تكريما لذكرى البروفيسور قيس فرو نعيد نشر الفصل الذي كتبه حول التجنيد الاجباري للدروز في الجيش الاسرائيلي
صدر الفصل في كتاب “الفلسطينيون في اسرائيل: قراءة في التاريخ والسياسة والمجتمع” تحرير نديم روحانا واريج صباغ خوري، اصدار مدى الكرمل (2015)
لقراءة الفصل اضغط هنا
خليل دهابشة:
- نسبة التصويت في النقب الأقل انخفاضا وفي القرى غير المعترف بها 25% فقط
- دالة الهبوط بدأت منذ 2009 ووصلت ذروتها في الانتخابات الأخيرة إلى 37.5%
- هيمنة اليمين وتآكل “اليسار” عمّقا من حالة إقصاء وتهميش العرب ومناطقهم
- فشل شعار “صوتك يحمي بيتك” دفع الناس للاستنكاف عن التصويت
ﺑﻠﻐﺖ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﺘﺼﻮﻳﺖ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺖ في انتخابات نيسان/ أبريل الماضي 37.5% بين أوﺳﺎط العرب في النقب، بينما انخفضت تلك النسبة إلى 25.5% فقط في القرى مسلوبة الاعتراف، وهي النسبة الأدنى بين الشرائح السكانية على الإطلاق، علما بأنّ نسبة التصويت بين عموم الفلسطينيين في إسرائيل بلغت نحو 50%.
ولا يعبر تراجع نسبة التصويت بين عرب النقب عن “إشكاليات تنظيمية أو احتجاج احترازي على الأطر التي تمثل هذه الفئة”، بحسب دراسة جديدة لـ”مدى الكرمل”، “بقدر ما يعكس حالة رائجة وقناعة راسخة لدى أصحاب حق الاقتراع على محدودية قدرتهم وقدرة ممثليهم على التأثير الفاعل والانتفاع المحقق من البرلمان بهيئته الحالية، وحالة من الخذلان تبلغ حد التشكيك في قدرة التمثيل العربي على إصلاح حال المجتمع العربي على وجه العموم وفي النقب خصوصًا، في القضايا الأساس وهي الأرض والاعتراف”، بالتوازي مع تحريض المؤسسة الحاكمة على الأحزاب العربية البرلمانية بأنها لا تهتم بقضايا الفلسطينيين في إسرائيل الحياتية، وإنما بالقضية الفلسطينية، وهو ما انعكس سلبًا على ثقة الناخب بالأحزاب العربية.
هذا إضافة إلى أنّ البرلمانيين العرب لم يحققوا، بنظر ناخبين، في القضايا المطلبية العينية لناخبيهم إنجازات آنية ومنافع ملموسة ظاهرة للعيان يتطلعون إليها، ما ساهم في تسارع وتيرة التساؤلات بشأن جدوى العمل البرلماني.
هذا ما ورد في ورقة تقدير موقف صدرت عن “مدى الكرمل” – المركز العربي للدراسات الاجتماعية والتطبيقيّة، صاغها ابن النقب خليل دهابشة وهو أكاديمي وناشط، عالجت خصوصية النقب وأسباب تدني نسبة التصويت بين صفوف أبنائه إلى ما تحت المعدل العام للعرب داخل الخطّ الأخضر، المنخفض أصلًا.
حول الورقة ودواعي الاستنكاف عن التصويت في النقب بشكل خاص، التي ميزت الانتخابات الفائتة وإمكانيّات ازدياد نسبة التصويت في ظل إعادة تشكيل القائمة المشتركة، كان هذا الحوار مع خليل دهابشة.
عرب 48: النقب جزء أصيل من هذا الوطن وشعبه، ولذلك من غير المستغرب أن تتأثر نسبة التصويت فيه بالمؤثرات العامة المرتبطة بالسياسة الإسرائيلية، وبالعوامل الذاتية المتعلقة بخيبة الأمل من المشتركة والغضب على تفكيكها وغير ذلك، ولكن تدني النسبة إلى هذا الحد ربما يشير إلى خصوصية معينة، إذا أدركنا أنّ هذه النسبة انخفضت في القرى غير المعترف بها إلى 25.5% فقط؟
دهابشة: نسبة التصويت في النقب كما هو حال المجتمع الفلسطيني في إسرائيل بدأت في الانخفاض منذ سنوات الألفين، وتحديدًا بالتزامن مع انتفاضة الأقصى وما تركته من آثار على ساحة الداخل، ووصلت هذا النسبة أدنى معدلاتها في النقب عام 2009، حيث بلغت 35.8% ثم عادت وارتفعت إلى ما يقارب الـ50% في انتخابات 2015، بفعل تشكيل القائمة المشتركة وعادت لتستقر عند حالها السابق بعد تفكيكها، ولا نستطيع التنبؤ إذا ما كانت ستعود إلى ما كانت عليه في الـ2015، بعد إعادة تشكيل المشتركة في هذه الانتخابات.
طبعا، تقف عوامل الإقصاء والتهميش في مركز الأسباب التي أدت إلى هذا الانخفاض، خاصّة في ظل هيمنة اليمين على الحياة السياسية في إسرائيل. وبطبيعة الحال، فإنّ النقب يعاني أكثر من غيره من التجمعات العربية من حالة الإقصاء والتهميش ونزع الشرعية، كون ما يقارب الـ50% من سكانه العرب يعيشون في قرى مسلوبة الاعتراف، وهذا ما يفسّر نسبة المشاركة الأكثر انخفاضا في المجتمع العربي.
عرب 48: تقصد أن عرب النقب، بالذات، يشعرون أكثر من غيرهم أنّهم غير شركاء في اللعبة الانتخابية كونها لا تأخذهم بعين الاعتبار؟
دهابشة: في الآونة الأخيرة وفي ظل هيمنة اليمين من جهة، وعدم انسجام خطاب الأحزاب العربية مع خطاب المعارضة السياسية الإسرائيلية التي تسعى إلى السلطة من جهة أخرى، وَضَعَها (أي الأحزاب) في خانة المتفرّج على اللعبة السياسية وفي حالة دفاع مستمر حول جدوى دورها في التصدي لمعسكر اليمين.
وفي النهاية، فإنّ عدم الاشتراك في صنع اللعبة السياسية وعدم القدرة على تحديد معالمها وقواعدها خلقا واقعا جديدا وسؤالا ملحا حول العمل البرلماني العربي، خاصة بعد تجربة القائمة المشتركة التي كانت الكتلة الثالثة في الكنيست، ولم تستطع، بالرغم من ذلك، لجم الانفلات اليميني على العرب وحقوقهم وتمرير القوانين الإثنية التي رسّخت يهودية الدولة وفي مقدمتها “قانون القوميّة”.
ما أردت أن أقوله إنّ قدرة الأحزاب العربية على إقناع الناس على الخروج للتصويت قد تقلصت، خاصّة وأنّ المسألة أصبحت أبعد من تشكيل أو عدم تشكيل قائمة مشتركة.
عرب 48: نحن نعرف أنّ النقب مرّ بمراحل مختلفة بالانتقال من القيادة العشائرية التقليدية المرتبطة بأحزاب السلطة والتي قادها الشيخ حماد أبو ربيعة في السبعينيّات والثمانينيّات، مرورا بالمرحلة الانتقالية التي برز فيها عضو الكنيست طلب الصانع وصولًا إلى التعددية السياسية التي تأخذ فيها الأحزاب دورًا محوريًا؟
دهابشة: القضية مركّبة جدًا، فالوضع الذي ساد في السبعينات والثمانينات وحتى في أيام الحكم العسكري اعتمد على ولاءات قبلية، بمعنى وجود قيادة تقليدية للمجتمع هي مؤسسة المشيخة التي تزعمها في فترتها الأخيرة الشيخ حماد أبو ربيعة، الذي كان بمثابة شيخ المشايخ، والتصويت خلالها كان لحزب “مباي” واستمراره التاريخي، أي العمل أو للقوائم العربية المرتبطة بهما.
