أقام مدى الكرمل ورشة أكاديميّة حول الاستعمار الاستيطانيّ والصهيونيّة، يومي الجمعة والسبت 24-25 تموز 2015، في فندق جراند بارك في رام الله. وكان اللقاء، في هذه الورشة، هو الأول من ستة لقاءات تدريبيّة وبحثيّة فصليّة حول الاستعمار الاستيطانيّ والصهيونيّة، والمعدّة لطلاب الدراسات العليا والخرّيجين الذين حصلوا على اللقب الثالث في السنوات الثلاث الأخيرة. هدفت الورشة إلى تدريب جيل جديد من الباحثين والباحثات في دراسة إسرائيل. أدار الورشة بروفسور نديم روحانا، مدير عام مدى الكرمل. 

1كانت المحاضرة الافتتاحيّة في الورشة للبروفسور نديم روجانا، وتناولت أسئلة وملاحظات أوليّة حول الاستعمار الاستيطانيّ والصهيونيّة. أشار بروفسور روحانا إلى أنّ الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة السياسيّة والفكريّة، ومنذ بدايتها، رأت أنّ المشروع الصهيونيّ مشروع استعمار استيطانيّ؛ ولكن، وفي مرحلة معيّنة، وخاصة بعد العام 1971، تمّ تحويل النقاش تدريجيًّا من نقاش حول التحرير من الاستيطان إلى نقاش حول إقامة الدّولة والسّيادة. وقد لعبت القيادة المهيمنة، في ظروف عربيّة ودوليّة معقّدة، دورًا في الموضوع. وأضاف بروفسور روحانا أن هنالك، اليومَ، عودة إلى الإطار الكولونياليّ الاستيطانيّ، فلسطينيًّا وعالميًّا، وحتى من قبل باحثين إسرائيليّين مناهضين للصهيونيّة. في محاضرته، قام روحانا بتوضيح ما الذي يميّز الاستعمار الاستيطانيّ عن الإطار الاستعماريّ العام. معلّلًا ذلك بقوله: بينما يقوم الاستعمار على التحكّم الاقتصاديّ، والسياسيّ، والعسكريّ، وتحسين الوضع الجيوسياسيّ للمستعمِر من خلال الإخضاع، متحكِّمًا، عن بعد، ومن خلال وكلائه المحليّين، فإنّ الاستعمار الاستيطانيّ يهدف إلى خلق كيان سياسيّ له، يستقرّ في الوطن كوطن جديد له، ومحافظًا على مستوى معيشة كما كانت له في الوطن الأم. وبينما يعتمد منطق الاستعمار على الإخضاع، فإنّ الاستعمار الاستيطانيّ يعتمد على الاستبدال، أي استبدال السكان الأصليّين، ليس بهدف حكمهم، إنّما من أجل أخذ مكانهم، دون الاعتراف أنّ الوطن هو وطنهم كسكّان أصليّين.  

كما أشار روحانا إلى ميزات الاستعمار الاستيطانيّ، مدّعيًا أنّها تلائم، بشكل كامل، المشروع الصهيونيّ. وذكر من هذه الميزات:

1.      امتلاك الأرض والحيّز، وبناء جغرافية وتاريخ جديدين، يبدآن من وصول المستعمِر، متلقِّيًا، أيضًا، الدعم الفكريّ والأكاديميّ.

2.     التخلّص من السكان الأصليّين: بدءًا بالمذابح، ومرورًا بوسائل عديدة أخرى.

3.     بنيويّة العنف. حيث إنّ العنف ليس حدثًا، إنّما هو حالة ثابتة وتترجم بالعنف السياسيّ، والقانونيّ، والثقافيّ.  لكن هذا الاستعمار لا يرى نفسه عنيفًا، وإنّما يستعمل العنف بضراوة، مبررًا إيّاه بمواقف دفاعيّة عن أرضه.

4.     منطقه التبريريّ مختلف. وذلك خلافًا للاستعمار الذي يبرّر وجوده بجلب التحضّر للمستعمَر. ويعتمد الاستعمار الاستيطاني تبريرات أخرى كالحق الإلهيّ، أو وصول الأرض الفارغة العذراء، وغير ذلك. وأضاف روحانا أن هذا النوع من الاستعمار تلازمه حالة خوف دائمة، وذلك نتيجة لما فعل.  

ويدّعي روحانا أنّ المشروع الاستعماريّ الاستيطانيّ قد يصل إلى "انتصار" في حالة القضاء على السكان الأصليّين إلى حدٍّ كبير (كحالتيْ كندا ونيوزلندا)، أو "الهزيمة" إمّا عن طريق المصالحة، كما في حالة جنوب أفريقيا، أو الطرد وعودة المستوطن إلى بلده، كما في حالة الجزائر. وطرح روحانا السؤال: أين تقع الحالة الصهيونيّة؟ مشيرًا إلى ثلاثة أمورٍ تميّزها:

1.     المشروع ما زال مستمرًا؛

2.     الحركة الصهيونيّة هي أيضًا حركة قوميّة، ونجحت في بناء أمّة؛

3.     للمشروع الصهيونيّ مبررات دينيّة مختلفة عن المبررات الأخرى؛ حيث إنّ المبرّر الدينيّ ليس، فقط، من أجل إقامة المشروع في بداياته، وإنّما هو مبرّرٌ باق، بل يزيد، ويتثبت.

