّة. بل عملنا كذلك على أنْ تحمل طريقة العمل عليه فكرًا وممارسةً نسويَّيْن، تضمن مشاركة الكاتبات في معظم مراحل تحضير الكتاب، واتّبعنا حساسية جندريّة خاصّة تجاه لغة والمضامين". وأضافت" يشمل الكتاب أربعة محاور مركزيّة: الدولة والإثنيّة؛ الذاكرة والتاريخ الشفويّ؛ جندرة الحيّز والجسد؛ الهجرة والتهجير. وحاولنا من خلال فصول الكتاب المختلفة تضمين التحليل النسويّ وتحدّي الاستقطاب الذي يحكم الكثير من الأبحاث التي تتناول مكانة النساء. فعلى سبيل المثال، كيف تتأثّر العلاقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة وقضايا اجتماعيّة قد تُعتبر مهمَّشة عندما نقوم بربطها مع القضايا السياسيّة، أو ما هي العلاقة بين الخاصّ والعامّ والسياسيّ والاجتماعيّ وكيف نتناول التاريخ بعلاقته مع الحياة الخاصّة؟ وكيف تتقاطع الاهتمامات المحلّـيّة والوطنيّة والعالميّة وتشكّل حَيَواتنا اليوميّة. إنّ ما يميّز الكتاب هو التوازن اللطيف الذي تحافظ عليه فصول هذا الكتاب في ما بينها، فمن ناحية، تقوم فصول الكتاب بتحليل المظاهر القمعيّة والقسريّة والرمزيّة للدولة، ومن ناحية أخرى، تتناول الفلسطينيّين كمجموعة متنوّعة وخلاّقة ونشطة وقادرة على وضع الإستراتيجيات".
في تطرّقها إلى الفصل الذي ساهمت د. نصير في كتابته قالت: "بدأت دراستي عام 1998، عندها كانت دولة إسرائيل تحتفل بمرور خمسين عامًا على استقلالها، وكان الفلسطينيّون يُحْيون الذكرى الخمسين لنكبتهم. وحاولت من خلال هذه الدراسة فهم تأثير الأحداث السياسيّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة المختلفة على ثلاثة أجيال من النساء الفلسطينيّات، استنادًا إلى تجربتهنّ. كذلك حاولت، من خلال هذه الدراسة، تحليل العلاقة بين الأوضاع الاجتماعيّة والسياسيّة على الحيّز الخاصّ وبنْية العائلة والسيطرة على جسد المرأة".
المداخلة الثانية كانت للباحثة والناشطة النسويّة منال شلبي تطرّقت فيها إلى المفهوم الاجتماعيّ والسياسيّ لجنسانيّة النساء الفلسطينيّات في إسرائيل، وقالت: "غالبًا تُهمَّش قضيّة جنسانيّة المرأة لصالح القضايا السياسيّة والاجتماعيّة، وهذا على الرغم من أهمّـيّة هذه القضيّة وإسقاطاتها المهمّة على جوانب متعدّدة في حياة النساء". وأضافت: "حاولت من خلال هذه الدراسة الإجابة عن عدّة أسئلة، من ضمنها: ما هو مفهوم ومواقف النساء تجاه جنسانيّتهنّ؟ كيف في الإمكان أن نفهم تعاطف النسويّات مع مجتمع يصفنه -في المعتاد- بأنّه مجتمع قامع؟ علاوة على ذلك، تحاول الدراسة أن تفهم: كيف تحظى العديد من النساء الناشطات بالاحترام والتقدير على الرغم من تحدّيهنّ للمفاهيم التقليديّة للجنسانيّة في المجتمع؟ وهل النساء الفلسطينيّات مقموعات جنسيًّا، أم متحرّرات؟ وكيف يجري التعامل مع الدلالات القيميّة للمصطلح"؟
وفي إشارة إلى أبرز النتائج، قالت شلبي: "معظم النساء، بصرف النظر عن درجة الثقافة والانتماء الدينيّ أو الطبقيّ، لم يفهمن المصطلح "الجنسانيّة"، ولم ينجحن في الإجابة عمّا تعنيه الجنسانيّة في حياتهنّ. مع هذا، يُستدَلّ من النتائج أنّ معظمهنّ استعملن دلالات سلبيّة للتعبير عن الجنسانيّة، نحو: القمع؛ التقاليد؛ وعدم الشرعيّة؛ الخوف؛ الألم؛ الكراهية. وفي تطرُّقهنّ إلى علاقتهنّ مع الجسد، طغت كذلك الصفات السلبيّة على هذا الموضوع، وغالبيّتهنّ عبّروا عن تجربة سلبيّة مع أجسادهنّ ارتبطت بالاشمئزاز والخطر والغربة. وتنعكس هذه العلاقة مع أجسادهنّ في علاقتهنّ مع المرآة، حيث عبّرت معظم المشارِكات في البحث عن ابتعادهنّ عن المرآة، ولاسيّما في سنّ المراهقة. فضلاً عن هذا، لم تستخدم معظم النساء اللغةَ العربيّة لوصف العلاقات الحميميّة، بل وصفت معظم النساء هذه القضايا مستعمِلات اللغة العبريّة أو الإنكليزيّة". وأضافت شلبي: "على الرغم من هذا الواقع، تشير نتائج الدراسة إلى أنّ النساء لا يخضعن تمامًا للقمع المجتمعيّ المفروض في مجال الجنسانيّة، وفي كثير من الأحيان تجد النساء وسائلَ وطُرُقًا بديلة لتناور البنى الاجتماعيّة القامعة وتستخدم حنكة اجتماعيّة تحاول من خلالها التغيير في النظام لا تغيير النظام".
في نهاية اللقاء، دار نقاش بين الحضور والمحاضِرات تمحور بدايةً في أهمّـيّة الدراسات التي تتناول واقع النساء الفلسطينيّات، ولا سيّما تلك التي تقوم بها باحثات نسويّات فلسطينيّات والتي تجمع بين السياق السياسيّ والاجتماعيّ والجندريّ. فضلاً عن هذا، تطرّق النقاش إلى المعيقات التي تواجه الباحثات الفلسطينيّات في الأكاديميا الإسرائيليّة؛ فمن ناحية، في كثير من الحالات، يتطلّب منهنّ إجراءُ الأبحاث في الجامعات الإسرائيليّة وتحدّي التوجّهات الاستشراقيّة التي تحاول الأكاديميا الإسرائيليّة فرْضَها على الباحثات أنفسهنّ. ومن ناحية أخرى، يتطلّب منهنّ إجراءُ الأبحاث في اللغة العبريّة حساسيةً ثقافيّة لغويّة وسياسيّة عند تحويل مضمون المقابلات التي أجرينها للبحث من اللغة العربيّة إلى اللغة العبريّة.