عرب 48: التصويت كان تعبيرا عن الولاء؟
دهابشة: أيام الحكم العسكري، تحديدًا، كان النقب مسلوخا عن باقي أجزاء الوطن ويفتقر إلى نخب مثقفة، والمشيخة كانت ليست فقط سلطة اجتماعية، بل هي سلطة معتمدة من قبل المؤسسة والمشايخ هم بمثابة وسطاء بين المواطن والمؤسسة.
الشيخ في الستينيّات والسبعينيّات كان هو ممثل السلطة أمام المواطنين وممثل المواطنين أمام السلطة، وإن كان لا يمثل رغبة المواطنين بل رغبات المجموعة المتنفذة. وقد منح الحكم العسكري امتيازات للمشايخ لتثبيت سلطتهم، فالشيخ يستطيع الدخول إلى الحاكم العسكري دون أن يمر عن طريق السكرتيرة، ويستطيع توفير بعض الحلول الفورية للمواطنين، مثل الحصول على تصاريح لمراعي المواشي وتحرير المواشي التي يتم مصادرتها، والحصول على تصاريح للرعي في مناطق عسكرية، وهي بمجموعها مصالح حيوية للمواطنين يدفعون ثمنها بالولاء للشيخ الذي يشكل بدوره جزءًا من الولاء للسلطة.
ولكن بنظرة إلى مبنى مؤسسة المشيخة التي تقوم على ما يسمى بـ”الربع”، حتى لو تجاوز العدد الأربعة أرباع إلى خمسة أو ستة وأكثر، وهم وجهاء لعائلاتهم يجتمعون مع الشيخ ويتّخذون قرارات مشتركة، نجد أنه في كثير من الأحيان، القرارات تتخذ بشكل ديمقراطي وفي كثير من الأحيان تفرض على الشيخ، رغم أن المبنى عشائري وغير ديمقراطي.
عرب 48: المؤسسة فهمت السلطة التي تتمتع بها هذه المنظومة ووظفتها لصالحها؟
دهابشة: هذه المنظومة كانت بحاجة للسلطة لبقاء سلطتها والسلطة كانت بحاجة إليها لفرض سيادتها ونفوذها، ولذلك منحتها بعض الصلاحية وكسبت بالمقابل ولاءها وولاء المواطنين التابعين لها، وهو ولاء تعدى المؤسسة إلى الحزب الحاكم.
المشيخة التقليدية فقدت نفوذها بعد وفاة الشيخ حماد أبو ربيعة ونشوء بلدات جديدة، حيث سبق ذلك سقوط حزب السلطة مباي- العمل من سدة الحكم. ودخول أحزاب جديدة إلى ساحة النقب، أبرزها الليكود عن طريق موشيه أرنس و”ياحد” الذي أسسه عيزير فايتسمان.
فقد تنبه أرنس إلى التركيبة الديمغرافية للنقب التي تتألف من العشائر التي حافظت على مكانتها ووضعيتها لأنها لم تهجر، ومن عشائر فقدت سلطتها وهيبتها وقوتها بسبب التهجير وعاشت في كنف العشائر الباقية وأصبحت تابعة وموالية لها.
أرنس منح العشائر المضطهدة صفة المشيخة وصلاحياتها، مقابل تصويتها وولائها لليكود. وكسر، من حيث لا يدري، مبنى مؤسسة المشيخة التقليدية؛ في المقابل، دخلت قيادة شابة مثل النائب السابق طلب الصانع عن طريق الحزب الديمقراطي العربي، بعد الانتفاضة الأولى، ثم الحركة الإسلامية لاحقا، حيث حصلت القائمة العربية الموحدة التي ضمت الطرفين في انتخابات 1996 على 71% من أصوات الناخبين في النقب، وحلت بذلك الأحزاب العربية محل أحزاب السلطة والقوائم التابعة لها، بعد تفكك مؤسسة المشيخة التقليدية المرتبطة بها.
عرب 48: ولماذا هذا التراجع في قوة الأحزاب العربية وفي نسبة المصوتين للكنيست عموما؟
دهابشة: هناك الكثير من الأسباب التي أتيتُ على ذكرها في الورقة (المشار إليها في المقدّمة)، ولكن أهمها أن النواب العرب أنفسهم يعترفون بمحدودية قدرتهم على التمثيل في القضية الملتهبة، قضية هدم البيوت، هم غير قادرين على تحقيق إنجاز في وقف أو تقليص الهدم، بل بالعكس، فبعد أن رفعوا شعار “صوتك يحمي بيتك” ازدادت وتيرة الهدم، وفي عام 2018 عندما كانت القائمة المشتركة القوة الثالثة في الكنيست، تم هدم 2026 بيتا.
يبدو أن هيمنة اليمين مقابل تآكل “اليسار” أو ما كان يعرف بمعسكر السلام، جعل أعضاء الكنيست العرب بمثابة لاعب معطّل في اللعبة البرلمانية وقلّص من حدود دورهم وتأثيرهم في هذا الملعب، وهو أمر يبدو أنه ترك تأثيره على النقب أكثر من غيره.
خليل دهابشة: أكاديمي من النقب، مواليد قرية الفرعة مسلوبة الاعتراف
لقراءة الورقة كاملة: https://bit.ly/2lT82PL
أجرى مركز مدى الكرمل دراسة حول المشاركة السياسية للمواطنين العرب في النقب، خلصت الى نتائج مقلقة على مستوى القائمة المشتركة، حول نسبة التصويت لدى المواطنين العرب في النقب، حيت أظهرت النتائج أن هناك تدنيًا واضحًا خلال العقد الأخير في نسبة التصويت.
وأكد خليل دهامشة من مركز مدى الكرمل، المعطيات التي تشير الى انخفاض نسبة التصويت لدى المواطنين العرب، منوهًا أن نسبة التصويت في العام 2009 كانت 35%، وفي العام 2015 خلال تأسيس القائمة المشتركة كانت النسبة قرابة 50% وفي الانتخابات الأخيرة التي أجريت هذا العام كانت النسبة 37%
وأعرب عن عدم تفاؤله من ارتفاع نسبة التصويت في الانتخابات القادمة، وتوقع أنها لن تصل الى 50%، مشيرًا الى أن الذروة كانت في سنوات السبعينات والثمانينات، حيث وصلت النسبة الى أكثر من 60%، وكانت حينه الحركة الاسلامية والحزب الديمقراطي، والمواطنو دعموا هذه القائمة، كما نجح المرشحون من الوصول الى الناخب واقناعه، وكان هناك تاثير للعشائر
وحول أسباب انخفاض نسبة التصويت لدى المواطنين العرب في النقب، لفت الى أن الغالبية تتعامل مع السياسة كعمل ثانوي، علمًا انه كان هناك ممثلين من النقب مثلوا كافة الشرائح والتركيبات القبلية.
كما عزا أسباب تدني نسبة التصويت، الى الاستفهامات حول جدوى المشاركة السياسية البرلمانية في ظل استمرار هيمنة اليمين والخطاب الهجومي على الممثلين العرب، ومحدودية قدرة النواب العرب في التأثير الفاعل، اضافة الى حالة الخذلان والإحباط من العمل السياسي البرلماني، وجدوى هذا العمل والتشكيك بقدرة النواب العرب أن يحققوا انجازات ملموسة.
لقراءة الورقة كاملة: https://bit.ly/2lT82PL
ينعى مركز مدى الكرمل الباحث والمؤرخ الكبير البروفيسور قيس فرو الذي توفي اليوم تاركا وراءه إرثا كبيرا من الأبحاث والإصدارات الأكاديمية عبر سنين حياته التي سخرها لخدمة مجتمعه العربي.
لقد كان للفقيد دور وإسهام كبير في مركز مدى الكرمل من خلال مشاريع مختلفة مثل التاريخ الشفوي وتجنيد العرب الدروز، كما كان عضوا في الهيئة العامة لمركز مدى الكرمل وكان في السابق عضوا في الهيئة الإدارية للمركز.
بفقدانه فقد شعبنا هامة معرفية ووطنية كبيرة.
احر التعازي لعائلة الفقيد وطلابه ولشعبنا بفقدانه..