في الجلسة الثانية، ناقش الباحثون وطلاب البحث المشاركون الصهيونيّة من منظور الاستعمار الاستيطانيّ. حيث طرحت عدة قضايا، مثل التساؤلات: أين نحن من المشاريع الاستيطانيّة المنتصرة؟ وكيف نعرِّف هزيمة المشروع؟ وهل يعتبر نزع كولونياليّة الدّولة وتحويلها لجميع المواطنين انتصارًا ؟ كما وطُرِح السؤال: هل نحن مستعمَرون معرفيًّا؟ ونوقشت، أيضًا، دلالة تأجيج العنف والعنصريّة عند المستعمر كمظهر قوة أو خوف، ولا سيّما عند المستعمر الصهيونيّ. وتمّت الإشارة إلى الدور الممكن لحراك فلسطينيّ، ويهوديّ، ويهوديّ شرقيّ في مقاومة المشروع. كما طرحت اقتراحات إضافيّة حول ضرورة التعامل مع العلوم الأمنيّة والعسكريّة لفهم علاقة العنف بالمشروع الاستعماريّ، وحول صناعة الخوف في المشروع الاستعماريّ، الذي يحتاج الخوف من أجل بقائه، وحول نجاح المستعمر في إعادة إنتاجنا كموضوعات مختلفة.

2

المحاضرة الثانية كانت للدكتور منير فخر الدين، المحاضر في جامعة بيرزيت، حيث قام، خلالها، بمراجعة القراءة الفلسطينيّة التاريخيّة للمشروع الصهيونيّ، متسائلًا: كيف يمكن استخدام الإطار التحليليّ للاستعمار الاستيطانيّ؟ وكيف نستفيد منه في التاريخ؟ وأكّد فخر الدين، خلال محاضرته، على أهميّة إعادة الاعتبار لدراسة الاستعمار البريطانيّ، الذي أقام مؤسسات، ودرّب الصهيونيّة على ممارساتها، قائلًا أنّه، ومن خلال فحص حالة غور بيسان، يتّضح أنّ هنالك ديناميكيات مختلفة تتعدّى كون الاستعمار البريطانيّ سلّم الأرض لليهود من خلال قوانين الأرض، ولا يمكن اختزال الاستعمار البريطانيّ بأنّه مكّن الصهيونيّة. وأضاف فخر الدين بأنّ مقاربة تاريخ فلسطين تمّت من خلال ثلاثة أطر تفسيريّة: 1. صراع الحضارات (صراع بين الفلسطينيّين واليهود)؛ 2. المجتمع المدنيّ القوميّ الحديث؛ 3. الاستعمار الاستيطانيّ، مدّعيا بأنّ الأكاديميا الفلسطينيّة في حالة صراع بين النموذجين، الأول والثاني.

بدأ اليوم الثاني بمحاضرة للدكتور عبد الرحيم الشيخ، من جامعة بيرزيت، كان عنوانها "كيف نقرأ الصهيونيّة بعيون الدراسات الثقافيّة؟". قدَّم الشيخ، خلالها، مداخلة نقديّة عنوانها: "نحو منهج تحرريّ في: الدراسات الثقافيّة الفلسطينيّة"، مدّعيَّا أنّه لا يوجد، في السياق المعرفيّ المحليّ، حقلٌ تخصصيٌّ في "الدراسات الثقافية الفلسطينية" في سياق استعماريّ، لكن ثمة العديد من المحاولات التأسيسيّة التي تشتغل في الثقافة ودراساتها على مستوياتها الثلاثة: نتاجات، وسياسات، وممارسات. وعليه، فقد سعت المداخلة إلى تقديم مدخل نظريّ حول: حدود الحقل، وإشكالاته، وإمكانيات تدشين مناهج متحرّرة من الاستعمار في ظل الفوات النظريّ والتطبيقيّ الذي تشهده فلسطين اليوم، وذلك عبر تأمّل نقديّ في التجربة. وقد جاءت المداخلة ضمن أربعة أقسام؛ طرح القسم الأول مجموعة من الأسئلة حول المنهج، وكيف تخدمنا الدراسات الثقافيّة في مقاربة الصهيونيّة على نحو أفضل؛ بينما طرح القسم الثاني قراءة نظريّة ثقافيّة في نشأة الصهيونيّة في سياق استعماريّ، ومكانة الأديان الإبراهيميّة في ذلك السياق؛ وتناول القسم الثالث تطبيقًا ثقافيًّا للمداخلة النظريّة حول مشروع كتاب "متلازمة كولومبوس وتنقيب فلسطين: سياسات التسمية الصهيونيّة للمشهد الفلسطينيّ والهندسة الثقافيّة المضادة 1865-2015"، والذي سيصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة أواخر العام 2015؛ وقدّم القسم الأخير من المداخلة استخلاصات نقديّة: تأمّل في وظيفة النقد، ونقد النقد، حين يصير النقد جزءًا من الاستعراض "الفرجوي" في سياق ما بعد استعماريّ.

