"يجب أن نسأل عن هدف خطة تقسيم فلسطين منذ عام 1937. فلقد كان الهدف حل مشكلة للاستعمار البريطاني وليس البحث عن أي حل للمهاجرين اليهود أو للسكان الأصلانيين في فلسطين. لقد جاء التقسيم لخدمة المصالح البريطانية"، هكذا تحدث د. موسى البديري، أستاذ التاريخ والعلوم السياسية في جامعة بير زيت، وذلك خلال لقاء الطاولة المستديرة الذي عقده مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، تحت عنوان "هل ينطبق مبدأ التقسيم على فلسطين – التاريخ والمستقبل؟".
يذكر أن هذا هو اللقاء الثالث في سلسلة ندوات الطاولة المستديرة لمدى الكرمل، والتي تهدف كما قال بروفيسور نديم روحانا، مدير عام مدى، الذي افتتح النقاش: "لمناقشة قضايا مركزية في الصراع بين الحركة الصهيونية وبين الشعب الفلسطيني، ومراجعة لأدوار الفلسطينيين في الداخل في تطورات الصراع والحلول". كما وأضاف انه ومن المهم أن تكون لدينا منصة للتفكير المشترك حول هذه القضايا فنحن نراجع التاريخ من أجل التعلم للمستقبل". وفي هذا السياق فإن التقسيم هو أحد أهم القضايا تاريخياً ومستقبلاً". ثم أشار بروفيسور روحانا إلى أنه ورغم التباين في الموقف الفلسطيني من مسألة التقسيم يبقى اجماع على المفهوم بأن الصراع هو بين حركة كولونيالية استيطانية وبين أهل البلاد الأصلانيين، "ما معنى هذا وماذا نتعلم منه. وما الذي يمكن أن نتعلمه من تجارب أخرى في العالم في هذا الخصوص؟ لم يشهد التاريخ حالة مشابهة لتقسيم البلاد بين حركة كولونيالية وبين السكان الأصلانيين، وعلينا أخذ هذه الحقيقة بالحسبان"، قال روحانا.
بداية تحدث د. البديري مشيراً إلى أنه ورغم مرور أكثر من 60 عام على التقسيم، ما زال النقاش يدور حول نفس الموضوع وما زالت تطرح نفس الحلول. وقال أن ما طرحته بريطانيا عام 1937 لم يكن فقط تقسيم البلاد إلى جزئين، بل أيضا إلى جزء ثالث تحتفظ به بريطانيا لنفسها، هذا بالإضافة إلى التبادل السكاني. كما أن التقسيم كان مربوطاً أيضاً بضم الدولة العربية إلى شرقي الأردن. "كما علينا أن نسأل أي تقسيم مطروح اليوم وما هو هدفه. فمبدأ التقسيم يطرح اليوم من قبل الفلسطينيين وأيضاً من قبل إسرائيل والمؤسسة الصهيونية. إسرائيل تطرح التقسيم بهدف الحفاظ على دولة يهودية والتخلص من الفائض السكاني العربي. أما بالنسبة للفلسطينيين يجسد التقسيم مبدأ تقرير المصير لسكان الضفة وقطاع غزة فقط. الموقف العربي والفلسطيني كان وما زال المطالبة بالاستقلال، لكنه لم يتم حتى الآن طرح مضمون لهذا الاستقلال"، قال د. بديري.
المداخلة الثانية كانت لبروفيسور إيلان بابي، مدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية في جامعة إكستر في بريطانيا، والذي استهل مداخلته بسؤال: كيف كان من المفروض أن يتعامل الفلسطينيون مع قرار التقسيم؟ وقال أنه: "كان هناك فرق جوهري في تعامل الطرف الصهيوني والطرف الفلسطيني مع قرار التقسيم. ففي حين رفض الطرف الفلسطيني التقسيم من حيث المبدأ، وافق عليه الطرف الصهيوني وتعامل مع القرار بتفاصيله ورد عليه للجنة بيل. وهنا يكمن جوهر الاختلاف. في حينه لم يتعامل الجانب الفلسطيني مع الإقتراح، بل رفضه مبدئيا. بالمقابل قبل الطرف الصهيوني فكرة التقسيم آخذين بعين الاعتبار علاقات القوى المحلية والعالمية وقاموا بتقديم خارطة مفصلة لنظرتهم للحل المستقبلي للمنطقة – وبشكل مثير فإن شكل الخارطة في حينه يشبه خارطة دولة إسرائيل اليوم بدون الضفة الغربية"، قال بابي. واضاف أن الطرف اليهودي رأى نفسه جزءا من المشروع الغربي وإقتراحاته.
وحول سؤال هل كان من الحكمة رفض القرار في حينه، قال بابي أنه من الصعوبة بمكان الإجابة على ذلك اليوم. فهل نجيب بحسب ما نعرفه اليوم، أم بحسب ما كانوا على علم به في حينه؟ ولكن تجدر الإشارة بأن العرب لم يأخذوا مسألة المحرقة وتأثيرها على ذلك الاقتراح وعلى أن انشغال العالم في تلك الفكرة كان بالاساس لحل مشكلة اليهود في أوروبا". هذا وأشار بابي إلى أن الاستيطان في الضفة الغربية يهدف إلى السيطرة على أكبر جزء من الأرض، وأن المستوطنين هم الوسيلة للسيطرة على الأرض وليس الاستيطان هو الهدف. كما أكد بابي بأن فكرة التقسيم ترتبط تاريخيا بالكولونيالية، وأن فكرة التقسيم لم تشكل فرصة تاريخية محتملة حتى قبل بناء المستوطنات.