رحم الله فقيدنا واسكنه فسيح جناته
أثار تراجع نسبة التصويت بين الفلسطينيّين في العَقد الأخير، في إسرائيل عامّة، ولدى أهل النقب خاصّة، استفهاماتٍ كثيرةً حول جدوى المشاركة السياسيّة البرلمانيّة من عدمها في ظلّ استمرار هيمنة معسكر اليمين على الخطاب والقرار السياسيّ الفاعل، ولا سيّما تجاه الفلسطينيّين في إسرائيل. حيث قرّر ما يقارب نصف المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل الامتناع عن الإدلاء بأصواتهم في انتخابات الكنيست الحادي والعشرين التي جرت في نيسان هذا العام (2019). هذا السلوك المتمثّل في الامتناع عن التصويت من قِبَل المواطن العربيّ، الفرديّ في أساسه، والجمعيّ في مُجْمَله، يستدعي القيام بدراسة مستفيضة وتحليل عميق للواقع السياسيّ العقيم الذي يعيشه العرب في إسرائيل، ولعلاقتهم بسلطات الدولة السياديّة وعلى رأسها “الكنيست” كونها سلطة تشريعيّة بالتزامن مع محدوديّة تأثيرهم السياسيّ. تحاول الورقة الحالية تحليل السلوك السياسي الانتخابي في صفوف العرب البدو في النقب تحديدا، من خلال مقاربة تاريخية من جهة، وتحليل سياسي لدورات الانتخابات الأخيرة من جهة أخرى.
لقراءة الورقة كاملة اضغط هنا
عقد مركز مدى الكرمل، المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التّطبيقيّة، مؤتمره السّنويّ الخامس لطلّاب الدّكتوراه الفلسطينيّين، السّبت الماضي، في فندق رمادا أوليفييه في النّاصرة، بحضور العشرات من الطلّاب والأكاديميّين والباحثين والنّاشطين، لمناقشة أبحاث الدّكتوراه لطلّاب وطالبات فلسطينيّات. وقد تميّز مؤتمر هذا العام، بمساهمته في دفع جيل جديد من الباحثات الفلسطينيّات، حيث شاركت فيه تسع باحثات وباحث واحد.افتُتح المؤتمر بكلمات ترحيبيّة لعضوي اللجنة الأكاديميّة للمؤتمر، د. مهنّد مصطفى المدير العام لمركز مدى الكرمل، و د. أيمن اغبارية المحاضر في جامعة حيفا. شدّد مصطفى على أهمّيّة المؤتمر باعتباره “لقاءً معرفيّا يلتقي به الطّلّاب ويتبادلون المعرفة والخبرة ويلتقون مع باحثين من جامعات مختلفة، ومساحة لصقل فعل إنتاج المعرفة لدى جيل الباحثين الجدد، الذي هو فعل سياسيّ مقاوم، بكونه ينتج معرفة في ظلّ القوى الاستعماريّة متحدّيّا لها، وناقدا لها، ولذات المستعمر، وللواقع تحت الاستعمار، ولأدواته المعرفيّة ولمنهجيّته البحثيّة”. أمّا د. أيمن اغبارية فقد تطرّق إلى أهمّيّة أن يكون الباحثُ مثقّفًا شاهدًا يمارس فعل البحث، والتّأمّل والتّبيّن للحقيقة. مضيفا بأنّ: “ما نسعى إليه هو أن ننتقل بالأكاديميّ الفلسطينيّ من مقعد المشاهدة والفرجة إلى ميدان الشّهادة الفاعلة والنّشطة”. وأنهى بإشارته إلى شكل النّخبة الفلسطينيّة القادمة التي يسعى برنامج طلّاب الدكتوراه في مدى الكرمل إلى تشكيلها.
تخلّل المؤتمر ثلاث جلسات دراسيّة. تناولت الجلسة الأولى، التي أداراها د. أيمن اغباريّة والتي كان عنوانها الهويّة النّسائيّة: مسارات التّشكّل وصور التّمثّل، ثلاث مداخلات: الأولى بعنوان “التّكيّف في الشّبكات الاجتماعيّة خلال فترة التّغيّرات في الهويّة الدّينيّة لدى نساء فلسطينيّات في إسرائيل”، قدمتها الباحثة عائشة حجار اغبارية، طالبة دكتوراه في كلّيّة الاتّصال والصّحافة في الجامعة العبريّة. والتي تناولت الامكانيات التي تتيحها مواقع التّواصل الاجتماعيّ لنساء ذوات خلفيّة اجتماعية، تقليديّة، وذكوريّة، فيما يتعلق ببلورة وعرض هويّتهن الدّينيّة في ظل حكم دولة تتّسم بالعلمانيّة. أمّا البحث الثّاني، والذي جاء بعنوان “تحوّلات في الفكر الإسلاميّ المعاصر: مكانة المرأة في مجمّع الفقه الإسلاميّ” فقد كان للباحثة ناهد كنعان، طالبة دكتوراه في قسم الشّرق الأوسط في جامعة بن غوريون. والتي تناولت مكانة المرأة المسلمة في السّياق الثّقافي الاجتماعيّ والتّاريخيّ (1981-2018) داخل أسوار مجمّع الفقه، كمؤسّسة عليا، تُعتبر مظلّة للعالم الإسلاميّ، من خلال فحص كيفية تطوّر الفتاوى المتعلّقة بقضايا المرأة وحقوقها، ووصف الخطاب الفقهيّ النّسويّ داخل المجمّع. واما البحث الثّالث والأخير لهذه الجلسة، فقد كان بعنوان “الكتابة النّسويّة في أدب الكتّاب الرّجال: يوسف ادريس نموذجا” عرضته الباحثة أماني هواري، طالبة دكتوراه في قسم اللغة العربيّة وآدابها في جامعة حيفا. حاولت الباحثة هواري الوقوف على إجابة للسؤال: “هل يكون الكاتب الرجل نسويًّا في أدبه؟”، مثيرةً بذلك نقاشًا وجدلًا حول ما يجعلُ الكتابة نسويّةً من حيث المضامين والأفكار، الأساليب، وجنس الكاتب.
وقد قدمت يوسف ادريس كمثال لكاتب نسويّ. جاءت الجلسة الثانية تحت عنوان “فلسطين: مقاربات تاريخيّة، اجتماعيّة واقتصاديّة” أدارها د. عميد صعابنه، المحاضر في قسم علم الاجتماع في جامعة حيفا، وعضو لجنة الأبحاث في مدى الكرمل. قدمت خلالها ثلاث مداخلات ، كانت الأولى لد. إلهام جبر شماليّ من غزّة عبر السّكايب، وهي حاصلة على إجازة الدّكتوراه في التّاريخ من جامعة عين شمس. عرضت شماليّ بحثًا بعنوان ” الصّندوق القوميّ اليهوديّ ودوره في خدمة المشروع الصّهيونيّ”. تناولت خلاله مؤسّسة “الكيرين كييمت” مشيرة الى أنها لعبت دورًا هامًّا في نهب أراضي فلسطين حتّى عام 1948م، حيث استطاعت توفير مبلغ 31 مليون جنيه فلسطينيّ من مصادر عدّة، للسيطرة على مساحة 936.000 دونم، كما وطبّقت الترانسفير لتهجير أهالي القرى وعشائر بيسان شرق نهر الأردن منذ العشرينات. وخلال حرب عام 1948 كان الصندوق عنصرًا أساسيًّا في عمليّات طرد الفلسطينيين من قراهم ومدنهم”.قدم المداخلة الثّانية التي جاءت تحت عنوان “الاقتصاد الفلسطينيّ وعلاقته مع اسرائيل”، الباحث وليد حبّاس، طالب دكتوراه في قسم علم الاجتماع في الجامعة العبرية. تناول خلالها ظاهرة ازدياد العلاقات الاقتصاديّة بين سكّان الضّفّة واسرائيل، على الرغم من نظام الفصل العنصري وتكثيف البنية الاستعمارية وأدوات السيطرة التي فرضتها اسرائيل على سكان الضفة الغربية مع انتهاء الانتفاضة الثانية. ويفترض الباحث حبّاس أنّه “لا يمكن تفسير العلاقات الاقتصاديّة بين الضّفة الغربيّة واسرائيل فقط من خلال البنية الاستعماريّة التي تمارس السّيطرة والهيمنة على سكّان وأراضي الضّفة الغربيّة، ودون الالتفات لدور السّكان الفلسطينيّين، مشيرا الى انهم ليسوا بلاعبين سلبيين، كما ولا يندرج جميعهم ضمن فئة المستغَلّين المسيّرين، حيث يلعب بعضهم دورا لا يستهان به في صياغة شكل وكثافة ونوعيّة العلاقات الاقتصاديّة مع اسرائيل كذلك”. اما المتحدثة الثالثة، فكانت الباحثة سهاد واكد، وهي طالبة دكتوراه في مدرسة الدراسات الثّقافيّة في جامعة تل أبيب، فقد عرضت بحثًا بعنوان ” النّساء القرويّات الفلسطينيّات ومسار التّغيير: عرابة نموذجًا”. مشيرة خلاله الى التّغيّرات التي شهدها الواقع التّاريخيّ الجغرافيّ في عرابة، وتأثيرها على النّساء، حيث فحصت الباحثة الاستراتيجيات التي اتّبعتها النساء في تحديد هويّتهن الذّاتية في مجتمع انتقالي.