3الجلسة الثانية كانت بعنوان "الحياة اليوميّة في ظل استعمار استيطانيّ في فلسطين". افتتحتها وأدارتها برفسور نادره شلهوب كيفوركيان، وشارك بها طالبا اللقب الثالث رامي سلامة وميساء اشقيرات.

أشارت شلهوب، في مداخلتها، إلى أننا نكتب عمّا نعيشه، ولا نكتب فقط تنظيرًا بحثيًّا، مشيرة إلى أنّ سياسات الحياة اليوميّة هي منظومة، وليست مجرد أحداث، وهي محاولة من المستوطن أن يطلب لنفسه مكانة الأصلانيّ؛ ومضيفة بأنّ التنظير لسياسات التخويف اليوميّة هو جوهريّ في التنظير لفهم الحالة الاستعماريّة الصهيونيّة. كما تحدّثت شلهوب، في مداخلتها، عن سياسات المناورة من أجل تحدّي عنف الاستعمار كتهريب جثث الموتى، والذهاب للمدرسة، والعودة إلى البيت، وغيرها.

من جهته، أشار رامي سلامة، الطالب للّقب الثالث في معهد الدراسات العليا في جنيف، إلى السياسات الاستعماريّة اليوميّة التي تصوغ حركة الفلسطينيّين من خلال الحواجز، وتفرض يوميّات المناورة من أجل عبورها، كما وتشكّل الفلسطينيّين كمختلفين بناء على مساحات حراكهم. من لديه هُوِيّة زرقاء يمرّ من حاجز مختلف عمّن لديه هُويّة ضفّة، حتى لو كانا زوجين، أو أبًا وأولاده. وأضاف سلامة أنّه من الصعب تحليل هذا السياق بناء على الأدبيات التي تشير إمّا إلى هيمنة أو مقاومة، مدعيّا أنّ حالة السيطرة والتحكّم هي أيضًا حالة إنتاجية، تتطلّب مراجعة الفضاء في سياق استعماريّ، حيث نجحت الماكينة الاستعماريّة في خلق الفلسطينيّين كموضوع. فما يميّز بين ساكن القدس وساكن الضفّة أو الداخل هو القدرة على التنقّل من مكان إلى مكان؛ إذ تُرسَم خارطة المكان على الجسد الفلسطينيّ. وانتهى سلامة إلى أن المجتمع المدنيّ يعيد، أيضًا، إنتاج التّضادات الاستعماريّة. خلال دراسته، يقوم سلامة بإعادة كتابة تاريخ الفضاء الاستعماريّ عن طريق رواية الناس، أي دراسة إثنوغرافية لمعرفة كيف يناور الفلسطينيّ المستعمَر داخل هذه المنظومة.

4

المداخلة الثانية كانت لطالبة الدكتوراة في جامعة (SOAS) في إنجلترا ميساء اشقيرات، والتي تناولت خلاها الجسد والجنسانيّة في ظل السياسات اليوميّة للاستعمار. أشارت اشقيرات إلى أنّ الأبحاث لا تتطرق، بشكل كافٍ إلى العنف في المشروع الصهيونيّ، وهو مشروع استعمار استيطانيّ قائم على كلِّ فلسطين التاريخيّة، وعلى الجولان. وادّعت اشقيرات أنّ هنالك تغييبًا لمقاومة الاستعمار على مستوى الحياة اليوميّة، وأنّ على الأبحاث،  في الحالة الفلسطينيّة، أن تكون جزءًا من مسار التحرّر. وأضافت بأنّها تهدف، من خلال بحثها، إلى تفكيك (مَشكَلة) علاقة المعرفة بالاستعمار، وهو في سياق صهيونيّ ذكوريّ جنسيّ يقع على جسد المرأة الفلسطينيّة. ثم أنهت مداخلتها قائلة بأنّ ما يميّز الاستعمار الصهيونيّ عن حالات استعمار استيطانيّ أخرى هو كون المقاومة له قويّة، على الرغم من كونه، على حدّ قولها، زبدة العقل الأوروبيّ الاستعماريّ، الذي يستبيح الآخر، ويستعمل التزييف الدينيّ.

في الجلسة الأخيرة، أشار المشاركون إلى توقّعاتهم المستقبليّة من الورشة، وإلى المجالات التي يهمّهم التطرّق لها في ورشات لاحقة مثل موضوع الأصلانيّة، أو الاستعمار الاستيطانيّ بين مناطق 48-67، وكذلك العنف الداخليّ في سياق استعماريّ. كما واقترح بعض المشاركين دعوة محاضرين يهود، مناهضين للفكر الصهيونيّ الاستعماريّ.

في نهاية الورشة، تمّ الاتفاق على كتابة أوراق بحثيّة حول المواضيع المختلفة التي سوف يتمّ التطرّق لها.