أما الجلسة الثالثة والأخيرة فقد جاءت تحت عنوان النّساء الفلسطينيّات: أدوار وتحدّيات مجتمعيّة وأدارتها عضوة اللجنة الأكاديميّة للمؤتمر، د. سونيا بولس، الباحثة الزائرة في مدى الكرمل والمحاضرة في قسم العلاقات الدّوليّة والقانون في جامعة أنطونيو دي نبريخا في مدريد. كانت المتحدثة الأولى في الجلسة الباحثة ميسون أبو رية، طالبة دكتوراه في كليّة علم الاجتماع في جامعة بن غوريون، وقد تناولت مداخلتها بحثها حول زواج النّساء العربيّات المطلقات ثانية، والذي تحاولُ من خلاله فهم وتحليل الدّوافع والاستراتيجيّات التي تدفع النّساء الفلسطينيّات المطلّقات للزواج مرّة ثانية في ظلّ نظام اجتماعيّ أبويّ، وكذلك الصّعوبات التي تواجهها حين التّصريح عن رغبتها في ذلك. أما المتحدثة الثانية فكانت الباحثة كاميليا إبراهيم، وهي طالبة دكتوراه في دراسات الجنوسة في جامعة بار ايلان، فقد تحدثت عن العزباوات الفلسطينيّات في إسرائيل، متطرقة الى ضرورة التّعامل مع حالة العزوبيّة باعتبارها حالة طبيعيّة، وليست مرحلة انتقاليّة إلى الزّواج. ادعت في مداختلها بان هناك أربعة أنماط مواجهة لدى العزباوات: مواجهة تهدف للوصول إلى الزواج، أخرى تهدف إلى معالجة المشاعر السّلبيّة، وثم مواجهة تهدف إلى تحقيق الذّات، وأخيرة تتجه نحو مفاوضة العائلة والمجتمع والمصالحة مع الموروث الثقافي.وفي المداخلة الأخيرة في المؤتمر تناولت الباحثة هزام هردل زريق، وهي طالبة دكتوراه في كلية الخدمة الاجتماعيّة في الجامعة العبريّة، الأخصائيّات الاجتماعيّات في المجتمع الفلسطينيّ: ما بين التّصور العام لمهنتهن وتّمثّلاتها الإعلاميّة. أشارت خلالها بأنّ صورًا نمطيّة عدّة، وأفكارا مسبقة سلبية تكوّنت حول مهنة العمل الاجتماعيّ، بينما تحاول في بحثها إلقاء الضّوء على مكانة مهنة العمل الاجتماعيّ في المجتمع عمومًا والإعلام على وجه الخصوص. كما، تحاول هردل زريق تسليط الضّوء على تجربة الأخصائيّات الاجتماعيّات الفلسطينيّات اللواتي يعملن في قسم الخدمات الاجتماعيّة في بلدات ومدن عربيّة، وما تواجهنه من تعنيف في إطار عملهنّ. وقد اشتمل المؤتمر على فقرة توزيع منح، قدمت خلالها عشر منح لطلبة الدراسات العليا المشاركين في السّيمنار، التي يوزعها مدى الكرمل سنويًّا.في نهاية المؤتمر قامت بتلخيص المؤتمر وشكر المشاركات والمشاركين عضوة الهيئة الإداريّة لمدى الكرمل الدّكتورة أريج صباغ خوري، التي تحدّثت عن أهمية النّقد الذّاتيّ في الدّراسات الفلسطينيّة، وليس فقط نقد الحالة الاستعمارية، وأشارت إلى أن مدى يسعى إلى ان يوفر حاضنة أكاديميّة توفر للطلاب أدوات النقد والمعرفة في دراساتهم من خلال مقاربات ناقدة للذات وللسياق الاستعماري
عقد مركز مدى الكرمل، المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التّطبيقيّة، مؤتمره السّنويّ الخامس لطلّاب الدّكتوراه الفلسطينيّين، السّبت الماضي، في فندق رمادا أوليفييه في النّاصرة، بحضور العشرات من الطلّاب والأكاديميّين والباحثين والنّاشطين، لمناقشة أبحاث الدّكتوراه لطلّاب وطالبات فلسطينيّات. وقد تميّز مؤتمر هذا العام، بمساهمته في دفع جيل جديد من الباحثات الفلسطينيّات، حيث شاركت فيه تسع باحثات وباحث واحد.
افتُتح المؤتمر بكلمات ترحيبيّة لعضوي اللجنة الأكاديميّة للمؤتمر، د. مهنّد مصطفى المدير العام لمركز مدى الكرمل، و د. أيمن اغبارية المحاضر في جامعة حيفا. شدّد مصطفى على أهمّيّة المؤتمر باعتباره “لقاءً معرفيّا يلتقي به الطّلّاب ويتبادلون المعرفة والخبرة ويلتقون مع باحثين من جامعات مختلفة، ومساحة لصقل فعل إنتاج المعرفة لدى جيل الباحثين الجدد، الذي هو فعل سياسيّ مقاوم، بكونه ينتج معرفة في ظلّ القوى الاستعماريّة متحدّيّا لها، وناقدا لها، ولذات المستعمر، وللواقع تحت الاستعمار، ولأدواته المعرفيّة ولمنهجيّته البحثيّة”. أمّا د. أيمن اغبارية فقد تطرّق إلى أهمّيّة أن يكون الباحثُ مثقّفًا شاهدًا يمارس فعل البحث، والتّأمّل والتّبيّن للحقيقة. مضيفا بأنّ: “ما نسعى إليه هو أن ننتقل بالأكاديميّ الفلسطينيّ من مقعد المشاهدة والفرجة إلى ميدان الشّهادة الفاعلة والنّشطة”. وأنهى بإشارته إلى شكل النّخبة الفلسطينيّة القادمة التي يسعى برنامج طلّاب الدكتوراه في مدى الكرمل إلى تشكيلها.
تخلّل المؤتمر ثلاث جلسات دراسيّة. تناولت الجلسة الأولى، التي أداراها د. أيمن اغباريّة والتي كان عنوانها الهويّة النّسائيّة: مسارات التّشكّل وصور التّمثّل، ثلاث مداخلات: الأولى بعنوان “التّكيّف في الشّبكات الاجتماعيّة خلال فترة التّغيّرات في الهويّة الدّينيّة لدى نساء فلسطينيّات في إسرائيل”، قدمتها الباحثة عائشة حجار اغبارية، طالبة دكتوراه في كلّيّة الاتّصال والصّحافة في الجامعة العبريّة. والتي تناولت الامكانيات التي تتيحها مواقع التّواصل الاجتماعيّ لنساء ذوات خلفيّة اجتماعية، تقليديّة، وذكوريّة، فيما يتعلق ببلورة وعرض هويّتهن الدّينيّة في ظل حكم دولة تتّسم بالعلمانيّة. أمّا البحث الثّاني، والذي جاء بعنوان “تحوّلات في الفكر الإسلاميّ المعاصر: مكانة المرأة في مجمّع الفقه الإسلاميّ” فقد كان للباحثة ناهد كنعان، طالبة دكتوراه في قسم الشّرق الأوسط في جامعة بن غوريون. والتي تناولت مكانة المرأة المسلمة في السّياق الثّقافي الاجتماعيّ والتّاريخيّ (1981-2018) داخل أسوار مجمّع الفقه، كمؤسّسة عليا، تُعتبر مظلّة للعالم الإسلاميّ، من خلال فحص كيفية تطوّر الفتاوى المتعلّقة بقضايا المرأة وحقوقها، ووصف الخطاب الفقهيّ النّسويّ داخل المجمّع. واما البحث الثّالث والأخير لهذه الجلسة، فقد كان بعنوان “الكتابة النّسويّة في أدب الكتّاب الرّجال: يوسف ادريس نموذجا” عرضته الباحثة أماني هواري، طالبة دكتوراه في قسم اللغة العربيّة وآدابها في جامعة حيفا. حاولت الباحثة هواري الوقوف على إجابة للسؤال: “هل يكون الكاتب الرجل نسويًّا في أدبه؟”، مثيرةً بذلك نقاشًا وجدلًا حول ما يجعلُ الكتابة نسويّةً من حيث المضامين والأفكار، الأساليب، وجنس الكاتب. وقد قدمت يوسف ادريس كمثال لكاتب نسويّ.
جاءت الجلسة الثانية تحت عنوان “فلسطين: مقاربات تاريخيّة، اجتماعيّة واقتصاديّة“ أدارها د. عميد صعابنه، المحاضر في قسم علم الاجتماع في جامعة حيفا، وعضو لجنة الأبحاث في مدى الكرمل. قدمت خلالها ثلاث مداخلات ، كانت الأولى لد. إلهام جبر شماليّ من غزّة عبر السّكايب، وهي حاصلة على إجازة الدّكتوراه في التّاريخ من جامعة عين شمس. عرضت شماليّ بحثًا بعنوان ” الصّندوق القوميّ اليهوديّ ودوره في خدمة المشروع الصّهيونيّ”. تناولت خلاله مؤسّسة “الكيرين كييمت” مشيرة الى أنها لعبت دورًا هامًّا في نهب أراضي فلسطين حتّى عام 1948م، حيث استطاعت توفير مبلغ 31 مليون جنيه فلسطينيّ من مصادر عدّة، للسيطرة على مساحة 936.000 دونم، كما وطبّقت الترانسفير لتهجير أهالي القرى وعشائر بيسان شرق نهر الأردن منذ العشرينات. وخلال حرب عام 1948 كان الصندوق عنصرًا أساسيًّا في عمليّات طرد الفلسطينيين من قراهم ومدنهم”.
قدم المداخلة الثّانية التي جاءت تحت عنوان “الاقتصاد الفلسطينيّ وعلاقته مع اسرائيل”، الباحث وليد حبّاس، طالب دكتوراه في قسم علم الاجتماع في الجامعة العبرية. تناول خلالها ظاهرة ازدياد العلاقات الاقتصاديّة بين سكّان الضّفّة واسرائيل، على الرغم من نظام الفصل العنصري وتكثيف البنية الاستعمارية وأدوات السيطرة التي فرضتها اسرائيل على سكان الضفة الغربية مع انتهاء الانتفاضة الثانية. ويفترض الباحث حبّاس أنّه “لا يمكن تفسير العلاقات الاقتصاديّة بين الضّفة الغربيّة واسرائيل فقط من خلال البنية الاستعماريّة التي تمارس السّيطرة والهيمنة على سكّان وأراضي الضّفة الغربيّة، ودون الالتفات لدور السّكان الفلسطينيّين، مشيرا الى انهم ليسوا بلاعبين سلبيين، كما ولا يندرج جميعهم ضمن فئة المستغَلّين المسيّرين، حيث يلعب بعضهم دورا لا يستهان به في صياغة شكل وكثافة ونوعيّة العلاقات الاقتصاديّة مع اسرائيل كذلك”. اما المتحدثة الثالثة، فكانت الباحثة سهاد واكد، وهي طالبة دكتوراه في مدرسة الدراسات الثّقافيّة في جامعة تل أبيب، فقد عرضت بحثًا بعنوان ” النّساء القرويّات الفلسطينيّات ومسار التّغيير: عرابة نموذجًا”. مشيرة خلاله الى التّغيّرات التي شهدها الواقع التّاريخيّ الجغرافيّ في عرابة، وتأثيرها على النّساء، حيث فحصت الباحثة الاستراتيجيات التي اتّبعتها النساء في تحديد هويّتهن الذّاتية في مجتمع انتقالي.
أما الجلسة الثالثة والأخيرة فقد جاءت تحت عنوان النّساء الفلسطينيّات: أدوار وتحدّيات مجتمعيّة وأدارتها عضوة اللجنة الأكاديميّة للمؤتمر، د. سونيا بولس، الباحثة الزائرة في مدى الكرمل والمحاضرة في قسم العلاقات الدّوليّة والقانون في جامعة أنطونيو دي نبريخا في مدريد. كانت المتحدثة الأولى في الجلسة الباحثة ميسون أبو رية، طالبة دكتوراه في كليّة علم الاجتماع في جامعة بن غوريون، وقد تناولت مداخلتها بحثها حول زواج النّساء العربيّات المطلقات ثانية، والذي تحاولُ من خلاله فهم وتحليل الدّوافع والاستراتيجيّات التي تدفع النّساء الفلسطينيّات المطلّقات للزواج مرّة ثانية في ظلّ نظام اجتماعيّ أبويّ، وكذلك الصّعوبات التي تواجهها حين التّصريح عن رغبتها في ذلك. أما المتحدثة الثانية فكانت الباحثة كاميليا إبراهيم، وهي طالبة دكتوراه في دراسات الجنوسة في جامعة بار ايلان، فقد تحدثت عن العزباوات الفلسطينيّات في إسرائيل، متطرقة الى ضرورة التّعامل مع حالة العزوبيّة باعتبارها حالة طبيعيّة، وليست مرحلة انتقاليّة إلى الزّواج. ادعت في مداختلها بان هناك أربعة أنماط مواجهة لدى العزباوات: مواجهة تهدف للوصول إلى الزواج، أخرى تهدف إلى معالجة المشاعر السّلبيّة، وثم مواجهة تهدف إلى تحقيق الذّات، وأخيرة تتجه نحو مفاوضة العائلة والمجتمع والمصالحة مع الموروث الثقافي.
وفي المداخلة الأخيرة في المؤتمر تناولت الباحثة هزام هردل زريق، وهي طالبة دكتوراه في كلية الخدمة الاجتماعيّة في الجامعة العبريّة، الأخصائيّات الاجتماعيّات في المجتمع الفلسطينيّ: ما بين التّصور العام لمهنتهن وتّمثّلاتها الإعلاميّة. أشارت خلالها بأنّ صورًا نمطيّة عدّة، وأفكارا مسبقة سلبية تكوّنت حول مهنة العمل الاجتماعيّ، بينما تحاول في بحثها إلقاء الضّوء على مكانة مهنة العمل الاجتماعيّ في المجتمع عمومًا والإعلام على وجه الخصوص. كما، تحاول هردل زريق تسليط الضّوء على تجربة الأخصائيّات الاجتماعيّات الفلسطينيّات اللواتي يعملن في قسم الخدمات الاجتماعيّة في بلدات ومدن عربيّة، وما تواجهنه من تعنيف في إطار عملهنّ.
وقد اشتمل المؤتمر على فقرة توزيع منح، قدمت خلالها عشر منح لطلبة الدراسات العليا المشاركين في السّيمنار، التي يوزعها مدى الكرمل سنويًّا.
في نهاية المؤتمر قامت بتلخيص المؤتمر وشكر المشاركات والمشاركين عضوة الهيئة الإداريّة لمدى الكرمل الدّكتورة أريج صباغ خوري، التي تحدّثت عن أهمية النّقد الذّاتيّ في الدّراسات الفلسطينيّة، وليس فقط نقد الحالة الاستعمارية، وأشارت إلى أن مدى يسعى إلى ان يوفر حاضنة أكاديميّة توفر للطلاب أدوات النقد والمعرفة في دراساتهم من خلال مقاربات ناقدة للذات وللسياق الاستعماري.
برنامج المؤتمر اضغط هنا
عقد مركز مدى الكرمل، المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التّطبيقيّة، مؤتمره السّنويّ الخامس لطلّاب الدّكتوراه الفلسطينيّين، السّبت الماضي، في فندق رمادا أوليفييه في النّاصرة.
افتُتح المؤتمر بكلمات ترحيبيّة لعضوي اللجنة الأكاديميّة للمؤتمر، د. مهنّد مصطفى المدير العام لمركز مدى الكرمل، و د. أيمن اغبارية المحاضر في جامعة حيفا
وصل الى موقع كل العرب بيان صادر عن مركز مدى الكرمل، جاء فيه: “عقد مركز مدى الكرمل، المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التّطبيقيّة، مؤتمره السّنويّ الخامس لطلّاب الدّكتوراه الفلسطينيّين، السّبت الماضي، في فندق رمادا أوليفييه في النّاصرة، بحضور العشرات من الطلّاب والأكاديميّين والباحثين والنّاشطين، لمناقشة أبحاث الدّكتوراه لطلّاب وطالبات فلسطينيّات. وقد تميّز مؤتمر هذا العام، بمساهمته في دفع جيل جديد من الباحثات الفلسطينيّات، حيث شاركت فيه تسع باحثات وباحث واحد”.
خلال المؤتمر
وأضاف البيان: “افتُتح المؤتمر بكلمات ترحيبيّة لعضوي اللجنة الأكاديميّة للمؤتمر، د. مهنّد مصطفى المدير العام لمركز مدى الكرمل، و د. أيمن اغبارية المحاضر في جامعة حيفا. شدّد مصطفى على أهمّيّة المؤتمر باعتباره “لقاءً معرفيّا يلتقي به الطّلّاب ويتبادلون المعرفة والخبرة ويلتقون مع باحثين من جامعات مختلفة، ومساحة لصقل فعل إنتاج المعرفة لدى جيل الباحثين الجدد، الذي هو فعل سياسيّ مقاوم، بكونه ينتج معرفة في ظلّ القوى الاستعماريّة متحدّيّا لها، وناقدا لها، ولذات المستعمر، وللواقع تحت الاستعمار، ولأدواته المعرفيّة ولمنهجيّته البحثيّة”. أمّا د. أيمن اغبارية فقد تطرّق إلى أهمّيّة أن يكون الباحثُ مثقّفًا شاهدًا يمارس فعل البحث، والتّأمّل والتّبيّن للحقيقة. مضيفا بأنّ: “ما نسعى إليه هو أن ننتقل بالأكاديميّ الفلسطينيّ من مقعد ال مشاهدة والفرجة إلى ميدان الشّهادة الفاعلة والنّشطة”. وأنهى بإشارته إلى شكل النّخبة الفلسطينيّة القادمة التي يسعى برنامج طلّاب الدكتوراه في مدى الكرمل إلى تشكيلها”.
وتابع البيان: “تخلّل المؤتمر ثلاث جلسات دراسيّة. تناولت الجلسة الأولى، التي أداراها د. أيمن اغباريّة والتي كان عنوانها الهويّة النّسائيّة: مسارات التّشكّل وصور التّمثّل، ثلاث مداخلات: الأولى بعنوان “التّكيّف في الشّبكات الاجتماعيّة خلال فترة التّغيّرات في الهويّة الدّينيّة لدى نساء فلسطينيّات في إسرائيل”، قدمتها الباحثة عائشة حجار اغبارية، طالبة دكتوراه في كلّيّة الاتّصال والصّحافة في الجامعة العبريّة. والتي تناولت الامكانيات التي تتيحها مواقع التّواصل الاجتماعيّ لنساء ذوات خلفيّة اجتماعية، تقليديّة، وذكوريّة، فيما يتعلق ببلورة وعرض هويّتهن الدّينيّة في ظل حكم دولة تتّسم بالعلمانيّة. أمّا البحث الثّاني، والذي جاء بعنوان “تحوّلات في الفكر الإسلاميّ المعاصر: مكانة المرأة في مجمّع الفقه الإسلاميّ” فقد كان للباحثة ناهد كنعان، طالبة دكتوراه في قسم الشّرق الأوسط في جامعة بن غوريون. والتي تناولت مكانة المرأة المسلمة في السّياق الثّقافي الاجتماعيّ والتّاريخيّ (1981-2018) داخل أسوار مجمّع الفقه، كمؤسّسة عليا، تُعتبر مظلّة للعالم الإسلاميّ، من خلال فحص كيفية تطوّر الفتاوى المتعلّقة بقضايا المرأة وحقوقها، ووصف الخطاب الفقهيّ النّسويّ داخل المجمّع. واما البحث الثّالث والأخير لهذه الجلسة، فقد كان بعنوان “الكتابة النّسويّة في أدب الكتّاب الرّجال: يوسف ادريس نموذجا” عرضته الباحثة أماني هواري، طالبة دكتوراه في قسم اللغة العربيّة وآدابها في جامعة حيفا. حاولت الباحثة هواري الوقوف على إجابة للسؤال: “هل يكون الكاتب الرجل نسويًّا في أدبه؟”، مثيرةً بذلك نقاشًا وجدلًا حول ما يجعلُ الكتابة نسويّةً من حيث المضامين والأفكار، الأساليب، وجنس الكاتب. وقد قدمت يوسف ادريس كمثال لكاتب نسويّ”.
وأضاف البيان: “جاءت الجلسة الثانية تحت عنوان “فلسطين: مقاربات تاريخيّة، اجتماعيّة واقتصاديّة” أدارها د. عميد صعابنه، المحاضر في قسم علم الاجتماع في جامعة حيفا، وعضو لجنة الأبحاث في مدى الكرمل. قدمت خلالها ثلاث مداخلات ، كانت الأولى لد. إلهام جبر شماليّ من غزّة عبر السّكايب، وهي حاصلة على إجازة الدّكتوراه في التّاريخ من جامعة عين شمس. عرضت شماليّ بحثًا بعنوان ” الصّندوق القوميّ اليهوديّ ودوره في خدمة المشروع الصّهيونيّ”. تناولت خلاله مؤسّسة “الكيرين كييمت” مشيرة الى أنها لعبت دورًا هامًّا في نهب أراضي فلسطين حتّى عام 1948م، حيث استطاعت توفير مبلغ 31 مليون جنيه فلسطينيّ من مصادر عدّة، للسيطرة على مساحة 936.000 دونم، كما وطبّقت الترانسفير لتهجير أهالي القرى وعشائر بيسان شرق نهر الأردن منذ العشرينات. وخلال حرب عام 1948 كان الصندوق عنصرًا أساسيًّا في عمليّات طرد الفلسطينيين من قراهم ومدنهم”.
قدم المداخلة الثّانية التي جاءت تحت عنوان “الاقتصاد الفلسطينيّ وعلاقته مع اسرائيل”، الباحث وليد حبّاس، طالب دكتوراه في قسم علم الاجتماع في الجامعة العبرية. تناول خلالها ظاهرة ازدياد العلاقات الاقتصاديّة بين سكّان الضّفّة واسرائيل، على الرغم من نظام الفصل العنصري وتكثيف البنية الاستعمارية وأدوات السيطرة التي فرضتها اسرائيل على سكان الضفة الغربية مع انتهاء الانتفاضة الثانية. ويفترض الباحث حبّاس أنّه “لا يمكن تفسير العلاقات الاقتصاديّة بين الضّفة الغربيّة واسرائيل فقط من خلال البنية الاستعماريّة التي تمارس السّيطرة والهيمنة على سكّان وأراضي الضّفة الغربيّة، ودون الالتفات لدور السّكان الفلسطينيّين، مشيرا الى انهم ليسوا بلاعبين سلبيين، كما ولا يندرج جميعهم ضمن فئة المستغَلّين المسيّرين، حيث يلعب بعضهم دورا لا يستهان به في صياغة شكل وكثافة ونوعيّة العلاقات الاقتصاديّة مع اسرائيل كذلك”. اما المتحدثة الثالثة، فكانت الباحثة سهاد واكد، وهي طالبة دكتوراه في مدرسة الدراسات الثّقافيّة في جامعة تل أبيب، فقد عرضت بحثًا بعنوان ” النّساء القرويّات الفلسطينيّات ومسار التّغيير: عرابة نموذجًا”. مشيرة خلاله الى التّغيّرات التي شهدها الواقع التّاريخيّ الجغرافيّ في عرابة، وتأثيرها على النّساء، حيث فحصت الباحثة الاستراتيجيات التي اتّبعتها النساء في تحديد هويّتهن الذّاتية في مجتمع انتقالي”.
وجاء ايضا في البيان: “أما الجلسة الثالثة والأخيرة فقد جاءت تحت عنوان النّساء الفلسطينيّات: أدوار وتحدّيات مجتمعيّة وأدارتها عضوة اللجنة الأكاديميّة للمؤتمر، د. سونيا بولس، الباحثة الزائرة في مدى الكرمل والمحاضرة في قسم العلاقات الدّوليّة والقانون في جامعة أنطونيو دي نبريخا في مدريد. كانت المتحدثة الأولى في الجلسة الباحثة ميسون أبو رية، طالبة دكتوراه في كليّة علم الاجتماع في جامعة بن غوريون، وقد تناولت مداخلتها بحثها حول زواج النّساء العربيّات المطلقات ثانية، والذي تحاولُ من خلاله فهم وتحليل الدّوافع والاستراتيجيّات التي تدفع النّساء الفلسطينيّات المطلّقات للزواج مرّة ثانية في ظلّ نظام اجتماعيّ أبويّ، وكذلك الصّعوبات التي تواجهها حين التّصريح عن رغبتها في ذلك. أما المتحدثة الثانية فكانت الباحثة كاميليا إبراهيم، وهي طالبة دكتوراه في دراسات الجنوسة في جامعة بار ايلان، فقد تحدثت عن العزباوات الفلسطينيّات في إسرائيل، متطرقة الى ضرورة التّعامل مع حالة العزوبيّة باعتبارها حالة طبيعيّة، وليست مرحلة انتقاليّة إلى الزّواج. ادعت في مداختلها بان هناك أربعة أنماط مواجهة لدى العزباوات: مواجهة تهدف للوصول إلى الزواج، أخرى تهدف إلى معالجة المشاعر السّلبيّة، وثم مواجهة تهدف إلى تحقيق الذّات، وأخيرة تتجه نحو مفاوضة العائلة والمجتمع والمصالحة مع الموروث الثقافي.
وفي المداخلة الأخيرة في المؤتمر تناولت الباحثة هزام هردل زريق، وهي طالبة دكتوراه في كلية الخدمة الاجتماعيّة في الجامعة العبريّة، الأخصائيّات الاجتماعيّات في المجتمع الفلسطينيّ: ما بين التّصور العام لمهنتهن وتّمثّلاتها الإعلاميّة. أشارت خلالها بأنّ صورًا نمطيّة عدّة، وأفكارا مسبقة سلبية تكوّنت حول مهنة العمل الاجتماعيّ، بينما تحاول في بحثها إلقاء الضّوء على مكانة مهنة العمل الاجتماعيّ في المجتمع عمومًا والإعلام على وجه الخصوص. كما، تحاول هردل زريق تسليط الضّوء على تجربة الأخصائيّات الاجتماعيّات الفلسطينيّات اللواتي يعملن في قسم الخدمات الاجتماعيّة في بلدات ومدن عربيّة، وما تواجهنه من تعنيف في إطار عملهنّ.
وقد اشتمل المؤتمر على فقرة توزيع منح، قدمت خلالها عشر منح لطلبة الدراسات العليا المشاركين في السّيمنار، التي يوزعها مدى الكرمل سنويًّا.
في نهاية المؤتمر قامت بتلخيص المؤتمر وشكر المشاركات والمشاركين عضوة الهيئة الإداريّة لمدى الكرمل الدّكتورة أريج صباغ خوري، التي تحدّثت عن أهمية النّقد الذّاتيّ في الدّراسات الفلسطينيّة، وليس فقط نقد الحالة الاستعمارية، وأشارت إلى أن مدى يسعى إلى ان يوفر حاضنة أكاديميّة توفر للطلاب أدوات النقد والمعرفة في دراساتهم من خلال مقاربات ناقدة للذات وللسياق الاستعماري”.
كتب هذه الكلمة رئيس برنامج اللقب الثاني في التربية والمجتمع والثقافة في جامعة حيفا، د. أيمن إغباريّة، وألقاها في مؤتمر مدى الكرمل الخامس لطلبة الدكتوراة الفلسطينيين.
بدايةً، اسمحوا لي باسمي وبالنيابة عن اللجنة الأكاديمية للمؤتمر أن أحيي المشاركين والمشاركات في هذا المؤتمر وأبارك لِطلبة الدكتوراة الفلسطينيين في سِمينار مدى الكرمل على جُهدهم وعِلمهم وخُلُقهم الكريم. كما أود أن أثّمن غاليًا دور مركز مدى الكرمل ، طاقمًا وإدارةً، في تَمكين طَلبة الدراسات العُليا وتعزيزِ الإنتاج المعرفي النقدي والمنتمي في فلسطين وعنها.
ومن بَعد، اسمحوا لي في هذه العُجالة التي وضعتها تحت عنوان “الأكاديمي الفِلسطيني: من المُثقف المُشاهد إلى المثقف الشاهد” أن أتبصر معكم في قوله تعالى في الآية ٢٨٣ من سورة البقرة: “وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ”. هذا وقد استَوقفني في تَدبّر هذه الآية الكريمة قَولٌ لابن عَباس في تَفسير القُرطبي جَاء فيه أنه: “على الشاهدِ أن يَشهدْ حيثما استُشهد، ويُخبر حَيثما استُخبر، قال: ولا تقلْ أُخبر بها عند الأمير بل أخبرهٌ بها لعله يَرجع ويَرعوي”.
اللافت للنّظر في هذا القول هو الصِلّة التي يُقيمها ابن عباس بين مفهوم “الشهادة” وعالم الحكم والسياسة، والمُثير أنه يُعطي “للشاهد” وظيفةً تربويةً ودورًا تَرشيديًّا. وفي ظنّي أن “الشهادة” هي لُبُّ العمل البحثي من حيث أن ما يقودنا إلى البَصيرة هُو النّظر وليس البَصر، فالنّظر يتطلب إمعانُ الفكر فيما وقع عليه البصر. هذا النوع من النظر المُقترن بالبحث والتأمل والتبين للحقيقة (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) هو في صلب معنى أن تكون شاهدًا. فالشاهد هي كما قِيل “صفةُ من استدل بالعقل والمنطق على وقوع الواقعة من الظواهر والدلائل والآثار، وليس بالضرورة رؤيته للأمر”.
وعليه، بالإمكان أن نُضيفَ للمعاني الإيمانية والفقهية والقانونية التي يَحملها مصطلح “الشهادة” معانيَ جديدةً تُساعدنا في فَهم المقابلةِ ما بين “المثقف الشاهد” و”المثقف المشاهد”، وأكاد أجزم أن ما نسعى إليه في مدى الكرمل هو أن ننتقل بالأكاديمي الفلسطيني من مقعد المشاهدة والفرجة إلى مَيدان الشهادة الفاعلة والنشطة وذلك عبر رَفد تَطوره المهني بالمهارات والمعارف الّلازمة لنُضوجه مثقفًا نقديًّا ومنتميًا.
هذا ومن نَافل القول أنه في عصر الفردانية الشرسة، والبحث عن الخلاص الذاتي والنجاح الشخصي، والتسارع على التميّز بدون إنجازات حقيقية أحيانًا، والتّهافت على البروز الإعلامي المجاني لتسويق مدعي النجاح والحكمة، تصبح مهمة تطوير نخبة ثقافية فلسطينية غاية في الأهمية. وأظن أنها مهمة تتجاوز دور “مدى الكرمل” وتتطلب تفكيرًا استراتيجيًّا في دوائر مجتمعية وسياسية أوسع، لأننا أمامَ أسئلة مهمة: ما هو شكل النُخبة الثقافية والسياسية الفلسطينية القادمة؟ ما هي منظومتها القيميّة؟ ما هي حدود ومضمون إجماعها؟ وما هي تطلعاتها؟
أعتقد أننا بحاجة لمزيد من التفاكر المجتمعي في هذه الأسئلة في ظل ما نعيشه من الممارسات العنصرية والاقتلاعية الإسرائيلية، وما نمارسه على أنفسنا من عنف ذاتي ومحوٍ لذاكرتنا وتشويهٍ لهويتنا، نحن بحاجة للتفكير بسبل التأثير على إنتاج النُخب الفلسطينية السياسية والثقافية من أجل ضَمان تَنوّعها وفاعليّتها وانفتاحها وتواصلها مع عمقها الحضاريّ وذاكرتها الجماعيّة. نحن بحاجة للتفكير بجدية في هذا الموضوع لأنّنا نشهد صعود طبقة متوسطة من أصحاب المهن الحرّة والأكاديميين بدأت تفرز نخبًا جديدة يَسود حراكها خطاب النفعية الشخصية والإندماج العشوائي فيما تُتيحه المؤسسة الإسرائيلية من هوامش وفتات. هذه النخب الجديدة بشخوصها والقديمة بمنطلقاتها تُمجد العزوف عن السياسة الحزبية، وتطعنُ دون كلّلٍ في معنى أن تكون فلسطينيا حرًّا وكريمًا في وطنك، وتُسوق الأسرلة شرطًا لِعمران القرى والمدن العربية وجودةِ الحياة فيها.
صِدقًا، سُكِب حبرٌ كثيرٌ على تَصنيفات المُثقف وأدواره في التَبرير والتَنوير والتثوير والتحرير. الغائب عن هذه التنظيرات، هو إجابة بسيطة عن السؤال: هلْ تقعُ على المثقف واجبات أخلاقيةٍ مميزة هو ملزمٌ بها دون غيره، أو أكثر من غيره؟ ونضيف: ما هو مصدر هذه الواجبات؟ هل إذا قال المثقف الحقَّ في مُواجهة السلطة وتكلّم بشجاعة ضد الظلم والقمع و”تغنيم” الناس في عقلية القطيع يحقق بذلك منفعة عامة واسعة، أو يُسهم في نشر العدل والإنصاف، أو يُجسد الصورة المثالية لما ينبغى عليه أن يكون المثقف الملتزم والمنتمي؟
قد تكون كل الإجابات صحيحة، لكن أظن أن ما يميز المثقف هوى مدى التزامه بمبدأ “الشهادة” من حيث هي أمانةٌ في عنقه؛ “إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِما يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا” (النساء : ٥٨). الحقيقة إذن هي وديعةٌ عند المثقف، وهو مؤتمنٌ عليها ومسؤولٌ عن بيانها وَتبيّنها وعن بَلاغتها وإبلاغِها.
الالتزام بالشهادة من منطلق الأمانة هو أيضًا التزام بعلنية الشهادة، المثقف الشاهد هو مثقف عَلني، وذلك لأن من بين الأكاديميين، كما بين السياسيين، الكثيرُ من لُصوص الأفكار والانتهازيين والمتسترين والمكتفين بالهمس في آذان الساسة وأصحاب النفوذ، أو في خَاص “فيسبوك” او “واتساب”.
الشهادة لا تكون إلا علنية وموجهة للرأي العام. لكن العلانية والشهادة على الملأ بحاجة إلى أن نَنسُج من أجلهما “منديل أمان” مجتمعي. كلُّنا قرأنا في كتب التراث قصصًا عن خليفةٍ أو سلطانٍ وهو يُلقي أو يهب منديلَ الأمان للماثل أمامَه حتى يتكلم بمنتهى الحُرية حتى وإن كان فيما يقوله تجاوزًا للحدود والأعراف. في مسرحية “حلاق بغداد” للكاتب المصري ألفريد فرج (1929-2005) الحلاق البغدادي الفضولي، أبو الفضول، شخص كثير الأسئلة ويتدخل فيما “يُفترض” أنه لا يعنيه. في المسرحية، يصطدم أبو الفضول بالسلطة في دَعوى قَضائية ويُطلَبُ للشهادة، فيشترط على الخليفة أن يمنحهُ مِنديل الأمان قبل أن يدلى بشهادته، بلْ ويطلب من الخليفة أن يمنح كل فردٍ من رَعيته منديل أمان مِثله، يظلُّ دائمًا بحوزته.
“منديل الأمان” هو استعارة عن تعاقد اجتماعي ما أحوجنا اليه كي يستطيع المثقف “الشهادة” دون أن “يستشهد”. ما أحوجنا إليه كي يتمكن المثقف من قول كلمة الحق في العلن سواء كان ذلك أمام المؤسسة الإسرائيلية أم أمام غيرها. والصدق، أننا كمثقفين نشعرُ أحيانًا أن انتقاد السياسات العنصرية الإسرائيلية أسهل علينا من انتقاد رئيس سلطة محلية متجبر ومتحيز، أو عضو كنيست يرى نفسه أحيانًا مُوظفًا وأحيانًا إلهًا، أو مدير جمعيةٍ خارج التاريخ ومنطق التغيير، أو أستاذًا جامعيًّا يفهم في كل شيء ويتكلم عن أي شيء. لذلك، نحن بحاجة لتعاقد اجتماعي يُتيح علنيةَ شهادة المثقف ويوفر لها الحماية، تعاقد اجتماعي يُنظم قول الحقيقة ويحمي قائلها دون أن يُتهم فورًا بأنه “لا يُتقن إلا التَنظير”، أو أنّه “مُنفصم عن الواقِع”، أو “لا يَفهم الواقعية السياسية”، و”يُريد أن يصلْ ألى الكنيست بأيِّ ثمن”، أو “بَاع نفسه للصهاينة أو لقَطر أو لآل سُعود أو للشيطان”، إلى آخره من تُهم التخوين والتكفير والتسفيه والتهميش.
الشَرط الرابع للشهادةِ ، بالإضافة للأمانة والعلنية والأمان، هو صِدق النيَّةِ ، “إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” (الشعراء :89)، وإبرامها على إخبار الحقيقة بغض النظر عن عَاقبة هذا الإخْبار. لكنّ الصدق هو في نِية القَول كما هو في النيةِ للتَسّميع. المُثقف يَرمي لقول الحقيقة ولكن يَسعى أيضًا لأن يُستمع إليها. وعليه، تَقع عليه مسؤوليةٌ كبيرةٌ ليس فقط في أن يقول الحقيقة كما يراها، بل أيضًا أن يُخبرها بشكلٍ يُسهل مَناليّتها والاستماعِ إليها ووصولها إلى جمهورِ هَدفها. الشهادة بلغةٍ متعاليةٍ، بمفردات مُغرقة في الغُموض، بنبرةٍ عدائية، بتوجهٍ مُغرض، وبنقدٍ هدّام لن تكون شهادةً بل مُونولوجًا أمام حائطٍ أصمّ. لذلك، مُجترحٌ من حُسن النية المسؤولية على إقامة توازنٍ ما بين النقد وما بين التواصل: توازنٌ في أن تقول الحقيقة دون أن تفقدَ القدرة على التواصل والتأثير. من هنا، الشَهادة هي دعوةٌ للشراكة والمشاركة.
في النهاية، أودُّ أن أنهي كلمتي بدعوةٍ للشجاعة الأخلاقية، أذكِركم بها وأذكر نفسي معكم، كي نخرج جميعًا كأكاديميين من اعتبارات الفائدة المادية والتقدّم الشخصي والعلاقات الوثيقة مع أصحاب النفوذ السياسي إلى اعتبارات الصالح العام، و طرح الأسئلة المحرجة علنًا، ومواجهة كلِّ أنواع التنميط والجمود والتجاهل والإخفاء. دعوة كي نساهم جميعًا في الانتقال من موقع المشاهدة إلى ميدان الشهادة.